مسائل علوم القرآن بين النقل والاجتهاد

إنضم
15 أبريل 2003
المشاركات
1,698
مستوى التفاعل
4
النقاط
38
بسم الله الرحمن الرحيم​
الإخوة الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
فقد وعدتكم في مقالة ( الطريق إلى حل الأحرف السبعة (1) ) أن أطرح لكم هذا الموضوع . وهو ـ في نظري ـ قد لا يكون خافيًا على كثيرين ، لكني أذكره من باب التذكرة . ومعرفة هذه القضية من الأصول التي يحسن لدارس علوم القرآن أن يعرفها ؛ لأنه سيضطر إليها في بعض المسائل العلمية المتعلقة بهذا العلم .
لكن يحسن أيضًا أن ينتبه إلى أنَّ بعض الاحتمال العقلي الذي يُورد في بعض المسائل يقرب أو يبعد بحسب نوع ذلك الاحتمال . وأتمنى أن يوفق الله أحدنا في هذا الملتقى لاستنباط ضوابط الاحتمالات العقلية التي تقبل في علوم القرآن .
وأذكر ضابطًا ـ على سبيل المثال ـ : أن يكون الاحتمال العقلي موافقًا للواقع المدروس في قضية من القضايا .
فمن أمثلة ما يخالف واقع القضية المدروسة بعض ما طُرِح في تخريج أثر أنس بن مالك ، حيث قال : ((مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد ، قال : ونحن ورثناه )) وفي رواية عن قتادة قال : (( سألت أنس بن مالك رضي الله عنه من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
قال : أربعة ؛ كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد )) .
والأثران رواهما البخاري ، وفيهما إشكال من جهة الحصر ، ومن جهة الاختلاف في الرابع من جامعي القرآن هل هو أبي بن كعب ، أو أبو الدرداء .
وقد خُرِّج قول أنس في هذا الحصر بأن المراد بالجمع الكتابة لا الحفظ .
وهذا التخريج لا يتوافق مع ما حصل من جمع القرآن في عهد أبي بكر ، ثم عثمان ، إذ لو كان ذلك التخريج صحيحًا لجاء لهذا الجمع الذي عندهم ذكر أثناء جمعه في هين العهدين . فهو مخالف لواقع كتابة المصحف فيما يبدو ، والله أعلم .
ومن باب الاستطراد ، وكون الشيء بالشيء يُذكر = أقول : إن دراسة مصطلحات السلف في العلوم مما يحتاج إلى عناية ، ولا أدري هل بُحث هذا أم لا ، ومن أمثلة هذه المصطلحات في علوم القرآن عند السلف مصطلح الجمع ، ومصطلح القُّرَّاء الذي كانوا يطلقونه على الفقهاء منهم فيما يبدو ، وهو محل بحث ، عسى الله أن ييسر لأحد الإخوة في هذا الملتقى أن يبحثه .
وأعود إلى صلب الموضوع ، فأقول :
إذا نظرت إلى علوم القرآن وسبرتها فإنه سيظهر لك ما يأتي :
أولاً : أنَّ جملة من مسائله نقلية لا مجال فيها للرأي ، كنقل القراءات التي قُرِئَ بها ، وأسباب النُّزول الصريحة ، ومبهمات القرآن ، وفضائل الآيات والسور .
فلا مجال للقول بأن حرف كذا يقرأ بكذا إلا بأثر ، ولا مجال للحكم بأن سبب نزول الآية كذا إلا بالنقل ، ولا مجال لتحديد أن المراد بالشجرة التي أكل منها آدم إلا بالنقل ، ولا مجال للقول بفضل سورة من السور إلا بالنقل .
والمقصود هنا أن طريقة الوصول إلى هذه المعلومة من طريق النقل ، ولا يقع فيها الاجتهاد ، وليس المقصود هنا تحرير صحة المنقول ، فهذا مجاله مجال آخر .
ثانيًا : أن جملة منها الأصل فيها نقلي ، لكن إذا انعدم النقل قام القياس والاجتهاد المبني على النقلي ؛ كعلم المكي والمدني .
قال السيوطي ( ت : 911 ) : » وقال الجعبري : لمعرفة المكي والمدني طريقان : سماعي ، وقياسي .
فالسماعي : ما وصل إلينا نزوله بأحدهما .
والقياسي : كل سورة فيها : يا أيها الناس فقط ، أو كلا ، أو أولها حرف تَهَجٍّ سوى الزهراوين والرعد ، أو فيها قصة آدم وإبليس سوى البقرة = فهي مكية .
وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية مكية .
وكل سورة فيها فريضة أو حَدٌّ فهي مدنية « ( الإتقان 1 : 48 ) .
ثالثًا : وأن بعضًا من علومه مبني على الاجتهاد المحض ؛ كعلم تناسب الآي والسور ، وعلم إعجاز القرآن .
وإذا كان ذلك كذلك ، فإن بعض المسائل العلمية في علوم القرآن قد تكون من باب الاجتهاد المستند إلى النصوص ، أو إلى الواقع الذي المرتبط بالمسألة ، أو إلى غيرها من القرائن التي يستند إليها المجتهد في بيان بعض مسائله وتحريرها .
ومن ثمَّ ، فلا تثريب على من تكلم عن هذه المسائل التي تعتمد على الاستنباط والاستدلال ما دام كلامه مبنيًا على علم ، كما هو الحال في غيره من العلوم التي يقع فيها الاجتهاد .
وقد يكون اختلاف في فهم المنقول ، فيحمله بعضهم على معنى ، ويحمله آخر على معنى ، وهذا سائغ ومقبول من الاختلاف ، وهو من باب اختلاف التنوع الذي يقع فيه الباحثون ، فلا تثريب في ذلك ، ولا يزال الاختلاف في هذه الأمة قائمًا ، وهو محمود ما دام فيه سعة صدر وأفق ، وتقبُّلٍ للقول الآخر في محالِّ الاجتهاد ، وذلك الذي يثري العلم ، ويزيد المتعلمين .
بل إن تقبل أقوال الآخرين المبنية على الاجتهاد من أول ما يحسن بطالب العلم تعلمه والتأدب به ، وأن لا يكون مقلدًا لقول فلان ؛ لأنه فلان ، بل يكون متبعًا ؛ أي متبصرًا بما قال ، عارفًا به ، قادرًا على الدفاع عنه ، وعلى التعبير به .
وأرجو أن يتَّسم هذا الملتقى بحسن التنوع في طرح الآراء ، وتقبُّل الاجتهادات مع الأدب الجمِّ بين أصحابه ، والله الموفق .
 
بارك الله فيكم يا أبا عبدالملك. ونفع بعلمكم.
يرفع للمدارسة حوله فهو موضوع جدير بالتأمل والوقوف . وكتب علوم القرآن على كثرتها لا تقف من مسائله وترتبها بحسب هذه النظرة . وإنما يختلف ترتيب المسائل في كتب علوم القرآن من كتاب إلى كتاب. وإثارة هذه المسألة لها فائدتان :
الأولى : معرفة ما لا مدخل للرأي فيه من مسائل علوم القرآن ، وما صح فيه الدليل فيوقف عنده.ومعرفة ما يدخل تحت الاجتهاد المقبول ما دام مشفوعاً بدليله ، ومبيناً وجه الاستدلال والاستنباط ، فيصرف الباحثون جهودهم في هذا الجانب خدمة لهذا العلم ، وقضاء لحقه.

الثانية : التسهيل على الدارس وطالب العلم ، في تصوره الصحيح لمسائل علوم القرآن ، والتقسيم الصحيح يعين على السبر والتدبر ، مع استحضار موقع هذه المسألة أو تلك ضمن بنية العلم المدروس. وهذه مسألة مهمة يحتاج إليها دارس أي علم من العلوم. ولا يزال المتخصصون في العلوم المختلفة يشاركون في تقريب العلوم التي تخصصوا بها لغير المتخصصين طمعاً في النفع والفائدة والله لا يضيع أجر المحسنين . ونحن في الدراسات القرآنية نطمع أن نجعل من العلوم المتعلقة بالقرآن الكريم علوماً شعبية يعرفها المسلمون بمختلف مستوياتهم العلمية ، إذ من حقهم كمسلمين معرفة ما يتعلق بدينهم وكتاب ربهم ، وكم أسعدُ عندما يسألني سائل في المسجد أو غيره عن معنى آية ، أو مرجع مسألة من مسائل التفسير أونحو ذلك مما لا يستغني عنه مسلم يقرأ القرآن ، ويستمع للتلاوة . فينشرح عندما يعرف الجواب ، ويحرص على شراء الكتاب أو الشريط الذي فيه تفصيل لما سأل عنه. وهذا يلقي على المتخصصين تبعة القيام بهذه المهمة بصدق ، وتأدية الرسالة على أكمل وجوهها ، فإن لكل زمان ظروفه الخاصة ، ووسائله المتجددة ، فلا بد من الانتفاع بها بقدر الطاقة لخدمة الناس ، وتقريب علوم القرآن لهم ، وجعلها في متناول أيديهم طلباً للثواب ، وحرصاً على بيان الكتاب.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وفي انتظار تعقيبات الإخوة الفضلاء .
 
جزى الله خيراً شيخنا أبا عبد الملك خيراً , وإياهُ أسأل قائلاً:

1- بالنسبة للتخريج الذي تفضلتم به ألا تغني عنهُ وعن ظَـنِّ مخالفته واقعَ الصحابةِ الأوجهُ الأخرى التي خرَّج بها العلماءُ الأثر كالطحاوي وغيره, والتي منها:

* أنَّ مُـراد أنس رضي الله عنهُ أنه لم يجمعهُ غيرُ أولاء الأربعة من الأوس , وأنَّ جوابه رضي الله عنهُ كان في معرض المفاخرة بأن جمع الأربعة كان على وجه الضبط والقدرة على الإقراء , خلافاً لمن جمعه جمعاً لا يمكنه معه تعليمُ غيره , ولا جزمَ بنفيه الجمع عن المهاجرين.

*أو أنهُ لا مفهومَ مخالفةٍ لكلام أنس.

* أو أنَّ المُـراد بالجمع أخذ كامل القرآن وأوجهه وقراءاته مباشرةً عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة من أقرأ الناس في عهده من صحابته كابن مسعود وغيره.

2- هل بالإمكـان وضعُ بعضٍ من أنواع علوم القرآن خارج هذه الأقسـام الثلاثة التي تكرمتم بها مما ليس هو بنقلي , ولا اجتهادي , ولا أصلَ نقلياً لهُ فإذا انعدم قيس عليه.؟

وهو قسمٌ (مختَـلفٌ فيه بين النقل والاجتهـاد) كترتيب السور مثلاً , أم يمكنُ إدراجُ هذا النوع تحت أحد هذه الشعب الثلاث.؟
 
بارك الله فيكم يا أبا عبدالملك. ونفع بعلمكم.
يرفع للمدارسة حوله فهو موضوع جدير بالتأمل والوقوف .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وفي انتظار تعقيبات الإخوة الفضلاء .
 
كود:
 المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالرحمن الشهري [URL="http://vb.tafsir.net/showthread.php?p=11470#post11470"][IMG]http://vb.tafsir.net/styletafsir/buttons/viewpost.gif[/IMG][/URL] 
[I]بارك الله فيكم يا أبا عبدالملك. ونفع بعلمكم.
يرفع للمدارسة حوله فهو موضوع جدير بالتأمل والوقوف .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وفي انتظار تعقيبات الإخوة الفضلاء .[/I]

جزاكم الله خير أحبتي في الله .
 
عودة
أعلى