ريم العليوي
New member
بسم1
كان القرآن الكريم في عهد الرسول e مفرقاً في الرقاع, ثم جمع في عهد أبي بكرٍ t في صحفٍ, وإلى جانب مصحف أبي بكرٍ كان لأفراد الصحابة صحفاً أو مصاحف كتبوا فيها القرآن، لكنها لم تكن بدقة جمع أبي بكرٍ، بل كان كل صحابيٍ يكتب ما سمع من الرسول e، وقد يفوته شيءٌ من القرآن, وقد يُدخِلُ معه شيئاً من التفسير, وإن كان في هذه المصاحف ما صح سنده وثبتت تلاوته ووافق العربية, ولكنها كانت مختلفةً عن بعضها البعض, وهكذا كان الصحابة المتفرقون في الأمصار يُقرِؤون عامة المسلمين بقراءاتٍ مختلفةٍ, فأهل الشام يقرأون بقراءة أبي بن كعبٍ t, وأهل الكوفة بقراءة ابن مسعودٍ t، وهكذا.
ولما التقى أهل الأمصار ببعضهم خلال تنقلاتهم وغزواتهم, حصل بينهم اختلافٌ شديدٌ, ولم يكن بإمكانهم الإحاطة بجميع الأوجه والأحرف, رأى حذيفة بن اليمان t هذا فراعه مايحصل من اختلافٍ وتفرقٍ, ففزع لعثمان t في المدينة يخبره بما يحدث بين المسلمين, وقد رأى عثمان هذا الاختلاف عنده في المدينة وقال: "أنتم عندي تختلفون فمن نأى عني من الأمصار أشد اختلافاً".
فشرح الله صدر عثمان t لهذا العمل الحكيم، فجمع الأمة على حرفٍ واحدٍ، ورسمٍ واحدٍ, وهذا هو (المصحف العثماني)، الذي أجمعت عليه الأمة وتلقته بالقبول, وأصبحت القراءة بما يخالف الرسم وإن وافق العربية وصح سنده -كالذي جاء في مصاحف بعض الصحابة والتابعين- شاذةً؛ لكونها شذت عن رسم المصحف الإمام المجمع عليه, فلا تجوز القراءة بها في الصلاة ولا في غيرها.
السؤال: ما الذي جعل المصحف العثماني بهذه المكانة ركناً من أركان القراءة الصحيحة؟
أنه t التزم في جمعه شروطاً محددةً متقنةً, تتمثل في الآتي:
· كل ما كتب في المصحف العثماني فهو منقولٌ نقلاً متواتراً عن رسول الله e.
· لم يكتب في المصحف العثماني إلا القرآن فقط, وأُبعدَ ما سواه مما كان موجوداً في مصاحف الصحابة والتابعين, كالتفسير وبيان الناسخ والنسوخ.
· لم يكتب فيه إلا ما استقر في العرضة الأخيرة, وأهمل ما نسخت تلاوته, نحو "وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينةٍ صالحةٍ غصباً" بزيادة كلمة "صالحة".
· كتبت خاليةً من النقط والشكل, ومتفاوتةً في الإبدال والحذف والزيادة وغيرها, ولكتابته خالياً من النقط والشكل فائدةٌ عظيمةٌ تمثلت في كون عثمان أراد لهذا المصحف أن يشتمل على الأحرف السبعة؛ لأن بعض الكلمات إن لم تنقط وتشكل أمكن قراءتها بأكثر من وجهٍ, كقوله تعالى: "وانظر إلى العظام كيف ننشزها"، ننشزها إذا خلت من النقط والشكل أمكن قراءتها بالراء وبالزاي وقد وردت كلا القراءتين, أما الكلمات التي لا تدل على أكثر من قراءة عند خلوها من النقط والشكل مع أنها واردةٌ بقراءةٍ أخرى فإنهم كانوا يرسمونها في بعض المصاحف برسمٍ، وفي بعضها برسمٍ يدل على قراءةٍ أخرى, مثلاً: فنجد قوله تعالى في سورة التوبة: "لهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار" كتبت في مصحف آخر بدون "من", وكلاهما قراءتان واردتان.
· كتب بلغة قريشٍ, يدل على هذا قول عثمان: "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيءٍ من القرآن, فاكتبوه بلسان قريشٍ, فإنما نزل بلسانهم", ولم يختلفوا إلا في كلمتين التابوت ويتسنَّه.
المراجع:
مناهل العرفان للزرقاني.
المصاحف لأبي داوود السجستاني.
علوم القرآن وإعجازه وتاريخ توثيقه للدكتور عدنان زرزور.