مشكل قوله تعالى: " فأينما تولوا فثم وجه الله"

إنضم
8 مايو 2012
المشاركات
12
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
المملكة العربية
بسم1
قوله : {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} هل المراد به إثبات صفة الوجه لله ؟ فإن كان كذلك فقد ورد عن بعض السلف تأويل هذه الآية بغير إثبات الصفة فهل يعد ذلك تأويل لصفة الوجه لله تعالى؟
فقد أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره قال: حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا عبدة بن سليمان الكلابي عن نضر بن العربي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} قبلة الله أينما توجهت شرقاً أو غربًا.
وكذلك جاء عن مجاهد بن جبر رحمه الله فقد أخرج الطبري في تفسيره قال: ثنا وكيع، عن أبي سنان، عن الضحاك، والنضر بن عربي، عن مجاهد: في قول الله عز وجل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ }قال: قبلة الله، فأينما كنت من شرق أو غرب فاستقبلها.
وكذلك ذكر البيهقي في السنن الكبرى عن الشافعي رحمه الله في قوله:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } يعنى: - والله أعلم- فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه.
فهذه الآثار عن بعض السلف في تأويل صفة الوجه في هذه الآية يشكل على ما تقرر من مذهب للسلف في عدم تأويل الصفات.
الجواب:
إنّ السلف لم يكن من مذهبهم تأويل الصفات بل كان مذهبهم إثبات المعنى الذي يليق بالله تعالى مع تفويض الكيفية إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل، ولقد ضلّ في ذلك طوائف: منهم من ينكر الأسماء والصفات البتة وهؤلاء هم الجهمية، ومنهم من ينكر الصفات دون الأسماء وهؤلاء هم المعتزلة، ومنهم من يثبت بعض الصفات وينكر الباقي مع إثباته للأسماء وهم الأشاعرة .
إن الجواب يكون بالقول: إنّه لا إشكال في الآية لأنّ من قال ذلك من السلف لا ينفي صفة الوجه لله تعالى بل يثبتها له في غير هذه الآية لأنّ هذه الآية ليست من آيات الصفات، وليس فيها تأويل لصفة الوجه لأنّ الظاهر في معنى الوجه هنا الوجهة لأنّ الوجهة هي التي تستقبل، وهذا ليس فيه مخالفة لظاهر اللفظ، وظاهر الآية إما أن يراد به: أنّ وجه الله الذي هو الصفة ثمّ، أو أن القبلة ثمّ، أو كليهما ثمّ، فعلى الأول أقرّت على ظاهرها و لا يلزم من ذلك أنّ وجه الله في نفس الأجسام المستقبلة فيكون المعنى: أينما يستقبل العبد فإنما يستقبل وجه الله فإنّ الله فوق عرشه على سمواته وهو محيط بالعالم كله فأينما ولى العبد فإنّ الله يستقبله، وفيه حديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (( بينا النبي  يصلي رأى في قبلة المسجد نخامة فحكها بيده فتغيظ ثم قال: إنّ أحدكم إذا كان في الصلاة فإن الله حيال وجهه فلا يتنخمن حيال وجهه في الصلاة )). وغيره من الأحاديث.
وعلى الثاني يكون المعنى أينما تولوا فثم وجهة الله أي: قبلته وقد يسمى الوجه بالوجهة، والله سمى القبلة وجهة ولم يسمها وجهاً، وهذا ليس فيه مخالفة لظاهر لفظة الوجه.
وعلى الثالث أنّه يتناول الصفة والقبلة فيكون المعنى: فثمّ جهته التي يصلي إليها وثمّ وجهه الذي يستقبله المصلي، وكلّ ذلك موجود في توجه العبد، وليس في ظاهر القرآن أنّ الله تعالى في جوف المخلوقات، و لا يجوز حمل الآية على أحد المعنيين دون الثاني.( ) وهذا ما رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
الخلاصة:
أنّ من قال ذلك من السلف لم يرد نفي صفة الوجه لله تعالى لأنّه يثبتها ولم يرد صرف لفظة الوجه عن حقيقتها لأنّ ما فسرها به فسرها على حقيقتها بخلاف منهج المؤولة أو النفاة فهم ينفون الصفة مطلقًا أو يتأولونها على غير حقيقتها فظهر بذلك الفرق بين الطريقين والمنهجين. والله أعلم
___
 
جاء في كتاب (ذم التأويل) لابن قدامة المقدسي (ت:620 هـ) : " ... أَنبأَنَا الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الطّيب قَالَ : أما الْكَلَام فِي الصِّفَات فَإِن مَا رُوِيَ مِنْهَا فِي السّنَن الصِّحَاح مَذْهَب السّلف رَضِي الله عَنْهُم إِثْبَاتهُا وإجراؤها على ظَاهرهَا وَنفي الْكَيْفِيَّة والتشبيه عَنْهَا . وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن الْكَلَام فِي الصِّفَات فرع على الْكَلَام فِي الذَّات ، ويحتذى فِي ذَلِك حذوه ومثاله . فَإِذا كَانَ مَعْلُوماً أَن إِثْبَات رب الْعَالمين عز وَجل إِنَّمَا هُوَ إِثْبَات وجود لَا إِثْبَات تَحْدِيد وتكييف ، فَكَذَلِك إِثْبَات صِفَاته إِنَّمَا هُوَ إِثْبَات وجود لَا إِثْبَات تَحْدِيد وتكييف . فَإِذا قُلْنَا لله تَعَالَى يَد وَسمع وبصر ، فَإِنَّمَا هُوَ إِثْبَات صِفَات أثبتها الله تَعَالَى لنَفسِهِ ، وَلَا نقُول إِن معنى الْيَد الْقُدْرَة ، وَلَا أَن معنى السّمع وَالْبَصَر الْعلم ، وَلَا نقُول إِنَّهَا الْجَوَارِح ، وَلَا نشبهها بِالْأَيْدِي والأسماع والأبصار الَّتِي هِيَ جوارح وأدوات الْفِعْل . ونقول إِنَّمَا ورد إِثْبَاتهُا لِأَن التَّوْقِيف ورد بهَا وَوَجَب نفي التَّشْبِيه عَنْهَا لقَوْله تبَارك وَتَعَالَى {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} [الشورى 11] وَقَوله عز وَجل {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} [الْإِخْلَاص 4]"
 
عودة
أعلى