منهج الحكم على الآثار بين المفسرين والمحدثين

إنضم
16/04/2003
المشاركات
67
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبي الله، وبعد:
من المسائل العلمية المتعلقة بأصول التفسير، منهج الحكم على الآثار المروية عن السلف، والآليات المتبعة في ذلك، وفي ظني أنها من المسائل التي تحتاج إلى مزيد نظر وتأمل.
لقد وضع أئمة الجرح والتعديل، لقبول الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ضوابط منهجية في غاية الدقة والإتقان، وهي بحق أحد المآثر العلمية التي تفاخر بها الأمة الإسلامية.
ولقد كان الهدف من هذه الضوابط المنهجية المتعلقة بقبول الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ التثبت من صحة ما نسب إليه، ولهذا فقد كانت تتسم بالتشدد فيمن تقبل روايته، وما ذاك إلا أن الأمر يتعلق بالتكليف، إذ لا يجوز أن يكلف الناس إلا بما تحققنا ثبوته، أو غلب على ظننا ذلك، وفي مقولة ابن المبارك رحمه الله المشهورة ما يدل على ذلك، قال :" الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" قال الحاكم معقبا على هذه المقولة: "فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له وكثرة مواظبتهم على حفظه لدرس منار الإسلام، ولتمكن أهل البدع بوضع الأحاديث وقلب الأسانيد"
وإذن فهذه القواعد والآليات العليمة الفنية المتشددة، خاصة بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وليس شي من المروي من كلام البشر له هذا الميزة التي لكلام النبي صلى الله عليه وسلم.
بل حتى إن بعض أهل العلم فرقوا في ذات كلام النبي صلى الله عليه وسلم، باعتبار موضوعه ومتعلقه، ومقولة الإمام أحمد مشهورة في ذلك يقول:" إذا رواينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا رواينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكما أو يرفعه تساهلنا في الأسانيد" ومثل هذه المقولة رويت عن عبد الرحمن بن مهدي، وبعيدا عن الكلام الذي قد يقال عن هذه المقولة، فإنها تدل على الميزة الخاصة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن سائر حديث الناس.
ولهذا فإن منهج جرح الرجال وتعديلهم عند الأئمة روعي فيه هذا المعنى، فقد كانوا يردون الحديث عن النبي الذي إذا كان فيه راو ضعيف، مع اعتمادهم على ذات الراوي في الأخبار والسير ، وهذا ابن حجر رحمه الله يقول عن سيف بن عمر" ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ" ويقول عن ابن إسحاق: " إمام في المغازي صدوق يدلس" فهو في حديث الني صلى الله عليه وسلم ضعيف إن لم يصرح بالرواية، وفي المغازي و الأخبار إمام حجة حتى إن مدار المغازي تدور عليه مع نفر قليل معه، ولو طبقنا المنهجي الحديثي لضاع علينا غالب السير والمغازي.
وهذا التمهيد يسلمنا إلى الكلام عن المنهجية التي يتبعها بعض الباحثين والمختصين في الدراسات القرآنية القائمة على نقد الروايات والآثار عن السلف في التفسير ولنسمها "الروايات التفسيرية" في مقابل "الروايات الحديثية" حيث نجد من يتعامل مع تلك الروايات التفسيرية وفق القواعد المتعلقة بالروايات الحديثية، وأصل هذا الخلل المنهجي يعود إلى الخلط بين الراويات وأنواعها، فجعلوا ما تعلق بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يبنى عليه الحكام والحلال والحرام، مساو لما يروى عن غيره فيما لا تعلق له بالأحكام.
وهذه المنهجية خطيرة العواقب والنتائج لو أخذت بإطلاق، فهي ولا شك تتضمن رد أكثر الروايات والآثار في التفسير والتاريخ، ولن يبق لنا منها إلا أقل القليل، وهذا فعلا ما وقع فيه بعض من كتب في أسانيد التفسير، حتى قرر بعضهم أن المروي عن الصحابة لا يصح منه إلا القليل النادر.
ومن أثار هذه المنهجية القدح في جل كتب التفسير وخصوصا الأثري منها، وهذا في حقيقة الأمر قدح في أحد الركائز المنهجية التي يعتمدها المفسر لفهم كلام الله ـ عز وجل ـ القائمة على اعتماد فهم السلف، ومن عجب أن هذه النتيجة هي ما يسعى إليها الاتجاه الحداثي المعاصر في قراءتهم للقرآن الكريم وفهمه.
وربما يصح أن يقول أصحاب هذا الاتجاه في الروايات التفسيرية: إن تلك الروايات فيها كلام يتعلق ببيان مراد الله تعالى ويجب علينا التثبت في ذلك، وهذا الكلام حق لا منازعة فيه، وإنما السؤال عن المنهجية الواجب اتباعها في ذلك.
ومن الجدير الإشارة إليه: أن هذه الروايات التفسيرية بكل حال، لا تعدو أن تكون فهما فهمه عالم في معنى كلام الله، غير معصوم يصيب ويخطئ، فلا يعني رواية قوله أن يكون مقبولا في ذاته.
ومن العجب الدال على الخلل المنهجي في نقد الروايات التفسيرية، أن أصحاب هذه الاتجاه، مع تشددهم في قبول الروايات التفسيرية، تجدهم يحكون القول من كتب غريب القرآن واللغة، وربما حملوا معنى الآية ورجحوا أحد المعاني فيها، بناء على قول حكي عن أعرابي مجهول لم يسم، وإن سمي لم تعرف عدالته، وإن عرفت عدالته لم يعرف اتصال السند عنه، يفعلون هذا بغير نكير فإذا جئنا للروايات التفسيرية عن السلف تشددوا وأخذوا بالمنهج الحديثي في قبولها، مع أن بعض تلك الروايات تتعلق ببيان غريب القرآن الكريم فما الفارق بين الأمرين إلا أن الأول كتاب غريب والآخر كتاب تفسير.
وهذا الذي أقوله لا أريد به قبول الروايات التفسيرية بإطلاق وإنما هي دعوة لوضع ضوابط منهجية تتعلق بقبول الروايات التفسيرية، مستفيدين من المنهجية العلمية التي وضعها أئمة الجرح والتعديل في قبول الروايات الحديثية.
وهذا أمر يجب أن يتصدر له الراسخون في العلم ممن أشغلوا أوقاتهم بكتاب الله تعالى، مسترشدين بهذا التراث الضخم العلمي، ليستنبطوا منه منهج سلف الأمة في قبول الروايات التفسيرية أو ردها.
وعندي الآن عدد من الاعتبارات التي لم تتحرر يمكن أن تساعد في وضع الضوابط المنهجية اكتفي بتعدادها:
ـ منها: اعتبار مضمون الرواية، فيفرق بين ما يروى في العقائد والأحكام والمغيبات وبين ما يروى في غيرها.
ـ اعتبار التفريق بين رواية القول وقبوله، فلا يعني أن يقبل القول من حيث الرواية أن يسلم بصوابه في ذاته .
ـ اعتبار ما وضعه أئمة الجرح والتعديل في تعديل الراوي، مع تخفيف القيود على المتعلقة بقبول الرواية.
ـ اعتبار استفاضة القول واشتهاره.
ـ اعتبار موافقة لغة العرب والمشهور منها.
ـ اعتبار حال الراوي فيفرق بين شديد الضعف كالكذاب والمتهم وبين خفيف الضعف.
ـ اعتبار الرواية التي يرويها الراوي تؤيد بدعته.
ـ اعتبار موافقة المشهور عن السلف أو معارضته، فقد يرد بناء على شذوذه.
ـ اعتبار مخالفة السنن الكونية، والحقائق العقلية.

وبعد فهذه اعتبارات ذكرتها دون تحرير آملا أن يكون في إخواني من رواد هذا الملتقى من يكون أصلب عودا وأشد قلما ليحرر هذه الضوابط، وبالله التوفيق.
هذا والله أعلم و صلى الله عليه وسلم على نبيا محمد
 
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ
كان لدي إشكال في هذا الموضوع كنت أود طرحه في هذا المنتدى المبارك
ووجدت فضيلتكم قد وفق في طرحه

والذي فهمته من كلام فضيلتكم ما يلي :
- الرويات التفسيرية ينبغي أن يكون منهج قبولها مختلفا عن الروايات الحديثية .
- التفريق في الروايات بين المرفوع للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبين الموقوف والمقطوع من آثار الصحابة والتابعين .
- يجري على المرفوعات قواعد الروايات الحديثية وفق منهج المحدثين في ذلك .
- معرفة منهج السلف في قبول الآثار الواردة في التفسير .
- وضع ضوابط واعتبارات لمنهج السلف في قبول آثار التفسير .


وعلى ذلك فالروايات في التفسير لا ينغي أن تعامل معاملة الروايات الحديثية .

ولدي استفسارت بناء على ذلك :

س: لو تم دراسة روايات كتب التفسير بالمأثور كتفسير الطبري أو تفسير الدر المنثور وفق منهجية المحدثين
هل يقبل هذا العمل أم يحتاج إلى نظر ؟

س: أليست كتب التفسير بالمأثور تسوق الحديث بإسناده ، فلا يؤاخذ المفسر لو أورد رواية موضوعة أو شديدة الضعف لوجود الإسناد ؟

س: معظم الاعتبارات التي ذكرها فضيلتكم هل اعتبارات قائمة لدى المحدثين في قبول الحديث ورده وهي :

ـ اعتبار التفريق بين رواية القول وقبوله، فلا يعني أن يقبل القول من حيث الرواية أن يسلم بصوابه في ذاته .
ـ اعتبار ما وضعه أئمة الجرح والتعديل في تعديل الراوي، مع تخفيف القيود على المتعلقة بقبول الرواية.
ـ اعتبار حال الراوي فيفرق بين شديد الضعف كالكذاب والمتهم وبين خفيف الضعف.
ـ اعتبار الرواية التي يرويها الراوي تؤيد بدعته.
ـ اعتبار موافقة المشهور عن السلف أو معارضته، فقد يرد بناء على شذوذه.
ـ اعتبار مخالفة السنن الكونية، والحقائق العقلية.
فيمكن في صياغة الضوابط اعتماد منهج المحدثين أولا ، واستثناء بعض ما يكون في اللغة مثلا ،
فيعتمد منهج المحدثين أصلا ، ويضاف إلى هذا المنهج ما يستفاد من منهج السلف في كتب التفسير .
 
التعديل الأخير:
أرجو من المشايخ الفضلاء إبداء رأيهم حول هذا الموضوع

لأنه بناء على ذلك سيتبن مدى جدوى دراسة أسانيد كتب التفسير على منهج المحدثين

وهذا يهم طلبة الدراسات العليا في رسائلهم العلمية

فهل يختار العمل وفق مجموعة تدرس الأسانيد على منهج المحدثين
أو يختار غيره لأنه لا طائل منه ؟

فقد تم إيقاف مشروع من هذا القبيل .
 
أشكر أخي الكريم أبا فارس على طرحه لهذا الموضوع للمناقشة ، وهو موضوع جدير بالبعث والنقاش والحوار في أوساط أهل العلم للوصول فيه إلى رأي معتبر يطمئن إليه .
وقد سبقت إشارات متفرقة عن الموضوع في الملتقى هذه بعضها :

- صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما ؟
- تعليقات الشيخ عبد الله الجديع على مقال أسانيد التفسير للدكتور مساعد الطيار
- كلام مهم لابن أبي حاتم بشأن أسانيد التفسير فليتكم تدلون بدلوكم

وقد صدر كتاب وأعلم أنكم اطلعتم عليه للشيخ عبدالعزيز بن مرزوق الطريفي وفقه الله بعنوان (أسانيد التفسير) وقد تكرم علي وفقه الله بإهداء ما يقارب الخمسين نسخة منه وتم توزيعه على الزملاء أعضاء الجمعية في اللقاء السابق. وهذا الكتاب في حاجة إلى نقاش علمي حول المنهجية الصحيحة في دراسة أسانيد التفسير . ولذلك فلعلنا في الجمعية العلمية للقرآن وعلومه أن نعقد لقاء علمياً للنقاش حول هذه المسألة وربما عدد من اللقاءات . وهناك العديد من المهتمين بأسانيد التفسير يكتبون في موضوعاته ، مثل الدكتور حاتم الشريف والدكتور مساعد الطيار والدكتور يحيى الشهري والدكتور خالد الباتلي والشيخ عبدالعزيز الطريفي وعشرات الباحثين الذين كانت بحوثهم ورسائلهم في دراسة وتحقيق وتخريج كتب التفسير المسندة ، وفقهم الله جميعاً لكل خير.
ولعلنا نبدأ باستضافة الدكتور حاتم الشريف العوني وفقه الله للحديث حول موضوع أسانيد التفسير في لقاء قريب من لقاءات الجمعية بإذن الله ، ولعل الموضوع هنا يحظى بالنقاش والحوار الذي يجيب عن سؤال :
ما هي الطريقة العلمية المنهجية الصحيحة للحكم على أسانيد التفسير ؟ هل هي منهج المحدثين في قبول الأحاديث وردها بكل تفاصيله ؟ أم في ذلك تفصيل ؟
وأؤيد الأخت أمة الرحمن في أهمية هذا الموضوع وجدارته بالبحث وفقها الله.
 
الحمد لله ، وبعد ..

ينظر في ذلك ، ما ذكره الشيخ المحدِّث أبو إسحاق الحويني حفظه الله في مقدمة تحقيقه لتفسير ابن كثير ، فقد ذكر هذا عن الشيخ الألباني رحمه الله ، وكذا الشيخ العلامة الدكتور بكر أبو زيد حفظه الله .
والله اعلم .
 
ولذلك فلعلنا في الجمعية العلمية للقرآن وعلومه أن نعقد لقاء علمياً للنقاش حول هذه المسألة وربما عدد من اللقاءات . وهناك العديد من المهتمين بأسانيد التفسير يكتبون في موضوعاته ، مثل الدكتور حاتم الشريف والدكتور مساعد الطيار والدكتور يحيى الشهري والدكتور خالد الباتلي والشيخ عبدالعزيز الطريفي وعشرات الباحثين الذين كانت بحوثهم ورسائلهم في دراسة وتحقيق وتخريج كتب التفسير المسندة ، وفقهم الله جميعاً لكل خير.
ولعلنا نبدأ باستضافة الدكتور حاتم الشريف العوني وفقه الله للحديث حول موضوع أسانيد التفسير في لقاء قريب من لقاءات الجمعية بإذن الله

تقرر عقد اللقاء العلمي بعد موافقة الدكتور حاتم الشريف بعد مغرب يوم الأحد 15/3/1429هـ بإذن الله ، وسيكون ذلك ضمن اللقاءات العلمية الدورية لأعضاء الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه بالرياض في قاعة المقصورة ، ونسأل الله أن يبارك في هذه اللقاءات العلمية وأن ينفع بها ، وسنحرص على تسجيل اللقاء ونشره عبر الملتقى وموقع الجمعية بإذن الله .
 
وسنحرص على تسجيل اللقاء ونشره عبر الملتقى وموقع الجمعية بإذن الله .
جزاكم الله خيرا ونفع بكم
وبانتظار التسجيل
بارك الله جهودكم وسددكم
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فاستاذن الإخوة في المداخلة بينهم في هذه المشاركة الطيبة، وأتمنى ممن سيحضر إن شاء الله لهذه المحاضرة القيمة المعلن عنها، للدكتور الشريف العوني حفظه الله،أن يقدم لهذا الملتقى تقريرا،أو رؤوس أقلام لما تم الحديث عنه فيها.
أسأل الله التوفيق للجميع.
 
قد بحثت هذه المسألة في رسالة الماجستير ، وانتهيت باستقراء صنيع الطبري وغيره من المفسرين المحررين إلى أن هناك منهجا خاصا يسلك في التعامل مع أسانيد التفسير ويتمثل هذا المنهج فيما يلي :
1 ) إذا كان التفسير مرويا عن رسول الله  فلا بد من بيان صحته أو ضعفه لكون التفسير النبوي حجة على ما عداه ، فإن ثبت ضعفه كان النظر إلى صحة المعنى المروي في تفسير الآية ومناسبته لها من عدمه ، فقد يكون الحديث ضعيفا لكن معناه مفسر للآية وصادق عليها ومناسب لها ، فيعتبر معنى الحديث في تفسير الآية دون الجزم برفعه
2) رواية الكذاب لا يسوغ الاعتماد عليها في التفسير أو في غيره ، فالكذاب لا يصلح أن تتلقى رواياته وتوضع موضع القبول ، وقد نص العلماء على كون رواية الكذاب متروكة مطرحة فقد قال ابن أبي حاتم في كلامه على طبقات الرواة ومنازلهم (( ومنهم من قد ألصق نفسه بـهم -يقصد بالرواة المقبولة روايتهم - ودلسها بينهم ؛ ممن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال منهم الكذب فهذا يترك حديثه ، ويطرح روايته ، ويسقط ولا يشتغل به )) ( )
وقال ابن المبارك ( )(( من عقوبة الكذاب أن يرد عليه صدقه )) ( )
وقال البيهقي (( … وأما النوع الثاني من الأخبار ، فهي أحاديث اتفق أهل العلم بالحديث على ضعف مخرجها ، وهذا النوع على ضربين :
ضرب رواه من كان معروفًا بوضع الحديث والكذب فيه ، فهذا الضرب لا يكون مستعملاً في شيء من أمور الدين إلا على وجه التليين… )) ( )
3) إذا كان التفسير المروي مما لا يقال مثله بالرأي فلا بد من بيان صحته أو ضعفه ، فمثل هذا لو صح كان له حكم الرفع ، ومما يدخل فيه أسباب النزول ، أو الإخبار عن أمر غيبي ، أو نحو ذلك .
وتجدر الإشارة إلى : أن السلف كانوا يطلقون النزول على كل ما تصدق عليه الآية من الأحداث والمعاني والقصص ، سواء كان هذا الحدث أو هذا المعنى سابقا على الآية ، أو مقارنا لها أو متأخرا عنها ، وسواء كان هو سبب النزول أم لا ، وبناء عليه فالذي يجب بيان صحته أو ضعفه ما كان مرادا به أنه سبب نزول الآية لا غير .
كما تجدر الإشارة إلى : أن الأخبار الغيبية لا تعامل كلها معاملة واحدة ، بل ينبغي التفريق بين ماكان واردا عن بني إسرائيل وما لم يكن واردا عنهم ، فالأول لا يمكن الحكم عليه بصحة أو ضعف بخلاف الثاني ؛ إذ ضابط القبول والرد لأخبار بني إسرائيل ليس هو الإسناد ، إذ الإسناد خاصية من خصائص هذه الأمة ، وإنما الضابط هو : موافقة الشرع أو عدم موافقته فما كان موافقاً قُبِلَ ، وما كان مُخَالِفاً رد ، وما لم تظهر موافقته أو مخالفته تُوقِّف فيه وجازت حكايته .
نعم قد يكون الحكم على السند الموصل للصحابي أو التابعي الذي نقل هذه الإسرائيلية بالصحة أو الضعف ، وأما الرواية الإسرائيلية نفسها فضابط قبولها أو ردها موافقة الشرع أو لا .
4) النظر في السند عند كون التفسير المروي عن السلف مخالفا لما ثبت عن رسول الله  ، أو مخالفا لما هو متقرر وثابت في الشرع ، فإذا روي عن مفسر من السلف قول بخلاف ما دل عليه الحديث النبوي ، فإما أن يكون هذا القول غير ثابت عنه ، وإما أن يكون الحديث لم يبلغه ، ولذا يجب التأكد من ثبوت هذا القول عنه أوْ لا ، وكذا إذا روي عنه ما يخالف المتقرر في الشرع .
5) النظر في السند عند كون المعنى المفسر به مخالفا للمشهور أو الغالب من معنى الكلمة ، أو مخالفا للسياق
6) النظر في صحة السند أو ضعفه عند ورود معنى مخالف للمعنى المجمع عليه ، فإذا أجمع السلف على معنى ما ، وروي عن واحد منهم ما يخالف هذا الإجماع فلا يسوغ نسبته لمخالفة الإجماع إلا بعد ثبوت هذا القول عنه .
7) النظر في السند عند ورود قولين متعارضين عن مفسر واحد ، فإذا ورد عن مفسر واحد قولان متعارضان تعين النظر في السند لمعرفة الثابت منهما عنه
8) التحقق من صحة السند أو ضعفه عند إرادة إثبات قراءة ما عن واحد من الصحابة ؛ إذ صحة الإسناد أحد الأركان التي تثبت بها القراءة ، كما هو مشتهر عند أهل الإقراء ( ) ، ويتأكد ذلك إذا كانت القراءة المروية مخالفة للقراءة المشهورة المعروفة .
9) النظر في الإسناد عند كون المروي في التفسير متعلقا بالأحكام ، أو بالحلال والحرام .
وقد ذكرت أمثلة عديدة على كل نقطة من هذه النقاط وأحلت على مواضعها من تفسير الطبري وابن عطية وابن كثير وغيرهم ، ولولا خشية طول المقال بالأمثلة الكثيرة لسردتها
وقد يقال : إن كل ما تقدم من مخالفة الحديث أو الإجماع أو المعنى المشهور مما يرد لمجرده القول ، فنحن نرد القول لمجرد مخالفته واحدا مما تقدم ، فما الفائدة في صنيعهم ذلك ؟
والجواب : أن الفائدة أننا لا نستطيع نسبة واحد من السلف إلى مخالفة الحديث أو الإجماع أو غير ذلك إلا بعد ثبوت ذلك عنه ، وكذا لا نستطيع نسبة حكم شرعي إليه أو أخذه عنه إلا بعد ثبوته عنه ، أما لو كان بيان معنى غير متعلق بشيء مما سبق ، أو تحقيق مفردة لغوية ، أو ذكر لبعض ما يدخل في الآية أو نحو ذلك مما لا يؤثر في قبوله جرح الناقل فلا بأس من التسامح في ذلك ونسبته إلى قائله ، وغالب التفسير يعود إلى ذلك .
ويظهر بذلك أن منهجهم في تلك المسألة منهج وسط ، فلا هو إهمال للأسانيد وعدم اعتبار لها واعتداد بها ، ولا هو تشدد فيها ، وهدم للعلوم بها ، ولا هو طغيان للحديث على التفسير أو للتفسير على الحديث ، بل هو جمع بين العلمين ، واعتبار لمسائلهما وقواعدهما وفق أسس وضوابط ، ومنهجية بارزة يرى الناظر من خلالها كمال الانسجام والالتقاء بين العلوم الشرعية ، وينتفي بها التعارض والحرج ، ويوضع بها كل شيء في محله و نصابه . والله الموفق
وقد يقال : إن كل ما تقدم من مخالفة الحديث أو الإجماع أو المعنى المشهور مما يرد لمجرده القول ، فنحن نرد القول لمجرد مخالفته واحدا مما تقدم ، فما الفائدة في صنيعهم ذلك ؟
والجواب : أن الفائدة أننا لا نستطيع نسبة واحد من السلف إلى مخالفة الحديث أو الإجماع أو غير ذلك إلا بعد ثبوت ذلك عنه ، وكذا لا نستطيع نسبة حكم شرعي إليه أو أخذه عنه إلا بعد ثبوته عنه ، أما لو كان بيان معنى غير متعلق بشيء مما سبق ، أو تحقيق مفردة لغوية ، أو ذكر لبعض ما يدخل في الآية أو نحو ذلك مما لا يؤثر في قبوله جرح الناقل فلا بأس من التسامح في ذلك ونسبته إلى قائله ، وغالب التفسير يعود إلى ذلك .
ويظهر بذلك أن منهجهم في تلك المسألة منهج وسط ، فلا هو إهمال للأسانيد وعدم اعتبار لها واعتداد بها ، ولا هو تشدد فيها ، وهدم للعلوم بها ،، بل هو جمع بين العلمين ، واعتبار لمسائلهما وقواعدهما وفق أسس وضوابط ، ومنهجية بارزة يرى الناظر من خلالها كمال الانسجام والالتقاء بين العلوم الشرعية ، وينتفي بها التعارض والحرج ، ويوضع بها كل شيء في محله و نصابه . والله الموفق

وبانتظار مشاركات الفضلاء للإثراء وكذا بانتظار محاضرة الشريف حاتم وفقه الله
 
موضوع جد مهم ومشاركات قيمة نرجو رفع ما تفضلتم به عن الشريف حاتم العونى وجزاكم الله خيرا
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى