مسألتان في الآية: {فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا یُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُ}

د محمد الجبالي

Well-known member
إنضم
24/12/2014
المشاركات
400
مستوى التفاعل
48
النقاط
28
الإقامة
مصر
[FONT=&quot]
مسألتان في آية:

تأمل معي الآية:
{مَّا یَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةࣲ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا یُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُ ۥمِنۢ بَعۡدِهِ) [سورة فاطر 2]

{فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ }
{فَلَا مُرۡسِلَ لَهُ}

المسألة الأولى:
إن الضمير في (لها، له) كلاهما يعود على (ما)
فبم تفسر تأنيثه في الأولى، وتذكيره في الثانية؟!

لقد فُسِّرَت (ما) الأولى بلفظ مؤنث (من رحمة) فتبعها تأنيث الضمير لفظا فقيل (لها).
وفي الثانية جاء لفظ الضمير باعتبار معنى (ما): رزق، مطر،... فتبعه الضمير (له) تذكيرا.
قال الزمخشري رحمه الله في تعليل هذا الاختلاف: "الحمل على المعنى وعلى اللفظ"

المسألة الثانية:
لماذا فُسِّرَت (ما) الأولى ب (من رحمة)، ولم تُفَسَّر (ما) الثانية؟!

وأجيب سائلا الله السداد:
إن النفس الإنسانية إذا كُوفِئَت تحب أن تعرف تفاصيل المكافأة، وتحب الإطالة في تفصيلها، فجاء التفصيل (من رحمة) ترغيبا وإشباعا لتلك الرغبة.
وقد جاء لفظ (رحمة) نكرة للتعميم والتكثير زيادة في الترغيب.

وعلى النقيض من ذلك، إذا خِيفَت النفس الإنسانية فإنها لا ترغب أن تسمع تفاصيل الخوف، لأن في التفاصيل زيادة في الألم،
أضف إلى ذلك أن إخفاء التفاصيل يحمل تهويلا وترهيبا للنفس،
وهو أحد أهم ما ترمي إليه الآية.

والله أعلم
د. محمد الجبالي

[/FONT]
 
بسم1​
أحسن الله إليكم يا دكتور

إضافة بسيطة ، لو اطلعنا على السياق لاتضحت أمور متعلقة بما يرسل سبحانه وما يمسك ، وتتضح أيضاً الاشارة في قوله تعالى (رحمة)

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

فسبق الرحمة الحديث في الآية الأولى عن وسيلة نقل الرحمة الى خلقه وهم الملائكة الذين (يرسلهم) جل وعلا بصور االرحمات المختلفة ، فإما تكون الرحمة بنزول الرسالات على الأقوام المنذَرين ، أو بإنزال الرزق كالغيث للارض والناس

مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)

ثم بعد ذلك يعمم على كل رحمة تنزل من الله سواءً كانت رحمة الرزق والربوبية أو رحمة الهداية والرسالة والمنهج ، فيقيد القدرة في فتح الرحمات من سماواته تعالى أو إمساكها بيده جل وعلا.


يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (3)

ويصور ربنا جل وعلا إحدى أنواع الرحمات التي يفتحها على عباده والتي تشمل الطائع والعاصي ، المؤمن والكافر وهي رزق الحياة الدنيا التي لا يستثني منها أحد ، ولا يستغني عنها أحد.



وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)

ثم يرينا جل وعلا رحمة من نوع آخر وهي رحمة الهداية التي رفضها من ارسلت إليهم ومصير من تلقى رحمة الهداية ووظفها في صالح امره ، ومن كفر بها ورفضها واتبع الشيطان.

وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَٰلِكَ النُّشُورُ (9)

ثم يعود السياق الشريف لرحمة الرزق والغيث وهي صورة من صور الرحمات المادية التي لا غنى للناس عنها ، فهي رحمة تحيي الأرض بعد موتها ، كما أن رحمة الهداية تحيي النفوس بعد غفلتها وضلالها ، وكل تلك الرحمات تتنزل بأمر الله ومن لدنه تعالى اسمه.


مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)

ثم يعود السياق الشريف لرحمة العبودية لله جل وعلا والخلوص من الشرك والكفر ، ويبين مصير العمل والقول عند الله تعالى سواء كان عمل سوء أو طاعة قولية أو فعلية ، وهو في هذا الباب يتحدث عن الألوهية المتعلقة بالأعمال الصاعدة إليه تعالى .

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
(11) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)

وينعطف السياق ثانية عائداً للرحمة المادية من الرزق بالولد ورزقه في رحم امه حتى ولادته سليما معافى في زمن محدد مقدر من لدن عليم خبير ، ويبين لعباده الرزق الصاعد اليهم من بطن البحر العذب بماءه والمالح ومايخرج منهما من لحم طري وحليّ ، وكذلك نعمة تسخير الليل والنهار

إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
(15) فاطر

ويعود ثانية لجانب العقيدة ورحمة الهداية ، وبذلك نلحظ أن ربنا جلت قدرته جمع الرحمات وأكد تلازمهما لئلا يعتقد الناس ويظنون أن الرازق الحافظ المعطي المانع الرحمن الرحيم ، ليس هو الهادي الدليل الذي يدعو عباده لمعرفته والايمان به واطاعة أوامره واجتناب نواهيه ، فكان التلازم التام بين الجانبين كالجدائل المترابطة التي لا ينفك بعضها عن بعض.

والله تعالى أعلم
 
عودة
أعلى