بسم1
اختي الكريمة دانية خلف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل أن أشرع بتبسيط المسألة فيما يتعلق بسؤالك ، أود أن انبه لجانب هام في فهم النص القرآني وهو ربط الموضع المراد فهمه بالسياق والسباق واللحاق أي نربط الجملة أو الآية أو الكلمة بسياق الحديث وكذلك بما يسبقها وبما يتلوها من الآيات وذلك لكي نصل لفهم سليم ، وإذا طبقنا هذا المبدأ على سورة الماعون (موضع السؤال) نقول وبالله التوفيق :
يقول الحق سبحانه وتعالى :
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) } سورة الماعون
يكشف الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين صفات أهل النفاق الذين يظهرون الاسلام بشعائره ولكن قلوبهم تخلو من الإيمان ، ويحذر بذلك المؤمنين بأنهم لو توافرت فيهم هذه الصفات فسينضمون لمن يكذب بالدين ، فهم لا يؤدون العبادات إلا لكي يراهم المؤمنين فيعتقدون أنهم منهم ، فيقول تعالى (
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) في سؤال يتبعه جواب ، فعقب على السؤال بحرف الفاء التي تربط الآية بما قبلها : (
فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) وهذه أولى الصفات بالمنافقين فالولاية على مال اليتيم من مغريات المنافقين وقليلي الايمان للعبث به وأكله بالباطل ، وولاية مال اليتيم عهد على من بيده الولاية فإن نقض هذا العهد فقد انتفى الإيمان عنه لذلك حث المؤمنين على الوفاء بالعهد بعمومه وبالأخص في حفظ مال اليتيم لما يترتب على هذا النقض من إفساد لحياته واستغلال لضعفه عن طلب حقه واستغلال عدم وجود والده للاستيلاء على ماله وقد يكبر ولا يعلم بما حدث لماله في صغره.
(
وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ) وهذه صفة أخرى تضاف لما قبلها أتبعها قوله تعالى (
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) والفاء تربط السياق بما قبله ، و
المصلون المؤدون للصلاة ولم يقل المؤمنون ، فإتيان الصلاة لا يعد دليل إيمان ، ومن صفات هؤلاء المصلين الذين يدعّون اليتيم (يدفعونه بقسوة وعنف عن حقه) ولا يحضون على طعام المسكين :
السهو عن الصلاة :
فهم الذين يسهون عن صلواتهم (
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) : فهم يتركون فروضاً ويأتون أخرى ، ولم يقل (
في صلاتهم ساهون) لأن
السهو في الصلاة وارد وممكن لذلك شرع الله سجود السهو ، والمراد تركهم لفروضهم وصلواتهم لأنهم في الأصل منافقين وذلك مصداق لقول النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إنَّ أثقلَ الصَّلاةِ علَى المُنافقينَ صلاةُ العشاءِ وصلاةُ الفجرِ . ولَو يعلَمونَ ما فيهِما لأتوَهما ولَو حَبوًا
الرياء :
(الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ) : فهم لا يؤدون الطاعات والصلوات إلا لكي يراهم الناس فيحسبون أنهم مؤمنون .
الامتناع عن إعانة الناس:
(
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) والماعون يشمل كل ما يعين الناس من الأدوات وغيرها مما يدفعه الناس بينهم ليعينوا بعضهم البعض ، لذلك فإن بخلهم الشديد وصل إلى أتفه الأشياء وأقلها قيمة وهي ما يستعيره الناس بينهم وقد ذمهم الله في مواضع كثيرة وذم بخلهم بالخير عن الناس فيقول تعالى {
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [آل عمران:180]
فالمؤمن يعلم بأن ما رزقه الله من خير سواء كان مال أو عين إنما هو من فضل الله ، ولا ينبغي البخل به ويظن أنه ببخله يحافظ على ما يملك وهذا خير ولكنه في الحقيقة شر عليه ووبال يوم القيامة.
الخلاصة :
أن قوله تعالى : (
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) إنما يقصد بهم المنافقين الذين يتجاهلون صلواتهم ويتركونها ولا يؤدونها في وقتها كما أمر الله تعالى
فيسهو عن الصلاة وليس المقصود من
يسهو في الصلاة فالسهو في أثناء تأدية الصلاة مما يجوز حصوله على ابن آدم ويجبره بسجود السهو ولكن فوات الفرض وترك وقته يمضي بدون تأديته فهو السهو عن الصلاة برمتها.
أرجو أن أكون أجبت عما تفضلتي به والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم