مفهوم الأحرف السبعة التى نزل عليها القرآن

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع الخطيب
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

الخطيب

New member
إنضم
24/04/2003
المشاركات
113
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
أ.د/ أحمد سعد الخطيب
مسألة الأحرف السبعة التى نزل عليها القرآن من المسائل التى كثر الجدل حول بيان حقيقة المراد منها ، حيث تعددت الآراء فى ذلك لدرجة أن بعضهم حصر من ذلك أربعين قولا ، وفرَّ بعضهم من الخوض فى بيانها مدعيا أن ما ورد فى ذلك من أحاديث مشكل ، يعسر فهمه.
والحرف فى اللغة: يطلق لفظ الحرف فى اللغة على عدة معان منها: ذروة الشئ وأعلاه ، ومنه حرف الجبل أى قمته ، ويطلق أيضا على حرف التهجى ، وعلى طرف الشئ ، وعلى الوجه ، وهو المناسب لموضوعنا.
آراء العلماء حول المراد بالأحرف السبعة:
لقد وردت آراء كثيرة حول هذا الموضوع نختار منها هاهنا أشهرها وأهمها:
1- قيل: الأحرف السبعة هى سبع لغات متفرقة فى القرآن كله وهى لغات قبائل من العرب على معنى أن بعض القرآن نزل بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن...وهكذا، واختار هذا الرأى أبوعبيد القاسم بن سلام وثعلب وابن عطية وآخرون0 ودليلهم عدم معرفة بعض الصحابة القرشيين لبعض ألفاظ القرآن إلا من بعض العرب كما وقع لابن عباس فى كلمة (فاطر) حيث روى عنه أنه قال: لم أكن أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدأتها0 وأجيب عن ذلك بأن عدم معرفة ابن عباس لمعنى هذه الكلمة لا يدل على أن اللفظة غير قرشية لجواز أن يكون قد غاب معناها فقط عن ابن عباس وليس بلازم أن يحيط المرء بكل معانى لغته أو بألفاظها ، بل قيل : اللغة لا يحيط بها إلا معصوم.
ويضاف إلى ذلك أن التوسعة ورفع الحرج والمشقة المقصود من الأحرف السبعة لا يتفق وهذا الرأى لأنه يترتب عليه أن يكون القرآن الكريم أبعاضا ، وأن كل بعض بلغة ، ويلزم من ذلك أن كل شخص لا يقرأ من القرآن إلا ما نزل بلغته.
2- وقيل : الأحرف السبعة هى سبعة أوجه ، هى الأمر والنهى والوعد والوعيد والجدل والقصص والأمثال ، أو هى : الأمر والنهى والحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال0 ورد هذا الوجه بأن التوسعة كما هو مفهوم من الأحاديث والروايات الواردة فى نزول القرآن على سبعة أحرف هى خاصة بالألفاظ وليس بالمعانى ، وذلك بأن تقرأ الكلمة على وجهين أو ثلاثة ، ولا يمكن أن تكون التوسعة فى تحريم حلال ولا فى تحليل حرام ، ولا فى تغيير شئ من المعانى المذكورة.
3- وقيل : الأحرف السبعة هى القراءات السبع0 وهذا قول واه سببه اتحاد العدد بين الأحرف السبعة والقراءات التى اعتمدها ابن مجاهد (ت 324هـ) وجمعها وهى قراءات سبع لقراء سبعة، والواقع أن الأحرف السبعة أعم من القراءات السبع لأنها تشملها وتشمل غيرها ، ومما يدل على قلة إدراك أصحاب هذا القول هو أن هؤلاء القراء السبعة لم يكونوا قد ولدوا وقت أن قال النبى صلى الله عليه وسلم : " أنزل القرآن على سبعة أحرف " فهل معنى ذلك أن هذا الحديث كان عاريا عن الفائدة وبعيدا عن الواقع إلى أن ظهر هؤلاء القراء ؟ وماذا فهم الصحابة إذن من الحديث ؟ وممن ينسب إليهم هذا القول الخليل بن أحمد الفراهيدى (ت170هـ)
وتوجيه موقف الخليل بن أحمد هذا لا يتناسب والتعليل السابق الذى يُرجع السبب فى هذا اللبس الذى يخلط بين القراءات السبعة والأحرف السبعة ، إلى جمع ابن مجاهد (ت324 هـ) للقراءات السبع ، ومن ثم يقول أحد الباحثين ، وهو الدكتور محمد الحبش: وأحب هنا أن أوضح رأي العلامة الجليل الخليل بن أحمد الفراهيدى ، فهو بلا ريـب إمـام العـربيـة وحجـة النحـاة، ولاشـك أن انفـراده بالـرأى هنـا لـم ينتـج من قلة إحاطة أو تدبر، ومثله لا يقول الرأى بلا استبصار، وانفراد مثله برأي لا يلزم منه وصف الرأي بالشذوذ أو الوهن.
وغير غائب عن البال أن الخليل بن أحمد الفراهيدى الذي توفي عام 170 هـ لم يدرك عصر تسبيع القراءات، حيث لم تشتهر عبارة القراءات السبع إلا أيام ابن مجاهد، وهو الذي توفي عام 324 هـ.
ولم يكن الخليل بن أحمد يعني بالطبع هذه القراءات السبع التي تظاهر العلماء على اعتمادها وإقرارها بدءاً من القرن الرابع الهجري، ولكنه كان يريد أن ثمة سبع قراءات قرأ بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وتلقاها عنه أصحابه، ومن بعدهم أئمة السلف، وهي تنتمي إلى أمهات قواعدية لم يتيسر من يجمعها بعد ـ أي في زمن الخليل ـ وأنها لدى جمعها وضبطها ترتد إلى سبعة مناهج، وفق حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف "
وهذا الفهم لرأي الخليل هو اللائق بمكانته ومنزلته العلمية، وهو المتصور في ثقافته ومعارفه زماناً ومكاناً، وبه تدرك أنه لم يكن يجهل أن عصر الأئمة متأخر عن عصر التنزيل وهو أمر لا يجهله أحد.أ0هـ وكلامه هنا يرمى به إلى الرأى الآتى وهو رابع الأقوال.
4- وذهب جمع غفير من العلماء من أبرزهم أبو الفضل الرازى وابن قتيبة وابن الجزرى وغيرهم إلى أن الأحرف السبعة هى سبعة أوجه لا يخرج عنها الاختلاف فى القراءات وهى:
- اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث.
- اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر.
- اختلاف وجوه الإعراب.
- اختلاف بالنقص والزيادة.
- الاختلاف بالتقديم والتأخير.
- الاختلاف بالإبدال.
- اختلاف اللهجات كالفتح والإمالة والتفخيم والترقيق والإظهار والإدغام.
وقد لقى هذا الرأى شهرة ورواجا عند كثير من العلماء وقد تعصب له الشيخ عبد العظيم الزرقانى فى مناهل العرفان ورجحه على غيره وساق الأمثلة لكل وجه منها وقرر أنه الرأى الذى تؤيده الأحاديث الواردة فى هذا المقام ، وأنه الرأى المعتمد على الاستقراء التام دون غيره ، وردَّ على كل اعتراض وجه إليه وإن بدا عليه التكلف فى بعض هذه الردود.
واعترض على هذا الرأى بأن الرخصة فى التيسير على الأمة بناء على هذا الرأى غير واضحة ولا ظاهرة ، فأين الرخصة فى قراءة الفعل المبنى للمعلوم مبنيا للمجهول أو العكس ، وأين هى أيضا فى إبدال حركة بأخرى ، أو حرف بآخر ، أو فى تقديم وتأخير ، فإن القراءة على وجه من هذه الوجوه المذكورة لا يوجب مشقة فى شئ ، يحتاج معها إلى أن يسأل النبى صلى الله عليه وسلم ربه المعافاة لعلة أن الأمة لاتطيق القراءة على وجه واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من هذه الوجوه المذكورة ، كما جاء ذلك فى الأحاديث النبوية التى تحدثت عن قضية نزول القرآن على سبعة أحرف.
5- وذهب سفيان بن عيينة وابن جرير وابن وهب والقرطبى ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء إلى أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات فى كلمة واحدة تختلف فيها الألفاظ مع اتفاق المعانى وتقاربها مثل ( هلم ، أقبل ، تعال ، إلى ، قصدى ، نحوى ، قربى ) فإن هذه سبعة ألفاظ مختلفة يعبر بها عن معنى واحد وهو طلب الإقبال ، والمقصود أن منتهى ما يصل إليه عدد الألفاظ المعبرة عن معنى واحد هو سبعة وليس المقصود أن كل معنى فى القرآن عبر عنه بسبعة ألفاظ من سبع لغات.
وأصحاب هذا الرأى أيدوا كلامهم بأن التيسير المنصوص عليه فى الأحاديث متوفر فىهذا الرأى ثم هم يرون أن الباقى من هذه اللغات الست أو تلحروف الستة هو حرف قريش دون غيرهم.
واعترض على هذا الرأى بأنه يترتب عليه أن يكون عثمان رضى الله عنه قد نسخ الأحرف الستة التى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى مما يقرأ بها0 وأجيب عن ذلك بأن ذلك لا يعد نسخا ولا رفعا ولا إهمالا من الأمة للأحرف الستة الأخرى لأن الأمة قد أمرت بقراءة القرآن وخيرت فى قراءته بأى من الأحرف السبعة ولم يجب عليها قراءته بجميعها ، فاختيار حرف منها لا يعد جرما ولا نسخا للأحرف الباقية خاصة أن الحاجة قد دعت إلى ذلك بعد وقوع الاختلاف والتنازع بين الصحابة فى فتح أرمينية وأذربيجان ، الأمر الذى اضطر عثمان معه إلى جمع المصحف وكتابته بحرف قريش لأن لغة قريش كانت تعتبر مركزا لسائر اللغات العربية ، بسبب موقع البيت الحرام ببلدهم مكة المكرمة وانتقال سائر القبائل إليهم لحج البيت.
وبعد هذا العرض يتضح لنا أنه ما من رأى إلا واعترض عليه بما قد عرفت غير أن الرأيين الأخيرين هما أولى الآراء والأخير منهما أولى الرأيين من وجهة نظرى والله أعلم. ويترتب على هذا الرأى الذى رجحته أن يكون الثابت الآن فى المصحف هو حرف قريش دون غيره ، وعلى الرأى الذى سبقه يكون الثابت فى المصحف العثمانى هو ما احتمله هذا الرسم من الأحرف السبعة.
من فوائد نزول القرآن على سبعة أحرف:
1- التهوين والتيسير على الأمة والتوسعة عليها فى قراءتها للقرآن الكريم0كما تدل على ذلك الأحاديث النبوية الواردة فى هذا المقام ومنها حديث مسلم الذى رواه بسنده المتصل عن أبي بن كعب " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار قال: فأتاه جبريل عليه السلام فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ، ثم أتاه الثانية فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين فقال أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ، ثم جاءه الثالثة فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا "
2- إثراء التفسير والأحكام الشرعية بتعدد الأحرف ، لأن تعدد الأحرف يترتب عليه تعدد المعانى وتزاحمها على سبيل الإثراء والتأييد ، لا على سبيل التعارض أو التناقض.
3- إظهار كمال الإعجاز بغاية الإيجاز لأن كل حرف مع الآخر بمنزلة الآية مع الآية فى دلالتها وفيما اشتملت عليه.
 
يقول الشيخ الخطيب متعه الله بالعافية :
[color=0000FF]واعترض على هذا الرأى بأن الرخصة فى التيسير على الأمة بناء على هذا الرأى غير واضحة ولا ظاهرة ، فأين الرخصة فى قراءة الفعل المبنى للمعلوم مبنيا للمجهول أو العكس ، وأين هى أيضا فى إبدال حركة بأخرى ، أو حرف بآخر ، أو فى تقديم وتأخير ، فإن القراءة على وجه من هذه الوجوه المذكورة لا يوجب مشقة فى شئ ، يحتاج معها إلى أن يسأل النبى صلى الله عليه وسلم ربه المعافاة لعلة أن الأمة لاتطيق القراءة على وجه واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من هذه الوجوه المذكورة ، كما جاء ذلك فى الأحاديث النبوية التى تحدثت عن قضية نزول القرآن على سبعة أحرف.[/color] انتهى

و في الواقع فإن الحكمة من نزول الأحرف السبعة أبعد بكثير من مجرد التيسير و قد شرح ذلك الشيخ الزرقاني في مناهله و عدد العديد من الفوائد للأحرف السبعة مثل بيان حكم من الأحكام و الجمع بين خكمين مختلفين بمجموع القراءتين و الدلالة على حكمين شرعيين في حالين مختلفين و غيرها من الحكم التي تبين كيف[color=FF0000]" أن تنوع القراءات يقوم مقام تنوع الآيات ؛ و ذلك ضرب من ضروب البلاغة يبتدئ من جمال هذا الإيجاز و ينتهي إلى كمال الإعجاز"[/color] .
 
[color=FF0000]جزاك الله خيرا يا أخ / الخطيب

على هذا الطرح والنقل الجميل لمثل هذه المسائل التي تهم اهل التفسير

نفع الله بك وزادك علما وعملا[/color]
 
عودة
أعلى