معنى العلة ( لكي لا نظلم مفسرينا رحمهم الله )

إنضم
08/08/2004
المشاركات
48
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
العراق - الأنبار
كثيراً ما توافق القارئ في كتب التفسير وإعجازه وفي كتابات البلاغيين عبارة : (العلة ) بمعنى السبب الباعث على اختيار لفظة ما دون أختها ومرادفتها أو الموجب لاختيار تعبير دون آخر ، بل شاع اسلوب التعليل في كتبهم حتى لا يكاد تفسير أو كتاب في علوم القرآن أو إعجازه يخلو من مثل هذا التعبير أو مشابهٍ له له نفس دلالته .ففي تفسير الطبري نجده يقول:
فإن قال: وما العلة التي أوجبت عليها الثباتَ على حرف واحد دون سائر الأحرف الستة الباقية؟
و: وأما وَجْهُ دخول الألف واللام في"السُّفهاء"، فشبيه بوجه دخولهما في"الناس" في قوله: ( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس)، وقد بيَّنا العلة في دخولهما هنالك، والعلةُ في دخولهما في"السفهاء" نظيرتها في دخولهما في"الناس" هنالك، سواء.
وفي تفسير القرطبي (( 1 )):
ولا يجوز عند الحذاق من النحويين أن يكتب " يرجو " إلا بغير ألف إذا كان لواحد، لان العلة التي في الجمع ليست في الواحد.و (( 2 )) : كرهوا ضم الضاد في ضيزى، وخافوا انقلاب الياء واوا وهي من بنات الواو، فكسروا الضاد لهذه العلة
و (( 3)) : قال الفراء: العلة الجالبة لهذه الواو أن الله تعالى أخبرهم أن آل فرعون كانوا يعذبونهم بأنواع من العذاب غير التذبيح
وفي تفسير البحر المحيط (( 4 )) : ولا أدري ما العلة في العدول عن جعل أنتم المبتدأ ، وهؤلاء الخبر ، إلى عكس هذا
و (( 5 )) : العلة في تحريم الاستقسام بالأزلام كونها يؤكل بها المال بالباطل ، وفي معالم التنزيل (( 6 )): واختلفوا في العلة الجالبة للام في قوله : ( لإيلاف)
وغير هذا كثير .
ولقد تختلف أقوالهم في تعليل التعبير الواحد بعلل شتى ، ولما كان تعليل كلام الله القرآن بهذه العلة أو تلك حكمٌ على أن مراد الباري عز وجلَّ ما يقوله المفسر نصاً ، وهذا أمرٌ يحتاج للتوقيف للقول به ؛ لذلك يستغْرِب بعض من لم يفهم عبارات الأوائل ومقاصدهم من مفسرينا رحمهم الله التساهل في إطلاق مثل هذه العبارات في طيات تفاسيرهم .
الأمر الذي دعاني ، في عجالة أرجو أن أعود لإتمامها قريباً ، للبحث في معنى العلة عموماً ومن ثم التطرق لمعناها عند أهل كل فنٍ وعلم ، مما يدفع هذه الشبهة عن مفسرينا رحمهم الله .

فـ ( العِلَّة ) لغةً بالكسر : المرض ، ( عُلَّ الإنسانُ ) بالبناء للمفعول : مَرِضَ ، ( يُعَلّ واعْتلَّ ) ، ومنهم من يبنيه للفاعل من باب ( ضرب ) ، فيكون المتعدي من باب ( قتل )( أعلَّه الله ُتعالى ) فهو مُعَلٌّ وعَلِيْلٌ ، و ( اعْتَلَّ ) : إذا مرِض ، و (رجلٌ عليلٌ ) : ذو علَّةٍ ، و ( أعلَّه ) : جعله ذا عِلَّة ، ومنه ( إعلالات الفقهاء ) ، و ( اعتلالاتهم ) ،
و ( عللته عللا ) من باب ( طلب ) : سقيته السقية الثانية ، و ( عل هو ، يعل ) من باب
( ضرب ) : إذا شرب ، و ( اعتلَّ ) : إذا تمسَّك بحجةٍ . (( 7 )) .
وجاء في القاموس المحيط : (( ولا تقل : ( معلول ) ، والمتكلِّمون يقولونها ، ولستُ منه على ثَلَجٍ ))(( 8 )) وجعله النووي لحناً ، وأيده السيوطي (( 9 )) ، بيد أنَّ صاحب
( المغرب ) ينقلها عن شيخه أبي علي (( 10 )) ، وفي المصباح : (( ( أعلَّه الله ) فهو :
( معلولٌ ) ، قيل : من النوادر التي جاءت على غير قياس . وليس كذلك ، فإنَّه من تداخل اللغتين ، والأصل ( أعلَّه الله ) ، فهو ( معل ) ، أو من ( عَلَّه ) ، فيكون على القياس . وجاء ( مُعَلٌّ ) على القياس ، لكنَّه قليل الاستعمال ))(( 11 )) ، وبهذا التقليل يندفع تجويد الحافظ العراقي والسيوطي لـ (معلّ ) (( 12 )) .
كما تأتي أيضاً بمعنى ( السبب ) جاء في لسان العرب : (( (هذا علَّة لهذا ) ، أي : سَبَب ٌ، وفي حديث عائشة : (( فكان عبدُ الرحمن يضرب بِعلَّة الراحلة ، أي : بسببها ، يُظْهِرُ أنَّه يَضْرِب جَنْبَ البعير برجله وإنَّما يضْربُ رجلي ... ا.هـ (( 13 )) )) (( 14 )) ، وقيل : وهذا المعنى هو المناسب للمعنى الاصطلاحي ؛ لأنَّ العلة سَبَبٌ في ثبوت الحكم في الفرع المطلوبِ إثباتُ الحكمِ له (( 15 )) .
و (العِلَّة ) لغةً في كتب ( الاصطلاحات ) : معنى يحلُّ بالـمحلِّ فيتغيَّر به حال الـمحلِّ ، ومنه سـمِّيَ المرضُ عِلَّةً ؛ لأنَّه بحلوله يتغيَّر الحال من القوَّة إلى الضعف (( 16 )) وزاد صاحب التعريفات : بلا اختيار (( 17 )) ، وذكر قولا آخر يعرِّفها بأنَّها : ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون خارجا مؤثرا فيه (( 18 )) .
و ( العِلَّة ) في الشريعة : عبارة عمَّا يجب الحكم به معه (( 19)) .
وعند الأصوليين : المعرِّف للحكم . وقيل المؤثِّر بذاته بإذن الله . وقيل الباعث عليه و ( العلة القاصرة ) عندهم : هي التي لا تتعدَّى محلَّ النصِّ (( 20 ))
وهي عند المتكلمين وأصحاب الميزان : ما يتوقف عليه ذلك الشيء . وهي قسمان : ( عِلَّة الماهيَّة ) و ( علَّة الوجوب ) ، وفيها تقسيمات متشعبة (( 21 )) .
وعند الصوفيين : تنبيه الحقِّ لعبده بسببٍ وبغير سببٍ (( 22)) .
و ( العِلَّة ) في ( علم العروض ) : التغيير في الأجزاء الثمانية سواءٌ أكان في العروض أم الضرب (( 23)) .
وعند الـمُحَدِثِين (( سببٌ غامِضٌ قادِحٌ مع أنَّ الظاهِر السَّلامة منه ))(( 24)). و ( عِلل المتكلمين ) التي شَبَّه ابنُ جنيٍّ عللَ النحاةِ بها ، وصفَها هو نفسُه بأنَّها : إحالاتٌ على الحسِّ ، يحتجُّون فيها بِثِقلِ الحال أو خفَّتها على النَّفس ، على العكس من عِلَل الفقهاء ، برأيه ؛ لأنَّها إنَّما هي أعلامٌ وأماراتٌ لوقوع الأحكام ، ووجوهُ الحكمة فيها خفيَّة عنَّا ، غيرُ بادية الصفحة لنا (( 25)) .
وقول ابن جني المذكور آنفاً ( إنَّ عِلل النحاة أقربُ إلى عِلل المتكلمين منها إلى علل الفقهاء ) صحيحٌ عند من قال : إنَّ العلَّة هي المعرِّف للحكم ، أي : عَلمٌ عليه ، أو : أمارةٌ وعلامةٌ ؛ لذلك قالوا : متى ما وجد المعنى الـمُعلَّلُ به عُرِفَ الحكمُ ، إشارةً إلى أنَّ العلَّة غير مؤثرة حقيقةً ، وليست موجبةً للأحكام ، وهو اختيار البيضاوي وكثيرٍ من الأحنافِ وبعضِ الحنابلة (( 26 )) .
لكنَّ من الفقهاء والأصوليين من قال بأنَّها الوصف المؤثِّر في الأحكام ، وعبارة الغزالي واضحةٌ في المعنى : (( و ( العِلَّة ) في الأصل : عبارة عمَّا يتأثَّر المحل ُّبوجوده ؛ ولذلك سُمِّيَ ( المرضُ ) علَّةً ، وهي في اصطلاح الفقهاء على هذا المذاق ))(( 27)).
ويبدو أنَّ ابن جني ، رحمه الله تعالى ، اعتمد في حكمه السابق على الحدِّ الأوَّل ، وإلا فإنَّ الغزاليَّ نفسه قال عن علل الفقهاء : (( وهي كالعلل العقلية في الإيجاب ، إلا أنَّ إيجابها بجعل الشارع إياها موجِبة لا بنفسها )) (( 28)) ، وقد يُعْتَذَرُ لكلام ابن جني هنا بأنَّ مقصد الغزالي أنَّ وجود العلة يستلزِم وجود المعلول عندها لا بها ، أي : إنَّ الإيجاب غير الوجوب ، ولكن لا يستقيم هذا الاعتذار مع تعريف المعتزلة للعلة ( وابن جني معتزلي ) فقد قالوا : (( العِلَّة : هي الوصف المؤثِّر بذاته في الحكم )) (( 29 )) ، فالعِلَّة عند فقهاء المعتزلة موجِبةٌ للحكم ؛ لذلك قال الشيخ جلال الدين الدواني ، ناقلاً عن المعتزلة :
(( قالوا : للفِعْلِ في نفسه ، مع قطعِ النظرِ عن الشرعِ ، جِهَةُ حُسْنٍ أو قُبْحٍ ...))(( 30 )) ، وبهذا يترجَّح أنَّ ابن جني تحدَّث عن تعليلات الأحناف ، بدليل عبارتِه : ( إنـَّما هي أعلامٌ وأمارات لوقوعِ الأحكام ) .
ومـمَّا جعلني أستفيض في طرح هذا المشكل ، ما قد يُسْتَشْعَر من القول بأنَّ عِلَّة التعبير التي تشيع في كلام المفسرين ، قد لا تكون هي المقصودة في التعبير ، أو هي تقوُّلٌ على الله عزَّ وجلَّ وحاكمة ٌعلى المقصد ، ولا دليل غير الحسِّ على أنَّ المراد من التعبير هذا الاختيار أو ذاك ، وهذا صحيح ٌ لو اعتُقِد عند القول بالعلَّة أنَّها الموجِبة للتعبير ، ولكنَّ ظاهر عبارات المفسرين على معنى العلَّة عند البيضاوي وغالبية الأحناف وبعض الحنابلة ، من أنَّ القول بالعلَّة هو علامةٌ أو أمارةٌ على الحكم لا موجِبٌ له .
ومعنى ( الخفاء ) يكاد يقترن بدلالة لفظة ( العلة ) كما أشار ابن جني وهو يُشبه مصطلح ( الغموض ) الوارد في حدِّ الـمحدِّثين للعلَّة . بل قيل فيه : ( وكلُّ من جاء بعد ابن الصلاح وعرَّف الـمُعلَّ اشترط فيه خفاء العلة ....) (( 31 )) ، الأمر الذي يـمكِّنني من القول : إنَّ لفظ ( العلل) الذي يكثر ذكره في مباحث المفسرين والبلاغيين ، مزيداً على ( التعبير القرآني ) ، ليس مصطلحاً يحمِل في مفهومه ما حملته هذه المصطلحات ، بل هو باقٍ على دلالته اللغوية ، استُعمِل كثيراً في كتب القدماء ، تارةً باسم ( العلَّة ) (( 32 )) ، وأخرى بالفعل ( علَّلَ )(( 33 )) ، وثالثة بتسمية ( النكته )(( 34 )) ، ولكن بقي يتعلق كما تعلق غالب هذه المصطلحات بالمعنى الغامض ، وما يُـبحث عنه ليكون سبباً في هذا التعبير أو ذاك ، ولـمَّا كان المفسِّر باحثاً عن إعجاز القرآن ، مفتِّشاً عنه ، كان ديدنه الغوص إلى غوامض التعابير ، ومخفيِّ المعاني ؛ ليقول به سبباً وعلَّةً لاختيار هذه اللفظة أو تلك ، ومجيء التركيب على هذا النحو أو ذاك ، ومقصد بحثه ليس الحكم بنصِّـيَّة العلَّة في التعبير ، بل قد لا يُعْنى بعلَّة النَّصِّ على جهة الإثبات ، بقدر اهتمامه بالعلَّة التي يقولها المفسِّر وبحثِهِ فيها ؛ لأنَّها شكَّلت نشاطاً لغويا وأدبياً يمكن أن يفيد منه الدرسُ اللغوي .
[line]


(( 1)) ينظر : تفسير القرطبي 14 / 15 .
(( 2)) ينظر : تفسير القرطبي 17 / 103.
(( 3)) ينظر : تفسير البغوي 4 / 336.
(( 4)) ينظر : تفسير البحر المحيط 1 / 377 .
(( 5)) ينظر : تفسير البحر المحيط 4 / 356 .
(( 6)) ينظر : معالم التنزيل 8 / 191 .
(( 7)) ينظر : القاموس المحيط ( علل ) .
(( 8)) القاموس المحيط ( علل ) .
(( 9)) ينظر :التقريب مع التدريب ( 1/251) ، وتدريب الراوي ( 1/251) .
(( 10)) ينظر : المغرب ( علل ) .
(( 11)) المصباح المنير ( علل ) .
(( 12)) ينظر : شرح التبصرة (1/ 225) .
(( 13)) ينظر : صحيح مسلم ( 2/880) .
(( 14)) اللسان ( علل ) ، وينظر : الصحاح ( علل ) .
(( 15)) ينظر : مباحث العلة في القياس عند الأصوليين (69) .
(( 16)) ينظر : التعاريف ( 1 / 522-523 ) ، و التعريفات ( 1 / 201) ، والتوقيف على مهمات التعاريف 1/523).
(( 17)) ينظر: التعريفات ( 1 / 201) .
(( 18)) ينظر: المصدر نفسه ، المكان نفسه .
(( 19)) ينظر: المصدر نفسه ، المكان نفسه .
(( 20)) ينظر : منهاج الوصول (3/ 37) ، ونشر البنود (2/ 129) ، وشرح الكوكب المنير ( 48) ، وشفاء الغليل (2 -21) ، ونهاية السول (3/39) ، والتعاريف (1/ 523) ، والتوقيف على مهمات التعاريف ( 1 / 523) .
(( 21)) ينظر : التعاريف ( 1 / 523) ، والتعريفات ( 1 / 202) ، التوقيف على مهمات التعاريف ( 1 / 523) .
((22 )) ينظر : التعاريف(1/ 523) ، والتوقيف على مهمات التعاريف ( 1 / 523) .
((23 )) ينظر : الوافي في علم العروض والقوافي ( 132) ، والتعريفات ( 1 / 201) .
((24 )) التقريب مع التدريب ( 1/252) .
((25 )) ينظر : الخصائص ( 1/48) ، وعلل الإعراب والحركات الإعرابية ( 57) .
((26 )) ينظر : إرشاد الفحول (207 ) وحاشية الإزميري ( 2/298-299) .
((27 )) شفاء الغليل (20-21) ، وينظر : المستصفى (1/ 59-60).
((28 )) شفاء الغليل ( 569 ).
((29 )) ينظر : البحر المحيط في أصول الفقه ( 3/165) ، ونهاية السول (3/39) .
((30 )) حاشية الكلنبوي ( 2/ 213-214).
((31 )) أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء (13) .
((32 )) ينظر : تفسير البيضاوي ( 2/ 152) ، والقرطبي ( 4/271) ، والطبري ( 4/148) والثعالبي (4/212) ،و فتح القدير (2/288) .
(( 33)) ينظر : تفسير فتح القدير ( 5/468) ، وزاد المسير ( 1/89) ، وتفسير أبي السعود ( 7/ 141) .]
(( 34)) ينظر : تفسير البيضاوي ( 2/95) ، وتفسير أبي السعود ( 2/161) ، وفتح القدير ( 1/137) .
 
متابعون

متابعون

مواصلون معك دكتور ابو عائشة وباهتمام شديد
وفقكم الله[/
color]
 
تخطئة : علّل والتعليل

محمد خليل الزَّرُّوق

تقديم :
هذا اللفظ المخطَّأ هو : علّلَه تعليلاً ، على معنى : نَظَر في علّته ، أو ذكر علته ، والعلة بمعنى السبب . وهومستعمل من قديم في العلوم ، كالعربية والكلام والفلسفة ، ومن استعماله في الشعر قول ابن سناء الملك :
ورب مليحٍ لا يُحَبّ ، وضدُّه يُقَبَّلُ منه العينُ والخدّ والفمُ
هوالْجَدّ خذْهُ إن أردت مسلّمًا ولا تطلب التعليل ؛ فالأمر مبهَمُ
(الْجَدّ : الحظّ).
ولم أر من تكلم عليه إلا الشيخ الأستاذ محمد علي النجار في كتابه الموسوم بـ " لغويات " ، وهو كتاب جمع فيه بعض ما كان ينشره في مجلة الأزهر بهذا العنوان ، وقال في مبحث هذا اللفظ : " وقد تحدث بعض المعنيين بالعربية في عربية هذا الأسلوب " ، وقال : " ومن ثَمّ أنكر بعض الباحثين هذا الاستعمال " ( ص141و142 ) . وهذا يفيد أن له سابقًا في الكلام عليه ، ولا أدري : أسَبْقُه شفويّ أم كتابيّ ؟
ونقل كلام الشيخ بألفاظه واقتباسه وشواهده : محمد العدناني ، في كتاب : معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة ( ص461 ) ولم ينسبه إليه.

* * *

الأصل :
وأصل هذه المادة : علّ يعِلّ ويعُلّ ، من بابي ضرب ونصر؛ أي شَرِبَ شُرْبًا ثانيًا ، والمصدر : العَلّ والعَلَل ، والشرب الأول النَّهَل . وذلك أصل واحد ، لا ثلاثة أصول كما ذهب ابن فارس في معجم المقاييس ، فجعل الأصل الأول : تكرارًا ، والثاني : عائقًا ، والثالث : ضعفًا ( 4/12 ) - لأن العلة بمعنى الحدث الذي يشغل ، وبمعنى المرض ، ترجع إلى أصل التكرار ، وما أحسن ما فسّر به الشيخ النجار ! ولم أجده في المعجمات ؛ إذ ردّ العلة بمعنى المرض إلى الحمّى تعتادالإنسان بعَرَقها ، ثم أُطلق على كل مرض ، والعلة بمعنى الشاغل من تشبيه الشاغل بالمرض الذي يحجِز عن العمل ، والعلة بمعنى العذر من تشبيه العذر بالمرض ؛ لأن المريض يسقط عنه اللوم والمعتبة ، ولما كان العذر سببًا يتمسّك به المعتذر أطلقت العلة على السبب . وأظن أن منه : لعلّ ، وهي حرف رجاء لما يُستقبل وإشفاق ، ومايُستقبَل تالٍ للحاضر .
وجاءت العلة بمعنى العذر أو السبب في حديث عائشة - رضي الله عنها - في صحيح مسلم ( حديث 1211 ) ، وذلك قولها تعني أخاها عبد الرحمن - رضي الله عنه - : " فيضرب رجلي بعلة الراحلة " ؛ أي : يُظهر أنه يضرب البعير ، وإنما يضرب رجلها " .
وجاءت بهذا المعنى في قول البخاري في عنوان باب : لاصدقة إلا عن ظهر غنًى : " .. فليس له أن يضيِّع أموال الناس بعلة الصدقة " .
وفي المثل : " لا تَعْدَمُ الخرقاء علة " .
وفي المادة من الأفعال : علّ ،وأعَلّ ، وعلّل ، وتعلّل ، واعتلّ ، وعالَل ، وتعالَل .
والمقصود في هذه الكلمة من هذه الأفعال : علّل ، على وِزان : فعّل ، وهو الْمُخَطّأ بالمعنى المذكور ، ومصدره : التعليل . واعتلّ ، على وِزان : افتعل ؛ لما سأبينه ، إن شاء الله ، ومصدره : الاعتلال .
* * *
معنى علَّل :
وما جاء من معنى علّل في المعجمات :
1- علّله : سقاه مرة بعد مرة . ومن ذلك قول رجل من كِنْدة يذكر أخْذ امرئ القيس بثأره :
وأقام يُسقَى الخمرَ في عرَصاتهم ملكٌ يُعَلّ شرابَه تعليلا
(شرح القصائد السبع ص12 ) . والشاهد في قوله : " تعليلا " ، وهو مصدر خالف بينه وبينفعله ، كما قال الله تعالى : ) وتبتّل إليه تبتيلا ).

2- والتعليل : جنْيُ الثمرة مرة بعد أخرى . ذكره صاحب الصحاح . وجاني الثمرة هكذا يقال له : الْمُعَلِّل ، كما في التاج .

3- والمعلِّل : الْمُعين بالبِرّ بعد البِرّ ، عن ابن الأعرابي .

4- وعلّله : طيّبه مرة بعد أخري ، وعليه قول امرئ القيس في القصيدة المعروفة :
فقلت لها : سِيري وأرخي زمامه ولا تُبعديني من جناك المعلَّل
إذارُوي على اسم المفعول .

5- وعلّله : شغله وألهاه . وفُسّر به قول امرئ القيس إذا روي على اسم الفاعل ، أي : المعلِّل . ومنه يقال : علّلتِ المرأةُ صبيَّها بشيء من المرَق والخبز ؛ ليَجْزَأ به عن اللبن . وقال جرير :
تُعَلِّل - وهي ساغبة - بنيها بأنفاسٍ من الشَّبِم القَراحِ
(السغَب : الجوع ، والقَراح : العَذْب ، والشبِم : البارد ، والنفَس من الماء : الذي يروي ويكفي . يذكر امرأته ،ويسْتَنْزل عطاء عبد الملك بن مروان ) . ويقال : فلان يعلّل نفسه بتَعِلّة . وعلّله بحديث أو طعام . والمعلِّل : يوم في آخر الشتاء يعلّل الناس بشيء من تخفيف البرد .

* * *

شواهد من الشعر :
وأكثر ما جاء علّل والتعليل في الشعر على هذا المعنى الأخير ، معنى الإلهاء والشَّغْل والصَّرْف والتسلية عن الشيء .
قال عبدة بن الطبيب :
ثم اصْطَبَحْتُ كُمَيْتًا قَرْقَفًا أُنُفًا من طيّب الرّاح ، واللّذاتُ تعليلُ
(كُميت : بين الأسود والأحمر ، وقَرْقَف : يُرْعِد شاربَه ، وأُنُف : لم يُشرَب ، واصطبح : شرب صباحًا).

وقال عَدِيّ بن الرِّقاع :
تصطادُ بهجتُها الْمُعَلَّلَ بالصِّبا عَرَضًا ، فتُقْصِدُه ، ولن يصطادَها
(البهجة : الحسن ، وتُقصده : تقتله مكانَه)..

وقال جرير :
كم قد قطعن إليك من مُتَماحِلٍ جدْبِ الْمُعَرَّج ، ما به تعليلُ
(متماحل : بعيد الأطراف ، والمعرّج : الْمُناخ ؛ أي للإبل ، ما به تعليل : ما به مرعًى تُعلَّل به الإبل).

وقال جرير أيضًا :
أجِدَّكَ لا يصحو الفؤاد الْمُعَلَّلُ وقد لاح من شيبٍ عِذارٌ ومِسْحَلُ
(أجِدَّك : أحقًّا ، والعِذار : شعر جانب الوجه ،والمِسْحل : ما تحت الذَّقَن)

وقال الأحوص :
أزعمتِ أن صبابتي أكذوبة يومًا، وأن زيارتي تعليلُ

وقال ابن الرومي :
فهلاّ بذلتِ الوعد ثم مطلتِه فعلّلْتِ تعليلَ المجامل ذي الْمَطْلِ
* * *

حجج التصحيح :
فهذا هو معنى هذا اللفظ واستعماله، ولم يجئ بمعنى ذكر العلة أو السبب ، فيما أعلم . إلا في ما لا يُحتَجُّ به أو فيه شبهة سنكشفها ، إن شاء الله .

1- فمن ذلك ما صحّح به الشيخ محمد علي النجار هذا الاستعمال ، وهو أنهم قالوا : الْمُعَلِّل ، لدافع جابي الخراج بالعِلل ، قال : " فعلى ذلك يُقال : علّل ؛ أي : ذكر العلة أو العِلل " ( ص142 ) . والصواب أنه إنما سُمّي بذلك لأنه يدفع الجابي ؛أي يصرفه ويشغله عن المال ، لا لأنه يذكر العِلل ؛ أي الأعذار ، ولو كان المراد ذلك لسمَّوْا كل ذاكر للعِلل مُعَلِّلاً ، ولم نعلمهم فعلوا ذلك .

2- ومن ذلك ما جاء في كتاب الإيضاح في علل النحو للزَّجَّاجيّ ( توفي سنة 337 ) عن الخليل بن أحمد ، قال : " وذكر بعض شيوخنا أن الخليل بن أحمد - رحمه الله - سئل عن العلل التي يَعتلّ بها في النحو ، فقيل له : عن العرب أخذتها أم اخترعتها من نفسك ؟
فقال : إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها ،وعرفت مواقع كلامها ، وقام في عقولها عِللُه ، وإن لم يُنقَل ذلك عنها ، واعتللْت أنا بما عندي أنه علة لما علّلتُه منه ... فإن سنح لغيري علة لما علّلتُه من النحوهو أليق مما ذكرته بالمعلول فليأت بها " ( ص65-66 ) .
فترى أن فيه الاستعمال الذي أخطّئه . ولكن لا ثقة لنا بأن هذه ألفاظ الخليل ، فالخبر غير مسنَد ، وذكره مَنْ بينه وبين الخليل نحو مائتي سنة ، وفيه لفظ مشهور التخطئة عند العلماء وهو : المعلول ، فإن صحت نسبة هذا المعنى إلى الخليل فلن تصح نسبة هذه الألفاظ إليه .

3- ومن ذلك قول العباس بن الأحنف :
خذوا ليَ منها جُرْعةً في زجاجةٍ ألا إنها - لو تعلمون - طبيبي
فإن قال أهلي : ما الذي جئتمُ به ؟ وقد يُحسِنُ التعلي لَكلّ أريب
فقولوا لهم : جئناه من ماءزمزمٍ لنشفيَه من دائه بذَنوب

(الذنوب : الدلو ) فعلى أنه لا يُحتجّ به ؛ لأنه مُحدَث ، هو ظاهر الاستقامة على الاستعمال القديم ، ويدلّك على ذلك أن السؤال في قوله : ما الذي جئتمُ به ؟ عن الماهية لا عن العلة ، فيكون المعنى : تستطيعون صرفهم عن الإلحاح في البحث بأن تعلّلوهم بهذا القول ، وهو أن هذا من ماء زمزم جئناه به ليستشفي به ، وأنتم قد كنتم في الحجاز ، فما أسهل هذا القول عليكم ! وما أسهل أن يصدّقوه ويلهُوا به !

* * *

البديل الصحيح :
والصواب أن يقال إذا أُريدَ : ذَكَرَ العلة : اعتلّ ،وفي المعجمات : اعتلّ عليه بعلة : اعتاقه عن أمر ، والمعنى : ذكر له علة عاقه بهاعما يريد . وفيها : اعتلّ : تمسّك بحجة . ومن شواهد ذلك :

1- المثل : يعتلّ بالإعسار وكان في اليَسَار مانعًا .
2- وما أنشده أبو زيد في نوادره (ص 248 ) :
إن تبخلي - ياجُمْلُ - أو تَعْتَلِّي
أو تصبحي في الظاعن الموَلِّي
نُسَلِّ وجد الهائم الْمُغْتَلِّ
ببازل وَجْناء أو عَيْهَلِّ

(الْمُغْتَلّ : الذي اغتلّ جوفُه من الشوق والحب والحزن كغُلّة العطش ، والبازل : الداخل في السنة التاسعة من الإبل ذكرًا كان أو أنثى ،والوجناء : الممتلئة باللحم أو الشديدة ، والعيهلُ : الطويلة أو السريعة ، وتشديداللام ضرورة) .

3- وحديث أبي سعيدالخدري - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل : ما حبسك عن الصلاة ؟ فذكر شيئًا اعتلّ به " ( مسند الإمام أحمد 3/85) .

4- وحديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال للرجل الذي اشتدّ على جابر في تقاضي دينه : " أيْسِرْ جابرَ بن عبد الله ( أي : أَنْظِرْه إلى ميسرة ) ، فقال : ما أنا بفاعل ،واعتلّ ، وقال : إنما هو مال يتامى " ( مسند الإمام أحمد 3/398 ، وسنن الدارمي ،حديث 45)

5- وحديث النعمان بن مُقَرِّن - رضي الله عنه - قال : " قدم رجال من مُزَيْنة ، فاعتلّوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم لا أموال لهم يتصدقون منها " ( الإصابة 6/449 ، وقال : أخرجه ابن شاهين).

6- وقال الفرزدق :
له راحةٌ بيضاءُ يَنْدَى بَنانُها قليلٌ إذا اعتلّ البخيلُ اعتلالُها
نسب الاعتلال إلى اليد ، والمراد صاحبها ، وهو الممدوح .

7- وقال كُثَيِّر :
إذا ذرفتْ عيناي أعتلّ بالقذى وعزّةُ - لو يدري الطبيب - قذاهما
وأنتِ التي حبّبْتِ شَغْبًا إلى بَدَا إليّ ، وأوطاني بلادٌ سواهما
حلَلْتِ بهذا حَلّةً ، ثم حَلّةً بهذا ، فطاب الواديان كلاهما
(شَغْب وبَدَا : موضعان).

8- وقال أبو قيس بن الأسْلَت :
وتُكرِمُها جاراتها فيزرْنَها وتعتلّ عن إتيانهن فتُعْذَرُ
والله أعلم


نشر في : مجلة الثقافة العربية - بنغازي9/2003
مجلة جذورجدة - 3/2004



وفي النهاية في غريب الحديث والأثر


مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد (ابن الأثير)


الجزء الثالث:
[ ص: 291 ] ( عَلَلَ ) ( هـ ) فِيهِ أُتِيَ بِعُلَالَةِ الشَّاةِ فَأَكَلَ مِنْهَا أَيْ بَقِيَّةِ لَحْمِهَا ، يُقَالُ لِبَقِيَّةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ ، وَبَقِيَّةِ قُوَّةِ الشَّيْخِ ، وَبَقِيَّةِ جَرْيِ الْفَرَسِ : عُلَالَةٌ ، وَقِيلَ : عُلَالَةُ الشَّاةِ : مَا يُتَعَلَّلُ بِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ ، مِنَ الْعَلَلِ : الشُّرْبِ بَعْدَ الشُّرْبِ .

* وَمِنْهُ حَدِيثُ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " قَالُوا فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ عُلَالَةٍ " أَيْ بَقِيَّةٌ مِنْ قُوَّةِ الشَّيْخِ .

* وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي حَثْمَةَ يَصِفُ التَّمْرَ " تَعِلُةُ الصَّبِيِّ وَقِرَى الضَّيْفِ " أَيْ مَا يُعَلَّلُ بِهِ الصَّبِيُّ لِيَسْكُتَ .
( س ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ " مِنْ جَزِيلِ عَطَائِكَ الْمَعْلُولِ " يُرِيدُ أَنَّ عَطَاءَ اللَّهِ مُضَاعَفٌ ، يَعُلُّ بِهِ عِبَادَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى .

* وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبٍ :
كَأَنَّهُ مُنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلُولُ
( س ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَطَاءٍ أَوِ النَّخَعِيِّ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ بِالْعَصَا رَجُلًا فَقَتَلَهُ قَالَ : " إِذَا عَلَّهُ ضَرْبًا فَفِيهِ الْقَوَدُ " أَيْ إِذَا تَابَعَ عَلَيْهِ الضَّرْبَ ، مِنْ عَلَلِ الشُّرْبِ .

( هـ ) وَفِيهِ الْأَنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ أَوْلَادُ الْعَلَّاتِ : الَّذِينَ أُمَّهَاتُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ وَأَبُوهُمْ وَاحِدٌ . أَرَادَ أَنَّ إِيمَانَهُمْ وَاحِدٌ وَشَرَائِعَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ .

( هـ ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ " يَتَوَارَثُ بَنُو الْأَعْيَانِ مِنَ الْإِخْوَةِ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ " أَيْ يَتَوَارَثُ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ ، وَهُمُ الْأَعْيَانُ ، دُونَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ إِذَا اجْتَمَعُوا مَعَهُمْ . وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ .

( هـ ) وَفِي حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ .
مَا عِلَّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلٌ
أَيْ مَا عُذْرِي فِي تَرْكِ الْجِهَادِ وَمَعِي أُهْبَةُ الْقِتَالِ ؟ فَوَضَعَ الْعِلَّةَ مَوْضِعَ الْعُذْرِ .

* وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ " فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَضْرِبُ رِجْلِي بِعِلَّةِ الرَّاحِلَةِ أَيْ بِسَبَبِهَا ، يُظْهِرُ أَنَّهُ يَضْرِبُ جَنْبَ الْبَعِيرِ بِرِجْلِهِ ، وَإِنَّمَا يَضْرِبُ رِجْلِي .

وقد علق د. وميض بن رمزي العمري في كتابه – تمكين الباحث من الحكم بالنص بالحوادث ص 29-31 - بعدما ساق حديث عائشة السابق قائلا:
"فالعلة هنا – في حديث عائشة- ليست هي الحكمة ولا الباعث على الحكم ولا العلامة عليه أو الوصف المعروف له ، لو كان الأمر كذلك لقالت عائشة – رضي الله عنها – فيضرب رجلي بعلة رفع الخمار أو بعلة ظنه وجود أجانب أو نحو ذلك مما يتضمن المعنى الذي يقتضي الحكم الفقهي ... ثم قال :"هذا هو معنى العلة في اللغة وأراه بعيدا من جهة اللغة عن المعاني التي تثبت بها الأحكام".أ.هـ
 
ما فهمته من الكلام تخطئة استعمال لفظ ( التعليل ) بمعنى نَظَر في علّته ، أو ذكر علته ، والعلة بمعنى السبب ، وقد نوقش الأمر احتجاجاً بكلام علماء اللغة والمعاجم ، وهذه كتبهم لا يخلو منها كتاب أو يكاد من استعمال هذا اللفظ بهذا المعنى ، فالقول بهذه التخطئة ، رحمك الله ، قول بأنهم ، وهم من هم عربيةً ، كلهم أو جلهم كانوا يتكلمون بالخطأ ... والقول :
بأن َّبعض المعنيين بالعربية قد تحدث في عربية هذا الأسلوب " ، وقال : " ومن ثَمّ أنكر بعض الباحثين هذا الاستعمال " ، يرده تصحيح غيره له من المعاصرين مع الاستعمال القديم عند من هم أعرف بهذه اللغة من غيرهم قال أحمد مختار عمر في معجم اللغة العربية المعاصرة 2/ 1540 :
3445 - ع ل ل
علَّلَ يعلِّل، تعليلاً، فهو مُعلِّل، والمفعول مُعلَّل
• علَّل موقفَه: بيَّن عِلَّته، فسَّره، أثبته بالدَّليل والبرهان "علَّل غيابَه/ استقالتَه".
• علَّله بكذا: شغله به وألهاه وصبَّره "أخذت تعلِّل صغارَها بالقصص الخياليّة".
و3445 - ع ل ل
تعليل مفرد: ج تعليلات (لغير المصدر):
1 - مصدر علَّلَ.
2 - (سف) ما يستدلّ به من العِلَّةِ على المعلول أو استدلال على المسبَّب بالسَّبب "قام وزير الاقتصاد بتعليل الأزمة الاقتصاديَّة- تعليل غيرُ مُقنِع".
3 - (قن) بيان الأسباب الموجبة للحكم.
• لام التعليل: (نح) أحد الحروف التي تنصب الفعلَ المضارع مثل: ذاكر لينجحَ.
وسأورد بعض أمثلة لذلك مكتفياً بنص أو نصين من كل كتابٍ ؛ ليتضح استعمالهم ، لأؤكد أنهم متى استعملوا لفظة بمثل هذا الاستعمال فهو مشعرٌ بصحتها ، ولا سيما إن وردت بمثل هذه الكثرة عند الجاحظ وابي علي الفارسي وابن جني وابن منظور والزبيدي وابن هشام وابن سيده والصاحب وغيرهم :
قال الجاحظ في البيان والتبيين ط الخانجي 4/ 33 : رد هذا التعليل وايراد تعليل آخر ...
وقال ابن جني :
ولو اقتصرت في تعليل التغيير في " أؤاسيك" ونحوه على أن تقول: اجتمعت الهمزتان الخصائص 1/ 183
فقد وضح بذلك فرق ما بين حالي المبتدأ والفاعل في وصف تعليل ارتفاعهما الخصائص 1/ 197
وقال ابن الأنباري :
فلما لم يعرب دلَّ على أن هذا تعليل ليس عليه تعويل الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين 2/ 447
وقال السهيلي: قال لي بعض أشياخنا في تعليل الحذف نتائج الفكر في النحو ص: 76
وفي إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث ص: 119
أن تعليل التَّلْبِيَة بِالْحَمْد غير مُنَاسِب لخصوصها.
وفي اللباب في علل البناء والإعراب 1/ 75
وَذَا تعليل الشَّيْء بِنَفسِهِ
وفي شرح شافية ابن الحاجب - الرضي الأستراباذي 1/ 40
لما يجئ في تعليل فتح مضارع فَعَل الحلقيّ
وفي الفصول المفيدة في الواو المزيدة ص: 122
وَمُقْتَضى تعليل هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ
وفي تهذيب اللغة 13/ 61
قلتُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو الهَيْثم تعليل النحويِّين
وفي مقاييس اللغة 1/ 402
وَهَذَا تعليل مِنَ الْخَلِيلِ لِلْمَسْأَلَةِ
وفي المحكم والمحيط الأعظم 1/ 116
هَذَا تعليل أبي حنيفَة
وفي المحكم والمحيط الأعظم 1/ 180
وَهُوَ تعليل الْفَارِسِي.
وفي المخصص 1/ 319
وسأبين تعليل هَذَا فِي شواذِّ الْجمع
وفيه 1/ 331
ذكره فِي بعض تعليل هَذَا الْحَرْف
وفي لسان العرب 1/ 525
وَهَذَا تعليل سِيبويْه
وفيه 7/ 381
كُلُّهُ تعليل كُوفِيٌّ
وفي المصباح المنير في غريب الشرح الكبير 1/ 9
إذْ حَرْفُ تعليل
وفي التعريفات ص: 166
مثل تعليل أصحاب الشافعي
وفي شرح حدود ابن عرفة ص: 15
وَمَا الْخِلَافُ إلَّا فِي تعليل الْوُجُودِ بِالْعَدَمِ
وفي انيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء ص: 95
وأما ما قاله الجوهري وصاحب المغرب في تعليل التسمية للعارية
وفي تاج العروس 14/ 126
وَنقل شَيخنَا عَن الجاحِظ فِي تعليل تَسْمِيَتهَا
وغيرها في التاج كثيرة
 
بل إن طائفة من أهل العلم استعملوا لفظة تعليل في تسمية كتبهم ، من مثل :
كتاب الحجة في تعليل القراءات - لأبي علي الفارسي المتوفى سنة 377 .
والموضح في تعليل وجوه القراءات لاحمد بن عمار بن ابي العباس, المهدوي المتوفى نحو 440هـ
والادلة فِي تعليل مسَائِل التَّبْصِرَة لأَبُي بكر البيضاوى الْفَقِيه الشَّافِعِي المتوفى سنة 468 لَهُ
وتعليل فِي القراءات الْعشْر لمُحَمَّد بن سُلَيْمَان النفزى أَبُو عبد الله المياليسى المتوفى سنة 525
والْمُعْتَبر فِي تعليل الْمُخْتَصر لعوض بن احْمَد ابو خلف الشِّيرَازِيّ الشروانى فرغ مِنْه سنة 544.
وتعليل العبادات - لأبي الفتح عثمان بن عيسى ابن هيجون البلطي المتوفى بمصر سنة 599 .
وغيرهم كثير .
 
أما ورد عن حَدِيثِ عَائِشَةَ "رضي الله عن عائشة : ( فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَضْرِبُ رِجْلِي بِعِلَّةِ الرَّاحِلَةِ أَيْ بِسَبَبِهَا ، يُظْهِرُ أَنَّهُ يَضْرِبُ جَنْبَ الْبَعِيرِ بِرِجْلِهِ ، وَإِنَّمَا يَضْرِبُ رِجْلِي ) .
وقد علق د. وميض بن رمزي العمري في كتابه – تمكين الباحث من الحكم بالنص بالحوادث ص 29-31 - بعدما ساق حديث عائشة السابق قائلا: "فالعلة هنا – في حديث عائشة- ليست هي الحكمة ولا الباعث على الحكم ولا العلامة عليه أو الوصف المعروف له ، لو كان الأمر كذلك لقالت عائشة – – فيضرب رجلي بعلة رفع الخمار أو بعلة ظنه وجود أجانب أو نحو ذلك مما يتضمن المعنى الذي يقتضي الحكم الفقهي ... ثم قال :"هذا هو معنى العلة في اللغة وأراه بعيدا من جهة اللغة عن المعاني التي تثبت بها الأحكام".أ.هـ
ولا أدري أين جهة استغراب أن تكون ( بعلة ) في الحديث معناها بسبب ، والأمر بين واضح فعائشة رضي الله عنها تقول : (( يُظْهِرُ ) أنه يضرب الراحلة ) ، إذن فهو لا يضرب رجلها رضي الله عنها لهذا السبب بل يُظْهِرُ ذلك فحسب ، ليقال : ( لو كان الأمر كذلك لقالت عائشة – – فيضرب رجلي بعلة رفع الخمار أو بعلة ظنه وجود أجانب أو نحو ذلك مما يتضمن المعنى الذي يقتضي الحكم الفقهي ) فهو لا يريد أن يظهر أن علة الضرب وسببه هنا هذا بل أراد أن يُظَنَّ أن حامله على الضرب غير ما يقتضيه الحكم الفقهي . وهذا النووي رحمه الله يقول : (يَضْرِبُ رِجْلِي عَامِدًا لها فِي صُورَةِ مَنْ يَضْرِبُ الرَّاحِلَةَ ) في قوله : ( ... فَيَضْرِبُ رِجْلِي بِسَبَبِ الرَّاحِلَةِ أَيْ يَضْرِبُ رِجْلِي عَامِدًا لَهَا فِي صُورَةِ مَنْ يَضْرِبُ الرَّاحِلَةَ وَيَكُونُ قَوْلُهَا بِعِلَّةِ مَعْنَاهُ بِسَبَبِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَضْرِبُ رِجْلَهَا بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ حِينَ تَكْشِفُ خِمَارَهَا عَنْ عُنُقِهَا غَيْرَةً عَلَيْهَا فَتَقُولُ لَهُ هِيَ وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ أَيْ نَحْنُ فِي خَلَاءٍ لَيْسَ هُنَا أَجْنَبِيٌّ أَسْتَتِرُ مِنْهُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ أَوْ كَالْمُتَعَيِّنِ لِأَنَّهُ مُطَابِقٌ لِلَفْظِ الَّذِي صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ وَلِلْمَعْنَى وَلِسِيَاقِ الْكَلَامِ فَتَعَيَّنَ اعْتِمَادُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا )
 
أما ورد عن حَدِيثِ عَائِشَةَ "رضي الله عن عائشة : ( فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَضْرِبُ رِجْلِي بِعِلَّةِ الرَّاحِلَةِ أَيْ بِسَبَبِهَا ، يُظْهِرُ أَنَّهُ يَضْرِبُ جَنْبَ الْبَعِيرِ بِرِجْلِهِ ، وَإِنَّمَا يَضْرِبُ رِجْلِي ) .
وقد علق د. وميض بن رمزي العمري في كتابه – تمكين الباحث من الحكم بالنص بالحوادث ص 29-31 - بعدما ساق حديث عائشة السابق قائلا: "فالعلة هنا – في حديث عائشة- ليست هي الحكمة ولا الباعث على الحكم ولا العلامة عليه أو الوصف المعروف له ، لو كان الأمر كذلك لقالت عائشة – – فيضرب رجلي بعلة رفع الخمار أو بعلة ظنه وجود أجانب أو نحو ذلك مما يتضمن المعنى الذي يقتضي الحكم الفقهي ... ثم قال :"هذا هو معنى العلة في اللغة وأراه بعيدا من جهة اللغة عن المعاني التي تثبت بها الأحكام".أ.هـ
ولا أدري أين جهة استغراب أن تكون ( بعلة ) في الحديث معناها بسبب ، والأمر بين واضح فعائشة رضي الله عنها تقول : (( يُظْهِرُ ) أنه يضرب الراحلة ) ، إذن فهو لا يضرب رجلها رضي الله عنها لهذا السبب بل يُظْهِرُ ذلك فحسب ، ليقال : ( لو كان الأمر كذلك لقالت عائشة – – فيضرب رجلي بعلة رفع الخمار أو بعلة ظنه وجود أجانب أو نحو ذلك مما يتضمن المعنى الذي يقتضي الحكم الفقهي ) فهو لا يريد أن يظهر أن علة الضرب وسببه هنا هذا بل أراد أن يُظَنَّ أن حامله على الضرب غير ما يقتضيه الحكم الفقهي . وهذا النووي رحمه الله يقول : (يَضْرِبُ رِجْلِي عَامِدًا لها فِي صُورَةِ مَنْ يَضْرِبُ الرَّاحِلَةَ ) في قوله : ( ... فَيَضْرِبُ رِجْلِي بِسَبَبِ الرَّاحِلَةِ أَيْ يَضْرِبُ رِجْلِي عَامِدًا لَهَا فِي صُورَةِ مَنْ يَضْرِبُ الرَّاحِلَةَ وَيَكُونُ قَوْلُهَا بِعِلَّةِ مَعْنَاهُ بِسَبَبِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَضْرِبُ رِجْلَهَا بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ حِينَ تَكْشِفُ خِمَارَهَا عَنْ عُنُقِهَا غَيْرَةً عَلَيْهَا فَتَقُولُ لَهُ هِيَ وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ أَيْ نَحْنُ فِي خَلَاءٍ لَيْسَ هُنَا أَجْنَبِيٌّ أَسْتَتِرُ مِنْهُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ أَوْ كَالْمُتَعَيِّنِ لِأَنَّهُ مُطَابِقٌ لِلَفْظِ الَّذِي صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ وَلِلْمَعْنَى وَلِسِيَاقِ الْكَلَامِ فَتَعَيَّنَ اعْتِمَادُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا )
 
عودة
أعلى