د محمد الجبالي
Well-known member
ثَيِّبَاتٍ وأبْكَاراً
مسألتان: في قول الله تعالى: [عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا]
الأولى: لماذا قدم [ثيبات] على [أبكارا]؟
الثانية: لماذا فصل بالواو بين [ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا] من دون الصفات السابقة؟
المسألة الأولى: لماذا قدم [ثيبات] على [أبكارا]؟
أما كتب التفسير فقد علل ذلك ابن عجيبة بتوجيه لطيف قال: وعَطْف الأبكار على الثيبات من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى.
أما البقاعي في نظم الدرر فقد رأى أن الخبرة كانت السبب في تقديم الثيبات على الأبكار، فقال: قدمهن لأنهن أخبر بالعشرة.
وكان لصاحب التحرير والتنوير توجيه آخر لطيف، قال: "وَتَقْدِيمُ وَصْفِ ثَيِّباتٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَزوَاج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجْهُنَّ كُنَّ ثَيِّبَاتٍ. وَلَعَلَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَلَامَ الْأَشَدَّ مُوَجَّهٌ إِلَى حَفْصَةَ قَبْلَ عَائِشَةَ وَكَانَتْ حَفْصَةُ مِمَّنْ تَزَوَّجَهُنَّ ثَيِّبَاتٍ وَعَائِشَةُ هِيَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بِكْرًا"
توجيه الباحث:
مرت هذه الآية على قلبي مرارا أثناء التلاوة ودائما ماكان يستوقفني تقديم (الثَّيِّبَات) على (الأبكار)، وقد طالَعتُ كتب التفسير فوجدتُ ما تقدم من توجيهات، وهي وإن كانت وجيهة لكن قلبي لم يسكن بها، فاجتهدتُ أن أقف على وجه لهذا التقديم، ووفقني الله إلى تأويل أرجو الله أن أصيب به وجه الحق:
لقد نظرتُ في حال (الثيبات) في المجتمع فوجدتُ أنهن كَسِيرات، ضعيفات، مَهِيضات الجناح؛ حيث إن الرغبة في الزواج منهن قليلة، قد تجد كثيرات منهن يَخُضْنَ غمار الحياة بِشَقَاءٍ وعَنَتٍ وعَنَاء، في حين أنَّ الأبكار لهن العِزُّ كله، والأمل كله، والرغبة في الزواج منهن عظيمة.
وقد علمتنا البلاغة العربية أن العرب إذا اهتمت بشيء قدمته، فرأيتُ أن القرآن قدم (الثيبات) على (الأبكار) في الآية للاهتمام بهن وبشأنهن، ولِيَصْرِفَ النظر إليهن، حتى لا يُهْمَلْن، فالأبكار لسن في حاجة إلى هذا الاهتمام، لأن الاهتمام بهن قائم وشديد، فقَدَّمَ القرآن من هن في حاجة إلى الاهتمام، ترغيبا فيهن، ولَفْتاً للنظر إليهن، ورعاية لهن، وبيانا لفضلهن من الخبرة وحسن تدبير الأمور.
المسألة الثانية: لماذا فصل بالواو بين [ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا] من دون الصفات السابقة؟
تأملوا معي الترتيب والعطف في:
[مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا]
لو تأملنا الترتيب: [مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ] سنجده من الأدنى إلى الأعلى، ولم يفصل بين الصفات بعطف، فلما وصل إلى الصفتين الأخيرتين: [ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا] فصل بينهما بالواو، فما السبب؟
قال العلماء: إن الصفات الأولى [مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ] يمكن أن تجتمع كلها في امرأة واحدة ثَيِّباً كانت أو بِكْراً، أما الصفتان الأخيرتان [ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا] فلا يجتمعان معا في امرأة واحدة، فإمِّا ثَيِّب، وإمَّا بِكْر، ولذلك كان الفصل بالواو هنا واجبا.
والله أعلم
د. محمد الجيالي.
مسألتان: في قول الله تعالى: [عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا]
الأولى: لماذا قدم [ثيبات] على [أبكارا]؟
الثانية: لماذا فصل بالواو بين [ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا] من دون الصفات السابقة؟
المسألة الأولى: لماذا قدم [ثيبات] على [أبكارا]؟
أما كتب التفسير فقد علل ذلك ابن عجيبة بتوجيه لطيف قال: وعَطْف الأبكار على الثيبات من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى.
أما البقاعي في نظم الدرر فقد رأى أن الخبرة كانت السبب في تقديم الثيبات على الأبكار، فقال: قدمهن لأنهن أخبر بالعشرة.
وكان لصاحب التحرير والتنوير توجيه آخر لطيف، قال: "وَتَقْدِيمُ وَصْفِ ثَيِّباتٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَزوَاج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجْهُنَّ كُنَّ ثَيِّبَاتٍ. وَلَعَلَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَلَامَ الْأَشَدَّ مُوَجَّهٌ إِلَى حَفْصَةَ قَبْلَ عَائِشَةَ وَكَانَتْ حَفْصَةُ مِمَّنْ تَزَوَّجَهُنَّ ثَيِّبَاتٍ وَعَائِشَةُ هِيَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بِكْرًا"
توجيه الباحث:
مرت هذه الآية على قلبي مرارا أثناء التلاوة ودائما ماكان يستوقفني تقديم (الثَّيِّبَات) على (الأبكار)، وقد طالَعتُ كتب التفسير فوجدتُ ما تقدم من توجيهات، وهي وإن كانت وجيهة لكن قلبي لم يسكن بها، فاجتهدتُ أن أقف على وجه لهذا التقديم، ووفقني الله إلى تأويل أرجو الله أن أصيب به وجه الحق:
لقد نظرتُ في حال (الثيبات) في المجتمع فوجدتُ أنهن كَسِيرات، ضعيفات، مَهِيضات الجناح؛ حيث إن الرغبة في الزواج منهن قليلة، قد تجد كثيرات منهن يَخُضْنَ غمار الحياة بِشَقَاءٍ وعَنَتٍ وعَنَاء، في حين أنَّ الأبكار لهن العِزُّ كله، والأمل كله، والرغبة في الزواج منهن عظيمة.
وقد علمتنا البلاغة العربية أن العرب إذا اهتمت بشيء قدمته، فرأيتُ أن القرآن قدم (الثيبات) على (الأبكار) في الآية للاهتمام بهن وبشأنهن، ولِيَصْرِفَ النظر إليهن، حتى لا يُهْمَلْن، فالأبكار لسن في حاجة إلى هذا الاهتمام، لأن الاهتمام بهن قائم وشديد، فقَدَّمَ القرآن من هن في حاجة إلى الاهتمام، ترغيبا فيهن، ولَفْتاً للنظر إليهن، ورعاية لهن، وبيانا لفضلهن من الخبرة وحسن تدبير الأمور.
المسألة الثانية: لماذا فصل بالواو بين [ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا] من دون الصفات السابقة؟
تأملوا معي الترتيب والعطف في:
[مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا]
لو تأملنا الترتيب: [مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ] سنجده من الأدنى إلى الأعلى، ولم يفصل بين الصفات بعطف، فلما وصل إلى الصفتين الأخيرتين: [ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا] فصل بينهما بالواو، فما السبب؟
قال العلماء: إن الصفات الأولى [مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ] يمكن أن تجتمع كلها في امرأة واحدة ثَيِّباً كانت أو بِكْراً، أما الصفتان الأخيرتان [ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا] فلا يجتمعان معا في امرأة واحدة، فإمِّا ثَيِّب، وإمَّا بِكْر، ولذلك كان الفصل بالواو هنا واجبا.
والله أعلم
د. محمد الجيالي.