طارق مصطفى حميدة
New member
من تحريفات فراس السواح ( 1)
عرض ونقد
طارق مصطفى حميدة
مركز نون للدراسات القرآنية
فراس السواح كاتب سوري حمصي من مواليد العام 1941، عُرف كباحث في أساطير وأديان الشرق الأدنى، كان باكورة إصداراته بعنوان: ( مغامرة العقل الأولى) منتصف السبعينات، وتوالت كتاباته حتى بلغت بضعاً وعشرين، وقد استضافته جامعة بيكين للدراسات الأجنبية بعد العام 2012، ليحاضر في تاريخ العرب وأديان الشرق الأوسط.
ولوقت غير قصير، لم تثر كتاباته أغلب المتخصصين في الدراسات الشرعية، باعتبارها دراسات وصفية للأساطير والأديان البدائية، وفيما بعد كتابات في مقارنة الأديان، حيث تبنى منذ بداياته النظريات الغربية في نشوء الدين، ويمكن اعتباره مترجماً " أميناً!!"، وليس باحثاً حراً أو محققاً، وربما تنقل بين النظريات المختلفة دون تمحيص، كما أشار إلى ذلك الدكتور سامي العامري.
وتضمنت كتابات السواح التالية مقارنات بين الإسلام والأديان الأخرى وبالذات الأديان الكتابية، مكرراً أقوال عدد من المستشرقين والمنصّرين في أن القرآن قد أخذ عما سبقه.
وربما زهّد الباحثين الإسلاميين في الرد على كتابات السواح، وجود الدراسات التأصيلية الرصينة في موضوع الدين وأصل القرآن للدكتور محمد درازرحمه الله، والكثير من الأبحاث في مقارنة الأديان والردود على المستشرقين لغيره من أساطين الباحثين، ولذلك لم يشتغلوا بالرد على تحريفات السواح وانحرافاته، غير أنه في السنوات الأخيرة قد هاجم " الحجاب" الشرعي، وطفق يحارب أصول الدين وينكر المعلوم من الدين بالضرورة، ويشكك فيها، ولن نستغرب أن نسمعه ينكر الجنة والنار، وأمّية الرسول، وعالمية الإسلام، ويرفض السنة والسيرة، ويسوّي بين الأديان، لا بل يجعل للأديان الوثنية فضلاً وميزة على دين التوحيد، كونه في زعمه، يقوم على العنف والدكتاتورية، بينما الوثنيات أكثر تسامحاً وديمقراطية؟!
وأكثر من يستضيفه الفضائيات الأجنبية الناطقة بالعربية، ومن ثم، عدد من الفضائيات العربية، وبشكل متكرر، كما لو كان مفكراً حراً، أو مصلحاً دينياً، وسنجد أنه لا يبالي أن يقول الشيء ونقيضه، ويقفز بين المواقف والآراء، فيظهر مرة مؤمناً ببعض أصول الدين أو مدافعاً عنها، ثم لا يلبث أن ينقضَّ عليها ويناقضها في حديث آخر، ويدعو للاكتفاء بالقرآن وحده مرة، ثم يعود ليستشهد به وبالسنة، ثم ينكر الوحي ويزعم أن قصص القرآن ليست وقائع حقيقية وأنها رمزية بقصد الوعظ، وغير ذلك من الترهات.
وهذه السلسلة من المقالات أشبه بالإطلالات العاجلة والردود السريعة، تتنقل بين مقابلاته التلفزيونية وبعض كتاباته، تناقش بعض أقواله حيناً، وتكتفي بفضح مواقفه الأخرى دون مناقشة حيناً آخر، بحسب ما يتيسر، على أمل أن يتاح لكاتب هذه السطور أو لغيره، القيام بدراسات أشمل وأوسع، لكشف عوار أبحاثه الزائفة وأقواله المتهالكة، والله ولي التوفيق.
- السواح بين العودة إلى المشروع المحمدي ورفض اتباع الرسول!!
يُسأل السواح إن كان يعتبر نفسه من نقاد الفكر الديني، في برنامج ( السؤال الصعب)، فيجيب:" أنا أنطلق من موقف متعاطف مع الدين، أنا أنطلق من موقف موضوعي، لذلك لا يمكن أن أُصنف بين نقاد الفكر الديني، ما أحاول أن أفعله فعلاً هو إعادة النظر في الموروث، إعادة نظر في الصيغة التي وصلتنا عن الإسلام، الصيغة الفقهية التشريعية، هذه الصيغة أعطت صورة مختلفة عن الإسلام الحقيقي الذي جاء به محمد، أو أنا أسميه المشروع المحمدي".
ثم إن السواح في مقابلة مع إبراهيم عيسى على فضائية الحرة، يقول: " نحن لسنا ــــ ملزمون! ــــ حتى باتباع الرسول، لأن الرسول بشر كان يخطئ ويصيب، يعني عظمته في أنه كان ناقلاً للوحي، وفيما عدا ذلك دائماً هناك توكيد في القرآن على أن الرسول مجرد بشر، .. الرسول ليس معصوماً، هناك خرافة شائعة بأن الأنبياء معصومون، ليسوا معصومين، خذ دليلاً على ذلك: كان النبي يخطئ والخطاب القرآني يصحح"!.
فبينما يدعي بأنه يريد التمسك بالإسلام الحقيقي الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام في مقابلة، إذا به يرفض وبإصرار طاعة الرسول بدعوى أنه بشر يخطئ ويصيب، متجاهلاً النصوص القرآنية الكثيرة في الأمر بطاعة الله ورسوله، ومن قبل الأوامر الموجهة للأمم السابقة بطاعة رسلهم.
والطريف أنه بينما يؤكد فراس السواح أن " عظمة الرسول في أنه كان ناقلاً للوحي"، نجده في سياق آخر ينكر الوحي ويؤكد أن ظاهرة الوحي لا يمكن نفيها ولا إثباتها، وهذا منه تدليس ومراوغة؛ حيث إنها يتبنى أن الدين هو نتاج بشرية وليس تنزيلاً إلهياً.
- التوحيد يؤدي إلى العنف .. والوثنيات أكثر تسامحاً!!
ولنا على هذه الفقرة من كلام السواح عدة ملحوظات:
- مصطلح الأديان التوحيدية مصطلح مضلل كونه يشمل، إضافة إلى الإسلام، النصرانية واليهودية، وقد تلونتا وتلوثتا بالشرك والوثنية ولم يبق على التوحيد الخالص غير الإسلام، علماً بأن السواح يضيف الزرادشتية والمانوية إلى الأديان التوحيدية، ولا يعتبر اليهودية ديناً توحيدياً.
- وهذا المصطلح مضلل من جهة أخرى، وقائم على نظريات غربية خاطئة مبنية على أن الدين ظاهرة بشرية أرضية ولم تتنزل من السماء، ومن جهة أخرى ترى هذه النظريات أن أديان البشر بدأت بالوثنية والتعدد، ثم تطورت وانتهت إلى التوحيد، والحقيقة الي يقررها القرآن الكريم أن التوحيد هو الأصل الذي كان عليه آدم وزوجه وذريتهما، وأن الشرك والوثنية يمثلان الانحراف والنكوص عن التوحيد، وأن كل رسول بعد آدم كان يهدف إلى إعادة الناس إلى التوحيد.
- يمثل السواح لتعصب " الأديان التوحيدية" بالإسلام، ويتجاهل ما فعله أتباع الأديان الأخرى، مع مخالفيهم، بل يسقط جرائمهم وعنفهم على الإسلام، علماً بأن الإسلام هو رمز التسامح مع الأديان، في النظرية والتطبيق، وقد كان شعار الإسلام: ( لا إكراه في الدين)، في العهد المدني عندما صار للمسلمين صولة ودولة، كما كان من قبل في العهد المكي حال ضعف المسلمين، والقرآن يخاطب الرسول ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر)، وبشهادة عدد من الغربيين كالفرنسي غوستاف لوبون أن التاريخ لم يشهد فاتحاً أرحم من العرب، ولا تسل عما فعلته الكنيسة في محاكم التفتيش ولا ما فعله الأوروبيون في سكان أمريكا الأصليين، ولا ما فعلوه في الحروب الصليبية والاستعمار الحديث، ولا ما فعلوه فيما بينهم في الحربين العالميتين.
- وقد قرأت للمفكر العربي المسيحي فيكتور سحاب أن كون الإسلام دين التوحيد أدى إلى وحدة المجتمعات العربية تحت لوائه، وقال إن من مميزات الإسلام تسامحه مع أتباع الأديان الأخرى، بالرغم من كونه نظاماً قائما على الدين والدعوة إليه، والكلام بالمعنى من الذاكرة، في كتابيه: ( من يحمي المسيحيين العرب)، و ( العرب وتاريخ المسألة المسيحية).
- مزاعم التسامح الوثني والتعصب التوحيدي!! كنت قرأتها من قبل منسوبة للمدعو أدونيس، وهي فرية يكذبها الواقع والتاريخ والقرآن الكريم، فالقبائل الوثنية بينها حروب دامية مستمرة، والعنف السيخي والهندوسي والبوذي ضد المسلمين وغيرهم أشهر من أن يُعرّف، ولطالما قص علينا القرآن تعصب الكفار والمشركين وعداوتهم للرسل والمؤمنين المخالفين لهم وتعذيبهم وتقتيلهم، في مواجهة الدعوة السلمية للموحدين.