ناصر الماجد
New member
- إنضم
- 16/04/2003
- المشاركات
- 67
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبي الله، وبعد:
من المسائل العلمية المتعلقة بأصول التفسير، منهج الحكم على الآثار المروية عن السلف، والآليات المتبعة في ذلك، وفي ظني أنها من المسائل التي تحتاج إلى مزيد نظر وتأمل.
لقد وضع أئمة الجرح والتعديل، لقبول الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ضوابط منهجية في غاية الدقة والإتقان، وهي بحق أحد المآثر العلمية التي تفاخر بها الأمة الإسلامية.
ولقد كان الهدف من هذه الضوابط المنهجية المتعلقة بقبول الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ التثبت من صحة ما نسب إليه، ولهذا فقد كانت تتسم بالتشدد فيمن تقبل روايته، وما ذاك إلا أن الأمر يتعلق بالتكليف، إذ لا يجوز أن يكلف الناس إلا بما تحققنا ثبوته، أو غلب على ظننا ذلك، وفي مقولة ابن المبارك رحمه الله المشهورة ما يدل على ذلك، قال :" الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" قال الحاكم معقبا على هذه المقولة: "فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له وكثرة مواظبتهم على حفظه لدرس منار الإسلام، ولتمكن أهل البدع بوضع الأحاديث وقلب الأسانيد"
وإذن فهذه القواعد والآليات العليمة الفنية المتشددة، خاصة بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وليس شي من المروي من كلام البشر له هذا الميزة التي لكلام النبي صلى الله عليه وسلم.
بل حتى إن بعض أهل العلم فرقوا في ذات كلام النبي صلى الله عليه وسلم، باعتبار موضوعه ومتعلقه، ومقولة الإمام أحمد مشهورة في ذلك يقول:" إذا رواينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا رواينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكما أو يرفعه تساهلنا في الأسانيد" ومثل هذه المقولة رويت عن عبد الرحمن بن مهدي، وبعيدا عن الكلام الذي قد يقال عن هذه المقولة، فإنها تدل على الميزة الخاصة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن سائر حديث الناس.
ولهذا فإن منهج جرح الرجال وتعديلهم عند الأئمة روعي فيه هذا المعنى، فقد كانوا يردون الحديث عن النبي الذي إذا كان فيه راو ضعيف، مع اعتمادهم على ذات الراوي في الأخبار والسير ، وهذا ابن حجر رحمه الله يقول عن سيف بن عمر" ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ" ويقول عن ابن إسحاق: " إمام في المغازي صدوق يدلس" فهو في حديث الني صلى الله عليه وسلم ضعيف إن لم يصرح بالرواية، وفي المغازي و الأخبار إمام حجة حتى إن مدار المغازي تدور عليه مع نفر قليل معه، ولو طبقنا المنهجي الحديثي لضاع علينا غالب السير والمغازي.
وهذا التمهيد يسلمنا إلى الكلام عن المنهجية التي يتبعها بعض الباحثين والمختصين في الدراسات القرآنية القائمة على نقد الروايات والآثار عن السلف في التفسير ولنسمها "الروايات التفسيرية" في مقابل "الروايات الحديثية" حيث نجد من يتعامل مع تلك الروايات التفسيرية وفق القواعد المتعلقة بالروايات الحديثية، وأصل هذا الخلل المنهجي يعود إلى الخلط بين الراويات وأنواعها، فجعلوا ما تعلق بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يبنى عليه الحكام والحلال والحرام، مساو لما يروى عن غيره فيما لا تعلق له بالأحكام.
وهذه المنهجية خطيرة العواقب والنتائج لو أخذت بإطلاق، فهي ولا شك تتضمن رد أكثر الروايات والآثار في التفسير والتاريخ، ولن يبق لنا منها إلا أقل القليل، وهذا فعلا ما وقع فيه بعض من كتب في أسانيد التفسير، حتى قرر بعضهم أن المروي عن الصحابة لا يصح منه إلا القليل النادر.
ومن أثار هذه المنهجية القدح في جل كتب التفسير وخصوصا الأثري منها، وهذا في حقيقة الأمر قدح في أحد الركائز المنهجية التي يعتمدها المفسر لفهم كلام الله ـ عز وجل ـ القائمة على اعتماد فهم السلف، ومن عجب أن هذه النتيجة هي ما يسعى إليها الاتجاه الحداثي المعاصر في قراءتهم للقرآن الكريم وفهمه.
وربما يصح أن يقول أصحاب هذا الاتجاه في الروايات التفسيرية: إن تلك الروايات فيها كلام يتعلق ببيان مراد الله تعالى ويجب علينا التثبت في ذلك، وهذا الكلام حق لا منازعة فيه، وإنما السؤال عن المنهجية الواجب اتباعها في ذلك.
ومن الجدير الإشارة إليه: أن هذه الروايات التفسيرية بكل حال، لا تعدو أن تكون فهما فهمه عالم في معنى كلام الله، غير معصوم يصيب ويخطئ، فلا يعني رواية قوله أن يكون مقبولا في ذاته.
ومن العجب الدال على الخلل المنهجي في نقد الروايات التفسيرية، أن أصحاب هذه الاتجاه، مع تشددهم في قبول الروايات التفسيرية، تجدهم يحكون القول من كتب غريب القرآن واللغة، وربما حملوا معنى الآية ورجحوا أحد المعاني فيها، بناء على قول حكي عن أعرابي مجهول لم يسم، وإن سمي لم تعرف عدالته، وإن عرفت عدالته لم يعرف اتصال السند عنه، يفعلون هذا بغير نكير فإذا جئنا للروايات التفسيرية عن السلف تشددوا وأخذوا بالمنهج الحديثي في قبولها، مع أن بعض تلك الروايات تتعلق ببيان غريب القرآن الكريم فما الفارق بين الأمرين إلا أن الأول كتاب غريب والآخر كتاب تفسير.
وهذا الذي أقوله لا أريد به قبول الروايات التفسيرية بإطلاق وإنما هي دعوة لوضع ضوابط منهجية تتعلق بقبول الروايات التفسيرية، مستفيدين من المنهجية العلمية التي وضعها أئمة الجرح والتعديل في قبول الروايات الحديثية.
وهذا أمر يجب أن يتصدر له الراسخون في العلم ممن أشغلوا أوقاتهم بكتاب الله تعالى، مسترشدين بهذا التراث الضخم العلمي، ليستنبطوا منه منهج سلف الأمة في قبول الروايات التفسيرية أو ردها.
وعندي الآن عدد من الاعتبارات التي لم تتحرر يمكن أن تساعد في وضع الضوابط المنهجية اكتفي بتعدادها:
ـ منها: اعتبار مضمون الرواية، فيفرق بين ما يروى في العقائد والأحكام والمغيبات وبين ما يروى في غيرها.
ـ اعتبار التفريق بين رواية القول وقبوله، فلا يعني أن يقبل القول من حيث الرواية أن يسلم بصوابه في ذاته .
ـ اعتبار ما وضعه أئمة الجرح والتعديل في تعديل الراوي، مع تخفيف القيود على المتعلقة بقبول الرواية.
ـ اعتبار استفاضة القول واشتهاره.
ـ اعتبار موافقة لغة العرب والمشهور منها.
ـ اعتبار حال الراوي فيفرق بين شديد الضعف كالكذاب والمتهم وبين خفيف الضعف.
ـ اعتبار الرواية التي يرويها الراوي تؤيد بدعته.
ـ اعتبار موافقة المشهور عن السلف أو معارضته، فقد يرد بناء على شذوذه.
ـ اعتبار مخالفة السنن الكونية، والحقائق العقلية.
وبعد فهذه اعتبارات ذكرتها دون تحرير آملا أن يكون في إخواني من رواد هذا الملتقى من يكون أصلب عودا وأشد قلما ليحرر هذه الضوابط، وبالله التوفيق.
هذا والله أعلم و صلى الله عليه وسلم على نبيا محمد
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبي الله، وبعد:
من المسائل العلمية المتعلقة بأصول التفسير، منهج الحكم على الآثار المروية عن السلف، والآليات المتبعة في ذلك، وفي ظني أنها من المسائل التي تحتاج إلى مزيد نظر وتأمل.
لقد وضع أئمة الجرح والتعديل، لقبول الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ضوابط منهجية في غاية الدقة والإتقان، وهي بحق أحد المآثر العلمية التي تفاخر بها الأمة الإسلامية.
ولقد كان الهدف من هذه الضوابط المنهجية المتعلقة بقبول الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ التثبت من صحة ما نسب إليه، ولهذا فقد كانت تتسم بالتشدد فيمن تقبل روايته، وما ذاك إلا أن الأمر يتعلق بالتكليف، إذ لا يجوز أن يكلف الناس إلا بما تحققنا ثبوته، أو غلب على ظننا ذلك، وفي مقولة ابن المبارك رحمه الله المشهورة ما يدل على ذلك، قال :" الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" قال الحاكم معقبا على هذه المقولة: "فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له وكثرة مواظبتهم على حفظه لدرس منار الإسلام، ولتمكن أهل البدع بوضع الأحاديث وقلب الأسانيد"
وإذن فهذه القواعد والآليات العليمة الفنية المتشددة، خاصة بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وليس شي من المروي من كلام البشر له هذا الميزة التي لكلام النبي صلى الله عليه وسلم.
بل حتى إن بعض أهل العلم فرقوا في ذات كلام النبي صلى الله عليه وسلم، باعتبار موضوعه ومتعلقه، ومقولة الإمام أحمد مشهورة في ذلك يقول:" إذا رواينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا رواينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكما أو يرفعه تساهلنا في الأسانيد" ومثل هذه المقولة رويت عن عبد الرحمن بن مهدي، وبعيدا عن الكلام الذي قد يقال عن هذه المقولة، فإنها تدل على الميزة الخاصة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن سائر حديث الناس.
ولهذا فإن منهج جرح الرجال وتعديلهم عند الأئمة روعي فيه هذا المعنى، فقد كانوا يردون الحديث عن النبي الذي إذا كان فيه راو ضعيف، مع اعتمادهم على ذات الراوي في الأخبار والسير ، وهذا ابن حجر رحمه الله يقول عن سيف بن عمر" ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ" ويقول عن ابن إسحاق: " إمام في المغازي صدوق يدلس" فهو في حديث الني صلى الله عليه وسلم ضعيف إن لم يصرح بالرواية، وفي المغازي و الأخبار إمام حجة حتى إن مدار المغازي تدور عليه مع نفر قليل معه، ولو طبقنا المنهجي الحديثي لضاع علينا غالب السير والمغازي.
وهذا التمهيد يسلمنا إلى الكلام عن المنهجية التي يتبعها بعض الباحثين والمختصين في الدراسات القرآنية القائمة على نقد الروايات والآثار عن السلف في التفسير ولنسمها "الروايات التفسيرية" في مقابل "الروايات الحديثية" حيث نجد من يتعامل مع تلك الروايات التفسيرية وفق القواعد المتعلقة بالروايات الحديثية، وأصل هذا الخلل المنهجي يعود إلى الخلط بين الراويات وأنواعها، فجعلوا ما تعلق بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يبنى عليه الحكام والحلال والحرام، مساو لما يروى عن غيره فيما لا تعلق له بالأحكام.
وهذه المنهجية خطيرة العواقب والنتائج لو أخذت بإطلاق، فهي ولا شك تتضمن رد أكثر الروايات والآثار في التفسير والتاريخ، ولن يبق لنا منها إلا أقل القليل، وهذا فعلا ما وقع فيه بعض من كتب في أسانيد التفسير، حتى قرر بعضهم أن المروي عن الصحابة لا يصح منه إلا القليل النادر.
ومن أثار هذه المنهجية القدح في جل كتب التفسير وخصوصا الأثري منها، وهذا في حقيقة الأمر قدح في أحد الركائز المنهجية التي يعتمدها المفسر لفهم كلام الله ـ عز وجل ـ القائمة على اعتماد فهم السلف، ومن عجب أن هذه النتيجة هي ما يسعى إليها الاتجاه الحداثي المعاصر في قراءتهم للقرآن الكريم وفهمه.
وربما يصح أن يقول أصحاب هذا الاتجاه في الروايات التفسيرية: إن تلك الروايات فيها كلام يتعلق ببيان مراد الله تعالى ويجب علينا التثبت في ذلك، وهذا الكلام حق لا منازعة فيه، وإنما السؤال عن المنهجية الواجب اتباعها في ذلك.
ومن الجدير الإشارة إليه: أن هذه الروايات التفسيرية بكل حال، لا تعدو أن تكون فهما فهمه عالم في معنى كلام الله، غير معصوم يصيب ويخطئ، فلا يعني رواية قوله أن يكون مقبولا في ذاته.
ومن العجب الدال على الخلل المنهجي في نقد الروايات التفسيرية، أن أصحاب هذه الاتجاه، مع تشددهم في قبول الروايات التفسيرية، تجدهم يحكون القول من كتب غريب القرآن واللغة، وربما حملوا معنى الآية ورجحوا أحد المعاني فيها، بناء على قول حكي عن أعرابي مجهول لم يسم، وإن سمي لم تعرف عدالته، وإن عرفت عدالته لم يعرف اتصال السند عنه، يفعلون هذا بغير نكير فإذا جئنا للروايات التفسيرية عن السلف تشددوا وأخذوا بالمنهج الحديثي في قبولها، مع أن بعض تلك الروايات تتعلق ببيان غريب القرآن الكريم فما الفارق بين الأمرين إلا أن الأول كتاب غريب والآخر كتاب تفسير.
وهذا الذي أقوله لا أريد به قبول الروايات التفسيرية بإطلاق وإنما هي دعوة لوضع ضوابط منهجية تتعلق بقبول الروايات التفسيرية، مستفيدين من المنهجية العلمية التي وضعها أئمة الجرح والتعديل في قبول الروايات الحديثية.
وهذا أمر يجب أن يتصدر له الراسخون في العلم ممن أشغلوا أوقاتهم بكتاب الله تعالى، مسترشدين بهذا التراث الضخم العلمي، ليستنبطوا منه منهج سلف الأمة في قبول الروايات التفسيرية أو ردها.
وعندي الآن عدد من الاعتبارات التي لم تتحرر يمكن أن تساعد في وضع الضوابط المنهجية اكتفي بتعدادها:
ـ منها: اعتبار مضمون الرواية، فيفرق بين ما يروى في العقائد والأحكام والمغيبات وبين ما يروى في غيرها.
ـ اعتبار التفريق بين رواية القول وقبوله، فلا يعني أن يقبل القول من حيث الرواية أن يسلم بصوابه في ذاته .
ـ اعتبار ما وضعه أئمة الجرح والتعديل في تعديل الراوي، مع تخفيف القيود على المتعلقة بقبول الرواية.
ـ اعتبار استفاضة القول واشتهاره.
ـ اعتبار موافقة لغة العرب والمشهور منها.
ـ اعتبار حال الراوي فيفرق بين شديد الضعف كالكذاب والمتهم وبين خفيف الضعف.
ـ اعتبار الرواية التي يرويها الراوي تؤيد بدعته.
ـ اعتبار موافقة المشهور عن السلف أو معارضته، فقد يرد بناء على شذوذه.
ـ اعتبار مخالفة السنن الكونية، والحقائق العقلية.
وبعد فهذه اعتبارات ذكرتها دون تحرير آملا أن يكون في إخواني من رواد هذا الملتقى من يكون أصلب عودا وأشد قلما ليحرر هذه الضوابط، وبالله التوفيق.
هذا والله أعلم و صلى الله عليه وسلم على نبيا محمد