مطارحات قرانية (3)

إنضم
01/03/2005
المشاركات
1,063
مستوى التفاعل
3
النقاط
38
العمر
60
الإقامة
الأردن - عمان
اختلف اهل العلم في معنى التاويل والتفسير حتى قال الذهبي في كتابه حول مناهج المفسرين ان كثيرا من المتقدمين يستعملوهما بمعنى واحد واستدل على ذلك بصنيع الطبري في التفسير
والذي اقوله ان التفريق بينهما لغة معروف وكذلك اصطلاحا فقد فرق الشافعي بينهما وهو متوفى قبل الطبري بزمان وليس من المعقول ان لا يطلع الطبري على هذا لا سيما وقد قيل انه كان شافعي المذهب في بداية الطريق
ولهذا يبدو ان الطبري يفرق بينهما تفريقا كبيرا فالتاويل عنده يخص ظني الدلالة من القران وهو يمثل معظم القران عنده ولهذا لا يكاد يذكر اية الا ويورد خلاف المفسرين واللغويين فيها ثم يرجح ما يراه وبناء عليه فاني ارى ان معنى التاويل عند الطبري هو صرف اللفظ او التركيب الى احد معانيه المحتملة بدليل.
فما رايكم ايها الاكارم؟
 
المكرم فضيلة الأستاذ الدكتور جمال أبو حسان وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم وفتح علينا وعليكم ، وبالفعل فإن لفظة التأويل والفرق بينها وبين التفسير مما اختلف فيه العلماء على الوجه الذي تفضلت به وعلى أوجه أخرى ، ولكن برأيي فإن الوصول للمعنى الحقيقي لمفهوم التأويل يمكن الوصول إليه من خلال استقراء المفردة في كتاب الله ولو فعلنا هذا لوجدنا عكس ما رأى الطبري رحمه الله وغفر له ، فالتأويل متعلق بما هو قطعي الدلالة ، وتحديداً لمفهوم التأويل فيمكن القول :
التأويل هو : الوُصولُ لمِرُادِ اللهِ تَعَالى عَلى وَجْهِهِ الأوَّل وَ الصَّحيحِ مِنَ الفِهْمِ وَالعَمَلْ ، فَإنْ تحَقَّقَ ذَلِكَ كاَنَ تَأوِيْلاً.
أما التفسير فهو فهم مراد الله على قدر معرفة المفسر ، وقد يصيب المفسر تأويلاً وقد لا يصيب التأويل ، وقول المفسر اجتهاد يحتمل الخطأ والصواب ، أما التأويل فهو حق لا يختلّ ولا يداخله خطأ.
ولو تتبعنا واستقرأنا التأويل في كتاب الله لوجدناه يقود لهذا الفهم :
وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [يوسف:6]​
ولما كان تعبير الرؤى يسمى تفسيراً لأن المفسر قد يصيب التأويل وقد لا يوفق لإصابته فإن الله اختص يوسف دون سواه بتعليمه تأويل الأحاديث أي فهمها على وجهها الصحيح المراد من الله تعالى وهي كرامة لا يملكها أي أحد فلو كان التأويل ظنياً فما الكرامة في تعليم التأويل ليوسف ؟ إلا أنه تأويل معرفة بمآله وأوله والإحاطة به على الوجه الصحيح وقد ورد معظم ذلك في سورة يوسف ، وفي موضع آخر يقول تعالى:
{
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [يوسف:21]
فهل يعلّم اللهُ نبيه يوسفَ فهماً ظنياً قابلاً للخطأ والصواب ؟؟ أم يكون التأويل معرفة أول مراد الله من الأول ومآله على وجهه الصحيح ؟
وفي سورة الكهف نجد أن التأويل هو الحقيقة الأولى التي لا يتطرق إليها الشك ولا الخطأ ، يقول تعالى :
{ قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } [الكهف:78]​
أي مراد الله مما رايته من وقائع على وجه الحقيقة بلا ريب ولا ظن ، وفي سبيل ذلك يقول تعالى على لسان الخضر :
{ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } [الكهف:82]​
فلو فسَّر موسى الأمر في نفسه لربما وصل لشيء من التأويل وربما لا يصيبه ، ولكن عندما أخبر به الخضر كان حقيقة قطعية الدلالة لا يقال بعدها قول ، وفي موضع آخر يعزز هذا الفهم فيقول تعالى :
{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [آل عمران:7]​
ابتغاء تأويله : سعيهم في طلب مراد الله مما في كتابه ، وقد نفى أن يعلم تأويله سواه ، وقد يقع الراسخون في العلم على تفسير يوافق التأويل وقد لا يتحقق منهم ذلك ، فكيف يمكن قبول قول الطبري رحمه الله بأن التأويل ظني الدلالة ؟؟ وهو في علم الله حصراً دون سواه ؟؟.
وهل يمكن أن نقبل أن يقال : تأويل هذه الآية كذا وكذا ؟؟ ،
لا يمكن أن يحيط أحد بتأويل كتاب الله الا الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم ، أما عدا ذلك فهو اجتهاد قد يصيب صاحبه وقد يخطئ.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌوَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } [النساء:59]​
أي أفضل ما يؤدى من عمل على الوجه الذي يريده الله وفرضه لأجله ، وقوله
فردوه إلى الله والرسول ، أي ارجعوا إلىأول ما شرع الله ورسوله فهذا عودة (لأول ) الحق وأصوبه.
وهكذا فإن التأويل يشير إلى قطعي الدلالة ، ومنها ما هو ظاهر بيِّن لا خلاف عليه ، ومنها ما تختلف فيه أفهام الناس ، فمن فسر الظاهر ووافق التأويل كان فعله صحيحاً ، ومن فسر الباطن ولم يوافق التأويل فقد اجتهد ولزمه أن يقرَّ بظنية قوله واحتمال الخطأ وأن يستغفر الله إن أخطأ ويحمد الله إن أصاب.
عليه فإن التعريف : صرف اللفظ او التركيب الى احد معانيه المحتملة بدليل.
يصلح أن يكون تعريفا للتفسير لأن معالجة النص القرآني بهذه الصورة لا يخرج المعنى من دائرة الاحتمال الى دائرة اليقين وإلا كان تأويلا.
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على محمد.
 
ليس المراد بيان الاستعمال القراني

ليس المراد بيان الاستعمال القراني

ليس المراد بيان الاستعمال القراني لكلمة تاويل ولكن المراد ضبط كيفية استخدام الطبري لهذا المصطلح وشكرا على مرورك اخ عدنان
 
عودة
أعلى