د احمد شاكر على
New member
بلاغة القرآن وسرّ التكرار
اعداد الفقير الى رحمة الله
احمد شاكر على..
لأنى لست من اهل العلم - انما محبا للعلم - فأي نقد او توجيه محل تقدير
______
اجتهاد لكن اصل الفكرة من صاحب الظلال .. والشعراوي وغيرهم رحمهم الله ..
...
نموذج في عرض قصة قوم لوط
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله .
يأتي القرآن الكريم بأسلوبٍ يأسر العقول ويهزّ القلوب؛ يعيد القصص في مواضع شتّى، لكن تكراره ليس إعادة جامدة، ولا تكرارًا لفظيًا، بل هو تنويع مقصود يفتح في كل موضع بابًا من أبواب الهداية، ويكشف جانبًا جديدًا من الحقيقة. ومن أظهر النماذج على ذلك قصة قوم لوط، التي وردت في سور متعددة، لكنّ كل موضع رسم مشهدًا خاصًا، وأدّى وظيفة بلاغية مستقلة، مع اكتمال الصورة حين تجمع المواضع كلّها.
ومن أبرز هذه المواضع: سورة الشعراء، وسورة النمل، وسورة العنكبوت؛ إذ يلتقي فيها عمق البيان القرآني، واتساق المعنى، وروعة التدرّج في كشف فساد القوم من الداخل إلى الخارج، ومن السر إلى العلانية، ومن الفعل الشاذّ إلى المجتمع المنحرف.
أولاً: الشعراء – تصوير عدوان الفعل وانحرافه
في سورة الشعراء يقول الله تعالى:
﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾
جاء الحديث هنا عن جرم الفاحشة نفسها؛ كيف قلبت الفطرة، ونقضت خِلقة الله، واستبدلت ما هو أصيل بما هو دخيل. فجاء الختام:
﴿قَوْمٌ عَادُونَ﴾
لأن الفعل عدوان على الفطرة، وعدوان على حدود الله، وعدوان على سنن الحياة التي فطر الله الخلق عليها. فالسياق ينصبّ على طبيعة الجريمة، فناسب أن يُوصَفوا بالعدوان.
ثانياً: النمل – كشف جهل الفاعلين وانطماس بصيرتهم
وفي سورة النمل يقول سبحانه:
﴿أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾
لم يعد التركيز هنا على الفعل وحده؛ بل على العقلية التي تقف خلفه. كيف يصل الإنسان إلى هذا الانحراف؟ كيف تغيب عنه عواقب فعله، ويغيب عنه قدر ربه؟ فجاء الختام بكلمة تهزّ الوجدان:
﴿قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾
إنه ليس جهلاً علميًا، بل جهلٌ بالله، وجهلٌ بعاقبة السلوك، وجهلٌ بالحق الذي جاء به رسولهم. فالسياق هنا يفضح فساد الفكر قبل فساد العمل.
ثالثاً: العنكبوت – بيان فساد المجتمع وعلانية المنكر
وفي سورة العنكبوت يرسم القرآن لوحة ثالثة:
﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ﴾
هنا يتجاوز العرض القرآني حدود الفاحشة إلى ما هو أشمل وأخطر:
﴿لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾: الفاحشة ذاتها.
﴿وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾: اعتداء على الآمنين وجرائم تُرتكب ضد المارة.
﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ﴾: علانيةٌ بالفساد، ومجالس تُرفع فيها راية الانحراف.
فالقرآن هنا يصوّر مجتمعًا مأزومًا، تهشّم فيه الضمير، وسقطت فيه القيم، وصار المنكر علنًا لا يُستحى منه.
إنها الدرجة الثالثة من الفساد: من الفعل الفردي، إلى الفكر المنحرف، إلى الانحلال الاجتماعي الظاهر.
سرّ التكرار: بناء الصورة المتكاملة
ليس تكرارًا للحدث، ولكنه تكرار للمعنى من زوايا متعددة:
في الشعراء: فساد الفعل – عدوان
في النمل: فساد الفاعل – جهل
في العنكبوت: فساد المجتمع – علانية ومنكر وقطع سبيل
وهكذا تتكامل الصورة:
فعلٌ منحرف، وعقلٌ جاهل، وبيئةٌ فاسدة.
إن التكرار هنا مثل لوحات ثلاث لحدث واحد؛ كل لوحة تبرز زاوية وتخفي أخرى، حتى إذا عُرضت معًا ظهرت اللوحة الكبرى مكتملة الأركان، تتدرج من الجريمة الفردية إلى الانهيار المجتمعي، ومن العدوان الظاهر إلى الجهل الباطن.
هذا هو سرّ بلاغة القرآن:
يكرّر لا ليعيد، بل ليكشف، ويتناول ذات الموضوع من زوايا مختلفة..
انه القرآن العظيم.
اعداد الفقير الى رحمة الله
احمد شاكر على..
لأنى لست من اهل العلم - انما محبا للعلم - فأي نقد او توجيه محل تقدير
______
اجتهاد لكن اصل الفكرة من صاحب الظلال .. والشعراوي وغيرهم رحمهم الله ..
...
نموذج في عرض قصة قوم لوط
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله .
يأتي القرآن الكريم بأسلوبٍ يأسر العقول ويهزّ القلوب؛ يعيد القصص في مواضع شتّى، لكن تكراره ليس إعادة جامدة، ولا تكرارًا لفظيًا، بل هو تنويع مقصود يفتح في كل موضع بابًا من أبواب الهداية، ويكشف جانبًا جديدًا من الحقيقة. ومن أظهر النماذج على ذلك قصة قوم لوط، التي وردت في سور متعددة، لكنّ كل موضع رسم مشهدًا خاصًا، وأدّى وظيفة بلاغية مستقلة، مع اكتمال الصورة حين تجمع المواضع كلّها.
ومن أبرز هذه المواضع: سورة الشعراء، وسورة النمل، وسورة العنكبوت؛ إذ يلتقي فيها عمق البيان القرآني، واتساق المعنى، وروعة التدرّج في كشف فساد القوم من الداخل إلى الخارج، ومن السر إلى العلانية، ومن الفعل الشاذّ إلى المجتمع المنحرف.
أولاً: الشعراء – تصوير عدوان الفعل وانحرافه
في سورة الشعراء يقول الله تعالى:
﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾
جاء الحديث هنا عن جرم الفاحشة نفسها؛ كيف قلبت الفطرة، ونقضت خِلقة الله، واستبدلت ما هو أصيل بما هو دخيل. فجاء الختام:
﴿قَوْمٌ عَادُونَ﴾
لأن الفعل عدوان على الفطرة، وعدوان على حدود الله، وعدوان على سنن الحياة التي فطر الله الخلق عليها. فالسياق ينصبّ على طبيعة الجريمة، فناسب أن يُوصَفوا بالعدوان.
ثانياً: النمل – كشف جهل الفاعلين وانطماس بصيرتهم
وفي سورة النمل يقول سبحانه:
﴿أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾
لم يعد التركيز هنا على الفعل وحده؛ بل على العقلية التي تقف خلفه. كيف يصل الإنسان إلى هذا الانحراف؟ كيف تغيب عنه عواقب فعله، ويغيب عنه قدر ربه؟ فجاء الختام بكلمة تهزّ الوجدان:
﴿قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾
إنه ليس جهلاً علميًا، بل جهلٌ بالله، وجهلٌ بعاقبة السلوك، وجهلٌ بالحق الذي جاء به رسولهم. فالسياق هنا يفضح فساد الفكر قبل فساد العمل.
ثالثاً: العنكبوت – بيان فساد المجتمع وعلانية المنكر
وفي سورة العنكبوت يرسم القرآن لوحة ثالثة:
﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ﴾
هنا يتجاوز العرض القرآني حدود الفاحشة إلى ما هو أشمل وأخطر:
﴿لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾: الفاحشة ذاتها.
﴿وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾: اعتداء على الآمنين وجرائم تُرتكب ضد المارة.
﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ﴾: علانيةٌ بالفساد، ومجالس تُرفع فيها راية الانحراف.
فالقرآن هنا يصوّر مجتمعًا مأزومًا، تهشّم فيه الضمير، وسقطت فيه القيم، وصار المنكر علنًا لا يُستحى منه.
إنها الدرجة الثالثة من الفساد: من الفعل الفردي، إلى الفكر المنحرف، إلى الانحلال الاجتماعي الظاهر.
سرّ التكرار: بناء الصورة المتكاملة
ليس تكرارًا للحدث، ولكنه تكرار للمعنى من زوايا متعددة:
في الشعراء: فساد الفعل – عدوان
في النمل: فساد الفاعل – جهل
في العنكبوت: فساد المجتمع – علانية ومنكر وقطع سبيل
وهكذا تتكامل الصورة:
فعلٌ منحرف، وعقلٌ جاهل، وبيئةٌ فاسدة.
إن التكرار هنا مثل لوحات ثلاث لحدث واحد؛ كل لوحة تبرز زاوية وتخفي أخرى، حتى إذا عُرضت معًا ظهرت اللوحة الكبرى مكتملة الأركان، تتدرج من الجريمة الفردية إلى الانهيار المجتمعي، ومن العدوان الظاهر إلى الجهل الباطن.
هذا هو سرّ بلاغة القرآن:
يكرّر لا ليعيد، بل ليكشف، ويتناول ذات الموضوع من زوايا مختلفة..
انه القرآن العظيم.