تابع ملخص الرسالة :
ثالثًا : أن النصّ أصبح في ظل الفلسفة التأويلية خاضعًا لأفق المتلقي ومدي قدرته علي استنطاقه, وتم استبدال فهم المتلقي بمعني النصّ, وهذا الفهم مرتبط بذات المتلقي المحدودة المتغيّرة والمتحوّلة, ولا توجد في هذه النزعة ولا في الدراسات الحديثة ضوابط وحدود لهذا الفهم، مما جعل النصّ يصير لعبة منفتحة علي كل التأويلات المحتملة.
رابعًا : كشف البحث عن نسبية التأويلات تبعا للموقف التاريخي والثقافي للمؤوّل و الأيديولوجيا التي توجّهه, وتحوّل النصّ علي يدي هذا المؤوّل إلي مرآة يري فيها نفسه علي نحو من الأنحاء وصورة من الصور.
خامسًا : أسفرت الدراسة عن الكشف عن المبادئ الهرمنيوطيقية التي انطلق منها بعض المؤولين للنص القرآني، والتي منها : أن التأويل ضرورة للنص، و محاولة تأنسن النصّ القرآني، وأن ليس للنص معني ثابت أو دلالة ذاتية ، وأنه لا توجد قراءة بريئة للنص، وأن التأويل إنتاج للنص .
سادسًا : أن من أهم الأسس و المبادئ التي ينهض عليها التفسير النفسي أن العمل الأدبي نتاج اللا شعور ؛ لذا يراه الناقد أنه نشاط لا شعوري أو رمز للرغبات المكبوتة في لاشعور الأديب ، ومن ثمّ تتأتّي ضرورة تفسير العمل الأدبي في ضوء المنهج النفسي التحليلي؛ إذ إنه هو الذي يختص بتحليل اللاشعور.
سابعًا : كما كشف البحث عن أن الدارس المنصف المتتبع لشخصية الرسول وأنواع السلوك الصادر عنه، وجميع تصرفاته لا يسعه إلا أن يقرر كمال الشخصية وتوافقها وانسجامها، إذ كان يوافق خارجها داخلها، أو ظاهرها باطنها، وهذا هو الطريق السليم الموصّل عمليا لسبر أغوار النفس، وتفسير سلوكها وتقييم تصرفاتها وأعمالها .
ثامنًا : أظهر البحث أن التحليل النفسي لشخصية النبي محمد عليه الصلاة والسلام يؤكّد عدم صدور القرآن الكريم منه ذاتيا. وأن هذا النص القرآني العظيم لا يمكن أن يكون وليد اللاشعور.
تاسعًا : أن الدراسات التفسيرية قديما وحديثا، إما أن تتناول السورة من خلال الدراسات التجزيئية للآيات. بحسب تسلسلها فى السورة؛ أوتتناول الدراسة الموضوعية للظواهر المطروحة فيها، وكلتاهما لا تتناول السورة باعتبارها نصا تترابط آياته وتتناغم عناصره وموضوعاته، ماعدا بعض الإشارات العابرة إلى العلاقة بين بعض الآيات، أو الموضوعات، وبعضها الآخر.
عاشرًا : أنه بالرغم من حرص " محمود البستانى " على إظهار الوحدة العضوية فى السورة القرآنية، فإنه قد أدرج نوعا من سور القرآن الكريم يتسم بتعدد الموضوعات وتعدد الفكر بمعنى أن السورة تحتوى على أكثر من موضوع وأكثر من فكرة، وهذا يتنافى مع منهجه ويتفق مع ما يزعمه المغرضون حينما يصمون السورة القرآنية بالتفكّك وعدم الوحدة فى عرض موضوعها ؛إذ تنتقل من موضوع إلى آخر ومن فن إلى فن دون رابط ، وهذا ينم عن سطحية النظرة وعدم الفهم الصحيح ومحاولة النيل من القرآن .
أحد عشر: أن التفسير الموضوعي يستطيع أن يكشف لنا عن موقف القرآن الكريم من موضوع ما علي طول نصه دونما تناقض أو تعارض، وأنه يجنّبنا تكرار التعرض للموضوع نفسه إذا تتبعنا طريقة التفسير بترتيب المصحف .
ثانى عشر : أن التفسير الموضوعي يبرز لنا مدي تماسك بنيان النص القرآنى وإحكامه، في وحدة السورة الموضوعية وترتيب آياتها وتناسبها مع ما قبلها وما بعدها تناسبا عجيبا، ثم في تناسب ترتيب السور في المصحف بالرغم من اختلافها مع ترتيب نزولها، ثم في وحدة القرآن الكريم كله، ولا شك في أن هذا وجه من وجوه إعجاز القرآن لمن يعتبر.
ثالث عشر: أكّد البحث أن القصص القرآني قصص واقعي صادق ولا مراء في ذلك، وأنه يستمد صدقه من قائله وهو الله تعالى. وأنه ينبغي أن لا نحكم التاريخ ولا الكتب المحرّفة فيما أخبر به القرآن؛ بل نثق كل الصدق فيما أخبر وقصّ .
رابع عشر : كما أبان البحث عن أن القصص القرآني وإن كان يتميز بخصائص فنية عالية رائعة إلا أنه لم يعرض بوصفه قصصا فنيّا مستقلا، وإنما هو موظف من أجل الأغراض الدينية، وقد ترتب علي ذلك اتسامه بسمات محددة .
خامس عشر : أوضح البحث أن التكرار ظاهرة لغوية أصيلة، وأنها من محاسن اللغة العربية وسمة للفصاحة والبلاغة، وأنها لا تذمّ و لا تمدح في ذاتها ، وإنما العبرة تكمن في حسن توظيفها, وأن التكرار واقع في القرآن وهو غاية فى الحسن والفصاحة وموظف للأغراض الدينية.
سادس عشر : كشف البحث عن أن التكرار في القصص القرآني يعين علي تحقيق الأغراض الدينية، وأن كل حلقة تختلف عن الأخرى في سياقها وسباقها وما تتضمنه من أحداث ودلالات؛ بل إن نمو القصة يتكامل من خلال هذا التمايز بين الحلقات، وأنه ليس ثمة تكرار في القرآن يخلو من معني جديد أو إضافة حقيقية تزيد من التماسك والانسجام النصي بحيث يكوّن مجموع تكرار القصة الواحدة وحدة قصصية متكاملة.
سابع عشر : أن الوحدة القصصية في القرآن تتأتي من وحدة الشخصية ووحدة الموضوع ووحدة الجو النفسي. وأن ما تكرر من القصص القرآني لا تناقض فيه ولا تعارض .
ثامن عشر : كما تبين انتفاء القصة الأسطورية من القصص القرآني وأن القائلين بذلك لا يعتقدون البعث واليوم الآخر ويشكّون فى نسبة القرآن إلى الله تعالى، ويزعمون أن محمدا صلى الله عليه وسلّم مؤلّف القرآن.
هذا وقد حرص البحث على النظر فى القضايا المطروحة نظرا موضوعيا يساعد على تقويمها، ويعين على الكشف عما تحتويه من آراء تقترب من خصوصية هذا النص القرآنى العظيم، وتخدم تحليله والكشف عن جمالياته ، وتميّز القراءات المغرضة التى تحرّف دلالات النص. وأخيرًا أطمح أن يضيف هذا البحث لبنة جديدة إلى صرح الدراسات النقدية الحديثة التى تأخذ على عاتقها قراءة المنتج النقدى وتحليله فى إطار ما يتبناه من مناهج مع مراعاة الوعى بخصوصية النص المدروس من أجل النظرة الموضوعية المحايدة و بعيدا عن الأيديولوجيات المختلفة والمغرضة.
وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .
بركات رياض محمدى
القاهرة ، 2011 م