مشكل الحكم على متن حديث كذبات إبراهيم الثلاث

أحمد طاهري

Well-known member
إنضم
05/04/2021
المشاركات
390
مستوى التفاعل
60
النقاط
28
العمر
39
الإقامة
الجزائر
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر علماء مصطلح الحديث أن بعض المحدثين قد يحكم على الحديث بصحة إسناده دون متنه، وإليك طرفا من تقريراتهم في ذلك: قال [COLOR=800000]ابن الصلاح كما في مقدمته: [COLOR=6600cc]قولهم: هذا حديث صحيح الإسناد، أو حسن الإسناد ـ دون قولهم: هذا حديث صحيح أو حديث حسن ـ لأنه قد يقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولا يصح، لكونه شاذا أو معللا[/COLOR]. اهـ [/COLOR]
إلا أن الحافظ [COLOR=800000]ابن حجر كما في النكت على كتاب [COLOR=800000]ابن الصلاح [/COLOR]تعقبه: [COLOR=6600cc]بأن هذا لا يطرد مع كل محدث، بل يحتاج إلى استقراء طريقة كل محدث والنظر فيها[/COLOR]. اهـ[/COLOR]
وقال [COLOR=800000]السخاوي في فتح المغيث: [COLOR=6600cc]قد يصح السند أو يحسن لاستجماع شروطه من الاتصال، والعدالة، والضبط دون المتن لشذوذ أو علة[/COLOR].... اهـ[/COLOR]
وقال [COLOR=800000]ابن القيم كما في الفروسية: [COLOR=6600cc]وقد عُلِم أن صحة الإسناد شرط من شروط صحة الحديث وليست موجبة لصحة الحديث، فإن الحديث الصحيح إنما يصح بمجموع أمور منها: صحة سنده، وانتفاء علته، وعدم شذوذه ونكارته، وألاَّ يكون راويه قد خالف الثقات أو شذ عنهم[/COLOR]. اهـ[/COLOR]
ومن أمثلة ذلك: ما أخرجه [COLOR=800000]الحاكم والبيهقي من طريق [COLOR=800000]شعبة[/COLOR] عن [COLOR=800000]عمرو بن مرة [/COLOR]عن [COLOR=800000]أبي الضحى [/COLOR]عن [COLOR=800000]ابن عباس ـ [/COLOR]رضي الله عنهما ـ في قوله عز وجل: [COLOR=6600cc][COLOR=008000]سبع سماوات ومن الأرض مثلهن {لطلاق: 12} قال: في كل أرض نحو إبراهيم[/COLOR][/COLOR].[/COLOR]
قال [COLOR=800000]السيوطي معلقا على هذا الأثر كما في الحاوي: [COLOR=6600cc]هذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد، ورواه البيهقي في شعب الإيمان وقال: إسناده صحيح، ولكنه شاذ بمرة، وهذا الكلام من البيهقي في غاية الحسن، فإنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن كما تقرر في علوم الحديث، لاحتمال أن يصح الإسناد ويكون في المتن شذوذ أو علة تمنع صحته، وإذا تبين ضعف الحديث أغنى ذلك عن تأويله، لأن مثل هذا المقام لا تقبل فيه الأحاديث الضعيفة[/COLOR]. انتهى.[/COLOR]
من الواضح للعام والخاص مشكل متن حديث كذبات إبراهيم الثلاث حيث يطعن هذا الحديث في صدق الخليل عليه السـلام وقد أثار الكثير من النقاش بين العلماء وقد تم تأليف الكثير من الكتب حوله ، ومع ذالك إكتفى علماء الحديث بالحكم على الحديث فقط من صحة سنده وبالنسبة إلى المتن فلم يتم إعلاله بسبب موضوع الكذب بل تم تأويله بمعنى التورية ، ولكن مع ذالك فإن التأويل لم يحل المشكلة بل زاد من الطين بلة فهو يثير المزيد من التناقضات حول العديد من القضايا منها :
1/ هل التورية ذنب يجعل إبراهيم الخليل عليه السـلام يحجم عن الشفاعة ؟
2/ إذا كانت التورية تمنع من الشفاعة لماذا لم تمنع نبينا وحبيبنا محمد صلى الله علـيه وسلم من الشفاعة ؟
3/ إذا كانت تلك الكذبات الثلاث حقاً مجرد تورية لماذا لم يبين لنا النبي ذالك حتى يبرىء الخليل من شبهة الكذب ؟
4/ عندما قال الخليل لإمرأته قولي للملك أنك أختي ولست زوجتي أين كان يقين الخليل وثقته بالله وتوكله عليه إذا كان خائفاً على زوجته من الملك ؟
5/ أليس الأجدر بالخليل الإستعاذة بالله من شر هذا الملك والثقة بالله والتوكل عليه أفضل من الإلتفاف بقصة أنها أخته وليست زوجته ؟
6/ ماذا سيفعل لو طلب الملك منه أن يزوجها له طالما أنها ليست متزوجة ؟
هذه فقط بعض الأسئلة العابرة التي تثيرها هذه القصة الغريبة ولو تعمقنا أكثر ستجد أكثر بكثير .
 
ثمَّ مدد سلسلة الأسئلة والاستنتاجات الغريبة لتقول:

- وحديث الشفاعة الذي فيه ذكرٌ لكذبات إبراهيم علـيه السلام، أليس حريا بأن يضعف متنه؟!
- وأكل آدم علـيه السلام من التفاحة ألا يطعن في نبوته وعصمته؟
- وقتل موسى عـليه السلام نفسا ما أمر بقتلها، وأكد القرآن الكريم أنها معصية حين قال: فغفر له، أليست من كبائر الذنوب الطاعنة في العصمة والنبوة والرسالة؟!
- وعرض علينا العذاب أدنى من هذه الشجرة، أليس وعيدا مدخلا ما توُعّد لأجله في دائرة الكبائر؟!

التأويل على أفضل المحامل، دون الطعن في صحيح النصوص الظاهرة لئلا نقع في تكذيب الوحي هو مما أخذ به أهل العلم أخي.

كذب الخليل في سبيل الله، وفعل موسى الكليم ما فعل بالخطأ قبل النبوة، ومعصية آدم علـيه السلام قبل النبوة كذلك.
والبشر مقربون ومقتصدون وظالمو أنفسهم.
وحسنات الأبرار سيئات المقربين وكفى.

وقد جر التسرع في منهج تغليب العقل على النقل ما به لو أن كل ذكي أريب أسقط حديثا لكانت الأمة الآن أنهت أمر السنة ومضت إلى القرآن ترده آية آية، ما اتفق مع الحس والعقل قبل وما لم يقبل رُد.
اللهم علمنا ما ينفعنا.
والله أعلم.
 
قصة إبراهيم عليه السـلام وقوله عن إمرأته أنها أخته في الأصل من الإسرائيليات وهي مما إفتراه بني إسرائيل على الخليل عليه السـلام وتستطيع أن تعثر على القصة في سفر التكوين وهي كالتالي :
www-st-takla-org--text-verse-01-12-000-all.jpg

هذه القصة تطعن في صدق نبي الله وفي شرفه وشرف زوجته ومن الواضح لأي مسلم مؤمن سليم العقيدة مدى شناعة الإفك المفترى على سيدنا إبراهيم عليه السلام في هذه القصة ، لذالك لايجب تأويل حديث كذبات إبراهيم الثلاث لتصبح الكذبة تورية بل الأجدر بنا أن نقول حاشا لله ماهذا إلا إفك مبين ، وحاشا لله ماكان لمحمد أن يقول أن إبراهيم كذب ثلاث كذبات ، وبدلاً من تأويل الحديث لمحاولة إيجاد مخرج لتفسيره بما يتوافق مع القرآن الأجدر بعلماء الحديث إضعاف متنه بسبب شناعة الإفتراء على نبي الله إبراهيم عليه السـلام .
 
التأويل على أفضل المحامل، دون الطعن في صحيح النصوص الظاهرة لئلا نقع في تكذيب الوحي هو مما أخذ به أهل العلم أخي.
أخي إتهام أحد الصحابة أو التابعين بالكذب أهون من إتهام أحد الأنبياء بالكذب ، فالصحابي والتابعي الذي أخذ عنه العلم شهد لهم الناس بالصدق أما النبي إبراهيم عليه السـلام فقد شهد له رب العزة بالصدق فقد قال الله في كتابه العزيز في سورة مريم (( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41))) ، ولو شهد كل أهل الأرض على أن إبراهيم عليه السـلام كذبة كذبة واحدة لردت شهادتهم جميعاً في مقابل شهادة رب العالمين لنبيه بالصدق .
وتأويل الكذب بالتورية ليس حل لأنه غير صالح بحال من الأحوال فلا نبينا نفى عنه شبهة الكذب ولا التورية تمنع من الشفاعة ، والحكم على المتن بغض النظر عن صحة السند من الواجبات على العلماء تطبيقاً لأمر المولى عـز وجل في سورة النور ((لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (12))
لذلك ضع نفسك مكان سيدنا إبراهيم عليه السـلام إذا خفت على زوجتك من ملك ظالم أتدعي أنها أختك لكي تنقذ حياتك ؟ وماذا تفعل لو طلب الملك منك أن تزوجه أختك في هذه الحالة ؟ هل خوفك من بطش الملك الظالم أكبر من ثقتك بنصر الله للمؤمنين ؟ هذا ليس مجرد تقديم للعقل على النقل وليس تسرع بل بالعكس هو حسن ظن بإبراهيم عليه السـلام وبخلقه وبيقينه وإيمانه بالله تعـالى .
 
الكذب المباح مباح.
وإذا كان النبي صلى الله عليـه وسلم قال أن خليل الله لم يكذب إلا ثلاث كذبات كلهن في ذات الله فهذا أرفع مقامات المدح؛ لأنه إذا كان إبراهيم علـيه السلام تورع عن الكذب في ذات الله إلا في هؤلاء المستعتبات لاضطرار وضيق، فكيف به مع سائر الآثام واللمم؟!
وهو تعزيز لمعنى الصديقية ولا منافاة ولله الحمد.

الإسرائيليات أصناف ثلاثة معلومة، فوجود القصة في سفر التكوين لا يحتج به.

والله أعلم.
 
الإسرائيليات أصناف ثلاثة معلومة، فوجود القصة في سفر التكوين لا يحتج به.
والله أعلم.
وجود القصة في سفر التكوين من الأدلة على أنها من الإسرائيليات حتى وإن لم نحتج بها ، وعلى العموم نحن لا نحتج بها لإثباتها بل لإظهار مصدر هذا الإفك المفترى على نبي الله ، وربما لن نتفق على هذه النقطة بسبب إختلاف وجهات النظر لكن يبقى التسليم لصحة المتن فقط بسبب صحة السند هذا من الخروج عن المنهج السليم وقد تكلمت عن هذا في مقدمة الموضوع لهذا لا يزال مشكل سبب الحكم على صحة المتن لهذا الحديث المريب فيه الكثير من التعقيب .
الكذب المباح مباح.
لأنه إذا كان إبراهيم علـيه السلام تورع عن الكذب في ذات الله إلا في هؤلاء المستعتبات لاضطرار وضيق، فكيف به مع سائر الآثام واللمم؟!
عندما نقول الكذب لإضطرار وضيق فهل حقاً كان إبراهيم عليه السلام مضطراً للقول عن زوجته أنها أخته ؟ هل القول بأن سارة هي أخته سيمنع الملك من أن يطلبها لنفسه لتصبح زوجة له ؟ وإذا كان بسبب خوفه على حياته فهل خوفه على حياته من الملك كان أكبر من خوفه على شرف زوجته ؟ ضع نفسك مكانه هل تقبل أن تقول عن زوجتك أنها أختك وتتركها أمام ملك طامع في جمالها ؟ وإذا كنت تظن بنفسك الشهامة وظننت أنك لن تقبل هذا على نفسك ولو على حياتك فكيف ظنك بنبي الله إبراهيم عليه السـلام ؟
هذا من جهة الحديث وحده ستجد الكثير مما لا يقبله أي مسلم على نفسه فكيف يقبل بأن يتم إتهام نبي الله به ؟
أنا أعلم أن الطعن في صحة متن هذا الحديث سيجر معه الكثير من الأحاديث صحيحة السند للكثير من النقاش لكن هذا مايجب أن يكون عليه منهج المسلم صحيح العقيدة ، وهو تطبيق لظن المسلم بنفسه خيراً ورفض تصديق الإفك حتى وإن صح سنده لأن صحة السند تعني فقط أن الحديث صحيح السند وكل علماء الحديث متفقين على أن صحة السند لا تعني صحة المتن ، هناك الكثير من الأحاديث الصحيحة السند والتي تم إضعافها بسبب علة متنها ، وهنا نعود لطرح المشكل ماهو الأساس الذي تم عليه الحكم على صحة متن حديث كذبات إبراهيم الثلاث مع أن لدينا أكثر من سبب للقول بأنه معلول ؟
والله أعلم
 
عليهم السلامأخشى أن نكون دخلنا في مراء لا نفع فيه.
إبراهيم علـيه السلام كان يترجى من الله أن يأخذ الملكَ نخوة وبقية من صالح الأعراف فيعرض إعراض أبي سفيان حين ترفع عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسـلم، وإعراض عتاة قريش عن أن يقربوا نساء المسلمين وإن كانوا ساموا بعضهن سوء العذاب.

الخليل أمام ملك قد يفتك بمن هُما حاملا الإسلام على وجه الأرض (لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ) وأنت تتحدث عن الأمر وكأنه يخشى على نفسه فحسب.

هم الأنبياء وأولو العزم الذين دعواهم: اللهم إن تَهْلٍك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض.

هو القصص القرآني البديع والسرد النبوي الرفيع لأحداث موغلة في التاريخ بثقافات وأعراف ولغات متباينة تحلق بذهن الحصيف الذواق ليفهم أن من وراء الجملة الواحدة من كلام النبي صلى الله عليه وسـلم أسرارا لا تُنكر بل تُسبر.

وفقنا الله للفقه والانتفاع بالقرآن العظيم وسنة نبينا الكريم. وحسبي ما قلت.

والله أعلى وأعلم.
 
شكراً لك أخي محمد يزيد على مشاركتك في هذا الموضوع ولو أنه مازال لدي الكثير لأقوله حول ردك إلا أنه لا بأس بالإكتفاء بهذا القدر من النقاش .
 
الحديث ورد في البخاري ومسلم وكتب السنن وورد في الكتاب المقدس ، وقبلته الأمة ، فما المانع من قبوله ، ربما بسبب الورع المعاصر ؟

وأخشى أن يأتي أقوام بهذا المنطق ، يقولوا برأيهم في كتاب الله عز وجل لأن ابراهيم لم يطمئن قلبه !
 
الحديث ورد في البخاري ومسلم وكتب السنن وورد في الكتاب المقدس ، وقبلته الأمة ، فما المانع من قبوله ، ربما بسبب الورع المعاصر ؟

وأخشى أن يأتي أقوام بهذا المنطق ، يقولوا برأيهم في كتاب الله عز وجل لأن ابراهيم لم يطمئن قلبه !
لدينا شهادة رب العالمين في مقابل شهادة بضعة أشخاص من البخاري ومسلم وكتب السنن فمن نرجح شهادته في هذا المقام ؟
وأيضاً وجود القصة في سفر التكوين هو إثبات لمصدر الإفك وليس دليلاً على صحة القصة ، والورع ليس عيباً يا أخي لتعيرني به .
 
الورع كله خير ، كما الحياء كله خير.
أرجو أن تُدلي بشهادتك ، ودعك من شهادة رب العالمين ، فإنك لن تطيقها ولا ولن تحيط بها علما.
فلو تتبعنا طريق أهل العلم في مثل ذلك من مسائل:
قال الحافظ أبو عُمْرو بنُ الصَّلاح في مبحثِ الصحيح، من مقدمته :
السابعةُ: وإذا انتهى الأمرُ في مَعْرِفَةِ الصحيحِ إلى ما خرَّجَهُ الأئمَّةُ في تصانيفِهِم الكافلةِ ببيانِ ذلكَ كما سبقَ ذِكرُهُ، فالحاجَةُ ماسَّةٌ إلى التنبيه على أقسامِهِ باعتبارِ ذلكَ :
فأوَّلُها: صحيحٌ أخرجَهُ البخاريُّ ومسلمٌ جميعاً.
الثاني: صحيحٌ انفَرَدَ بهِ البخاريُّ، أيْ: عنْ مسلمٍ.
الثالثُ: صحيحٌ انفَرَدَ بهِ مسلمٌ، أيْ: عنِ البخاريِّ.
الرابعُ: صحيحٌ على شرطِهِما لَمْ يُخَرِّجاهُ.
الخامسُ: صحيحٌ على شرطِ البخاريِّ لَمْ يخرِّجْهُ.
السادسُ: صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ لَمْ يُخَرِّجْهُ.
السابعُ: صحيحٌ عندَ غيرِهما، وليسَ على شرطِ واحدٍ منهما.
هذهِ أمَّهاتُ أقسامِهِ وأعلاهَا: الأوَّلُ وهو الذي يقولُ فيهِ أهلُ الحديثِ كثيراً: ((صحيحٌ متَّفَقٌ عليهِ)) يُطْلِقُونَ ذلكَ ويَعْنونَ بهِ اتِّفاقَ البخاريِّ ومسلمٍ، لا اتِّفاقَ الأمَّةِ عليهِ، لكنَّ اتِّفَاقَ الأمَّةِ عليهِ لازمٌ منْ ذلكَ، وحاصِلٌ معهُ؛ لاتِّفاقِ الأمَّةِ على تلقِّي ما اتَّفَقا عليهِ بالقبولِ.
وهذا القسمُ جميعُهُ مقطوعٌ بصِحَّتِهِ، والعِلْمُ اليقينيُّ النَّظريُّ واقعٌ بهِ، خلافاً لقولِ مَنْ نَفَى ذلكَ، مُحْتَجّاً بأنَّهُ لا يُفيدُ في أصلِهِ إلاَّ الظَّنَّ ، وإنَّما تلقَّتْهُ الأمَّةُ بالقبولِ؛ لأنَّهُ يجبُ عليهمُ العملُ بالظَّنِّ، والظَّنُّ قَدْ يُخْطِئُ. وقدْ كنتُ أميلُ إلى هذا، وأحسبُهُ قويّاً ثُمَّ بانَ لي أنَّ المذهبَ الذي اخْتَرْناهُ أوَّلاً هوَ الصحيحُ؛ لأنَّ ظَنَّ مَنْ هوَ معصومٌ مِنَ الخطأِ لا يُخْطِئُ، والأمَّةُ في إجماعِها مَعْصومةٌ مِنَ الخطأِ، ولهذا كانَ الإجماعُ الْمُبْتَنَى على الاجتهادِ حُجَّةً مقطوعاً بها، وأكثرُ إجماعاتِ العلماءِ كذلكَ.
وهذهِ نكتَةٌ نفيسةٌ نافعةٌ، ومِنْ فوائدِها: القولُ بأنَّ ما انفردَ بهِ البخاريُّ أو مسلمٌ مندرجٌ في قبيلِ ما يُقْطَعُ بصِحَّتِهِ؛ لتَلَقِّي الأمَّةِ كلَّ واحدٍ من كتابَيْهما بالقبولِ على الوجهِ الذي فصَّلناهُ مِنْ حالِهِما فيما سبقَ، سوى أحرفٍ يسيرةٍ تكلَّمَ عليها بعضُ أهلِ النَّقْدِ مِنَ الحفَّاظِ كالدَّارقطنيِّ وغيرِهِ، وهي معروفةٌ عِندَ أهلِ هذا الشأْنِ، واللهُ أعلمُ. انتهى كلام ابن الصلاح.

ولعلي تتبعت هذه الأحرف اليسيرة من أحاديث تكلم عليها فطاحل أهل الحديث والعلل ، فلم أجد حديثنا الشريف !
فلا أدري من أول من استدرك على هذا الحديث ؟ فربما جعله ضعيف أو موضوع أو لا أصل له ؟
أرجو أن يتسع صدرك للبحث في مثل ذلك.
أما الكتاب المقدس فليس كله اسرائيليات ، وما حدّث به بنو اسرائيل وشرع من قبلنا له ضوابط في شرعنا ، لعلك تحيط بها علما .
جزاك الله خيرا.
 
شكراً لك أخي أحمد صبري على هذه المداخلة القيمة
القرآن الكريم محفوظ بفضل من رب العالمين وفيه شهادته على صدق نبيه إبراهيم فقد قال الله في كتابه العزيز في سورة مريم (( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41))) وهذه الشهادة واضحة ولا غبار ليها ، أما مادون القرآن من أحاديث فلا يجب أن نأمن مكر الله وفتنته فيها ، فدسائس الشيطان تسللت إلى الكتب المقدسة للأمم التي من قبلنا وإنحرفت بهم عن الصراط المستقيم ، وإن كان الله قد من علينا بأن حفظ لنا القرآن من ذالك فالأمر نفسه لا ينطبق على غيره من الحديث ، والجهد المبارك الذي بذله البخاري ومسلم وعلماء الحديث لهو شيئ عظيم ولهم إن شاء الله أجران على ما أصابوه من الحق ولهم أجر واحد على ما إجتهدو فيه ولم يصيبوه ، وحري بنا أن نواصل مسيرتهم في التمحيص والتدقيق لكل ما خلفوه لنا من تراث علمي ولا يحق لنا أن نركن أو أن نطمئن إلى شيئ غير القرآن الكريم .
والله ولي التوفيق
 
حياك الله عز وجل أخي الكريم
لي تعليق على ما تفضلت به :
  • "إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا "هذه شهادة عامة و تزكية واضحة كما هي لباقي اخوانه من الأنبياء والرسل ، وليست شهادة على أمر معين ومحدد نتناقش فيه.
  • في الحديث : " ألا إنِّي أوتيتُ الْكتابَ ومثلَهُ معَهُ " :
قال ابن باز : ومعنى (ومثله معه) يعني: أن الله أعطاه وحياً آخر وهو السنة التي تفسر القرآن وتبين معناه، كما قال الله عز وجل: "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" النحل:44 ، فالسنة وحي ثاني أوحاه الله إليه عليه الصلاة والسلام، وهو يعبر عن ذلك بأحاديثه التي بينها للأمة ، فهي كلها وحي لكنها وحي بالمعنى وألفاظها ألفاظ النبي عليه الصلاة والسلام.
  • وحديث كذبات سيدنا ابراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ورد في كل كتب السنة وهذا اللفظ لمسلم :
قال النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه وسلم : " لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النبيُّ عليه السَّلَامُ، قَطُّ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ في ذَاتِ اللهِ، قَوْلُهُ: " إنِّي سَقِيمٌ " ، وَقَوْلُهُ: " بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا " ، وَوَاحِدَةٌ في شَأْنِ سَارَةَ، فإنَّه قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمعهُ سَارَةُ، وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ، فَقالَ لَهَا: إنَّ هذا الجَبَّارَ، إنْ يَعْلَمْ أنَّكِ امْرَأَتي يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ، فإنْ سَأَلَكِ فأخْبِرِيهِ أنَّكِ أُخْتِي، فإنَّكِ أُخْتي في الإسْلَامِ، فإنِّي لا أَعْلَمُ في الأرْضِ مُسْلِمًا غيرِي وَغَيْرَكِ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الجَبَّارِ، أَتَاهُ فَقالَ له: لقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ لا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَكُونَ إِلَّا لَكَ، فأرْسَلَ إِلَيْهَا فَأُتِيَ بهَا فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ إلى الصَّلَاةِ ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عليه لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً، فَقالَ لَهَا: ادْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي وَلَا أَضُرُّكِ، فَفَعَلَتْ، فَعَادَ، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ القَبْضَةِ الأُولَى، فَقالَ لَهَا مِثْلَ ذلكَ، فَفَعَلَتْ، فَعَادَ، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ القَبْضَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، فَقالَ: ادْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي، فَلَكِ اللَّهَ أَنْ لا أَضُرَّكِ، فَفَعَلَتْ، وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ، وَدَعَا الذي جَاءَ بهَا فَقالَ له: إنَّكَ إنَّما أَتَيْتَنِي بشيطَانٍ، وَلَمْ تَأْتِنِي بإنْسَانٍ، فأخْرِجْهَا مِن أَرْضِي، وَأَعْطِهَا هَاجَرَ. قالَ: فأقْبَلَتْ تَمْشِي، فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ انْصَرَفَ، فَقالَ لَهَا: مَهْيَمْ؟ قالَتْ: خَيْرًا، كَفَّ اللَّهُ يَدَ الفَاجِرِ، وَأَخْدَمَ خَادِمًا ". قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ النَّبيَّ إبراهيمَ عليْهِ السَّلامُ لم يَكذِبْ إلَّا ثَلاثَ كَذَباتٍ، ثمَّ يُخبِرُ بتَفاصيلِ تلك الكَذَباتِ فيَقولُ: «ثِنْتَينِ مِنهنَّ في ذاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ»، وإنَّما قال عن ثِنتَينِ فقطْ: «إنَّها في ذاتِ اللهِ»؛ لأنَّ الثَّالِثةَ وإنْ كانتْ في ذاتِ اللهِ لكنَّ فيها حَظًّا لنَفسِهِ، وأُطلِقَ الكذِبُ على هذِه الأمورِ؛ لكونِهِ قالَ كلامًا يَظُنُّهُ السَّامِعُ كَذِبًا، لكنَّ حَقيقةَ الأمرِ أنَّهُ لم يَكُنْ كذلِكَ؛ لأنَّهُ مِن المَعاريضِ، فليسَ بكَذِبٍ مَحضٍ. " فَسألَه عنْها، فَقالَ: إنَّها أُخْتي" ، أرادَ أنَّها أُختُه في اللهِ وفي الدِّينِ والإسلامِ؛ إذْ لوْ قَالَ زَوجتي، لَقَتلَهُ الفاجِرُ ليَتخَلَّصَ مِنه، أو لأَلزَمَه بِطلاقِها أو... ويمكننا الاسترسال في التحليل والتعليل والتبرير كما فعلتَ في منشورك. ولكنها ليست طريقة أهل الحديث في علم العلل للتصحيح أو التضعيف.
  • وعموما ما المطلوب ؟؟
تريدوا أن تثبتوا أصل الحديث ، وتحكموا بالوضع لهذه الزيادة عن أمنا سارة عليها السلام ؟
أم تحكموا بالوضع على الحديث كله ؟
ومثله كذلك ، ورد لفظ الكذبات الثلاث في حديث الشفاعة المتواتر ، فأخشى أن تطعنوا كذلك في حديث الشفاعة من هذا المنطلق !
  • غاية لا تُدرك ،
جزاكم الله خيرا لو صار فيكم أقران لمن فنيت أعمارهم في خدمة هذا العلم الشريف ، أمثال شعبة و ابن مهدي وابن سعيد وابن معين وابن المديني وابن حنبل والبخاري ومسلم وأبو زرعة وأبو حاتم والدارقطني و.... ، فلكم أن تجتهدوا فيما اجتهدوا هم فيه ، ولكم الأجر أو الأجرين ، أمّا أنكم رجال وهم رجال ولكنكم لم تبلغوا ما بلغوا من علم ، فأخشى أن يكون الوزر بلا أجر ولا أجرين.
  • في الحديث الصحيح : " بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً، وَحَدِّثُوا عن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ."رواه البخاري ، فمن كذب عليه كمن كذّبه.
ولعلي أستحي أن أقول : أقبلوا أحاديث البخاري ومسلم - التي لا تترائي لكم - ولا تصدقوا بها ولا تكذبوها ، كما فعل أقوام أخرين نعالهم على رؤسنا من القرون الأولى ، قال النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه وسلم: "كانَ أهْلُ الكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بالعِبْرَانِيَّةِ، ويُفَسِّرُونَهَا بالعَرَبِيَّةِ لأهْلِ الإسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ ولا تُكَذِّبُوهُمْ، وقُولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} "[البقرة: 136] الآيَةَ." رواه البخاري
فلنقل آمنا بالله وما أنزل إلينا ، يا بني ماء الأرض.

وفقكم الله لما يحبه ويرضاه.
 
عودة
أعلى