بعد المقدمة، سيتم بيان المطالب التالية...
المطلب الأول: سبب وجود الألفاظ المعربة في القرآن الكريم
المطلب الثاني: المعرب في القرآن الكريم، دليل بشرية مصدره
المطلب الثالث: كلمات أعجمية في القرآن الكريم، لا يعرفها اللسان العربي المبين
ولن يتم بيان مصدر الشبهات؛ تنزيهاً لملتقانا المبارك عنها !
مقدمة:
أول الطعون في أصالة لغة القرآن الكريم، تصدى للذود عنها حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، بما اشتهر باسم مسائل ابن الأزرق [1] حين قال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر [2]: قُم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به. فقاما إليه فقالا: إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله، فتفسرها لنا، وتأتينا بمصادقة من كلام العرب؛ فإن الله تعالى إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين. فقال ابن عباس: سلاني عما بدا لكما.. ". فكان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يجيبهم على كل شبهة، ببيان أصالة الألفاظ المسؤول عنها، مستدلاً بأبيات من كلام العرب. [3]
وليت كتاب مواقع الإنترنت غير الإسلامية يفهمون شعر العرب ويتذوقون جمال آداب نثرهم، ولا يتحاملون على القرآن الكريم، فيجترئون على القول فيه بغير علم.. كما سيتبين في المطالب التالية:
المطلب الأول: سبب وجود الألفاظ المعربة في القرآن الكريم:
كل المعرب في القرآن الكريم هو من فعل محمد صلى الله عليه وسلم، هذا ما زعمه موقع تنصيري فقال:
" ومما يستحق الذكر أن لفظة تابوت أساساً ليست عربية، بل إن محمداً عرَّبها مع غيرها من الألفاظ العبرية، والفارسية، والآشورية، واليونانية، والفينيقية، والبهلوية، والآرامية، والسريانية، والحبشية ومعناها الأصلي " فُلْكٌ " ". [4]
ولكن، لماذا قام بذلك ؟ تكفل موقع تنصيري آخر بالإجابة عن هذا السؤال:
" مائة كلمة أعجمية دخلت القران
عد السيوطي أكثر من مائة كلمة أعجمية دخلت القران. [5] منها ما هو معرب لآنه لا بديل به في العربية مثل دينار، استبرقن [6]، سجيل [7]، الخ. ولكن منها ما هو دخيل [8]، تستغني العربيه بأفصح منه كقوله ابلعي ماءك: اشربي [9]....
والنتائج من هذا الواقع القراني أنه أدخل تعابير أعجمية كان بغنى عنها في العربية. وهذا الكلم الدخيل ليس من الفصاحه العربية في شيء. والسؤال المتبادر الى الذهن: ما دخل العربية قبل القران فاستعرب، أو ما أدخله القران فأستعرب، وكان كلاهما فصيحا في العربية، فلا بأس به. أما الكلم الدخيل، فمن أين مصدره ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ له مصدران لا ثالث لهما: إما دخل الدخيل القران قبل تدوينه، لما امتد الفتح الإسلامي إلى الأقطار وهذا شبهه على سلامة النص القرآني وأعجازه اللغوي. وإما استورده (النبي الامي) من أسفاره وأقحمه، على حرفه الأعجمي ليبهر الناس بعلمه الواسع في لغات الأعاجم، وإقحام هذا الدخيل شبه قائمة على فصاحة القران ".
إذاً: يزعمون أن محمداً (الأمي) صلى الله عليه وسلم قام بهذا الجهد الجبار ـ إدخال كلمات أعجمية إلى القرآن الكريم ـ لهدف واحد هو: إبهار الناس بعلمه الواسع !
فأحد المواقع جعل لتعريب كلمة (صراط) وإدخالها إلى سورة الفاتحة التي يتلوها المسلم في كل ركعة، سبباً هو:
" بعدما رفض صراط اليهود الأصلي. يصلي المسلمون في خاتمة الفاتحة أن لا يهديهم الله صراط اليهود، لأن غضب الله حال عليهم سورة الفاتحة 1: 7. وأراد محمد أيضاً أن يجعل صراطه الخاص متميزاً عن صراط النصارى، الذين اعتبرهم ضالّين..
ربما كان محمد قد رأى الطرق الرومانية المُعبَّدة فأراد أن يستعملها في صورة بيانية لوصف الإسلام. إن كلمة صراط كلمة معرّبة من اللغة الرومانية وتعني الشوارع العريضة المبلطة المؤدية للهدف حتماً. وعندما قارن محمد هذه الطرق المعبَّدة بالوعر الرملي في بلده أبصر في الصراط الرمز الذي يعبّر مثالياً عن دينه ".
من عجيب أمرهم أنهم قالوا بنسبة هذا الأمر إلى الإمام السيوطي رحمه الله تعالى، دون أن ينقلوا ما جاء في مقدمة كلامه في توجيه المعرب في القرآن الكريم، ثم نقدِه. بل غضوا الطرف عنه، ولو وجدوا في كلامه ما يعدُّونه خطأً، أويوافق هواهم، لما قصرت همتهم عن عرضه ونقده. [10]
ومما جاء فيه: " من خصائص القرآن على سائر كتب الله تعالى المنزلة أنها نزلت بلغة القوم الذين أنزلت عليهم لم ينزل فيها شيء بلغة غيرهم والقرآن احتوى على جميع لغات العرب وأنزل فيه بلغات غيرهم من الروم والفرس والحبشة شيء كثير.. وأيضاً فالنبي صلى الله عليه وسلم مرسل إلى كل أمة، وقد قال تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ" [إبراهيم: 4]، فلا بد وأن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم، وإن كان أصله بلغة قومه.. ".
وضرب مثالاً بديعاً على ذلك وهو كلمة (إستبرق)، حيث بيَّن أنه لا توجد كلمة تسد مكانها ثم قال: " وقال أبو عبيد القاسم بن سلام [11] ـ بعد أن حكى القول بجواز وجود المعرب عن الفقهاء، والمنع عن أهل العربية ـ: والصواب عندي، فيه تصديق القولين جميعاً؛ وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية ـ كما قال الفقهاء ـ لكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها وحوَّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال: إنها عربية، فهو صادق. ومن قال: أعجمية، فصادق ".
هذا الكلام فيصَل في تلك الشبهة، ونقضٌ لها من أساسها.. وبهذا يتبين سبب عدم ذكر أي موقع من مواقع الإنترنت التنصيرية التي انتقدت ما زعمت أنه معرب في القرآن الكريم، لِما قاله السيوطي ـ رحمه الله ـ في مقدمة موضوع المعرب في القرآن الكريم. وهو يفيد بشكل قاطع التأكيد على أنَّ كل كلمة مزعومٌ إدخالها من قِبَل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، في حقيقتها دخلت العربية واستعملتها العرب قبل نزول القرآن الكريم بعقود، كما سيتبين لاحقاً بإذن الله تعالى.
هوامش
===================================
1) هو نافع بن الأزرق الحروري: من رؤوس الخوارج.. وإليه تنسب طائفة الأزارقة، وكان قد خرج في أواخر دولة يزيد بن معاوية.. وله أسئلة ومناظرات مع ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ. قتل سنة 65 هـ. انظر: لسان الميزان، ابن حجر6/144 (506).
2) هو نجدة بن عامر الحروري، من رؤوس الخوارج، زائغ عن الحق.. خرج باليمامة عقب موت يزيد بن معاوية، وقدم مكة. وله مقالات معروفة، وأتباع انقرضوا.. كاتبَ ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن سهم ذي القربى، وعن قتل الأطفال الذين يخالفونه وغير ذلك، واعتذر ابن عباس عن مكاتبته. انظر: لسان الميزان، ابن حجر 6/148 (520).
3) انظر: الإتقان، السيوطي، ص301-327 (الاحتجاج على غريب القرآن ومشكله بالشعر).
4) الصواب: معناه بالعبرية: صندوق خشبي. انظر: المعرب والدخيل في المعاجم العربية، جهينة نصر علي، ص 171.
5) انظر: له الإتقان، ص333 (النوع الثامن والثلاثون: فيما وقع فيه بغير لغة العرب). وهو لم يقل: إنها دخلت القرآن من خارج ما عهده العرب وألفوه.
6) الصواب: استبرقٍ.. وحتى الرسم العثماني لها كذلك. إن هذا الخطأ يدل على الأصل الأجنبي لذلك الموقع التنصيري، وجهل المترجم بما يترجم. فقد صحّف المترجم (استبرقٍ) فكتبها: (استبرقن) حرفياً كما تكتب بالإنجليزية: (Estabraqen) !!
7) سِجِّيل: كلمة عربية أصيلة، تدل على: كتاب يتضمن عدة كتبٍ ومعانٍ. قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة 3/107 (سجل) : " السين والجيم واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على انصبابِ شيءٍ بعد امتلائِهِ. من ذلك السَّجْل، وهو الدَّلو العظيمة. ويقال سَجَلت الماءَ فانسجَلَ، وذلك إذا صَبْبَته. ويقال للضَّرْع الممتلئ سَجْل.. فأما السِّجِلّ فمن السَّجْل والمساجلة، وذلك أنَّه كتَابٌ يجمَع كتباً ومعانيَ.. ". وانظر: لسان العرب، ابن منظور 11/325 (سجل).
8) المعرَّب والدخيل مترادفان.. وهناك من فرق بينهما فجعل المعرب ما حوَّرته العرب بلغتها وجرت عليه قواعدها كاليم.. أما الدخيل فهو ما بقي على صورته الأعجمية كالسندس.. انظر تفصيل ذلك بالأمثلة في مقدمة كتاب: معجم لغة الفقهاء، ا.د. محمد رواس قلعة جي، ص13 وما بعدها. ولشهاب الدين الخفاجي (ت 1069 هـ) كتاب اسمه: شفاء الغليل لما في كلام العرب من الدخيل. وقبله كتاب: المعرب من الكلام الأعجمي، لأبي منصور الجواليقي (ت 540 هـ) وللسيوطي (ت911 هـ) : المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب، والمتوكلي فيما وافق من العربية اللغات الأعجمية.
9) البلعُ لغة عربية فصيحة. قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة 1/285 (بلع): " الباء واللام والعين أصلٌ واحد، وهو ازدراد الشيء. تقول: بلِعْتُ الشيءَ أبْلَعُه ".
أما عن بلاغة التعبير بـ " ابْلَعِيْ " بدلاً من " اشربي "، فقد بيَّنه الطاهر بن عاشور في تفسير التحرير والتنوير 9/2111 : " والبلع حقيقته اجتياز الطعام والشراب إلى الحلق، بدون استقرار في الفم. وهو هنا استعارة لإدخال الشيء في باطن شيء بسرعة، ومعنى: " بلع الأرض ماءها ": دخوله في باطنها بسرعة، كسرعة ازدراد البالع. بحيث لم يكن جفاف الأرض بحرارة شمس أو رياح، بل كان بعملٍ أرضي عاجل... وفي مقابلة " ابْلَعِيْ " بـ " أَقْلِعِي " محسن الجناس ".
إذاً، فالأليق بلاغةً ـ لبيان تمام الِمنة على سيدنا نوح عليه السلام وأهله ـ أن يُسرِّع من ازدراد الأرض للماء، وذلك بالبلع لا بالشرب.
10) انظر: الإتقان، السيوطي، ص331.
11) هو القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي (ت224هـ) صنف التصانيف التي سارت بها الركبان، من كل فن. وهو من أئمة الاجتهاد، كان مؤدباً صاحب نحو وعربية وطلب للحديث والفقه ولي قضاء طرسوس أيام الأمير ثابت الخزاعي. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي 10/490-507.
المطلب الأول: سبب وجود الألفاظ المعربة في القرآن الكريم
المطلب الثاني: المعرب في القرآن الكريم، دليل بشرية مصدره
المطلب الثالث: كلمات أعجمية في القرآن الكريم، لا يعرفها اللسان العربي المبين
ولن يتم بيان مصدر الشبهات؛ تنزيهاً لملتقانا المبارك عنها !
مقدمة:
أول الطعون في أصالة لغة القرآن الكريم، تصدى للذود عنها حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، بما اشتهر باسم مسائل ابن الأزرق [1] حين قال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر [2]: قُم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به. فقاما إليه فقالا: إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله، فتفسرها لنا، وتأتينا بمصادقة من كلام العرب؛ فإن الله تعالى إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين. فقال ابن عباس: سلاني عما بدا لكما.. ". فكان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يجيبهم على كل شبهة، ببيان أصالة الألفاظ المسؤول عنها، مستدلاً بأبيات من كلام العرب. [3]
وليت كتاب مواقع الإنترنت غير الإسلامية يفهمون شعر العرب ويتذوقون جمال آداب نثرهم، ولا يتحاملون على القرآن الكريم، فيجترئون على القول فيه بغير علم.. كما سيتبين في المطالب التالية:
المطلب الأول: سبب وجود الألفاظ المعربة في القرآن الكريم:
كل المعرب في القرآن الكريم هو من فعل محمد صلى الله عليه وسلم، هذا ما زعمه موقع تنصيري فقال:
" ومما يستحق الذكر أن لفظة تابوت أساساً ليست عربية، بل إن محمداً عرَّبها مع غيرها من الألفاظ العبرية، والفارسية، والآشورية، واليونانية، والفينيقية، والبهلوية، والآرامية، والسريانية، والحبشية ومعناها الأصلي " فُلْكٌ " ". [4]
ولكن، لماذا قام بذلك ؟ تكفل موقع تنصيري آخر بالإجابة عن هذا السؤال:
" مائة كلمة أعجمية دخلت القران
عد السيوطي أكثر من مائة كلمة أعجمية دخلت القران. [5] منها ما هو معرب لآنه لا بديل به في العربية مثل دينار، استبرقن [6]، سجيل [7]، الخ. ولكن منها ما هو دخيل [8]، تستغني العربيه بأفصح منه كقوله ابلعي ماءك: اشربي [9]....
والنتائج من هذا الواقع القراني أنه أدخل تعابير أعجمية كان بغنى عنها في العربية. وهذا الكلم الدخيل ليس من الفصاحه العربية في شيء. والسؤال المتبادر الى الذهن: ما دخل العربية قبل القران فاستعرب، أو ما أدخله القران فأستعرب، وكان كلاهما فصيحا في العربية، فلا بأس به. أما الكلم الدخيل، فمن أين مصدره ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ له مصدران لا ثالث لهما: إما دخل الدخيل القران قبل تدوينه، لما امتد الفتح الإسلامي إلى الأقطار وهذا شبهه على سلامة النص القرآني وأعجازه اللغوي. وإما استورده (النبي الامي) من أسفاره وأقحمه، على حرفه الأعجمي ليبهر الناس بعلمه الواسع في لغات الأعاجم، وإقحام هذا الدخيل شبه قائمة على فصاحة القران ".
إذاً: يزعمون أن محمداً (الأمي) صلى الله عليه وسلم قام بهذا الجهد الجبار ـ إدخال كلمات أعجمية إلى القرآن الكريم ـ لهدف واحد هو: إبهار الناس بعلمه الواسع !
فأحد المواقع جعل لتعريب كلمة (صراط) وإدخالها إلى سورة الفاتحة التي يتلوها المسلم في كل ركعة، سبباً هو:
" بعدما رفض صراط اليهود الأصلي. يصلي المسلمون في خاتمة الفاتحة أن لا يهديهم الله صراط اليهود، لأن غضب الله حال عليهم سورة الفاتحة 1: 7. وأراد محمد أيضاً أن يجعل صراطه الخاص متميزاً عن صراط النصارى، الذين اعتبرهم ضالّين..
ربما كان محمد قد رأى الطرق الرومانية المُعبَّدة فأراد أن يستعملها في صورة بيانية لوصف الإسلام. إن كلمة صراط كلمة معرّبة من اللغة الرومانية وتعني الشوارع العريضة المبلطة المؤدية للهدف حتماً. وعندما قارن محمد هذه الطرق المعبَّدة بالوعر الرملي في بلده أبصر في الصراط الرمز الذي يعبّر مثالياً عن دينه ".
من عجيب أمرهم أنهم قالوا بنسبة هذا الأمر إلى الإمام السيوطي رحمه الله تعالى، دون أن ينقلوا ما جاء في مقدمة كلامه في توجيه المعرب في القرآن الكريم، ثم نقدِه. بل غضوا الطرف عنه، ولو وجدوا في كلامه ما يعدُّونه خطأً، أويوافق هواهم، لما قصرت همتهم عن عرضه ونقده. [10]
ومما جاء فيه: " من خصائص القرآن على سائر كتب الله تعالى المنزلة أنها نزلت بلغة القوم الذين أنزلت عليهم لم ينزل فيها شيء بلغة غيرهم والقرآن احتوى على جميع لغات العرب وأنزل فيه بلغات غيرهم من الروم والفرس والحبشة شيء كثير.. وأيضاً فالنبي صلى الله عليه وسلم مرسل إلى كل أمة، وقد قال تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ" [إبراهيم: 4]، فلا بد وأن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم، وإن كان أصله بلغة قومه.. ".
وضرب مثالاً بديعاً على ذلك وهو كلمة (إستبرق)، حيث بيَّن أنه لا توجد كلمة تسد مكانها ثم قال: " وقال أبو عبيد القاسم بن سلام [11] ـ بعد أن حكى القول بجواز وجود المعرب عن الفقهاء، والمنع عن أهل العربية ـ: والصواب عندي، فيه تصديق القولين جميعاً؛ وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية ـ كما قال الفقهاء ـ لكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها وحوَّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال: إنها عربية، فهو صادق. ومن قال: أعجمية، فصادق ".
هذا الكلام فيصَل في تلك الشبهة، ونقضٌ لها من أساسها.. وبهذا يتبين سبب عدم ذكر أي موقع من مواقع الإنترنت التنصيرية التي انتقدت ما زعمت أنه معرب في القرآن الكريم، لِما قاله السيوطي ـ رحمه الله ـ في مقدمة موضوع المعرب في القرآن الكريم. وهو يفيد بشكل قاطع التأكيد على أنَّ كل كلمة مزعومٌ إدخالها من قِبَل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، في حقيقتها دخلت العربية واستعملتها العرب قبل نزول القرآن الكريم بعقود، كما سيتبين لاحقاً بإذن الله تعالى.
هوامش
===================================
1) هو نافع بن الأزرق الحروري: من رؤوس الخوارج.. وإليه تنسب طائفة الأزارقة، وكان قد خرج في أواخر دولة يزيد بن معاوية.. وله أسئلة ومناظرات مع ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ. قتل سنة 65 هـ. انظر: لسان الميزان، ابن حجر6/144 (506).
2) هو نجدة بن عامر الحروري، من رؤوس الخوارج، زائغ عن الحق.. خرج باليمامة عقب موت يزيد بن معاوية، وقدم مكة. وله مقالات معروفة، وأتباع انقرضوا.. كاتبَ ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن سهم ذي القربى، وعن قتل الأطفال الذين يخالفونه وغير ذلك، واعتذر ابن عباس عن مكاتبته. انظر: لسان الميزان، ابن حجر 6/148 (520).
3) انظر: الإتقان، السيوطي، ص301-327 (الاحتجاج على غريب القرآن ومشكله بالشعر).
4) الصواب: معناه بالعبرية: صندوق خشبي. انظر: المعرب والدخيل في المعاجم العربية، جهينة نصر علي، ص 171.
5) انظر: له الإتقان، ص333 (النوع الثامن والثلاثون: فيما وقع فيه بغير لغة العرب). وهو لم يقل: إنها دخلت القرآن من خارج ما عهده العرب وألفوه.
6) الصواب: استبرقٍ.. وحتى الرسم العثماني لها كذلك. إن هذا الخطأ يدل على الأصل الأجنبي لذلك الموقع التنصيري، وجهل المترجم بما يترجم. فقد صحّف المترجم (استبرقٍ) فكتبها: (استبرقن) حرفياً كما تكتب بالإنجليزية: (Estabraqen) !!
7) سِجِّيل: كلمة عربية أصيلة، تدل على: كتاب يتضمن عدة كتبٍ ومعانٍ. قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة 3/107 (سجل) : " السين والجيم واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على انصبابِ شيءٍ بعد امتلائِهِ. من ذلك السَّجْل، وهو الدَّلو العظيمة. ويقال سَجَلت الماءَ فانسجَلَ، وذلك إذا صَبْبَته. ويقال للضَّرْع الممتلئ سَجْل.. فأما السِّجِلّ فمن السَّجْل والمساجلة، وذلك أنَّه كتَابٌ يجمَع كتباً ومعانيَ.. ". وانظر: لسان العرب، ابن منظور 11/325 (سجل).
8) المعرَّب والدخيل مترادفان.. وهناك من فرق بينهما فجعل المعرب ما حوَّرته العرب بلغتها وجرت عليه قواعدها كاليم.. أما الدخيل فهو ما بقي على صورته الأعجمية كالسندس.. انظر تفصيل ذلك بالأمثلة في مقدمة كتاب: معجم لغة الفقهاء، ا.د. محمد رواس قلعة جي، ص13 وما بعدها. ولشهاب الدين الخفاجي (ت 1069 هـ) كتاب اسمه: شفاء الغليل لما في كلام العرب من الدخيل. وقبله كتاب: المعرب من الكلام الأعجمي، لأبي منصور الجواليقي (ت 540 هـ) وللسيوطي (ت911 هـ) : المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب، والمتوكلي فيما وافق من العربية اللغات الأعجمية.
9) البلعُ لغة عربية فصيحة. قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة 1/285 (بلع): " الباء واللام والعين أصلٌ واحد، وهو ازدراد الشيء. تقول: بلِعْتُ الشيءَ أبْلَعُه ".
أما عن بلاغة التعبير بـ " ابْلَعِيْ " بدلاً من " اشربي "، فقد بيَّنه الطاهر بن عاشور في تفسير التحرير والتنوير 9/2111 : " والبلع حقيقته اجتياز الطعام والشراب إلى الحلق، بدون استقرار في الفم. وهو هنا استعارة لإدخال الشيء في باطن شيء بسرعة، ومعنى: " بلع الأرض ماءها ": دخوله في باطنها بسرعة، كسرعة ازدراد البالع. بحيث لم يكن جفاف الأرض بحرارة شمس أو رياح، بل كان بعملٍ أرضي عاجل... وفي مقابلة " ابْلَعِيْ " بـ " أَقْلِعِي " محسن الجناس ".
إذاً، فالأليق بلاغةً ـ لبيان تمام الِمنة على سيدنا نوح عليه السلام وأهله ـ أن يُسرِّع من ازدراد الأرض للماء، وذلك بالبلع لا بالشرب.
10) انظر: الإتقان، السيوطي، ص331.
11) هو القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي (ت224هـ) صنف التصانيف التي سارت بها الركبان، من كل فن. وهو من أئمة الاجتهاد، كان مؤدباً صاحب نحو وعربية وطلب للحديث والفقه ولي قضاء طرسوس أيام الأمير ثابت الخزاعي. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي 10/490-507.