مسائل في المجاز (1) بل شيخ الإسلام أخطأ على أبي عبيدة...

إنضم
26 ديسمبر 2005
المشاركات
770
مستوى التفاعل
0
النقاط
16

(1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأول من عرف أنه تكلم بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه،ولكن لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة،وإنما عنى بمجاز الاية ما يعبر به عن الآية)).
قلت: أما كون أبي عبيدة لم يُرد بلفظ المجاز ما هو قسيم الحقيقة فهذا حق وصواب....وأما كونه أراد بلفظ المجاز ما يعبر به عن اغلآية فهذا كلام أخطأ به شيخ الإسلام على أبي عبيدة ونسب له مالم يرده ولا خطر بباله....
ولو كان ذلك مراد أبي عبيدة لكان لكل آية عنده مجازاً وواقع كتابه يشهد بغير ذلك...وإنما مراد أبي عبيدة شئ آخر نوضحه فنقول:
الكلام العربي-ومنه القرآن- عند أبي عبيدة منه ماليس له مجاز، ومنه ماله مجاز ،وما ليس له مجاز هو ما تكلمت به العرب فجاء موافقاً لقياس النحاة،وماله مجاز هو ما يجوز عند العرب ويتكلمون به،وجاء على خلاف قياس النحاة،ومجازه عند ِأبي عبيدة هو لفظه لو جاء على القياس النحوي؛فآيات القرآن وألفاظه التي يرى أبو عبيدة على وفق القياس النحوي لا يقول: أن لها مجازاً،ولكنه يقول: تفسيرها كذا،أو: معناها كذا،أو يقول: أي كذا،وآيات القرآن وألفاظه التي يرى أبو عبيدة أنها مخالفة للقياس النحوي يقول: إن لها مجازاً ومجازها عنده هو لفظها لو جاءت على القياس النحوي بزعمه،وأبو عبيدة لم يذكر لفظ القياس النحوي ولا كان ذلك اللفظ شاع بعد في زمنه ،ولكن كلامه والأبواب التي ذكرها تدل عليها،ولو رفع من كتابه كل موضع قال فيه: ((مجازها كذا وكذا)) ووضع مكانه : تقديرها عند النحاة أو: قياسها عند النحاة،أو أصلها عند النحاة كذا وكذا لظل الكلام مستقيماً لم يتغير منه شئ،فكأنه يقول: إن ذلك اللفظ جائز عند العرب وهم يتكلمون به وما يجوز فيه عند النحاة غير ذلك ،فالمجاز عند أبي عبيدة هو القياس أو التقدير النحوي ،والكلام العربي الذي له مجاز هو ماكان جائزاً عند العرب وتكلموا به ولكنه مخالف لقياس النحاة لا يجوز عندهم،ومجازه هو لفظه لو جاء على قياس النحاة بزعمه

والآن أيها القاريء...

اقرأ كلام أبي عبيدة: ((فهذا مختصر فيه ضمير مجازه: )وانْطَلَقَ المَلأُ منهم))

وقوله: وسَلِ الْقَرْيَةَ التي كُنَّا فيهَا والعيرَ التي أَقبَلْنا فيها( )1282(،
فهذا محذوف فيه ضمير مجازه: وسل أهل القرية،

دع مكان لفظ مجاز لفظ: تعبير معروف عند العرب ثم قل لنفسك...ما هذا الحشو الذي نسبتُه لأبي عبيدة...

دع مكان مجاز لفظ: تقديره...ثم صوب كلامي...

 
يقول شيخ الإسلام 12\277 في أثناء حديثه عن تعريف المجاز: (كان معناه عند الأولين: ممايجوز في اللغة ويسوغ ، فهو مشتق عندهم من الجواز، كما يقول الفقهاء : عقد لازم وجائز ).
 
اخي أبا فهر السلفي
تحليلكم للفظ المجاز عند أبي عبيدة فيه غرابة ، وأبو عبيدة لم يكن نحويًّا ضليعًا بقدر ما كان لغويًّا بارعًا ، وذلك معروف مشهور من ترجمته ، إلا إذا كان مصطلح النحو عندكم غير ذلك .
ثمَّ كيف تفسرون ـ على رأيكم ـ مواضع تعبيره بالمجاز ، وهي لا تحتمل غير ( معنى الكلام عند العرب ) ، وأودُّ أن أعرف تحليلكم على طريقتكم بأنه أراد (... ألفاظه التي يرى أبو عبيدة أنها مخالفة للقياس النحوي يقول: إن لها مجازاً ومجازها عنده هو لفظها لو جاءت على القياس النحوي بزعمه) ؛ أود أن أعرف تحليلكم لهذا النص على رأيكم الذي ظهر لكم في مراد أبي عبدة بالمجاز :
قال أبو عبيدة : (القرآن: اسم كتاب الله خاصْة، ولا يُسمّى به شيء من سائر الكتب غيره، وإنما سُمّى قرآناً لأنه يجمع السور فيضمها، وتفسير ذلك في آية من القرآن؛ قال الله جلّ ثناؤه: (إنّ علينا جَمه وقُرْأنَه) (7518). مجازه: تأليف بعضه إلى بعض؛ ثم قال: (فإذا قَرَأناه فاتَّبِعْ قُرآنه) (7518) مجازه: فإذا ألَّفنا منه شيئاً، فضممناه إليك فخذ به، واعمل به وضمّه إليك؛ وقال عمَرو ابن كُلْثُوم في هذا المعنى:
ذِراعَىْ حُرَّةٍ أدماءَ بَكْرٍ ... هِجانِ اللَّوْن لم تَقرَأ جَنينا
أي لم تضمّ في رحمها ولداً قط، ويقال للتى لم تحمل قط: ما قرأت سَلىً قط. وفي آية أخرى: (فإِذا قرأتَ القُرْآنَ) (1698) مجازه: إذا تلوت بعضه في إثر بعض، حتى يجتمع وينضمّ إلى بعض؛ ومعناه يصير إلى معنى التأليف والجمع)
فهذه ثلاثة مواطن نص فيها على المجاز في أول كتابه .
 
[align=center]شيخنا الحبيب....

ما تودونه هو بالنسبة لي أوامر لا يجوز ترك إجابتها...

لكن أجيب عن واحدة فقط الآن حتى أعود لبيتي...

قلتم : (( إلا إذا كان مصطلح النحو عندكم غير ذلك ))

نعم شيخنا الحبيب النحو غير ذلك ولكن ليس عندي بل في ذلكم الزمان ؛وكان النحو يومئذٍ هو علم العربية كله،وكان يعم أبواب النحو والصرف والقراآت وغيرها...

وأنت ترى أن أبواب المجاز جاءت عنده متفرقة متباعدة ...ولكن يجمعها شئ واحد وهو مخالفة القياس ،والمراد بالقياس هو ما كان ليكون عليه الكلام من غير تقدير....

وزيادة بيان عن تفرق أبواب المجاز وعدم اقتصارها على النحو الصريح تجدونها في كتاب: ((مفهوم المجاز ومجاز القرآن لأبي عبيدة-دراسة في ضوء جهود النحاة التحويليين)) للدكتور محمد فتيح. وإن كان هو رأى أن معنى المجاز عنده واسع غير محدد...

أدام الله توفيقك وسعادتك/أبو فهر
======[/align]=
 
أخي الكريم : اسمح لي ببعض هذه الوقفات والتساؤلات على ما قيدته ، والذي من خلالها تتبيَّن المسألة إن شاء الله .
أولاً : قلت (( فهذا كلام أخطأ به شيخ الإسلام على أبي عبيدة ونسب له مالم يرده ولا خطر بباله ))
وأقول :
هل صرَّح أبو عبيدة بمراده في كتابه ؟
أظنك تتفق معي أنه لَمْ يُصرِّح . وإذا كان ذلك كذلك ؛ فما المعتمد في فَهْم منهجه ؟ تأمل في هذه التساؤلات :
1. ماذا تفيد تعدد مسمَّيات الكتاب ؛ تارة بـ : ( غريب القرآن ) و ( معاني القرآن ) و ( إعراب القرآن ) ؟
2. وما الذي يعنيه أبو عبيدة من قوله : ( مجازه كذا ) و ( تفسيره كذا ) و ( غريبه كذا ) و ( معناه كذا ) و ( تأويله ) أمعنى واحد أم معانٍ عدَّة ؟
3. ثم إذا كان المحقق للكتاب قد أفاد بأن معنى المجاز عند أبي عبيدة ؛ هو : عبارة عن الطرق التي يسلكها القرآن في تعبيراته . وهذا المعنى أعمُّ بطبيعة الحال من المعنى الذي حدَّده علماء البلاغة لكلمة ( المجاز ) فيما بعد ( 1 / 18 )
فالذي فهمه شيخ الإسلام وقبل شيخ الإسلام ممن استفاد من أبي عبيدة كثيراً ( قارن معاني القرآن للأخفش وانظر مقدمة المحقق ط عالم الكتب ) هو عين ما توصل له المحقق .
فإذا كان المحقق الذي سبر الكتاب وهضم مادته ، وعرف أسلوب المصنف ، يثبت هذه الحقيقة ، وهي على حق ! فلا أظن بعدها مقال . وفي هذا كفاية لرد ما قلت .
واسمح لي أن اعدَّ ما ذكرته بدعاً من القول في منهج أبي عبيد .

ثانياً : قلت : ( ولو كان ذلك مراد أبي عبيدة لكان لكل آية عنده مجازاً وواقع كتابه يشهد بغير ذلك )
وأقول :
ليس بالضرورة صحة ما ذهبت إليه ، وخير شاهد هذه كتب غريب القرآن بين يديك كثيرة جداً ؛ فقُلِّي يا أبا فهر : ما هو حجم المفردات في كتبها مقارنة بكلمات القرآن ، وهذا من ذاك ؛ إِذْ هذا يُعدُّ منهجاً لكلِّ صاحب كتابٍ في اختيار الَّلفظة ودراستها ، والكل ما بين مكثر ومقل . والمصنَّفات شاهدة على ذلك . وتصوّر هذا كاف في رد هذه الجزئية .

ثالثاً : بالمثال يتضح المقال :
إضافة إلى ما ذكره الشيخ الدكتور أبو عبد الملك ؛ فخذ هذا النص النفيس لأبي عبيدة وأكثر من التأمل فيه ، حتى يستبين عندك مراده
قال أبو عبيدة ( 1/ 273 ) في قوله ( ثم استوى على العرش ) :
( مجازه : ظهر على العرش وعلا عليه . ويقال : استويت على ظهر الفرس ،وعلى ظهر البيت .) ومثله في ( 2 / 15 )
هذه على عجالة .والسلام
 
[align=center]قبل أن نقدمَ ما يسمح به الحيز من ذلك نقول: إنْ لم توجدِ البلاغة في ذلك الوقت المبكر( القرن الثاني هـ) فلقد وجد السؤال البلاغي الجوهري:
ما طبيعة هذه الظواهر الحطابية المنزاحة عن المعايير النحوية والمنطقية !!؟
لنستمعْ إلى أبي عبيدة وهو يجرد من مجموعة من الأمثلة مفهومَ تداخلِ عالمِ الإنسان وعالم الحيوان والموات :
1-قال تعالى:" قالتا أتينا طائعين ".
قال أبو عبيدة:" هذا مجاز الموات والحيوان الذي يُشبه تقديرُ فعله بفعل الآدميين" (مجاز القرآن 1/197)
2-وقال مُوسعا هذا المفهوم في أول الكتاب :" ومن مجاز ماجاء من لفظ خبر الحيوان والموات على لفظ خبر الناس قال:" رأيت أحدَ عشر كوكباً والشمس والقمر، رأيتهم لي ساجدين". وقال قالتا: أتينا طائعين". وقال للأصنام: لقد علمتَ ما هؤلاء ينطقون". وقال: يا أيتها النمل ادخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمانُ ..."( مجاز القرآن1/10-11).
3- قال تعالى:"قالتْ نملة ياأيها النملُ اُدخلوا مساكنكم"
قال أبو عبيدة:" هذا من الحيوان الذي خرج مخرجَ الآدميين، والعربُ قد تفعل ذلك، قال:
شربتُ إذا ما الديكُ يدعو صحابه =إذا مابنوا نعشٍ دنوا فتصوبوا"
نفسه 2/93([/align]
 
تخصيص العام ليس اكتشافا لخطأ

تخصيص العام ليس اكتشافا لخطأ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأول من عرف أنه تكلم بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه،ولكن لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة،وإنما عنى بمجاز الاية ما يعبر به عن الآية


كان غرض شيخ الإسلام الواضح تنبيه القارئ أن المجاز في تعبير أبي عبيدة ليس هو المجاز قسيم الحقيقة

في علم البلاغة المتأخر،ولكنه معنى الآية أي ما يعبر به عن الآية ، وهذا تعبير عام يشمل المعنى الذي اختاره

فاتح الموضوع، وفي مثل هذه الحال لا يقال أخطأ فلان لأنه لم يخطئ، بل اختار تعبيرا عاما يفي بمراده رحمه الله


 
[align=center]يا دكتور عبد الرحمن....

بعض معنى لفظة مجاز: فيه شبه من تفسير الكلمة....(من جهة صورة التفسير وإلا فأبو عبيدة لم يقصد مجرد التفسير)

وباقي معاني لفظة مجاز لا علاقة لها بتفسير الكلام...

إذاً فتفسير شيخ الإسلام للمجاز عند أبي عبيدة هو بعض مراد أبي عبيدة (من جهة صورة التفسير وإلا فأبو عبيدة لم يقصد مجرد التفسير)فكيف يكون أعم (؟؟)[/align]
 
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..

فهذا أوان الفحص عن مطالب أستاذنا أبي عبد الملك وجواباتها فنقول مستمدين من الله الإعانة:

1- أما وقد قلنا إن النحو كان هو علم العربية كله؛فإنا نعمد إلى هذا الكلام بفضل بيان فنقول:

كان النحو يا شيخنا في ذلكم الزمان هو علم العربية كله،يوم كان منطلقه الأول : ((الفهم والإفهام)) أعني فهم وإفهام النص القرآني،وما جر إليه ذلك السعي للفهم والإفهام من توسيع لدائرة البحث لتشمل ((فهم وإفهام)) اللسان العربي كله،شعراً ونثراً،مادام الله –سبحانه-قد خاطبنا بحسب سنن هذا اللسان ونظامه.

وإذاً فلم يكن منطلق الفكر النحوي –كما شاع- مجرد التنظير لمحاربة اللحن بقدر ما كان وضعاً لأصول فهم الخطاب العربي،ومعهود كلام العرب في كلامها وأساليب معانيها،ولولا هذا لما أفضى النحو لما أفضى إليه في هذه المرحلة الباكرة ،ولظل في نطاقه الضيق يضع ضوابط الصحة والخطأ في كلام العرب.

اقرأ معي قول أبي العباس ثعلب: ((لا يصح الشعر ولا الغريب ولا القرآن إلا بالنحو؛فالنحو ميزان هذا كله)) [المجالس ص/310].
وإذاً فأهداف النحو وقتها كانت تنتهي إلى أنه ((علم بيان المعنى وتبيينه)).

2- أما الجواب عما أورده فضيلتكم من أمثلة من كلام أبي عبيدة رأيتم أنها جارية على مهيع تفسير الكلام ثم أقمتم ذلك معارضاً لما قلتُه من أن مراد أبي عبيدة بالمجاز هو تقدير الكلام على قياس النحاة= فجوابه يحتاج إلى تفصيل القول في قياس النحاة ومستوياته = تفصيلاً يفضي إلى بيان أن ما ذكرتموه-وذكره غيركم- من أمثلة لا يتعارض مع المعنى الذي زعمنا أنه هو مقصد أبي عبيدة.

نعم. يكون هذا التفصيل طويلاً مرهقاً في تتبع أجزائه،بل وربما بدا منبت الصلة عن أصل الموضوع= لكن..الصبر الصبر فعلوم العربية والشرع آخذ بعضها بحجز بعض..ولا يبلغ المرء مراده من العلم الذي أراده حتى ينزع إلى البحث في علوم أُخر هي منه بسبب وتلتقي معه في بعض مجاريه ولربما آل الأمر بها فتصب في مصب واحد...

والذي نروم بيانه هنا هو مبحث موغل في القِدم جداً ...ومقابلة ومقارنة ومفاضلة ومعارضة = أقامها المناطقة قديماً بين المنطق المادي الطبيعي والمنطق الصوري..

وأقامها النحاة بين النحو التقعيدي والنحو الاستعمالي..

كوفيون وبصريون...

سماعيون وقياسيون..

وأقامها المحدثون بين الوصفية والمعيارية...

وإلى اليوم تتصارع فيها المدرستان الفرنسية والأمريكية...

بينما يلقي قوم آخرون بكل هذا في البحر ويزعمون ألا معارضة وأنه لا يوجد هناك داعٍ أصلاً لهذه المعركة التي يرونها متوهمة...

وعموماً فسنقتصر من بيان كل ذلك على ماله صلة ببحثنا:

شُغِل النحاة طويلاً ببحث وتحرير وتحديد الفرق بين القاعدة والاستعمال وبين الاستعمالات فيما بينها فراحوا يصفونها ويحاولون ردها إلي ما عرف في الدرس النحوى بوجه الكلام وتمام القول وهو ما عرف فى الدرس اللغوى الحديث- إذ كانت هذة المسألة من شواغلة الكبرى- بالتمييز بين ثنائية اللغة ((اللسان)) =باعتبارها شكلا نظيرا مجردا يقوم على نظام من العلاقات وجملة من الضوبط والقوانين استخرحها النحاة من التتبع المطرد لكلام العرب ويبرز وجودها من خلال استعمال المتكلم لها= وبين الكلام ((الاستعمال)) باعتبارة انجازا فردياً لهذه الضوابط وتلك القوانين وفيه تخرج من سكون النظام الى حركية الفعل فتصبح حدثا يرتبط بسياق وتتعلق به مقاصد ويعبر به المتكلم عن غايات يحققها عند سامع او قاريء بما يضع فيه من الوسائل وما يصوغ من الأساليب ومن ثم تتداخل فيه الضوابط وتكثر فيه الاستثناءات وتتعدد فيه الصور المستعملة وهذا الفرق نلحظة جيدا فى التفكير النحوى فى أمرين :
1- انطلاق التفكير النحوى مؤصلا للاطارالعام للغة، ومن شا ن المؤصل الانطلاق من النظرة الكلية التى يقتضيها التقعيد للغة ((اللسان)) لا الجزئية التى يقتضيها الكلام ((الاستعمال)) بحيث يصبح ما يرسيه من ضوابط فى اللغة قاعدة وأصلا لما يأتى به الاستعمال ومن هنا كان عمل النحاة تنظيراً محضاً مجرداً لنظام اللغة وبنية اللسان فى العربية مما يمكن من خلاله ضبط الاستعمالات المختلفة وعدم الانتباه الى هذا -أعني انطلاق الفكر النحوى من النظرة الكلية للغة لاالجزئية للاستعمال- جعل بعض الباحثين المحدثين يطالبون النحاة العرب بالجمع بين دراسة الاساليب وعلم المعانى التى تعتمد على الكلام اذ جعلها عدول عن الاصل وبين نظرية الاعراب التى تعتمد على التقعيد للسان دون ان ينتبه الى فائدة الفصل الذى اقامه النحاه العرب والذى مكنهم من حصر مجال دراستهم وجمع معطيات متجانسة حسب وجهة نظر محددة

3- حديث النحاة عن الاصل الذى تحكمه قواعد اللغة التى تسعى الى تحقيق الضبط والاحكام الاطراد والعدول عن الاصل الذى يحكمه استعمال المتكلم باللغة اذ يمكن للمتكلم ان يفار ق الاصل على سبيل التجوز والاتساع بما تبيحه اللغة ايضا فى ضوء سنن العرب ومعهود خطابها ضمانا للافهام والتاثير فى آن واحد = فضاءات واسعة فى بناء الكلام اذاأمن اللبس وقام فى السياق ما يعرف به وجه الكلام وهذا يبرز لنا مكانة التاويل الذى يحكم مظاهره مقولات مختلفة فى الدرس النحوى مثل القول بالحذف والاضمار والتقدير والزيادة والتقديم والتاخير اذ انه يربط بين الاصل وما عدت به عنه فى الاستعمال حتى صار أداة مهمة فى بناء الفكر النحوى ومن لم ينتبه الى هذا لم يستوعب مراد النحو القديم فى بحثه عن المستوى الاصلى للتراكيب وبيان ما يحدث فيها من خروج عن النمط النظرى لبناءها لامريقتضيه المعنى وملابسات التعبير .

وإذاً فالنحوى يحل محل المتكلم ويقيس كلامه على أصل معياري وضعه هو عبر استقراء ناقص للمنقول المسموع،ثم هو يفسر لك كلام المتكلم ويشرحه وفقاً لهذا الأصل الذي يُحاول رد الكلام إليه.بحيث تكون عملية الرد للأصل المعياري هذه هي من صلب فهم مراد المتكلم وإفهامه وتبيينه،ويطلقون(وليس كلهم يستعمل نفس الإطلاقات) على هذه العملية عدة أسماء منها:
1- وجه الكلام.
2- تمام القول.
3- مجاز الكلام.
يبقى هاهنا أمران:

الأول : ما هي المجالات التي أجرى فيها النحاة هذه العملية
الثاني: . ما هي العناصر المكونة لهذا الأصل المعياري.

أما المجالات فهي ثلاثة:

1-التركيب (ويشمل النحو والصرف)
2-الأصوات.
3-الدلالة.

أما العناصر فهي مركبة من أمور شتى فمنها:
1-ما قاموا هم بصوغه وصكه من قواعد أنتجها استقرائهم الناقص غالباً والتام أحياناً.
2-ما أخذوه عن أرسطو من منطق اللغة وما ينبغي أن تكون عليه ..ومن ذلك المقولات العشر (الجوهر والكم والكيف والزمان والمكان والإضافة والوضع والملك والفاعلية والقابلية،أو كما تسميها متون المنطق العربية: أن يفعل وأن ينفعل)
وهذه المقولات هي التي أورثتهم بلية التقدير ...إذ للكلمة والجملة عندهم جوهر قياسي معياري؛فإذا أتى في كلام العرب المسموع(ومن بابته القرآن) ما يخالف هذا الجوهر القياسي المعياري =وجب رده إلى هذا الجوهر بتقدير مقدرات تعمل عمل تكميل الكلام المسموع وصبغه بما يوافق هذا الجوهر القياسي المعياري.
ولك أن تتأمل في خلط النحاة بين الزمان النحوي والزمان الفلسفي (لذي ورثوه من مقولة الزمان) عند كلامهم عن الفعل المضارع الدال على المضي لاقترانه بقد...

وانظر أثر مقولة الكيف مع مقولة المكان في تقدير الحركات في أواخر الكلمات وفي الإعلال والإبدال.

وحتى لا أطيل أكثر من هذا أنتقل لصورة تطبيقهم لهذا القياس النحوي على المستوى الدلالي والذي يُفسر الأمثلة التي ذكرها الشيخ مساعد والأخ الفاضل الآخر...وبيان أنها تتسق مع ما بيّناه..

يُطبق النحاة طريقتهم في القياس ونظرية الأصل والصورة المعيارية على الدلالة وعلم معاني الكلام وبيانه =بأن ينظروا إلى اللفظ الوارد في الكلام العربي محل البحث فإذا كان التعبير عن المعنى الذي أراده المتكلم-كما فهموه هم- جاء بلفظ ألفوا هم واعتادوا أن يروه معبراً عن هذا المعنى وفق ما وقفوا هم عليه في استقرائهم لكلام العرب كان هذا اللفظ جارياً على الأصل موافقاً للقياس...فكان عملهم معه إذا هو مجرد بيانه وتبيينه وزيادة تفسيره حسب..وربما كان هذا بذكر نظائره في كلام العرب...

أما إذا كان هذا اللفظ الذي عُبر به عن المعنى الذي فهموه غير مطروق أو معتاد عندهم التعبير به على هذا المعنى،ولم يـألفوا هم فيما كونوا به صورتهم المعيارية من شواهد الكلام العربي=أن يُعبر به عن هذا المعنى،بل وجدوا أن هذا المعنى يُعبر عنه بألفاظ أُخر= فإنهم عندئذ ينزعون إلى بيان ماكان ليكون عليه الكلام لو جاء على الصورة المعيارية التي وضعوها ويحدث هذا عندهم بذكر ما يُعبر به من الألفاظ عن هذا المعنى فيما اعتادوه من كلام العرب.

وأنت إذا تأملت في الأمثلة جميعها =لوجدت أن الألفاظ التي أراد أن يشرحها أبو عبيدة بقوله: ((مجازه)) ليست مما أُلِف أن يعبر به عن تلك المعاني في كلام العرب،سواء في ذلك لفظ القرآن على معنى الجمع والضم،ولفظ الاستواء،و....إلخ.
ولذا يعمد أبو عبيدة إلى ذكر مجاز هذه الألفاظ وهو عنده : الألفاظ التي لو عُبر بها هاهنا لكان الكلام جارياً على الأصل المعياري غير مخالف للقياس.


ولنترك أبا عبيدة ولنذهب إلى شيخ كبير آخر وهو المبرد صاحب ((المقتضب)) في قوله: ((والكلام يكون له أصل،ثم يتسع فيه فيما شاكل أصله،فمن ذلك قولهم: ((زيد على الجبل)) وتقول: ((عليه دين)) فإنما أرادوا أن الدين ركبه وقد قهره)) (1/46).

فأنت ترى كيف أن قولهم: ((عليه دين)) هو عنده كلام على خلاف القياس وخلاف الأصل ؛لأن ذلك المعنى لا يُعبر عنه بهذا التعبير ((عليه دين))،وكيف جعل هذا التعبير من الاتساع والخروج عن الأصل.
ولولا ذكره للفظي الأصل والاتساع لظن الظانون أنه إنما يريد مجرد تفسير عبارة: ((عليه دين)) بما ذكره من تفسير...

وكذا أبو عبيدة لم يُرد مجرد التفسير ولم يستعمل لفظة المجاز للدلالة على التفسير أو مجرد ما يُعبر به عن الآية..وإنما أراد بيان الوجه الذي يكون عليه الكلام ليكون موافقاً لقياس العربية.

كلُ ذلك يُبين أن شرح شيخ الإسلام لكلام أبي عبيدة غير صحيح ذلك أن شرح شيخ الإسلام يحتمل معنيين:

الأول: أن كلمة المجاز تعني التفسير والشرح وهو بهذا خطأ محض على ما أريناك فليس التفسير هاهنا من وكد أبي عبيدة.

الثاني: أن يكون شيخ الإسلام أراد ما وضحنا من مراده ما يعبر به عن الآية من الكلام الموافق لقياس العربية وفي هذه الحالة يكون كلام الشيخ صحيحاً ويداخله الخلل من جهة الإجمال وعدم البيان...وإن كنت أرى بعد هذا الاحتمال جداً؛لأن عبارة: ((ما يعبر به عن الآية)) إنما يتضح وضعها بالتمام الذي ذكرتُه حين يكون محل بيان موافقة القياس هو في المستوى الدلالي...أما حين يكون محل بيان وجه موافقة القياس هو تقدير الحذف أو الإضمار فإن استعمال هذه العبارة ((ما يعبر به)) وإن جاز فإنه يكون ثقيلاً جداً..ولا أظن أن يقصده شيخ الإسلام ويعبر عنه بهذا التعبير المجمل...
بل الأقرب عندي أن الشيخ اطلع على الأمثلة التي من جنس ما ذكره الشيخ مساعد فأداه نظره إلى الحمل على معنى التفسير...وعلى كل حال فكلام الشيخ مجمل جداً ...وهذا الإجمال وحده عيب في كلامه هاهنا...ولعل له عذراً وأنت تلوم..

تنبيه مهم: كل ما تقدم إنما هو شرح لطريقة القوم،وإلا فالذي أدين الله تعالى به أن ذلك القياس النحوي كله وهم وتقدير،واللفظ الذي يذكره النحاة ليس مساوياً للمعنى الذي أراده المتكلم،ولكنه مساو للمعنى الذي ظن النحاة أن المتكلم أراده،وليس هو بلسان المتكلم،ولكنه بلسان أولئك النحاة،واللفظ المساوي للمعنى الذي أراده المتكلم هو لفظه الذي نطق به،ولسان العرب هو ما تكلمت به العرب وليس ما يزعم النحاة أنه كان عليهم أن يتكلموا به،وهذا القياس النحوي مستمد من المنطق الصوري الأرسطي ،وكان جل من أحدثوه وزادوا فيه بل وجعلوه هو النحو وهو علم العربية=من أئمة المعتزلة كالأخفش وأبي عبيدة ومن بعدهم كالرماني وأبي علي ومن بعدهم كابن جني،ومحمد بن الحسن الفارسي وعنه أخذ عبد القاهر الجرجاني ..
وذلك النحو الأعجمي اليوناني هو الذي جرَّأ النحاة المعتزلة على كتاب الله ولسان العرب،فجعلوا فيه زيادة ونقصاً،وتقديماً وتأخيراً،وكل ذلك ليس في كتاب الله ولا في لسان العرب ،ولكنه في أوهام أولئك النحاة،ولا يقال لشئ –كلام ولا غيره-إن في زيادة ونقصاً إلا أن يُقاس على غيره ،وأولئك النحاة قاسوا كلام العرب على كلامهم الذي أحدثوه فصار الواحد منهم يعمد إلى الآية من كتاب الله،فيقول: معناها كذا وكذا،وأراد الله بها كذا وكذا،ولعل هذا الذي زعم أنه مراد الله =شئ لم يقل به أحد من الصحابة أو التابعين وتابعيهم،وهم كانوا أفقه منه،وأعرب قلوباً وألسنة...والله وحده المستعان على رفع هذا البلاء.

مصادر للتوسع: ((اللغة بين المعيارية والوصفية))،و((مناهج البحث في اللغة))،و((الأصول)) جميعها لتمام حسان،و((المنوال النحوي العربي)) عز الدين المجذوب،و((ضوابط الفكر النحوي)) لمحمد الخطيب (2/244)،و((المنطق الصوري والرياضي)) لعبد الرحمن بدوي (ص/38).

تنبيه: لا أزعم أن أفكاري بحروفها مستمدة من هذه المصادر؛فقد ضللت إذاً حين أدلس هذا التدليس؛وإنما في هذه المصادر أصول الفكرة وشئ منها وخلت من أشياء أخر هي من كيسي...
 
يا أبا فهر إياك ومناطحة الأكابر فإن ذلك مما يستحي منه أهل العلم، مع أننا لا ندعي العصمة لأحد ، بالأمس خطأت الشنقيطي واليوم تخطي شيخ الإسلام بغير برهان؟ دونك أبا عبد الملك إذا انخل لنا أبحاثه وبين لنا أوهامه لكي يحملنا الإعجاب به على الاغترار بكلامه....
 
الذين يتقمصون شخصية العلامة أبي فهر محمود محمد شاكر رحمه الله يقعون في ورطات كبيرة، ويكون أول ما يلقفونه من كتبه هذا الأسلوب الحاد في الردود دون أن يكون لديهم وضوح في الرؤية العلمية والخلفية بما يناقشون فيه كما كان عن محمود شاكر ، ولذلك تجد كلام أحدهم - كالأخ أبي فهر السلفي هنا - يقلده في مدخل الرد وآخره من التبجح العريض ، وتكرار نون العظمة كثيراً ، واستخدام المفردات الفصيحة قليلة الاستعمال في كلام الناس من مثل قوله

أما الجواب عما أورده فضيلتكم من أمثلة من كلام أبي عبيدة رأيتم أنها جارية على مهيع تفسير الكلام ثم أقمتم ذلك معارضاً لما قلتُه من أن مراد أبي عبيدة بالمجاز هو تقدير الكلام على قياس النحاة= فجوابه يحتاج إلى تفصيل القول في قياس النحاة ومستوياته = تفصيلاً يفضي إلى بيان أن ما ذكرتموه-وذكره غيركم- من أمثلة لا يتعارض مع المعنى الذي زعمنا أنه هو مقصد أبي عبيدة.

وهذا أسلوب محمود شاكر ومن يقلده من تلاميذه مثل الدكتور محمد محمد أبو موسى مؤلف الكتب البلاغية المعروف وأكرم به وبشيخه .
غير أن أخانا أبا فهر السلفي لم يجد لمحمود شاكر كلاماً حول هذا الموضوع ليقلده أو لينقله فلم يجد إلا مثل هذه المقدمات الرنانة والمفردات البراقة ، فاتجه إلى كتب ذات منهج مختلف عن منهج الشيخ النقدي وأسلوبه في الفهم والإفهام وهي كتب أمثال الأستاذ الدكتور تمام حسان وأكرم به ، وأمثال كتب عبدالرحمن بدوي فينقل منها ويعتمد عليها ، (ودعوى تأثر النحو العربي في أصل نشأته بمنطق اليونان دعوى لا تساوي فلساً) .
وبعد أن يكثر من الفلسفة التي طائل من وراءها يعود فيرتدي عباءة محمود شاكر فيقول :

كلُ ذلك يُبين أن شرح شيخ الإسلام لكلام أبي عبيدة غير صحيح ذلك أن شرح شيخ الإسلام يحتمل معنيين:

الأول: أن كلمة المجاز تعني التفسير والشرح وهو بهذا خطأ محض على ما أريناك فليس التفسير هاهنا من وكد أبي عبيدة.

الثاني: أن يكون شيخ الإسلام أراد ما وضحنا من مراده ما يعبر به عن الآية من الكلام الموافق لقياس العربية وفي هذه الحالة يكون كلام الشيخ صحيحاً ويداخله الخلل من جهة الإجمال وعدم البيان...وإن كنت أرى بعد هذا الاحتمال جداً؛لأن عبارة: ((ما يعبر به عن الآية)) إنما يتضح وضعها بالتمام الذي ذكرتُه حين يكون محل بيان موافقة القياس هو في المستوى الدلالي...


لا أقول إلا رحم الله محمود محمد شاكر وغفر له ، فقد تأثر بطريقته الحادة وأسلوبه العنيف في النقاش والكتابة - مع علمه وفضله - أناسٌ أرادوا أن يكونوا مثله وهم لم يسلكوا طريقه فجاءوا بأمثال هذه الكتابات الرنانة ، وإذا قلبتها لم تجد تحتها إلا : أنا هنا .
فالرفق الرفق يا أخي ، والأدبَ الأدبَ ، فما كتبتُ هذا لمجرد أن كلامك هنا ليس له قيمة علمية تذكر حتى لو كان صحيحاً فما الأمر لو كان مراد ابن تيمية ليس مطابقاً تمام المطابقة لمراد أبي عبيدة ؟ لا شيء .
غير أنه مع إغراب صاحب هذا الفكرة - سواء كنت أنت أو غيرك - فالأمر ليس فيه كبير معنى ، وقولك في بداية كلامك
وأما كونه أراد بلفظ المجاز ما يعبر به عن اغلآية فهذا كلام أخطأ به شيخ الإسلام على أبي عبيدة ونسب له
مالم يرده ولا خطر بباله....
كلام لا طعم له ، وفيه دعوى تدل على المقصود من الموضوع وأمثاله من موضوعاتك التي طرحتها بعده عن الشنقيطي . وعلى كل حال فقد تحقق غرضك مبدئياً وأصبحت تذكر بجانب أبي عبيدة والشنقيطي فهنيئاً .
ولو طرحت الموضوع بصيغة (ما رأيكم في هذا الفهم لعبارة أبي عبيدة) وطرح الموضوع بهدوء وأدب لما كان فيه بأس ، أما طرح الموضوعات العلمية بأسلوب التعالي والجزم الذي تنقصه أدلته فلا ينتفع به القارئ ، ويدل على أن هناك خللاً في أدب التعلم والله المستعان .
 
[align=center]جزاك الله خيراً على النصيحة وإن لم توافق -كلها-موضعاً....[/align]
 
حمدا لله تعالى، وصلاة على رسوله المصطفى.

في الحقيقة كلام شيخ الإسلام الذي ذكره الشيخ أبو فهر: (إنما عنى بمجاز الآية ما يعبر به عن الآية) صحيح لا إشكال فيه البتة. هو قال رحمه الله (ما يعبر به عن الآية)، ومعلوم أن مثل هذا إنما يكون في التعبيرات النادرة أو المتشابهة، فإنها هي التي تحتاج إلى أن تعبر عن معناها بتعبيرات أخرى سهلة مشهورة موافقة لقياس كلام الناس. وإلا، فواضح جدا أن ما في آيات القرآن من التعبيرات الواضحة الجلية المشهورة الموافقة لقياس النحويين وأساليب كلام أكثير الناس = لا يحتاج مع مثله إلى تفسير معناه أو توضيح محتواه بتعبيرة أخرى.

ثم قوله رحمه الله (ما يعبر به عن الآية) شامل لما يعبر به عن الآية بالإتيان بلفظ مرادف للفظ الآية، وشامل لما يعبر به عن الآية بالإتيان بنفس لفظ الآية لكن في أسلوب أقرب إلى أساليب النحويين، وشامل أيضا لما يعبر به عن الآية بالإتيان بلفظ زائد (مضمر/مقدر) يصبح به الكلام أكثر وضوحا عند العوام وأبعد عندهم عن الالتباس في معناه.

فلتطبق هذا على جميع ما قال فيه أبو عبيد رحمه الله (مجازه كذا) تجده كذلك. والله أعلم.
 
فقول أبي عبيدة: (فهذا مختصر، فيه ضمير، مجازه: "وانْطَلَقَ المَلأُ منهم")
أي (فهذا أسلوب مختصر، فيه مضمر. يمكن أن يعبر عنه بقولنا: "وانْطَلَقَ المَلأُ منهم")

وقوله: (وقوله: "وسَلِ الْقَرْيَةَ التي كُنَّا فيهَا والعيرَ التي أَقبَلْنا فيها" فهذا محذوف، فيه ضمير. مجازه: "وسل أهل القرية")
أي : (وقوله تعالى: "وسَلِ الْقَرْيَةَ التي كُنَّا فيهَا والعيرَ التي أَقبَلْنا فيها"، كلام في حذف كلمة "أهل"، تعبيره الكامل عندنا بدون حذف: "وسل أهل القرية").
 
وقول أبي عبيدة : (القرآن: اسم كتاب الله خاصْة، ولا يُسمّى به شيء من سائر الكتب غيره، وإنما سُمّى قرآناً لأنه يجمع السور فيضمها، وتفسير ذلك في آية من القرآن؛ قال الله جلّ ثناؤه: "إنّ علينا جَمه وقُرْأنَه"، مجازه: تأليف بعضه إلى بعض؛ ثم قال: "فإذا قَرَأناه فاتَّبِعْ قُرآنه"، مجازه: فإذا ألَّفنا منه شيئاً، فضممناه إليك فخذ به، واعمل به وضمّه إليك ... وفي آية أخرى: "فإِذا قرأتَ القُرْآنَ"، مجازه: إذا تلوت بعضه في إثر بعض، حتى يجتمع وينضمّ إلى بعض؛ ومعناه يصير إلى معنى التأليف والجمع)

كأني به رحمه الله أقول:

(القرآن: اسم كتاب الله خاصْة، ولا يُسمّى به شيء من سائر الكتب غيره، وإنما سُمّى قرآناً لأنه يجمع السور فيضمها، وتفسير ذلك في آية من القرآن؛ قال الله جلّ ثناؤه: "إنّ علينا جَمه وقُرْأنَه"، ومعناه بتعبيرنا العادي: تأليف بعضه إلى بعض؛ ثم قال: "فإذا قَرَأناه فاتَّبِعْ قُرآنه"، ولنا أن نعبر عن هذا المعنى بقولنا: فإذا ألَّفنا منه شيئاً، فضممناه إليك فخذ به، واعمل به وضمّه إليك ... وفي آية أخرى: "فإِذا قرأتَ القُرْآنَ"، وهو في تعبيرنا العادي: إذا تلوت بعضه في إثر بعض، حتى يجتمع وينضمّ إلى بعض؛ ومعناه يصير إلى معنى التأليف والجمع)
 
ويقابل هذا المصطلح (مجاز الآية) عند أبي عبيد : مصطلح الإمام البخاري رحمه الله (التحقيق) كما في (خلق أفعال العباد) له.
 
وأما تفسير مصطلح أبي عبيدة هذا بمعنى (تقديرها عند النحاة/قياسها عند النحاة/أصلها عند النحاة) فتفسير للمصطلح بما يتضمنه من المعنى أو يلازمه، لا بما يطابقه، فإن التعبير عن (الجمع والتأليف) بـ(ـالقرء) ليس حذفا ولا اختصارا حتى يقال إنه يحتاج معه إلى تقدير مضمر، ولا هو خروج عن القياس ولا متفرع عن الأصل حتى يرجع إلي ذلك القياس أو الأصل في تبين معناه. بل هو تعبير أصيل عن الشيء بلفظ لا يشتهر استعماله في ذلك المعنى لدي بعض الناس، فيحتاج معه إلى التعبير عنه بلفظ آخر - مرادف له أو مقارب - مشهور فيما بينهم. ومن هنا اتضح صواب تفسير شيخ الإسلام لمصطلح أبي عبيد هذا، والله أعلم.
 
عودة
أعلى