بودفلة فتحي
New member
- إنضم
- 10/08/2010
- المشاركات
- 295
- مستوى التفاعل
- 1
- النقاط
- 18
مغامرة ومجازفة حفظ القرآن في أزبكستان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسول الله...
من بين البلدان التي كنت أنوي زيارتها أزباكستان ومدنها بخارى وخوارزم وسمرقند وخاصة مدينة طشقند على وجه الخصوص؛ لرؤية المصحف الشريف المنسوب لعثمان رضي الله عنه، كنت أوّد الوقوف على حال المسلمين هناك على أحفاد الإمام البخاري والترمذي والنسائي والخوارزمي والبيروني والزمخشري وغيرهم...، التعرف على ثقافتهم على أعرافهم على اهتماماتهم وانشغالاتهم... على كيفية سدّهم لهذا الثغر الذي كان يضرب به المثل في البعد، فقديما كانوا إذا أرادوا الإشارة إلى أبعد نقطة وصلتها حضارة الإسلام قالوا: "أبعد من فرغانة" وفرغانة ولاية ومنطقة في أزبكستان...
وفي كلّ مرة كنت أعزم على السفر، أتراجع بسبب ما يقال لي من التضييق على المسلمين، ومحاربة الإسلام، ومن الضرائب الباهظة التي تفرض على السياح... وأشياء أخرى كانت تقال لي... منها الصحيح ومنها ما ليس إلاّ مجرد ادّعاء...
وبقيتُ على ذلك أقدّم خطوة وأأخر أخرى، مترددا بين عزمي على السفر ورغبتي فيه وبين تخوفاتي منه بسبب ما يقال لي ويذاع عن تلك البلاد... حتى جاءني خبر اليقين، يوم التقيت بشباب من أزبكستان ... شباب قمّة في الالتزام، قمة في الأدب والأخلاق... شباب يعملون في الصيف في شركات البناء .... وفي الشتاء يتعلمون - بما وفروه في الصيف- في المعاهد الشرعية الحرة...
حدّثوني عن أزبكستان بالعجب العجاب... حدّثوني عن تحطيم المساجد وتفجيرها وتحويل العديد منها إلى متاحف ومخازن ومصانع... عن سجونها ، عن قضائها، عن أمنها، أئمتها..... عن أشياء كثيرة غريبة تجدون بعضها في صفحات النّت...
لكن ما يهمّني منها جميعا، هو ما يتعلق بالقرآن الكريم.
منعت الحكومة التعليم الديني وعلى رأسه تعليم القرآن الكريم....
وكلّ من يُضبط يُعَلّم أو يتعلّم القرآن يسجن لمدّة ثلاث سنوات بلا حكم قضائي ولا هم يحزنون... فإن ضبط مرة أخرى دخل السجن ولم يخرج منه أبدأ...
يمنع على كلّ من لم يتجاوز عمره ثمانية عشر سنة من دخول المساجد...
كلّ من أراد أن يلتحي فعليه أن يستخرج تصريحا حكوميا خاصا، يدفع على أساسه غرامة مالية باهظة الثمن ليحصل على بطاقة تبيح له إرخاء لحيته، والأمر نفسه للأخوات اللواتي يردن التحجب...إلخ.
هذا بعض ما حدّثني به شباب أزبكستان... ومن هؤلاء الشباب أحدهم كلّفه أصدقائي الشيوخ الأزهريون المتواجدون في مدرسة مريم سلطان بمدينة أوفا (في إيطار بعثة أزهرية) كلّفوه بمرافقتي لزيارة المدينة والتسوق في محلاتها ومساعدتي في التعامل مع التجار الروس...
يقول محدثي... كنت صغيرا عمري لا يتجاوز الأربعة عشر سنة، لمـَـا طلبت مني أمي السفر إلى قرية بعيدة عنّا من أجل حفظ القرآن... أخْبَرَتْهُ أنّ حفظ القرآن سهل ولن يتطلب الأمر أكثر من ثلاثة أشهر... وأنّ الأمر ممتع... وأنّ حفظه للقرآن سيجلب الخير والشرف والرزق والصحة و...و... لأسرتهم وقريتهم...
يقول الشاب: فذهبت لتلك القرية والتقيت معلم القرآن، كان باكستانيا متخفيا في تلك القرية منذ سنين يتكفل أهل القرية بمعاشه ويتكفّل هو بتعليم أبنائهم...
يقول في أوّل الأمر صُعب عليَّ حفظ القرآن وكنت كلّما حفظتُ شيئا منه ظننت نفسي تمكّنت منه، نسيته بعد مدّة وجيزة... وهكذا بقيت لا أحفظ شيئا إلاّ وأنساه بعد ذلك.
يقول: ولعل السبب أنّني كنت صغيرا ولم أعتد على الابتعاد عن أمي وإخوتي، وكنت طوال فترة الحفظ أفكّر فيهم وفي قريتي وفي أصدقائي وفي جوّ اللهو واللعب، كلّ ذلك اشتقت إليه ما جعلني لا أركز على الحفظ...
يقول بعد مضي ثلاثة أشهر... عدتُ إلى البيت وقلتُ لأمي... كيف تقولين لي سأحفظ القرآن في ثلاثة أشهر... وها هي ثلاثة أشهر قد مضت ولم أحفظ إلاّ الشيء القليل منه.
وكيف تقولين حفظ القرآن سهل... وأنا لا أستطيع الحفظ إلاّ بشقّ الأنفس...
ومضت كعادتها تحفّزني وتشجعني... وتقول أنت أمل العائلة، أنت شرفها، لا بدّ أن يحفظ القرآن أحد من العائلة... ولو حفظت القرآن دخلنا الجنة بسببك...ولم تزل بي حتى أقنعتني بالعودة إلى تلك القرية... يقول هذه المرة شعرتُ بعزيمة أكبر... كما أصبح الحفظ أسهل وأيسر... قال: من أجل التركيز والتعود على الغربة. قلتُ له: بل هو دعاء أمك يافتى.
قال يصف كيف كانوا يتسترون ويتخفّون في حفظهم للقرآن.
قال: كانت مدرستنا حظيرة غنمٍ، نجلس على روثها ونشم رائحة بولها، نفترش التبن ونتوسد الأحجار...أفضلنا حالا من يجد قطعة جلد أو قماشٍ متسخ يجلس عليه أو ينام...لا ننظف شيئا في تلك الحظيرة مخافة أن يأتي الأمن فيشكّ في أمرها... (حظيرة نظيفة).
وكان أهل القرية يتناوبون على حراستنا... بالقرب من الحظيرة... وخارج القرية... إذا رأوا تحركا للأمن مشبوها أخبرونا قبل أن يصل الجيش أو الأمن إلى القرية...
وهكذا أمضيتُ يقول أكثر من عام أحفظ القرآن حتى أتممت حفظه... وعدتُ إلى أمي... وأنا سعيد مسرور بإتمام المهمة، ولكن ما إن وصلت حتى عادت تقول: يا بني اذهب واطلب العلم، فأنت شرف العائلة... أنت فخرها...إذا كان القرآن يدخلنا الجنّة فالعلم يرفعنا فيها... قال: ولازالت بي حتى هاجرتُ إلى أوفا في بشقرستان أطلب العلم.
يقول محدثي وصديقي: بعد هجرتي، علمتُ أنّه ألقي القبض على المعلم الباكستاني وبقي ثلاثة أشهر في السجن ثمّ خرج من السجن وقد تملّكه الخوف فاعتزل ولم يعد للتدريس... ولكن خلال السنوات الطويلة التي أمضاها يعلّم القرآن خرّج عشرات المعلمين مثله وربّما أحسن منه... وهم الآن يدرسون ويعلمون القرآن في مختلف أرجاء أزباكستان بالطريقة نفسها التي كان أستاذهم يدرّس ويعلّم بها...
هذه هي الأمة المستضعفة... هذه هي الأمة التي يخنقها رئيسها الديكتاتور "إسلام كريموف" والتي يفعل كلّ شيء من أجل أن يبعدها عن الإسلام... يفعل كلّ شيء من أجل أن يوقف تعلم وحفظ القرآن... ولن يستطيع ذلك أبدا مادام في أمة الإسلام مثل هذه الأمهات وهؤلاء الأبناء...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسول الله...
من بين البلدان التي كنت أنوي زيارتها أزباكستان ومدنها بخارى وخوارزم وسمرقند وخاصة مدينة طشقند على وجه الخصوص؛ لرؤية المصحف الشريف المنسوب لعثمان رضي الله عنه، كنت أوّد الوقوف على حال المسلمين هناك على أحفاد الإمام البخاري والترمذي والنسائي والخوارزمي والبيروني والزمخشري وغيرهم...، التعرف على ثقافتهم على أعرافهم على اهتماماتهم وانشغالاتهم... على كيفية سدّهم لهذا الثغر الذي كان يضرب به المثل في البعد، فقديما كانوا إذا أرادوا الإشارة إلى أبعد نقطة وصلتها حضارة الإسلام قالوا: "أبعد من فرغانة" وفرغانة ولاية ومنطقة في أزبكستان...
وفي كلّ مرة كنت أعزم على السفر، أتراجع بسبب ما يقال لي من التضييق على المسلمين، ومحاربة الإسلام، ومن الضرائب الباهظة التي تفرض على السياح... وأشياء أخرى كانت تقال لي... منها الصحيح ومنها ما ليس إلاّ مجرد ادّعاء...
وبقيتُ على ذلك أقدّم خطوة وأأخر أخرى، مترددا بين عزمي على السفر ورغبتي فيه وبين تخوفاتي منه بسبب ما يقال لي ويذاع عن تلك البلاد... حتى جاءني خبر اليقين، يوم التقيت بشباب من أزبكستان ... شباب قمّة في الالتزام، قمة في الأدب والأخلاق... شباب يعملون في الصيف في شركات البناء .... وفي الشتاء يتعلمون - بما وفروه في الصيف- في المعاهد الشرعية الحرة...
حدّثوني عن أزبكستان بالعجب العجاب... حدّثوني عن تحطيم المساجد وتفجيرها وتحويل العديد منها إلى متاحف ومخازن ومصانع... عن سجونها ، عن قضائها، عن أمنها، أئمتها..... عن أشياء كثيرة غريبة تجدون بعضها في صفحات النّت...
لكن ما يهمّني منها جميعا، هو ما يتعلق بالقرآن الكريم.
منعت الحكومة التعليم الديني وعلى رأسه تعليم القرآن الكريم....
وكلّ من يُضبط يُعَلّم أو يتعلّم القرآن يسجن لمدّة ثلاث سنوات بلا حكم قضائي ولا هم يحزنون... فإن ضبط مرة أخرى دخل السجن ولم يخرج منه أبدأ...
يمنع على كلّ من لم يتجاوز عمره ثمانية عشر سنة من دخول المساجد...
كلّ من أراد أن يلتحي فعليه أن يستخرج تصريحا حكوميا خاصا، يدفع على أساسه غرامة مالية باهظة الثمن ليحصل على بطاقة تبيح له إرخاء لحيته، والأمر نفسه للأخوات اللواتي يردن التحجب...إلخ.
هذا بعض ما حدّثني به شباب أزبكستان... ومن هؤلاء الشباب أحدهم كلّفه أصدقائي الشيوخ الأزهريون المتواجدون في مدرسة مريم سلطان بمدينة أوفا (في إيطار بعثة أزهرية) كلّفوه بمرافقتي لزيارة المدينة والتسوق في محلاتها ومساعدتي في التعامل مع التجار الروس...
يقول محدثي... كنت صغيرا عمري لا يتجاوز الأربعة عشر سنة، لمـَـا طلبت مني أمي السفر إلى قرية بعيدة عنّا من أجل حفظ القرآن... أخْبَرَتْهُ أنّ حفظ القرآن سهل ولن يتطلب الأمر أكثر من ثلاثة أشهر... وأنّ الأمر ممتع... وأنّ حفظه للقرآن سيجلب الخير والشرف والرزق والصحة و...و... لأسرتهم وقريتهم...
يقول الشاب: فذهبت لتلك القرية والتقيت معلم القرآن، كان باكستانيا متخفيا في تلك القرية منذ سنين يتكفل أهل القرية بمعاشه ويتكفّل هو بتعليم أبنائهم...
يقول في أوّل الأمر صُعب عليَّ حفظ القرآن وكنت كلّما حفظتُ شيئا منه ظننت نفسي تمكّنت منه، نسيته بعد مدّة وجيزة... وهكذا بقيت لا أحفظ شيئا إلاّ وأنساه بعد ذلك.
يقول: ولعل السبب أنّني كنت صغيرا ولم أعتد على الابتعاد عن أمي وإخوتي، وكنت طوال فترة الحفظ أفكّر فيهم وفي قريتي وفي أصدقائي وفي جوّ اللهو واللعب، كلّ ذلك اشتقت إليه ما جعلني لا أركز على الحفظ...
يقول بعد مضي ثلاثة أشهر... عدتُ إلى البيت وقلتُ لأمي... كيف تقولين لي سأحفظ القرآن في ثلاثة أشهر... وها هي ثلاثة أشهر قد مضت ولم أحفظ إلاّ الشيء القليل منه.
وكيف تقولين حفظ القرآن سهل... وأنا لا أستطيع الحفظ إلاّ بشقّ الأنفس...
ومضت كعادتها تحفّزني وتشجعني... وتقول أنت أمل العائلة، أنت شرفها، لا بدّ أن يحفظ القرآن أحد من العائلة... ولو حفظت القرآن دخلنا الجنة بسببك...ولم تزل بي حتى أقنعتني بالعودة إلى تلك القرية... يقول هذه المرة شعرتُ بعزيمة أكبر... كما أصبح الحفظ أسهل وأيسر... قال: من أجل التركيز والتعود على الغربة. قلتُ له: بل هو دعاء أمك يافتى.
قال يصف كيف كانوا يتسترون ويتخفّون في حفظهم للقرآن.
قال: كانت مدرستنا حظيرة غنمٍ، نجلس على روثها ونشم رائحة بولها، نفترش التبن ونتوسد الأحجار...أفضلنا حالا من يجد قطعة جلد أو قماشٍ متسخ يجلس عليه أو ينام...لا ننظف شيئا في تلك الحظيرة مخافة أن يأتي الأمن فيشكّ في أمرها... (حظيرة نظيفة).
وكان أهل القرية يتناوبون على حراستنا... بالقرب من الحظيرة... وخارج القرية... إذا رأوا تحركا للأمن مشبوها أخبرونا قبل أن يصل الجيش أو الأمن إلى القرية...
وهكذا أمضيتُ يقول أكثر من عام أحفظ القرآن حتى أتممت حفظه... وعدتُ إلى أمي... وأنا سعيد مسرور بإتمام المهمة، ولكن ما إن وصلت حتى عادت تقول: يا بني اذهب واطلب العلم، فأنت شرف العائلة... أنت فخرها...إذا كان القرآن يدخلنا الجنّة فالعلم يرفعنا فيها... قال: ولازالت بي حتى هاجرتُ إلى أوفا في بشقرستان أطلب العلم.
يقول محدثي وصديقي: بعد هجرتي، علمتُ أنّه ألقي القبض على المعلم الباكستاني وبقي ثلاثة أشهر في السجن ثمّ خرج من السجن وقد تملّكه الخوف فاعتزل ولم يعد للتدريس... ولكن خلال السنوات الطويلة التي أمضاها يعلّم القرآن خرّج عشرات المعلمين مثله وربّما أحسن منه... وهم الآن يدرسون ويعلمون القرآن في مختلف أرجاء أزباكستان بالطريقة نفسها التي كان أستاذهم يدرّس ويعلّم بها...
هذه هي الأمة المستضعفة... هذه هي الأمة التي يخنقها رئيسها الديكتاتور "إسلام كريموف" والتي يفعل كلّ شيء من أجل أن يبعدها عن الإسلام... يفعل كلّ شيء من أجل أن يوقف تعلم وحفظ القرآن... ولن يستطيع ذلك أبدا مادام في أمة الإسلام مثل هذه الأمهات وهؤلاء الأبناء...