معركة المفاهيم الثالثة..ثلاثة أسئلة

إنضم
26/12/2005
المشاركات
770
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد..



كان من المفترض أن يكون موضوع هذا المقال هو مقترحات للتعامل مع معركة المفاهيم إلا أن حُزمة الأسئلة والاستشكالات التي وصلتني بعد المقال الأول قد استوجبت أن يكون هذا المقال جواباً هو بمنزلة تتميم القول في تحليل المعنى الذي تناولته في المقالة الأولى فأقول وبالله التوفيق:



(1)ما الذي جعل الربيع العربي إيذاناً بميلاد معركة المفاهيم؟



الواقع أن الجواب على هذا السؤال مهم جداً؛ لأن استفزاز الهمم للعمل فرع عن شعورها بالتحدي، ولا يمكنك أن تشعر بالتحدي الذي يتطلب استجابة لمعركة المفاهيم حتى تستوعب ما سنقبل عليه، فأذكر هاهنا أربعة أسباب:


أولاً: تجارب الثورات في العالم كله تنطق بما تُحدثه الثورة من حراك في جميع مجالات الفكر والإبداع، فالثورة توجد مجالاً في الفضاء المجتمعي يستفز الساكن والخامل للتحرك فهي أعمق وأشمل من أن تكتفي بالتأثير على الحالة السياسية.


ثانياً: السلطان عموماً والنظام القمعي خصوصاً له دور كبير في تنظيم حراك الأفكار وتحديد بوصلتها ؛ فهو يدعم منها ما يؤيد نظامه ويقمع أو يتجاهل منها ما ينابذه، وهو يسعى لإقامة تطاحن ما بين المنظومات الفكرية ولكنه تطاحن يخدم أسس عرشه فقط فمعارك المفاهيم التي تجري تحت سلطان مستقر عادلاً كان أو قمعياً يُعد السلطان عاملاً من العوامل التي تخرجها عن صورتها الطبيعية وتهذب منها كل ما يضر استقرار النظام الحاكم، وهذا في أغلب الأحيان يجعل هذه المعارك أقل عنفاً وأحياناً أقل ضرراً؛ لأن التوازنات ومقومات الشرعية التي يعتمد عليها الحاكم تجعله يضع ثقله كله من أجل أن تظل معارك المفاهيم داخل إطار معين وتحت مستوى معين وأن تكون هزائم كل طرف فيها وانتصاراته راجعة لمعاييره هو وإراراداته هو وليس لما مع كل طرف من أدوات النصر والهزيمة، وتخلص الصراع المفاهيمي من هذه اليد المقيدة يطلق طاقاته ويزيد في أورا معاركه.


ثالثاً: تخلق الثورات مساحة من الفراغ الفكري والسياسي يُشعل جذوة الطمع داخل المنظومات الفكرية ويُشعرها أن الفرصة قد حانت لحيازة مساحات من السلطة والتأثير أكثر مما بين أيديهم، مما يدفعها جميعاً للتحرك وبذل أقصى الجهد في عمليات التواصل والاستقطاب والدعوة وزيادة القاعدة الجماهيرية أو زيادة أدوات النفوذ والسلطة التي بين أيديها فإما أن تزيد في جمهورها وإما أن تزيد في نفوذها وقوتها المالية أو الإعلامية أو السياسية ما يعوضها عن نقص الجمهور؛ فالثورات فرصة لزيادة التسليح.


رابعاً: هذا السبب يختص بالثورات العربية الحالية وحاصله: أن عامين تقريباً منذ حدثت الثورات العربية ورغم وصول نخب إسلامية لسدة الحكم انفراداً أو مشاركة في ثلاث بلاد ثورية(مصر-تونس-ليبيا) ، وفي بلد غير ثوري(المغرب) = فإن الظاهر للعيان أن منظومة المفاهيم الغربية الليبرالية هي الغمامة المظللة لهذين العامين، وأن النخب الإسلامية التي وصلت للحكم نفسها قد وصلت من خلال نظم سياسية أنتجتها التجربة الليبرالية وفلسفتها ومهما قيل عن توافق أجزاء منها مع الشريعة إلا أن المُسَلم به لدى الجميع أن الموجود في الواقع هو المظلة الليبرالية ما يتوافق منها مع الإسلام وما لا يتوافق وأنه حتى الصياغات الدستورية التي خرجت والتي ستخرج ستحتوي على المفهوم الليبرالي أولاً ثم تقييده بالنص الشرعي لاحقاً، وربما يكون تقييداً جزئياً أو كلياً وربما يكون تقييداً مكتوباً في النص الدستوري أو في المدونات التفسيرية.


فواقع الحال: أن التيارات الإسلامية مضطرة لأن تعطي الغرب وأن تعطي أقلياتها الطائفية وأن تعطي النخب والأطياف السياسية العلمانية ما يرضيهم ويسكتهم، وهذا الذي يرضيهم ويسكتهم أكثر مادته منتزع من المنظومة المفاهيمية الغربية الليبرالية.


وأخطر من ذلك: أنه نتيجة للطبيعة الفكرية للتيارات الإسلامية التي وصلت للحكم : فإن شيئاً غير قليل من هذه المفاهيم الغربية يتم حشره في المفاهيم الإسلامية وزعم أنها منه وهو منها وذلك توسلاً بعمليات تأويلية غير منضبطة ، وساعد على زيادة الخلط المفاهيمي الدور التحريفي للمفاهيم والذي تمارسه بعض المؤسسات الدينية الرسمية كالأزهر للأسف الشديد.


ولذلك كتب أحد أهم المستشرقين المعتنين بالإسلام السياسي أوليفيه رواه مقالاً في اللوموند الفرنسية بعنوان: (الثورة ما بعد الإسلامية) يقول فيه:


(( إن ما نشهده حالياً هو تشتت المرجعية الإسلامية، وعجز التيارات الرافعة للشعار الإسلامي عن احتكار المشروعية الإسلامية، على الرغم من السمة الدينية الغالبة على المجتمع؛ فالبضاعة الإسلامية نفسها أصبحت شديدة التنوع، والسلطة التأويلية للنص لم تعد قائمة، ومسارات التدين غدت متعددة وغير محصورة في النمط السياسي)).



هذه أسباب أربعة تجعل الثورات العربية هي نقطة ميلاد أعنف معركة من معارك المفاهيم في التاريخ الحديث وترفع درجة التحدي لأعلى مؤشراتها فأين المستجيب؟!



(2)لماذا السلفية العلمية بالذات ؟



كان واضحاً في كلامي أني لم أجعلها الوحيدة المرشحة للقيام برفع الراية فكل اعتراض يُدخل غيرها لا محل له؛ لأني لم أمنع أصلاً دخول غيرها.


يبقى النظر في لم جعلتُها الرافع الرئيس لراية الحق في تلك المرحلة؟


بداية لابد من استبعاد الدافع الأيديولوجي؛ بمعنى أني لم أقل ذلك لأني من أبناء هذا التيار في الجملة؛ فأنا من أكثر الناس نقداً للتيار السلفي بجميع مكوناته، وقد ذكرت أسماء في معركة المفاهيم الأولى والثانية لا يذكرها من كان التحيز الإيديولوجي دافعه، بل قد ندمت على نسياني ذكر محمد باقر الصدر ومحمد سعيد رمضان البوطي وقد كان لهما دور مهم في المعركة الثانية بقطع النظر عن موقفنا من عقائدهم وأعمالهم.


فأرجو أن يكون واضحاً أني رشحت السلفية العلمية لهذا الدور لاعتبارات موضوعية بحته، وهي :


أولاً: ينبغي الاعتراف بصدق وواقعية غير متحيزة أن السلفية العلمية هي أكثر تيار إسلامي في الساحة الإسلامية العربية وغير العربية يشتغل بالعلم اشتغالاً تحركه الرغبة فيه وفي نشره؛ فالمقارنة في الساحة الأكاديمية هي لصالح التيار السلفي، فحتى الأزهر والذي يمكننا وصفه بأنه ممثل أكاديمي للأشعرية إذا وزنت ما فيه من السلفيين وأخرجت من يشتغل اشتغالاً علمياً أكاديمياً للدواعي الوظيفية فقط سترجح كفة السلفيين على كفة الأزاهرة الأشعريين ، بل إن الحالة العلمية الأزهرية لم تخرج بقوة عن نطاق الدواعي الوظيفية إلا من فترة قريبة جداً.


فأنا هنا لا أنفي التواجد غير السلفي في الساحة الأكاديمية بل أقول إننا إذا جعلنا محل المقارنة هو بين الأكاديميين الحاملين لأيديولوجيا وليسوا المقتصرين على الدواعي الوظيفية ستكون نسبة التواجد الأكاديمي السلفي أقوى خاصة إذا وضعنا في اعتبارنا الساحة الأكاديمية السعودية، وما يصاحبها من أدوات نشر إعلامي ودعم اقتصادي.


فإذا أتينا لساحة التعليم غير النظامي = فلا وجه للمقارنة حينها أصلاً بين السلفية وغيرها ؛ فإخواننا من الأشاعرة تواجدهم في التعليم غير النظامي قليل وبعضه حديث العهد جداً، والإخوان المسلمون قليلو الاهتمام بهذا الجانب أيضاً، والتيار السلفي المدخلي له اشتغال به ولكن داخل أطر معينة قد يستفاد منها لكن حولها من الشوك ما قد يعيق عن قيامهم بدور مؤثر في معركة المفاهيم.


وقد أنتج جميع ما سبق:



ثانياً: أن التيار السلفي العلمي هو التيار الذي يملك أكبر كم وكيف من الكوادر العلمية في جميع التخصصات وفي جميع المراحل السنية .


ثالثاً: الوعاظ هم الحلقة الثالثة من حلقات النشر الفكري وهم يقومون بدور شبيه جداً بدور الصحافة في التواصل مع العامة ونشر المفاهيم بينهم، ولا يمكن أن نجادل في أن أول الأسماء التي تسبق لذهنك عند استحضار أشهر الوعاظ في العالم الإسلامي هم من أبناء هذا التيار.


رابعاً: عدد المؤسسات (مجامع فقهية-روابط علماء-لجان إفتاء-هيئات تنسيقية-مراز بحثية-مواقع علمية ودعوية-دور نشر-جميعات أهلية) التي بين أيدي هذا التيار عدد كبير جداً ولا نحتاج لإحصاء لنقول أنه يفوق عدد المؤسسات التي يملكها أي تيار إسلامي آخر.


خامساً: أن بقاء هذا التيار بعيداً عن التحزب السياسي واكتفاءه بالدور العلمي والفكري يؤهله لحراسة المفاهيم دون اضطرار لما توجبه الحاجة والضرورة السياسية من تنازلات في القول والعمل، ولذلك يكون من الخطر أن يشتغل هذا التيار بالدفاع عن هذه التنازلات اشتغالاً يقود إلى تضييع بيان الحق وما هي العزيمة التي تركها السياسي للرخصة،وسأزيد هذه النقطة وضوحاً في المقال القادم، فبقاء هذا التيار بعيداً عن المجال السياسي يؤهله أولاً للقيادم بدور الناقد المعياري الذي تحتاجه جميع التصرفات العملية، كما أنه يؤهله للقيام بالحراسة المفاهيمية قيام من لا ينسيه الجوع أن الميتة محرمة وإن جاز أكلها اضطراراً.



للاعتبارات السابقة جعلت هذا التيار هو المرشح لحمل هذه الراية خاصة إن استمر في جهوده الدعوية والإصلاحية ولم يتورط في النشاط السياسي واكتفي فيه بالدعم دون المشاركة، وخاصة إذا تلافي جوانب قصوره ونقصه وتقصيره التي سنشير لها في المقال القادم.


(3)ما المقصود بالمفاهيم ؟


للمفهوم تعريف أختاره وهو أنه: موضوع تفكير يتم إنشاؤه داخل نظام تصوري كعامل نصي يسمح بتوصيف الواقع في مقولات تُعين دللة الكلمات التي يُشار بها للأشياء.


وله تعريفات أسهل من ذلك خاصة التي تستحضر المفهوم في سياق علم المنطق، ولكنها تعريفات كتعريف الحديث الصحيح بأنه (ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط....) فهذه تعريفات تقنية تؤدي وظيفة اصطلاحية ضيقة لكنها لا توضح الدور المهم الذي يقوم به الحديث الصحيح (مثلاً)في العملية الاحتجاجية الاستدلالية في العقائد والأحكام، فتعريف المفهوم الذي ذكرته يوضح الدور المهم الذي يقوم به المفهوم في الفكر الديني والفلسفي.


وبعيداً عن التعقيد السابق أقول : (الله- الرسول- الدين- الوحي- العبادة- الإيمان- الكفر- البدعة- المعصية- الطاعة- السنة-الجهاد – الولاء- البراء)


كل هذه كلمات ولهذه الكلمات منظومة تفسيرية هي المفهوم، وهي أجزاء من منظومة المفاهيم التي جاء بها الإسلام، وهذه المنظومة التي جاء بها الإسلام هي التي تتم مصارعتها بمنظومة مفاهيم جاهلية أو يهودية أو نصرانية أو ليبرالية أو اشتراكية ، وكل منظومة مفاهيم من هذه تريد أن تسود وتنتشر وأنت تريد لمنظومة المفاهيم التي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون لها السيادة والانتشار ومن هنا ينتج الصراع فتحدث المعركة.



وإلى المقال القادم بإذن الله..
 
جزاكم الله خيرا ياابا فهر الحبيب
تقول حفظكم الله ورعاكم
ثانياً: السلطان عموماً والنظام القمعي خصوصاً له دور كبير في تنظيم حراك الأفكار وتحديد بوصلتها ؛ فهو يدعم منها ما يؤيد نظامه ويقمع أو يتجاهل منها ما ينابذه، وهو يسعى لإقامة تطاحن ما بين المنظومات الفكرية ولكنه تطاحن يخدم أسس عرشه فقط فمعارك المفاهيم التي تجري تحت سلطان مستقر عادلاً كان أو قمعياً يُعد السلطان عاملاً من العوامل التي تخرجها عن صورتها الطبيعية وتهذب منها كل ما يضر استقرار النظام الحاكم، وهذا في أغلب الأحيان يجعل هذه المعارك أقل عنفاً وأحياناً أقل ضرراً؛ لأن التوازنات ومقومات الشرعية التي يعتمد عليها الحاكم تجعله يضع ثقله كله من أجل أن تظل معارك المفاهيم داخل إطار معين وتحت مستوى معين وأن تكون هزائم كل طرف فيها وانتصاراته راجعة لمعاييره هو وإراراداته هو وليس لما مع كل طرف من أدوات النصر والهزيمة، وتخلص الصراع المفاهيمي من هذه اليد المقيدة يطلق طاقاته ويزيد في أورا معاركه.






لم اطلع على المقالات السابقة في الموضوع
ولكن لي سؤال يخص النص المقتبس من مقالكم بارك الله فيكم
وفيه بحسب مايفهم الرجل العادي انكم ادخلتم كل سلطان في هذه الخطة السلطانية والتي وضعت انا تحتها خط
والسؤال هنا هل السلطان العادل داخل كما يبدو من السياق في هذه النية وهذه الخطة وهذا الفعل بحيث يمكن القول انه ايضا ليس غرضه نصر الحق للحق
وهل يمكن ان ندخل في ذلك كل سلطان عادل في الاسلام
بارك الله في قلمك وجهدك
 
أهلاً وسهلاً بك أخي طارق..

السلطان عادلاً كان أو غير عادل يغير من طبيعة معارك المفاهيم ويخرجها عن طبيعتها بتدخله ولا يفرق بين العادل وغير العادل في ذلك سوى طبيعة المحرك للتدخل وهل هو الهوى أم الحق الذي يريد نصرته،والعادل وغير العادل يقمعان أو يتجاهلان والفرق فقط في مستند القمع هل هو الهوى أم حق يحمله يرى فيه مسوغاً للقمع،والعادل كغير العادل يسعى لإقامة تطاحن ولكن العادل يحمل منظومة قيمية يراها حقاً ويريدها أن تطاحن ما يراه باطلاً،ونعم يرجع النصر والهزيمة هاهنا لمعايير السلطان وإراداته ثم قد تتحد هذه المعايير مع الحق وقد لا تتحد ويكون هذا من العادل وغير العادل..

يبرأ العادل من شيء واحد فقط: إرادة الباطل، ويبرأ منه بحسب الإجمال وإلا فقد يقع منه ما يخالف ذلك.

فباختصار: كل المذكور يقع من العادل وغير العادل والفارق فقط في المنظومة القيمية الدافعة وفي مرجعيات المصلحة السلطانية التي يمارسها كل منهما.
 
شكر الله للشيخ أبي فهر علي هذا المقال الماتع , لكن تعريفه للمفهوم أوقعني في حيرة , لعل ذلك بسبب عدم فهمي له فهما صحيحا, و هذا ما فهمته لعل الشيخ يصحح لي الخطأ في الفهم , فالشيخ حفظه الله يقول :
للمفهوم تعريف أختاره وهو أنه: موضوع تفكير يتم إنشاؤه داخل نظام تصوري كعامل نصي يسمح بتوصيف الواقع في مقولات تُعين دللة الكلمات التي يُشار بها للأشياء.
فقول الشيخ: أنه موضوع تفكير فهمت منه أن المفهوم غير ثابت , لان التفكير هو حركة العقل في التصورات الذهنية المجردة , وهذه الحركة غير ثابته , بل متجددة بتجدد هذه التصورات.
وقوله: يتم إنشاؤه داخل نظام تصوري أذا لا بد من منشئ , أكان هذا المنشئ شخص واحد او مجموعة من الاشخاص , و بالتالي هذا المفهوم هو من القضايا الإعتبارية الغير ملزمة الا لاصحاب المنظومة الفكرية المفرزة له .
قول الشيخ: كعامل نصي يسمح بتوصيف الواقع في مقولات تُعين دللة الكلمات التي يُشار بها للأشياء , أذا كان الشيخ يقصد بالمقولات التعريفات -و هو ما فهمته - يلزم منه الدور الباطل , لان الشيخ قرر في اول التعريف أن المفهوم موضوع , و الموضوع لابد أن يتكون من تصورات , و التصورات لا بد له من مفهوم يحدد دلالته.

 
بـــارك الله فيكم أخي الكريم..

وموضوع مقالكم ذكرني بكتاب رائع في نفس الموضوع للدكتور الجزائري عبد الله شريط - رحمه الله - بعنوان (معركة المفاهيم) ، حيث تطرق المؤلف إلى شيء مما تطرقته إليه في مقالاتكم ؛ لكن باعتبار الإطار الزماني والمكاني للمؤلف ركز في كتابه على نقاط مهمة حول معركة المفاهيم من واقع الدول العربية والإسلامية الشرقية منها والغربية=المغربية خاصة حول مسألة الإهتداء للحكم الموفق على الأشياء، ومما قاله: " لن نهتدي إلى الحكم الموفق على الأشياء مادامت أحكامنا على أنفسنا ما تزال سجينة التشاؤم الأبكم أو التفاؤل المجنح، وكل منهما يرتكز على عاطفة طفولية غير ناضجة وميزاج نفسي متهافت، وكلا الحالتين ما زلنا محرومين من الحكم العقلي الهادئ".اهـ
وذكر أن الأول سمة الشمال الإفريقي أو الدول المغربية والسمة الثانية للدول الشرقية..وذكر قصص حدثت له اثناء ملتقيات فكرية في الشرق..وحدته مع بعض المعترضين عليه في بعض كلامه..والمهم أن الشيخ عبد الله شريط رحمه الله شخص حالة العرب والمسلمين في تلك الفترة في خضم معركة المفاهيم القائمة في الداخل والخارج..وآمل من الشيخ أبي فهر -سدده الله-أن ييطلع على الكتاب المذكور (معركة المفاهيم) -إن أحب ورغب-فلعله يفيد في مقاله منه..ولا أظنه يعدم فائدة ينقلها لنا في موضوعه المميز..فيثري الموضوع بالنقاش..

وبارك الله فيكم.
 
استعملت استاذنا ابي فهر كلمات ربما تكون خاصة بك فبدل ربما كلمة التدافع القرآنية استعملت كلمة تطاحن، وربما تريد ان تعبر بالكلمة عن حالة عصرية(متطاحنة!، متأثرا ربما بالتطاحن الحالي في الاعلام!) اكثر منها حالة او معركة دائمة، كما ربما استعمل بن خلدون كلمة العصبية للتعبير عن اوضاع اختبرها وعايشها، فهل الأمر كذلك؟ ذلك ان كلمة تطاحن كلمة لها رنين خاص على الأقل بالنسبة لي كمصري!
اما ايحاء كلمتك عن ان الأمر يدور حتى عند العادل حول ارادته لا ماعند طرفي المخاصمة من حق او باطل فهي ربما او قد توحي وبصورة مباشرة الى ان الأمر يرجع عند العادل الى مزاجه وارادته(مع ان لفظ العادل يزيح عموما كل لبس!)، واما تفسير الارادة بأنها ارادة عادل فبقية الجملة قد توحي بنفي ذلك وهو ان لاينظر الى ماعند الطرفين انما الى ماعنده مسبقا، وانت استعملت تعبير:الى ماعندهم من :ادوات!
فهل تقصد بها مفاهيم ومضامين ام ادوات او اطارات؟
 
وأن النخب الإسلامية التي وصلت للحكم نفسها قد وصلت من خلال نظم سياسية أنتجتها التجربة الليبرالية وفلسفتها ومهما قيل عن توافق أجزاء منها مع الشريعة إلا أن المُسَلم به لدى الجميع أن الموجود في الواقع هو المظلة الليبرالية ما يتوافق منها مع الإسلام وما لا يتوافق وأنه حتى الصياغات الدستورية التي خرجت والتي ستخرج ستحتوي على المفهوم الليبرالي أولاً ثم تقييده بالنص الشرعي لاحقاً، وربما يكون تقييداً جزئياً أو كلياً وربما يكون تقييداً مكتوباً في النص الدستوري أو في المدونات التفسيرية.
خامساً: أن بقاء هذا التيار بعيداً عن التحزب السياسي واكتفاءه بالدور العلمي والفكري يؤهله لحراسة المفاهيم دون اضطرار لما توجبه الحاجة والضرورة السياسية من تنازلات في القول والعمل، ولذلك يكون من الخطر أن يشتغل هذا التيار بالدفاع عن هذه التنازلات اشتغالاً يقود إلى تضييع بيان الحق وما هي العزيمة التي تركها السياسي للرخصة،وسأزيد هذه النقطة وضوحاً في المقال القادم، فبقاء هذا التيار بعيداً عن المجال السياسي يؤهله أولاً للقيادم بدور الناقد المعياري الذي تحتاجه جميع التصرفات العملية، كما أنه يؤهله للقيام بالحراسة المفاهيمية قيام من لا ينسيه الجوع أن الميتة محرمة وإن جاز أكلها اضطراراً.


لاشك ان من رجالات السلفية المصرية الحالية من دخل معترك السياسة، ويمكن الإشارة اليهم، أو الى بعضهم على الاقل، بأنهم من السلفية العلمية، وحتى من لم يدخل منهم البرلمان فقد شارك في الحوارات والمناورات والنشاطات السياسية الخاصة بالدستورية وغيرها، ولاشك ان هذا يدخل في النص الأول من اقتباسنا(من كلامكم)، مع ان بعضهم من الشيوخ العلميين، اي من السلفية العلمية، فكيف نوفق بين هذا مع النص ، ومع النص الثاني المقتبس والذي ينفي هذا، وربما يرفع التعارض ، ربما قصدكم بعموم رجالات السلفية العلمية.
فان كنت تقصد اهل مصر فقد دخلوا كلهم في الأمر وبدرجات فعلى الاقل اشتركوا في اختيار بين المرشحين!، وقبلوا ببعض الأمور التي في المقتبس الأول
مع ان مفهوم السلفية العلمية يدخل فيه الاجتهاد في الأمور المتغيرة او الجديدة، ومعلوم ان نص بن تيمية عن دخول يوسف عليه السلام في حكومة ملك مصر وقتها ومافي ذلك النص من فوائد جمة، وتطبيق ذلك في حالنا، يمكن وصفه بالعلمية السلفية.


 
أخي الحبيب طارق: العلمية اصطلاح كل من دخل في السياسة في صورة تحزب أو كان مرجعية شرعية مباشرة لحزب = خرج من هذا الاصطلاح، ولو كان من السلفية العلمية قبل ذلك.

فمقصودي بالسلفية العلمية من مشايخ مصر مثلاً: الحويني-مصطفى العدوي.

وخرج منها(في اصطلاحي) : الشيخ ياسر برهامي والشيخ محمد عبد المقصود.

تنبيه: هما خارج السلفية العلمية في اصطلاحي حتى قبل الثورة ولا مكان لتفصيل هذا هنا.

وهذه الاصطلاحات لا تعلق لها بنفي العلم عنهم، ولا بتقييم عملهم ودورهم، ولا بنفي إمكانم مشاركتهم في معركة المفاهيم، إنما مقصودي بيان أن الطائفة المذكورة والتي لم تشارك في السياسة أصلح وأقدر من غيرها من هذه الناحية.
 
جزاكم الله خيرا على توضيح مقصدكم وتقبل الله منا ومنكم
 
لنرجع مرة أخرى للموضوع
والسؤال هو هل القمع المنسوب لعمل السلطان العادل في نصكم هو مصلح وصفي ام مصطلح شرعي بمعنى اننا يمكن ان نقرأ في كتب التاريخ مثلا ان السلطان-فلان- العادل قمع طائفة الحشاشين او قمع المعتزلة مثلا، ولكن هل يمكن استخدام اللفظ في وضع توصيف شرعي او تأصيل للمسألة.
مازلت في عملية تفكير في قبول وصف بن خلدون لتأصيل حالة العصبية واستخلاص قانون عام منها فقد يكون الأمر هو وضع جرت عليه الأمور في الاستحواذ على الملك في زمنه لكن ان يسحب وصف الواقع -كما فعل بن خلدون-لاستخراج مفهوم عام فهذا يحتاج لميزان شرعي في وضع المصطلحات والمفاهيم معا.
مع الإعلام بأني احتاج لقراءة مقدمة بن خلدون مرات اخرى ربما لاستيعاب غرض وصفه عن عصبيته ولااظنه ادخل فيه الامام العادل اللهم الا كركن يأوي اليه لان العصبية حالة لاتنسجم تماما مع الدين وان كانت يمكنها اقامة الدين ولكن ليس بشكل كامل والله اعلم!
 
أري ان الاستاذ طارق قد خلط بين جملة من الأمور, و قبل أن أدخل في أصل الموضوع أريد التنبيه الي نقطة معينة , و هي أنه لا يجوز من منطق تاريخي و فكري الخلط بين الحشاشين و المعتزلة , فالمعتزلة فرقة كلامية أثرت بعمق في الحياة الدينية , و الادبية للمسلمين و ما زال اثر هذه الفرقة واضح في حياتنا الفكرية حتي يوم الناس هذا, أما الحشاشين فهم جمعية سرية باطنية عنيفة اتخذت من الإرهاب وسيلة للقيام بانقلاب ديني , و سياسي , و أجتماعي.
النقطة الاولي : هل القمع هنا مصطلح وصفي ام مصطلح شرعي في نظري في هذه المرحلة مصطلح وصفي و إن كان البرهنه عليه بأدلة شرعية وارد لمن أراد ذلك , و الشواهد التاريخية كثيرة علي وقع مثل هذا القمع ليس علي الاحياء فقط بل حتي علي الاموات.
النقطة الثانية: الذي فهمت من كلام الشيخ ابي فهر أن السلطة له تأثير في معركة المفاهيم من جهة الدفع او القصد و جهة الموازنة و جهة الكسب , الا أن الشيخ أبي فهر عاد و ميز بين السلطان العادل و السلطان الظالم في التأثير من جهة القصد و الدافع فقط , لا شك أن كل سلطة مهما كانت عادلة قائمة علي قدر معين من القهر و القمع للفرد و الجماعة , أكانت هذه سلطة شمولية او سلطة مقيدة , بل في نظري أن تأثير السلطات المقيدة في الغرب علي الراي العام و الشعور الجمعي لشعوبها أكبر بكثير من بعض الانظمة الشموليه في بلادنا العربية.
في الختام هذا الحوار دليل واضح علي أن معركة المفاهيم ليست معركة بين كتل صلبة متنافرة بل هي معركة ذاتية في المقام الاول علي مستوي الفرد , و علي مستوي الجماعة الفكرية , و هذه المعركة لها شقين معركة تصحيح و معركة تكوين , و السلفية بمعناها الاعم نجحت الي حد ما في تصحيح بعض المفاهيم , الا انه حتي الان فشلت في تكوين منظومة معرفية قادرة علي الصراع في معركة أسلحتها الفكر ثم السياسية.
 
بارك الله فيك اخي فرج بن ناصر
انما اردت فقط ان اثور الموضوع وافكك المصطلحات والمشاغبة الرمضانية على المؤلف الحبيب ولو كنت مذيعا تلفزيونيا لماتركته -وهو الفارس المفكر الذي عنده الكثير ليقوله-حتى دخلنا في شعاب الافكار ومصطلحاتها ليستفيد منه النظارة-ابتسامة
اما المعتزلة فلولا قمعهم او قمع الجهمية في بعض الازمنة والامنكة لاستشرى توحيدهم الغريب وعدلهم المريب وغرضي ليس مساواتهم بالحشاشين والاسماعيلية ولكن بعملية قمع من السلطة الحاكمة يومذاك
 
و فيك بارك يا شيخ طارق.
يبدو أن روح الثورة ما زالت قوية فيك يا شيخ طارق , و إن كنت أري ان يعطي الشيخ أبي فهر مجال للطرح فكرته , حتي لا يتشتت الموضوع و يتشعب الي قضايا و مسائل ليست منه و إن اتصلت به بسبب من الأسباب.
و أما ما ذكرتموه من مسالة قمع السلطة للجهمية و المعتزلة فقد كان هذا للفترات قصيرة و للاسباب سياسية لبست لباس الدين في مرحلة معينة , و الحقيقة أن شغب و ثورات العامة خاصة الحنابلة في بغداد , قد حد من تطرف تلك الفرق و حجم دورها الفكري في المجتمع الاسلامي خاصة في عصر الفوضي التي عصفت بالدولة العباسية من القرن الرابع حتي القرن السابع.
 
خلاص- المشاغبة بعد العيد ان شاء الله-ابتسامة
عندك حق اخي فرج بن ناصر فلنترك الشيخ ابي فهر يكمل فكرته وبقية سلسلته المحفزة للفكرة والسؤال والمشاغبة الحلوة والله الموفق
وكل عام وانتم بخير وثورة وراء ثورة حتى اقصى الاقصى ان شاء الحق.
وتقبل الله منا ومنكم وعيد مبارك
 
عودة
أعلى