مفهوم "التنابز بالألقاب" عند المفسرين

إنضم
12 أغسطس 2016
المشاركات
112
مستوى التفاعل
12
النقاط
18
العمر
45
الإقامة
المغرب
الموقع الالكتروني
sites.google.com
مفهوم "التنابز بالألقاب" عند المفسرين


قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ١١ [الحجرات: 11]
وقد اختلفوا في أسباب نزولها وذكروا في ذلك أقوالا بعضها ضعيف والآخر صحيح وما صح منها يحتمل السببية وغيرها لذلك أعرضنا عنها. لأن هذه الآية "نزلت في خلق أهل الجاهلية، كان الرجل ويهمز ويلمز وينبز بالألقاب، فنزلت هذه الآية تأديبا لأمة محمدصلى الله عليه وسلم".
وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ مُرَتَّبَةٍ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ وَهِيَ السُّخْرِيَةُ وَاللَّمْزُ وَالنَّبْزُ، الثَّالِثُ: هُوَ النَّبْزُ وَهُوَ دُونَ الثَّانِي [اللمز]، وَتَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ: أَيْ لَقَّبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. فالتنابز: التلقب والنبز واللقب واحد.
فالنَّبَزُ (بِالتَّحْرِيكِ) اللَّقَبُ، وَالْجَمْعُ الْأَنْبَازُ. وَالنَّبْزُ (بِالتَّسْكِينِ) الْمَصْدَرُ، تَقُولُ: نَبَزَهُ يَنْبِزُهُ نَبْزًا، أَيْ لَقَّبَهُ. وَفُلَانٌ يُنَبِّزُ بِالصِّبْيَانِ أَيْ يُلَقِّبُهُمْ، شَدَّدَ لِلْكَثْرَةِ. وَيُقَالُ النَّبَزُ وَالنَّزَبُ لَقَبُ السُّوءِ. والألقاب جمع لقب، هُوَ مَا يُدْعَى بِهِ الشَّخْصُ مِنْ لَفْظٍ غَيْرِ اسْمِهِ وَغَيْرِ كُنْيَتِهِ، وَهُوَ قِسْمَانِ: قَبِيحٌ، وَهُوَ مَا يَكْرَهُهُ الشَّخْصُ لِكَوْنِهِ تَقْصِيرًا بِهِ وَذَمًّا وَحَسَنٌ، وَهُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فاللقب: هو ما يعرف به الإنسان من الأسماء.
فالتَّنَابُزُ بِالْأَلْقَابِ: التَّدَاعِي بِهَا. وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ أي لا يدع أحد أحدا بلقب، قاله ابن قتيبة: «ولا تَنابزوا بالألقابَ» أي لا تتداعَوْا بها.
وللمفسرين في المراد بقوله تعالى: {وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} وجهان:
أحدهما: أنه اللقب الثابت، قاله المبرد.
الثاني: أن النبز القول القبيح، وفيه هنا أربعة أوجه:
أحدها: تعيير التائب بسيِّئات قد كان عملها، رواه عطية العوفي عن ابن عباس.
الثاني: أنه تسمية بالأعمال السيئة بعد الإسلام: يا فاسق، يا سارق، يا زاني، قاله ابن زيد.
الثالث: أنه يعيره بعد الإسلام بما سلف من شركه، يا كافر، يا منافق، قاله عكرمة.
الرابع: أن يسميه بعد الإسلام باسم دينه قبل الإسلام، كقوله: لمن أسلم من اليهود يا يهودي، ومن النصارى يا نصراني،... قاله ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، وعطاء الخراساني، والقرظي.
ويحتمل خامسا: أنه وضع اللقب المكروه على الرجل ودعاؤه به، وبه قال أهل العلم.
وهو ما رجحه الطبري في تفسيره مستندا إلى دلالة العموم، قال: "والذي هو أولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين أن يتنابزوا بالألقاب؛ والتنابز بالألقاب: هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة، وعمّ الله بنهية ذلك، ولم يخصص به بعض الألقاب دون بعض، فغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه، أو صفة يكرهها. وإذا كان ذلك كذلك صحت الأقوال التي قالها أهل التأويل في ذلك التي ذكرناها كلها، ولم يكن بعض ذلك أولى بالصواب من بعض، لأن كلّ ذلك مما نهى الله المسلمين أن ينبز بعضهم بعضا". وقوله هذا يدل على أن اختلاف العلماء في تفسير الآية هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.
فالمراد إذن بهذه الألقاب: ما يكرهه المنادَى به، أو يُعَدُّ ذمَاً له. فأما مستحب الألقاب ومستحسنها فلا يكره، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم عدداً من أصحابه بأوصاف فصارت لهم من أجمل الألقاب، فلا تُكره، كما قيل لعليّ: أبو تراب: ولعبد الرحمن بن صخر الدوسي: أبو هريرة. وَأَمَّا النَّبْزُ بِالْمَرْوَانِ وَمَرْوَانُ الْحِمَارُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ سِمَةً وَنِسْبَةً. قال ابن جزي في التسهيل: وقد أجاز المحدثون أن يقال: الأعمش والأعرج ونحوه إذا دعت إليه الضرورة ولم يقصد النقص والاستخفاف.
قلت: ويضاف في عصرنا هذا قولهم: يا إخونجي يا إرهابي يا وهابي يا متعصب يا متخلف يا سلفي أو يا أبو لحياء على وجه التنقص... إلخ.
انظر تفسير: الطبري، والرازي، وابن الجوزي، والماوردي، والقرطبي، وابن حيان، وابن عطية، وابن جزي، والطاهر ابن عاشور.
 
عودة
أعلى