الحسن محمد ماديك
New member
من تفصيل الكتاب وبيان القرآن ج 5
الحسن محمد ماديك
تقديم الموعود الأول وتأخير الثاني في سياق خطاب المكذبين بالغيب
إن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن ترتيب الكلام بتقديم الموعود الأول في سياق خطاب منكري البعث واليوم الآخر والغيب في القرآن كما في قوله قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يردّ إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا االكهف 87 ويعني أن الموعود الأول الذي سيلاقيه من ظلم أن سوف يعذبه ذو القرنين في الدنيا وأن الموعود الثاني الذي سيلاقونه هو أن يردوا إلى ربهم في اليوم الآخر فيعذبهم عذابا نكرا في النار .
وكما في قوله قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد آل عمران 12 ويعني أن الموعود الأول الذي سيلاقيه الذين كفروا بعد نزول القرآن وحياة النبي كما هي دلالة القول أنسيهزمون في الدنيا ويولون الدبر ويغلبهم المؤمنون كما بينت في كلية والعاقبة للمتقين وأن الموعود الثاني الذي سيلاقيه الذين كفروا أن يحشروا إلى جهنم أي في اليوم الآخر .
وكما في قوله أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب البقرة 85 ويعني أن الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض وهم الذين آمنوا بالتوراة وكفروا بالإنجيل أو آمنوا بالتوراة والإنجيل وكفروا بالقرآن وكما بينت في كلية الكتاب قد وعدوا في القرآن بوعدين أولهما أن سيلاقون خزيا في الحياة الدنيا وثانيهما أن سيردون يوم القيامة إلى أشد العذاب ويعني أنهم قد أصابهم في الدنيا عذاب سيردون يوم القيامة إلى عذاب أشد منه كما بينت في كلية الكتاب .
وكما في قوله قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم الزمر 39 ويعني أن من القول في القرآن المتأخر عن حياة النبي أن سيأتي المكذبين بالقرآن عذاب يخزيهم في الدنيا وهو الموعود الأول وأن سيحلّ عليم عذاب مقيم في النار وهو الموعود الثاني .
وقد تضمن تفصيل الكتاب المنزل ترتيب الوعدين على الأصل بتقديم الأقرب وتأخير المتأخر عنه .
تقديم الموعود المتأخر في سياق خطاب المؤمنين بالغيب
إن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن تقديم الموعود الثاني "المتأخر زمانه" يوم نزل القرآن وتأخير الموعود الأول "المتقدم زمانه" في سياق خطاب المؤمنين بالغيب كما في قوله وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا الكهف 88 ويعني أن من آمن وعمل صالحا قد وعد وعدين على لسان ذي القرنين تقدم ذكر المتأخر منهما وهو قوله فله جزاء الحسنى يعني بالجنة في اليوم الاخر ، وتأخر ذكر الموعود المتقدم منهما وهو قوله وسنقول له من أمرنا يسرا وهو في الدنيا لدلالته على ما سينالهم من ذي القرنين .
ومنه قوله فلا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إبراهيم 42
ولقد أضيف إليه موعودان تقدم ذكر المتأخر منهما وهو قوله إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء إبراهيم 42 ـ 43 ولا يخفى أنه موعود أخر عن الظالمين سيقع بهم يوم القيامة تقدمت تلاوته وسيقع متأخرا عن الموعود الأول الذي سيأتي أولا رغم تأخر تلاوته وهو قوله وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل إبراهيم 44 وإنما هو وعد في الدنيا وبقرينة طلب التأخير الذي يعني أنهم لا يزالون في الدنيا وأما المكذبون في الآخرة فيسألون أن يردوا إلى إلى الحياة الدنيا كما بينت في كلية النصر في ليلة القدر وكما يأتي بيانه ضمن بيان القرآن ، وبقرينة أن الدنيا هي محل التكليف والإيمان بالرسل .
ومنه قوله والله يعدكم مغفرة منه وفضلا البقرة 268 وقد تضمن وعدين اثنين في خطاب المؤمنين بالغيب وتأخر ذكر الأول منهما وهو قوله وفضلا يعني أن الله يعدهم فضلا ومحله الدنيا وهو فضل عريض كما بينت في كلية الكتاب وفي بيان القرآن ، وتقدم ذكر الموعود المتأخر منهما وهو قوله والله يعدكم مغفرة منه يعني في الأخرة محل المغفرة كما هي دلالة قوله :
• والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين { الشعراء 82
• ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب { إبراهيم 41
• مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم { القتال 15
وحرف الشعراء وإبراهيم صريحان في أن محل المغفرة هو اليوم الآخر وكذلك دلالة حرف القتال الذي يعني أن من تمام نعمة الله على أهل الجنة وهم فيها يتنعمون مغفرة من ربهم فلا تعرض عليهم أعمالهم السيئة في الدنيا لئلا تنغّص عليهم ما هم فيه من النعيم بخلاف أهل النار الذين تعرض عليهم أعمالهم وهم في النار ليزدادوا قنوطا من الرحمة كما هي دلالة قوله كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار البقرة 167 وهكذا نتبين علم موسى قبل الرسالة يوم قتل القبطي كما في قوله قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم القصص 16
ومنه قوله :
• وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه هود 3
• ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين هود 52
• هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب هود 61
• واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود هود 90
ويعني خطاب هذه الأمة في أول هود وخطاب هود قومه وخطاب صالح قومه وخطاب شعيب قومه أن المخاطبين جميعا خوطبوا بخطابين تقدم ذكر الأكبر منهما وهو الاستغفار أي طلب المغفرة من الله في يوم القيامة فمن رهب الحساب وسأل غفران الذنوب فلا تعرض عليه ليحاسب عليها فقد آمن بالغيب وأصبح حريا بالخطاب الثاني المتأخر ذكره وهو التكليف بالتوبة إلى رب العالمين أي التكليف بالاستقامة بالأعمال الصالحة في الدنيا موطن التكليف ، ومن العجائب أن مدين قد قالت لشعيب كما في قوله قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول هود 91 أي أنهم لم يفقوا أمرهم بالاستغفار قبل التوبة وما أكثر من لم يفقهوا ذلك منذ نزل القرآن على يومنا هذا فاعلم .
من دلالة الوعيد في الكتاب المنزل
إن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن الوعيد في الكتاب المنزل قرينة على أن سيقع من الناس بعد نزول القرآن عمل يجزون به الوعيد في الكتاب في الدنيا أو في الآخرة كما في قوله إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة النور 19 ويعني أن قد أحب إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا قوم يوم نزل القرآن ومنهم الذين قذفوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وسيأتي بعد نزول القرآن قوم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ويرمون بالإفك مطهرة مبرأة مصطفاة كما بينت في المنظرين في كلية الآيات وسيلعنون في الدنيا والآخرة وسيعذبون عذابا أليما .
وكما في قوله إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق البروج 10 ويعني أن قد وقع يوم نزل القرآن وقبله أن فتن قوم المؤمنين والمؤمنات ولم يتب أولئك الفاتنون وسيعذبون بعذاب الحريق في اليوم الآخر وسيقع بعد نزول القرآن مثله .
النهي في الكتاب المنزل
إن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن الله علام الغيوب لم ينه إلا عمّا علم أن سينتهك وهـكذا أكل آدم وزوجه من الشجرة التي نهاهما ربهما عنها ، وفتن الشيطان من بني آدم رغم قوله يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان الأعراف 27 ووقع من الناس الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله قتلها فقتلوها بغير حق وقتلوا أولادهم خشية إملاق وأكلوا مال اليتيم ووقع بعضهم في الزنا وفي ما ظهر وبطن من الفواحش وأكلوا الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به وسائر المحرم أكله وشربه رغم النهي عنه في الكتاب المنزل .
وهـكذا غلا أهل الكتاب في دينهم غير الحق واتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل ، وقال أهل الكتاب على الله غير الحق رغم نهيهم عنه في الكتاب المنزل .
أما ما نهي عنه الملائكة والنبيون فإنما هو أعلى درجات التحريم كنهيهم عن الشرك وكنهي النبيين عن الغلول ونهي النبي عن الطلاق المحرم كما بينت في من أصول الفقه وسيأتي تفصيله .
فعل الأمر في الكتاب
إن قوله قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم الإسراء 50 ـ 51 ليعني أن الأجساد بعد الموت ستكون حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدور منكري البعث وأنهم سيبعثون بعد ذلك .
وإن قوله إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير فصلت 40 ليعني أن الذين يلحدون في آيات ربهم سيعملون كثيرا مما يشاءون في الدنيا وأن الله غير غافل عما يعملون .
فعل الأمر في القرآن
إن المثاني في قوله :
يحذر المنافقون أن تنزل عليه سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون التوبة 64
واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه البقرة 235
ليعني أن الله سيخرج ما يحذر المنافقون فينزل سورة تنبئهم بما في قلوبهم وأن سيعلم الناس كلهم أن الله يعلم ما في أنفسهم حين يأتي أمر من عند الله يفضح المنافقين الذين يسارعون في الكفر كما في قوله فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذين آمنوا أهـؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين المائدة 52 ـ 53 وجميعه من الوعد في الدنيا ومن الآيات الخارقة الموعودة كما بينته في كلية الكتاب وكلية الآيات .
وإن قوله :
فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون غافر 14
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون عمران 104
ليعني أن سيكون في هـذه الأمة بعد نزول القرآن أمة يدعون الله مخلصين له الدين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وهم الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خذلها ولا من خالفها كما في الأحاديث النبوية وسيأتي بيانه في كلية الخلافة على منهاج النبوة .
ومن المثاني قوله :
قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه سورة طـه 97
قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم الإسراء 63 ـ 64
ويعني حرف طـه أن السامري سيسجن في حيث لا يمسه أحد ولا يمس هو أحدا إلى أن يبلغ أجلا لن يخلفه أي هو من المنظرين كما بينت في كلية الآيات .
ويعني حرف الإسراء أن إبيس يوم أبى أن يسجد لآدم لم يعجل له العذاب بل حعل من المنظرين كما بينت في كلية الآيات وأن من وعد الله في الدنيا أن سيتبعه من بني آدم من سيعذبون في جهنم ممن سيصرفهم بصوته عن الهدى من عند الله وسيخوفهم بخيله ورجله وممن سيشاركهم في الأموال والأولاد ويعدهم النصر على أولياء الله كما سيأتي بيانه .
أولئك
إن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن الموصين المشار إليهم ب"أولئك" في الكتاب المنزل إنما لبيان أن قد مضى بعضهم يوم نزل القرآن ولما يلحق بهم آخرون من الأجيال اللاحقة سيعملون مثل عملهم ويتصفون بصفتهم وكما هي دلالة قوله والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون الفلاح 5 ـ 7 المعارج 29 ـ 31 ويعني أن قد ابتغى الفواحش وترك ما أحل له من الأزواج جمع من الناس يوم نزل القرآن وسيبتغيها كذلك آخرون بعد نزول القرآن وهم الذين لم يتعظوا بالقرآن ولم ينتهوا به وهم العادون .
وكمافي قوله والذين لا يدعون مع الله إلـها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنزن ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلدفيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما الفرقان 68 ـ 70 ويعني أن قد مضى يوم نزل القرآن قوم أشركوا بالله وقتلوا النفس التي حرم الله قتلها وزنوا ثم تابوا وآمنوا وعملوا عملا صالحا وسوف يبدل الله في اليوم الآخر سيئاتهم حسنات وهو الغفور الذي سيغفر سيئاتهم ويسترها فلا يفضحهم بها يوم يقوم الحساب وهو الرحيم الذي سيرحمهم بحسناتهم ولا يعذبهم بسيئاتهم ، وسيعمل قوم بعد نزول القرآن مثل ذلك وسيبدل الله سيئاتهم حسنات وكما هي دلالة قوله وكان الله غفورا رحيما أي أنه قد غفر ورحم من قبلهم يوم نزل القرآن كما بينت في الأسماء الحسنى .
وكما في قوله وإن تعجب فعجب قولهم أءذا كناترابا أءنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون الرعد 5 ويعني أن قد أنكر البعث والحساب قوم يوم نزل القرآن فكفروا وسيعذبون في النار والأغلال في أعناقهم وسينكره بعد نزول القرآن قوم آخرون لم يتعظوا بالقرآن .
يتواصل
الحسن محمد ماديك
الحسن محمد ماديك
تقديم الموعود الأول وتأخير الثاني في سياق خطاب المكذبين بالغيب
إن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن ترتيب الكلام بتقديم الموعود الأول في سياق خطاب منكري البعث واليوم الآخر والغيب في القرآن كما في قوله قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يردّ إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا االكهف 87 ويعني أن الموعود الأول الذي سيلاقيه من ظلم أن سوف يعذبه ذو القرنين في الدنيا وأن الموعود الثاني الذي سيلاقونه هو أن يردوا إلى ربهم في اليوم الآخر فيعذبهم عذابا نكرا في النار .
وكما في قوله قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد آل عمران 12 ويعني أن الموعود الأول الذي سيلاقيه الذين كفروا بعد نزول القرآن وحياة النبي كما هي دلالة القول أنسيهزمون في الدنيا ويولون الدبر ويغلبهم المؤمنون كما بينت في كلية والعاقبة للمتقين وأن الموعود الثاني الذي سيلاقيه الذين كفروا أن يحشروا إلى جهنم أي في اليوم الآخر .
وكما في قوله أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب البقرة 85 ويعني أن الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض وهم الذين آمنوا بالتوراة وكفروا بالإنجيل أو آمنوا بالتوراة والإنجيل وكفروا بالقرآن وكما بينت في كلية الكتاب قد وعدوا في القرآن بوعدين أولهما أن سيلاقون خزيا في الحياة الدنيا وثانيهما أن سيردون يوم القيامة إلى أشد العذاب ويعني أنهم قد أصابهم في الدنيا عذاب سيردون يوم القيامة إلى عذاب أشد منه كما بينت في كلية الكتاب .
وكما في قوله قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم الزمر 39 ويعني أن من القول في القرآن المتأخر عن حياة النبي أن سيأتي المكذبين بالقرآن عذاب يخزيهم في الدنيا وهو الموعود الأول وأن سيحلّ عليم عذاب مقيم في النار وهو الموعود الثاني .
وقد تضمن تفصيل الكتاب المنزل ترتيب الوعدين على الأصل بتقديم الأقرب وتأخير المتأخر عنه .
تقديم الموعود المتأخر في سياق خطاب المؤمنين بالغيب
إن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن تقديم الموعود الثاني "المتأخر زمانه" يوم نزل القرآن وتأخير الموعود الأول "المتقدم زمانه" في سياق خطاب المؤمنين بالغيب كما في قوله وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا الكهف 88 ويعني أن من آمن وعمل صالحا قد وعد وعدين على لسان ذي القرنين تقدم ذكر المتأخر منهما وهو قوله فله جزاء الحسنى يعني بالجنة في اليوم الاخر ، وتأخر ذكر الموعود المتقدم منهما وهو قوله وسنقول له من أمرنا يسرا وهو في الدنيا لدلالته على ما سينالهم من ذي القرنين .
ومنه قوله فلا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إبراهيم 42
ولقد أضيف إليه موعودان تقدم ذكر المتأخر منهما وهو قوله إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء إبراهيم 42 ـ 43 ولا يخفى أنه موعود أخر عن الظالمين سيقع بهم يوم القيامة تقدمت تلاوته وسيقع متأخرا عن الموعود الأول الذي سيأتي أولا رغم تأخر تلاوته وهو قوله وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل إبراهيم 44 وإنما هو وعد في الدنيا وبقرينة طلب التأخير الذي يعني أنهم لا يزالون في الدنيا وأما المكذبون في الآخرة فيسألون أن يردوا إلى إلى الحياة الدنيا كما بينت في كلية النصر في ليلة القدر وكما يأتي بيانه ضمن بيان القرآن ، وبقرينة أن الدنيا هي محل التكليف والإيمان بالرسل .
ومنه قوله والله يعدكم مغفرة منه وفضلا البقرة 268 وقد تضمن وعدين اثنين في خطاب المؤمنين بالغيب وتأخر ذكر الأول منهما وهو قوله وفضلا يعني أن الله يعدهم فضلا ومحله الدنيا وهو فضل عريض كما بينت في كلية الكتاب وفي بيان القرآن ، وتقدم ذكر الموعود المتأخر منهما وهو قوله والله يعدكم مغفرة منه يعني في الأخرة محل المغفرة كما هي دلالة قوله :
• والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين { الشعراء 82
• ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب { إبراهيم 41
• مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم { القتال 15
وحرف الشعراء وإبراهيم صريحان في أن محل المغفرة هو اليوم الآخر وكذلك دلالة حرف القتال الذي يعني أن من تمام نعمة الله على أهل الجنة وهم فيها يتنعمون مغفرة من ربهم فلا تعرض عليهم أعمالهم السيئة في الدنيا لئلا تنغّص عليهم ما هم فيه من النعيم بخلاف أهل النار الذين تعرض عليهم أعمالهم وهم في النار ليزدادوا قنوطا من الرحمة كما هي دلالة قوله كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار البقرة 167 وهكذا نتبين علم موسى قبل الرسالة يوم قتل القبطي كما في قوله قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم القصص 16
ومنه قوله :
• وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه هود 3
• ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين هود 52
• هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب هود 61
• واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود هود 90
ويعني خطاب هذه الأمة في أول هود وخطاب هود قومه وخطاب صالح قومه وخطاب شعيب قومه أن المخاطبين جميعا خوطبوا بخطابين تقدم ذكر الأكبر منهما وهو الاستغفار أي طلب المغفرة من الله في يوم القيامة فمن رهب الحساب وسأل غفران الذنوب فلا تعرض عليه ليحاسب عليها فقد آمن بالغيب وأصبح حريا بالخطاب الثاني المتأخر ذكره وهو التكليف بالتوبة إلى رب العالمين أي التكليف بالاستقامة بالأعمال الصالحة في الدنيا موطن التكليف ، ومن العجائب أن مدين قد قالت لشعيب كما في قوله قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول هود 91 أي أنهم لم يفقوا أمرهم بالاستغفار قبل التوبة وما أكثر من لم يفقهوا ذلك منذ نزل القرآن على يومنا هذا فاعلم .
من دلالة الوعيد في الكتاب المنزل
إن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن الوعيد في الكتاب المنزل قرينة على أن سيقع من الناس بعد نزول القرآن عمل يجزون به الوعيد في الكتاب في الدنيا أو في الآخرة كما في قوله إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة النور 19 ويعني أن قد أحب إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا قوم يوم نزل القرآن ومنهم الذين قذفوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وسيأتي بعد نزول القرآن قوم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ويرمون بالإفك مطهرة مبرأة مصطفاة كما بينت في المنظرين في كلية الآيات وسيلعنون في الدنيا والآخرة وسيعذبون عذابا أليما .
وكما في قوله إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق البروج 10 ويعني أن قد وقع يوم نزل القرآن وقبله أن فتن قوم المؤمنين والمؤمنات ولم يتب أولئك الفاتنون وسيعذبون بعذاب الحريق في اليوم الآخر وسيقع بعد نزول القرآن مثله .
النهي في الكتاب المنزل
إن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن الله علام الغيوب لم ينه إلا عمّا علم أن سينتهك وهـكذا أكل آدم وزوجه من الشجرة التي نهاهما ربهما عنها ، وفتن الشيطان من بني آدم رغم قوله يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان الأعراف 27 ووقع من الناس الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله قتلها فقتلوها بغير حق وقتلوا أولادهم خشية إملاق وأكلوا مال اليتيم ووقع بعضهم في الزنا وفي ما ظهر وبطن من الفواحش وأكلوا الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به وسائر المحرم أكله وشربه رغم النهي عنه في الكتاب المنزل .
وهـكذا غلا أهل الكتاب في دينهم غير الحق واتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل ، وقال أهل الكتاب على الله غير الحق رغم نهيهم عنه في الكتاب المنزل .
أما ما نهي عنه الملائكة والنبيون فإنما هو أعلى درجات التحريم كنهيهم عن الشرك وكنهي النبيين عن الغلول ونهي النبي عن الطلاق المحرم كما بينت في من أصول الفقه وسيأتي تفصيله .
فعل الأمر في الكتاب
إن قوله قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم الإسراء 50 ـ 51 ليعني أن الأجساد بعد الموت ستكون حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدور منكري البعث وأنهم سيبعثون بعد ذلك .
وإن قوله إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير فصلت 40 ليعني أن الذين يلحدون في آيات ربهم سيعملون كثيرا مما يشاءون في الدنيا وأن الله غير غافل عما يعملون .
فعل الأمر في القرآن
إن المثاني في قوله :
يحذر المنافقون أن تنزل عليه سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون التوبة 64
واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه البقرة 235
ليعني أن الله سيخرج ما يحذر المنافقون فينزل سورة تنبئهم بما في قلوبهم وأن سيعلم الناس كلهم أن الله يعلم ما في أنفسهم حين يأتي أمر من عند الله يفضح المنافقين الذين يسارعون في الكفر كما في قوله فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذين آمنوا أهـؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين المائدة 52 ـ 53 وجميعه من الوعد في الدنيا ومن الآيات الخارقة الموعودة كما بينته في كلية الكتاب وكلية الآيات .
وإن قوله :
فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون غافر 14
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون عمران 104
ليعني أن سيكون في هـذه الأمة بعد نزول القرآن أمة يدعون الله مخلصين له الدين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وهم الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خذلها ولا من خالفها كما في الأحاديث النبوية وسيأتي بيانه في كلية الخلافة على منهاج النبوة .
ومن المثاني قوله :
قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه سورة طـه 97
قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم الإسراء 63 ـ 64
ويعني حرف طـه أن السامري سيسجن في حيث لا يمسه أحد ولا يمس هو أحدا إلى أن يبلغ أجلا لن يخلفه أي هو من المنظرين كما بينت في كلية الآيات .
ويعني حرف الإسراء أن إبيس يوم أبى أن يسجد لآدم لم يعجل له العذاب بل حعل من المنظرين كما بينت في كلية الآيات وأن من وعد الله في الدنيا أن سيتبعه من بني آدم من سيعذبون في جهنم ممن سيصرفهم بصوته عن الهدى من عند الله وسيخوفهم بخيله ورجله وممن سيشاركهم في الأموال والأولاد ويعدهم النصر على أولياء الله كما سيأتي بيانه .
أولئك
إن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن الموصين المشار إليهم ب"أولئك" في الكتاب المنزل إنما لبيان أن قد مضى بعضهم يوم نزل القرآن ولما يلحق بهم آخرون من الأجيال اللاحقة سيعملون مثل عملهم ويتصفون بصفتهم وكما هي دلالة قوله والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون الفلاح 5 ـ 7 المعارج 29 ـ 31 ويعني أن قد ابتغى الفواحش وترك ما أحل له من الأزواج جمع من الناس يوم نزل القرآن وسيبتغيها كذلك آخرون بعد نزول القرآن وهم الذين لم يتعظوا بالقرآن ولم ينتهوا به وهم العادون .
وكمافي قوله والذين لا يدعون مع الله إلـها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنزن ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلدفيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما الفرقان 68 ـ 70 ويعني أن قد مضى يوم نزل القرآن قوم أشركوا بالله وقتلوا النفس التي حرم الله قتلها وزنوا ثم تابوا وآمنوا وعملوا عملا صالحا وسوف يبدل الله في اليوم الآخر سيئاتهم حسنات وهو الغفور الذي سيغفر سيئاتهم ويسترها فلا يفضحهم بها يوم يقوم الحساب وهو الرحيم الذي سيرحمهم بحسناتهم ولا يعذبهم بسيئاتهم ، وسيعمل قوم بعد نزول القرآن مثل ذلك وسيبدل الله سيئاتهم حسنات وكما هي دلالة قوله وكان الله غفورا رحيما أي أنه قد غفر ورحم من قبلهم يوم نزل القرآن كما بينت في الأسماء الحسنى .
وكما في قوله وإن تعجب فعجب قولهم أءذا كناترابا أءنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون الرعد 5 ويعني أن قد أنكر البعث والحساب قوم يوم نزل القرآن فكفروا وسيعذبون في النار والأغلال في أعناقهم وسينكره بعد نزول القرآن قوم آخرون لم يتعظوا بالقرآن .
يتواصل
الحسن محمد ماديك
التعديل الأخير بواسطة المشرف: