فهد الوهبي
Member
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..
فإن من المسائل التي يبحثها العلماء داخل علم المحكم والمتشابه مسألة (الحروف المقطعة)، تحت أي النوعين تُدرج؟، هل هي من المحكم ، أو من المتشابه؟، وإن كانت من المتشابه، فأي نوعي المتشابه هو المقصود: المتشابه الكلي الذي استأثر الله ـ تعالى ـ بعلمه، أو المتشابه النسبي الذي يعلمه العلماء دون غيرهم.
وقد أحببت المشاركة في هذا الموضوع بهذا البحث المختصر، أسأل الله تعالى التوفيق والسداد ..
مسألة: هل الحروف المقطعة من المتشابه:
مقدمة:
الحروف المقطعة: هي التي يجب أن يُقْطَعَ كلُّ حرفٍ منها عن الباقي في التكلم، بأن يؤتى باسمِ كُلٍّ منها على هيئته، فتقول: ألف لام ميم، بخلاف قولك: أَلَمْ، فإنه يجب أن يوصل بعضها ببعض ليفيد المعنى(1).
وهذه الألفاظ وإن كانت أسماءً حقيقة(2) لكنها تسمى حروفاً باعتبار مدلولاتها تجوزاً(3).
وقد ورد في القرآن أربعة عشر حرفاً مقطعاً ـ مع حذف المكرر ـ يجمعها قولك: (نص حكيم قاطع له سر)(4). ووقع الافتتاح بالأحرف المقطعة في تسعٍ وعشرين سورة(5).
ولم تكن العرب تفتتح كلامها بمثل هذه الحروف المقطعة، قال ابن جرير الطبري ( ت: 310 هـ ): "فإنه معلومٌ منها أنها لم تكن تبتدئُ شيئاً من كلامها بـ ( ألم ) و (ألمر) و(ألمص) "(6).
وقد وقع الخلاف بين العلماء في هذه الأحرف المقطعة هل هي من المتشابه أو لا، ويعبر بعضهم بهل لها معنىً أو لا ؟.
وقبل الحديث عن هذه المسألة ينبغي التنبيه إلى أربع قضايا مهمة وهي:
أولاً: وقوع الاشتراك في لفظ ( المعنى ) عند العلماء:
فإنه قد وقع اشتراكٌ في مصطلح ( المعنى ) بين أهل اللغة، وبين كثيرٍ من العلماء حين يقولون: (حكم معقول المعنى) أو (غير معقول المعنى).
فأما أهل اللغة فإنهم يريدون بـ (المعنى) الصورة الذهنية لِلَّفْظِ:
قال الجرجاني (ت:816هـ) في تعريف المعاني: "هي الصورة الذهنية من حيث إنه وضع بإزائها الألفاظ والصور الحاصلة في العقل"(7). وقال: " المعنى: ما يقصد بشيء"(8).
وهنا يُعبِّر أهل اللغة بقولهم (معنى هذه الكلمة هو كذا) كما يقولون مثلاً: ( معنى الصلاة هو الدعاء).
وأما عند من يُعبِّر بقوله (حكم معقول المعنى) فإنه يريد بـ (المعنى): العلةَ أو الحكمةَ، وهذا الاستعمال شائعٌ في كلام العلماء رحمهم الله تعالى، ومن أمثلة ذلك الاستعمال:
- ما قاله ابن القيم ( ت: 751 هـ): " أنه سبحانه حكيم لا يفعل شيئاً عبثاً ولا لغير معنىً ومصلحةٍ وحكمةٍ هي الغايةُ المقصودةُ بالفعل، بل أفعاله سبحانه صادرةً عن حكمةٍ بالغة لأجْلها فَعَل، كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل. وقد دلَّ كلامه وكلامُ رسوله على هذا وهذا في مواضعَ لا تكادُ تُحصى، ولا سبيلَ إلى استيعابِ أفرادها فنذكر بعض أنواعها"(9).
فهو لا يريد بالمعنى: ما تعارف عليه أهل اللغة، بل مراده ما يقصده بعض الأصوليين من هذه الكلمة، وهو العلة أو الحكمة التي شُرع لأجلها الحكم أو أنزلت لأجلها الآية.
- وقد أوضح العزُّ بنُ عبد السلام ( ت: 660 هـ) مرادَ العلماءِ بقولهم (معقول المعنى) بقوله:
"فصلٌ: فيما عُرفت حكمته من المشروعات، وما لم تُعرف حكمته:
المشروعات ضربان:
أحدهما: ما ظهر لنا أنه جالبٌ لمصلحةٌ أو دارئٌ لمفسدة، أو جالبٌ دارئٌ لمفسدة، أو جالبٌ دارئٌ لمصلحة، ويعبر عنه بأنه معقولُ المعنى.
الضرب الثاني: ما لم يظهر لنا جلبُه لمصلحةٍ أو درؤُه لمفسدةٍ، ويعبر عنه بالتعبد"(10).
- ومن ذلك الاستعمال أيضاً قولُ السرخسي ( ت: 490 هـ ): "واستنباط المعنى من النصوص بالرأي: إما أن يكون مطلوباً لتعديةِ حكمِه إلى نظائرِه وهو عينُ القياس، أو ليحصل به طمأنينةُ القلب. وطمأنينةُ القلب إنما تحصل بالوقوف على المعنى الذي لأجله ثبت الحكم في المنصوص"(11).
ومن المعلوم أن المعنى الذي ثبت الحكمُ لأجله في المنصوص هو: العلة. ويدل على ذلك أيضاً أن حديثه هذا عن القياس.
- ومما يدل على إطلاق المعاني على العلل ما قاله الزركشي (ت: 794هـ): " قال: الاستنباط مختص بإخراج المعاني من ألفاظ النصوص... فقد جعل الله للأحكام أعلاماً من الأسماء والمعاني بالألفاظ الظاهرة، والمعاني عللٌ باطنةٌ، فيكون بالاسم مقصوراً عليه، وبالمعنى متعدياً، فصار معنى الاسم(12) أخص بالحكم من الاسم، فعموم المعنى بالتعدي، وخصوص الاسم بالتوقيف، وإن كانت تابعة للأسماء، لأنها مشروعة فيها، فالأسماء تابعة لمعانيها لتعديها إلى غيرها"(13).
- قال الماوردي (ت: 450 هـ): "ويحتمل ثامناً: أن المحكم ما كانت معاني أحكامه معقولة، والمتشابه ما كانت معاني أحكامه غير معقولة، كأعداد الصلوات، واختصاص الصيام بشهر رمضان دون شعبان"(14).
ومراده أن المحكم معلوم العلة، ولم يُرِدْ أنه مفهوم المعنى اللغوي، بدليل تمثيله لغير معقول المعنى بأعداد الصلوات، فإنه لا تُعلم حكمة اختصاصها، كسبب الاقتصار على الركعتين في الفجر والأربع في الظهر والعصر.. وهلم جرا، فإن العلماء يتوقفون عند حكمة ذلك ويكلونها إلى الله تعالى فهي إذن غير معقولة المعنى(15).
إذا ثبت ذلك فهل مراد الذين يقولون: (إن الأحرفَ المقطعةَ ليس لها معنى): أنه لا يوجد في الذهن تصورٌ لمعناها، أو أنهم يريدون أننا لا نصل إلى حكمتها ومراد الله تعالى منها، فهي غير معقولة المعنى؟.
وسيتضح الجواب على هذا السؤال باستكمال تأمل القضايا الثلاث المتبقية .
ثانياً: النظر في أصل الحرف عند العرب، هل له معنى أو أنه وضع لغير معنى:
فإن كلمة (حرف): اسمٌ له مدلول عند العرب الذين شهدوا التنزيل، وله معنى غير معناه عند النحاة.
فهو عند العرب: يشمل الاسم، والفعل، والحرف الاصطلاحي عند أهل النحو، كما يشمل حروف الهجاء(16).
قال شيخ الإسلام: "والحرف في لغة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتناول الذي يسميه النحاة اسماً وفعلاً وحرفاً؛ ولهذا قال سيبوبه في تقسيم الكلام: (اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، ليس باسم ولا فعل)(17). فإنه لما كان معروفاً من اللغة أن الاسم حرف، والفعل حرف؛ خَصَّ(18) هذا القسمَ الثالثَ ـ الذي يطلق النحاةُ عليه الحرفَ ـ أنه جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل، وهذه حروف المعاني التي يتألف منها الكلام(19).
وأما حروف الهجاء فتلك إنما تكتب على صورة الحرف المجرد وينطق بها غير مُعْرَبَةٍ ولا يقال فيها معرب ولا مبني؛ لأن ذلك إنما يقال في المؤلَّف"(20).
وقال: " وأما تسمية الاسمِ وحده كلمة، والفعلِ وحده كلمة، والحرفِ وحده كلمة، مثل (هل) و (بل): فهذا اصطلاحٌ محضٌ لبعض النحاة، ليس هذا من لغة العرب أصلاً. وإنما تسمي العربُ هذه المفردات حروفاً، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ القران فله بكل حرف عشر حسنات أما أني لا أقول (ألم) حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)(21) "(22).
وقال المباركفوري (ت: 1353 هـ ): " والحرف يطلق على حرف الهجاء، والمعاني، والجملة المفيدة، والكلمة المختلف في قراءتها، وعلى مطلق الكلمة"(23).
وأما أحرف الهجاء المعروفة: فهي إحدى المعاني التي يدلُّ عليها اسم (الحرف) عند العرب: وكل واحد منها رمزٌ مجردٌ، لا يدلُّ إلا على نفسه، ما دام مستقلاً لا يتصل بحرف آخر(24).
فهي رموز لا تدل على معانٍ، وإنما تدل فقط على نفسها، بخلاف من ادعى ثبوت معانٍ لها عند العرب.
وأما الحرف عند أهل النحو فهو: كلمة لا تدل على معنى في نفسها، وتدلُّ على معنى في غيرها إذا ضُمَّ إليها، ولا تدلُّ على زمنٍ ما(25).
وهذه الحروف عند النحاة تُسمَّى (أدوات الربط)؛ لأن الكلمة إما أن تدلَّ على ذات، وإما أن تدلَّ على معنى مجرد ـ أي: حدث ـ، وإما أن تربط بين الذات والمعنى المجرد منها. فالاسم يدل على الذات، والفعل يدلُّ على المعنى المجرد منها، والحرف هو الرابط.
وهذا الحرف النحوي يختلف اختلافاً كاملاً عن ( الحرف الهجائي ) الذي تُبنى منه صيغة الكلمة؛ كالباء، والتاء، والجيم، وغيرها من سائر الحروف الهجائية، وتسمى هذه الأحرف الهجائية أحرفَ البناء، وأما النحوية فهي أحرف المعاني(26).
إذا عُلِمَ ذلك فإن هذه الأحرف المقطعة في سور القرآن ليست هي الحروف النحوية، بل هي الحروف الهجائية، التي يتكون منها الكلم، وهي داخلة في معنى الحرف عند العرب الذين نزل عليهم القرآن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، ولكن ألف حرفٌ، ولام حرفٌ، وميم حرفٌ"(27).
إذا ثبت ما سبق فهل المراد من نطقها: الحرفُ نفسه المدلول عليه باسمه، أو المراد اسم الحرف.
وتوضيح ذلك: هل المراد عند قراءة: (ألم) فتقول: (ألف لام ميم ) أنك تقصد هذه الأسماء فكأنك تقول: أنا أنطق باسم الحرف (أ) وباسم الحرف (ل) وباسم الحرف (م)، أو أن المراد من النطق أصلاً هو هذه الحروف وإنما نُطق بأسمائها ؟.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ): "فهنا لم يرد النبي بالحرف نفس المداد وشكل المداد وإنما أراد الحرف المنطوق وفى مراده بالحرف قولان:
قيل: هذا اللفظ المفرد(28).
وقيل: أراد صلى الله عليه وسلم بالحرفِ الاسمَ كما قال: (ألف حرف ولام حرف وميم حرف). ولفظ الحرف والكلمة له في لغة العرب التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بها معنى، وله في اصطلاح النحاة معنى "(29).
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن المراد هو هذه الألفاظ المفردة ـ أي: الحروف الهجائية ـ لا أسماؤها لدليلين:
1- الرسم القرآني، فإنهم كتبوا هذه الحروف على شكل الحرف لا على شكل اسمه، ويتضح ذلك من كتابة حرف (ن) في القرآن، فإنهم لما أرادوا حرف النون كما في سورة القلم كتبوا (ن) كما في قوله تعالى: (ن والقلم وما يسطرون) [القلم: 1 ] وعندما أرادوا الاسم كتبوا (نون) على صيغة الاسم كما في قوله تعالى: (وذا النون) [الأنبياء: 87].
2- الأجر المترتب على قراءة هذه الأحرف فإن النبي صلى الله عليه وسلم رتَّب على قراءة (ألم) ثلاثين حسنة، لأنها أحرف ثلاثة، ولو كان المراد أسماء الحروف لكان عدد الحسنات المترتبة تسعين حسنة؛ لأن عدد حروف أسمائها تسعة حروف.
ثالثاً: التفريق بين الحرف وبين الاسم الدال عليه:
فإن للحرف الهجائي اسماً يدل عليه، فاسم (لام) يدل على الحرف (ل) الذي هو أول وآخر كلمة (ليل)، كما تدل الأسماء في اللغة على مسمياتها، ولذا ورد عن الخليل بن أحمد الفراهيدي أنه أوضح هذا المعنى لطلابه حين سألهم كيف ينطقون بالزاء من زيد فقالوا: (زا) فقال: نطقتم بالاسم وإنما الحرف: (زه)(30).
فكل لفظٍ مجردٍ من حروف الهجاء له اسم يدلُّ عليه، ودلالة هذه الأسماء على مسمياتها معروفة عند العرب، ظاهرة لهم، فهم لا يختلفون في دلالة اسم ( ميم ) على الحرف الأول من قولك (ملك) مثلاً.
رابعاً: التفريق بين المنطوق والمكتوب:
فإن الحروف الهجائية تُكتب في القرآن على هيئتها مجردة، وتُنطق بأسمائها، وتوضيح ذلك:
المكتوب = المنطوق
ألم = ألف لام ميم
ألمر = ألف لام ميم راء
ق = قاف
وهكذا فإن المنطوق هو اسم الحرف لا ذات الحرف، كما سبق عن الخليل، وليس المراد في خلاف العلماء في معنى الأحرف المقطعة؛ ما يُنطقُ، فإنه دالٌّ عند العرب على المسمى وهو الأحرف المجردة، وهي المكتوبة في المصحف، وأما المكتوب وهو حروف الهجاء المجردة، فإنها رموز لا معاني لها، إلا إذا انضمت إلى غيرها، فتكون منها الكلام، والجمل، وإنما وقع الخلاف بين العلماء في السرٍّ الذي لأجله وردتْ في القرآن.
إذا عُلِمت هذه القضايا وانضم إليها القول الصحيح وهو أن القرآن كلّه معلومُ المعنى، وأنه لا يوجد فيه كلمةٌ لا يفهم معناها جميعُ المخاطَبين.
فإن هذه الأحرف المقطعة هي من القرآن قطعاً(31)، ومعنى أسمائها المنطوقةِ ظاهرٌ لا خفاء فيه، إذ هي أسماء الحروف الهجائية المعروفة عند العرب، فألف: اسم للحرف المعروف، وكذا اللام والميم، وغيرها من الحروف، ولم يستنكرها أحد ممن نزل عليهم القرآن، وإنما وقع الخلاف بين العلماء في علة ذكرها في القرآن، وهل لها دلالة غير معناها الظاهر؟.
ومما يدل على ذلك أن الأقوال التي ذكرت معانيها على أنواع:
- أن تكون رموزاً اقتضبت من كلم أو جمل.
- أنها حروف جعلت أسماء وأفعالاً.
- أنها بمعنى الحروف وإنما جيء به لحكم عديدة(32).
فلا يصح أن يقال: إن المنطوق مجهول المعنى بحيث لا يفهم العرب هذه الحروف من تلك الأسماء، وإنما وقع الخلاف في دلالتها وعلة ذكرها في القرآن(33).
قال ابن العربي ( ت : 543هـ ): " أن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الخلق بمعجز تحدى به العرب خاصّة وهو القرآن، واستفتح بعض سوره بهذه الحروف المقطعة، والعرب قد شنفت له، وقومه جراءة عليه، يرقبون منه زلةً، ويتربصون به سقطة، فلو كانتْ هذه الحروف سالكةً سبيل الإشكال غير داخلة في فنٍّ من فنون فصاحتهم، لا تهتدي إليها معارفهم، ما تركوه أن ينتقل عنها شبراً حتى يحدث لهم فيه ذكراً، ويظهر إليهم بها علماً، وقد قال للمبتدئين منهم بالإذاية، المشتهرين بالكناية، المستهزئين لكل دليل وآية: (ص والقرآن ذي الذكر ) [ص: 1] (حم تنزيل من الرحمن الرحيم ) [فصلت: 1 ـ 2]، والأندية حافلة بالأعادِ، والنفوس متشوقة إلى عثرةٍ من الحُسَّادِ، فأذعنوا لفصاحة القول باتفاق، ولم يقولوا: هذا اختلاط، بل قالوا: هذا اختلاق... فنقول: لما رأينا العرب الأعادي والأولياء والشادين والعلماء لم يقدحوا فيه ولا مالوا عنه قطعنا على أنه كان مفهوماً عندهم جارياً على سبيل العربية"(34).
إذا ثبت أن معاني أسماء هذه الحروف معلومة للمخاطبين، فإنها لا تكون من المتشابه من حيث معناها في لغة العرب، فهي معلومة لدى الجميع.
وأما ما وراء ذلك من الأسرار والحِكَمِ مِنْ ذِكْرِها وما تدل عليه فقد اختلف العلماء في ذلك.
بيان الخلاف في المسألة:
بعد ما تقدم فإن العلماء قد ذكروا الخلاف في هذه الأحرف المقطعة في مقامين:
المقام الأول:
هل هي مما استأثر الله بعلمه، أو لا(35)؟.
ويمكن تلخيص ذلك الخلاف كما يلي:
القول الأول: أنها مما استأثر الله بعلمه:
والمعنى: أنه لا يعلم أحدٌ سِرَّ ذكرِها في القرآن، فرَدُّوا عِلْمَها إلى الله تعالى، وقالوا: هي سِرُّ الله في القرآن، ولله في كل كتاب من كتبه سِرٌّ، وهي من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه.
ذَكَرَ هذا القول ابنُ جرير الطبري ( ت: 310 هـ ) ولم ينسبه إلى أحد، وجعله آخر أقوال المفسرين في تفسير الحروف المقطعة، ولم يُعلق عليه(36).
ونَقَلَ بعضُ المفسرين هذا القول عن أبي بكر(37) ، وعمر(38)، وعثمان(39)، وعلي(40)، وابن مسعود ( ت : 32 هـ )(41) رضي الله عنهم.
ونقل أيضاً عن عامر الشعبي ( ت: 103 هـ )(42)، وسفيان الثوري، والربيع بن خثيم، وجماعة من المحدثين، واختاره أبو حاتم بن حبان(43)، وابن حزم(44).
وقال أبو حيان: "والذي أذهبُ إليه: أن هذه الحروف التي في فواتح السور هو المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، وسائر كلامه تعالى محكم "(45)، ومال إليه الشوكاني ( ت : 1251 هـ)(46).
وعلى هذا القول تكون علة ذكر هذه الأحرف من المتشابه على القول بأن المتشابه هو ما استأثر الله بعلمه(47).
التعليق على هذا القول:
أولاً: أن النقل عن الخلفاء الأربعة وابن مسعود ( ت : 32 هـ ) رضي الله عنهم غيرُ ثابتٍ، ولعل أول من نقل ذلك عنهم الثعلبيُّ (48)، والسمرقنديُّ (49)، ولم يرتض عددٌ من العلماء هذا النقل:
قال ابنُ عاشور (ت: 1393هـ ): " ونُسب هذا إلى الخلفاء الأربعة في روايات ضعيفة"(50).
ولم أجد هذه الأقوال منسوبة إليهم بسند صحيح، ولم يوردها السيوطيُّ ( ت: 911 هـ ) في الدر المنثور. وقال البيضاوي: "وقيل: إنه سر استأثره الله بعلمه وقد روي عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة ما يقرب منه، ولعلهم أرادوا أنها أسرار بين الله تعالى ورسوله ورموز لم يقصد بها إفهام غيره إذ يبعد الخطاب بما لا يفيد"(51).
ثانياً: أن النقلَ ـ مع عدم ثبوته ـ مختلفٌ عنهم:
فقد روي عن علي ( ت : 40 هـ ) رضي الله عنه أنه قال: " هو اسم من أسماء الله تعالى، فُرَّقِتْ حروفُه في السور"(52).
وروي عن ابن مسعود ( ت : 32 هـ ) رضي الله عنه أنه قال في (ألم): "حروفٌ اشْتُقَّتْ من حروف هجاء أسماء الله". وأنه قال فيها أيضاً: "هو اسم الله الأعظم"(53).
ثالثاً: أن أغلب نصوص كلامهم رضي الله عنهم تدلُّ على أن لهذه الأحرف سراً، وهذا لا خلاف فيه، فلها سرٌّ وحكمةٌ يعلمها الله تعالى:
- قال أبو بكر رضي الله عنه: " في كل كتاب سر وسر القرآن أوائل السور "(54).
- وقال علي رضي ( ت : 40 هـ ) الله عنه: " لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي"(55).
والتعبير بالسرِّ يشير إلى الحكمة والعلة أكثر مما يشير إلى المعنى، واستعمال العلماء يدل على ذلك ومن أمثلة ذلك:
- ما قاله ابن القيم ( ت: 751 هـ): " فلما أراد الله إكرامه بالشهادة ظهر تأثير ذلك الأثر الكامن من السُّمِّ، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، وظهر سرُّ قوله تعالى لأعدائه من اليهود: (أكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون ) [البقرة: 87] فجاء بلفظ: (كذبتم ) بالماضي الذي قد وَقَعَ منه وتحقَّقَ وجاء بلفظ: (تقتلون) بالمستقبل الذي يتوقعونه وينتظرونه والله أعلم"(56).
- وقال ابن عاشور ( ت : 1393هـ ) في قوله تعالى: "ما أفاده قوله: (فوقهم) فإن جميع الدواب تمشي على الأرض والطير كذلك فإذا طار الطائر انتقل إلى حالة عجيبة مخالفة لبقية المخلوقات وهي السير في الجوِّ بواسطة تحريك جناحيه وذلك سرُّ قوله تعالى: (يطير بجناحيه) [ الأنعام: 38 ] بعد قوله: (ولا طائر) في سورة الأنعام [الأنعام: 38 ] لقصد تصوير تلك الحالة"(57). واستعمالات العلماء كثيرة في هذا الباب.
وأما ما نقله السمرقنديُّ عن عمر وعثمان وابن مسعود ( ت : 32 هـ ) بلفظ واحد وهو: "الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يُفَسَّر ". فقد سبق ما يدل على ورود ما يخالفه عن علي ( ت : 40 هـ ) وابن مسعود ( ت : 32 هـ )، كما ورد مخالفة ذلك عن ابن عباس ( ت: 68 هـ) رضي الله عنهم أجمعين كما سيأتي، والقاعدة: أن تفاسير الصحابة رضي الله عنهم حجةٌ إذا اتفقوا، وأما إذا اختلفوا فلا يكون قول أحدهم حجة على الآخر وإنما يرجع إلى المرجحات(58). وقد وقع الاختلاف هنا في المنقول عنهم رضي الله عنهم، مع اختلاف القول عن آحادهم، فلا بد من الرجوع إلى المرجحات الخارجية.
القول الثاني: أنها مما تعلم دلالتها:
ونُقل هذا القول عن ابن عباس ( ت: 68 هـ) رضي الله عنهما، ومجاهد ( ت : 103 هـ )، والشعبي ( ت: 103 هـ )، وقتادة ( ت: 117 هـ )، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ( ت : 182 هـ )، وجمع كبير من العلماء(59). ونسبه ابن عطية ( ت: 541 هـ ) لجمهور العلماء وصَوَّبه(60).
ثم اختلف أصحاب هذا القول في تحديد معناها على أقوال كثيرة(61) يمكن جمعها في هذه الأنواع(62):
النوع الأول:
أقوال ترجعها إلى رموز اقتضبت من كلم أو جمل، فكانت أسراراً لها(63): ويندرج تحت هذا النوع أقوال منها:
1. أنها حروف مقتضبة من أسماء وصفات الله المفتتحة بحروف مماثلة لها، ومثالها: (ألم): ألف إشارة إلى أحد أو أول، واللام إشارة إلى اللطيف، والميم إلى ملك أو مجيد(64).
2. أنها رموز لأسماء الله وأسماء الرسول صلى الله عليه وسلم وأسماء الملائكة. فألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد.
3. أن كل حرف منها رمز إلى كلمة، فنحو (ألم): أنا الله أعلم، و(ألمر) : أنا الله أرى، و(ألمص)أنا الله أعلم وأفصل(65). روى ابن جرير ( ت : 310 هـ) عن ابن مسعود ( ت : 32 هـ ) وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (ألم) قال: "أما (ألم) فهو حروفٌ اشْتُقَّ من حروف هجاء أسماءِ الله"(66). وعن ابن عباس (ت: 68 هـ) في قوله (ألم) و (حم) و (ن) قال: "اسم مقطع"(67).
ويُعترض على هذه الأقوال الثلاثة بما يلي:
أ- أنها بحاجة إلى نقل صحيح، قال ابن العربي ( ت : 543هـ ): " فلو جاء خبر صحيح بأنه اسم من أسماء الله أو من أسماء السور أو القرآن لاخترناه واعتقدناه، وكما أنه لو جاءنا من طريق اللغة أن (يس) معناه: يا سيد، أو (طه) معناه: يا رجل... لسلمناه له"(68).
ب ـ أنها غير منضبطة، فلا يستطيع كل أحدٍ تأليف تلك الأسماء والكلمات، قال النيسابوري ( ت: بعد 850 هـ ): " لكنا لا نقدر على كيفية تركيبها في الجميع "(69).
4. أنها رموز لمدة دوام هذه الأمة بحساب الجُمَّل.
قال ابن جرير ( ت: 310 هـ ) بعد سياق هذا القول: " كرهنا ذكر الذي حُكي ذلك عنه، إذ كان الذي رواه ممن لا يُعْتَمَدُ على روايته ونقله"(70).
النوع الثاني:
أنها وضعت أسماء أو أفعالاً: ومن تلك الأقوال:
1. أنها أسماء السور(71).
2. أنها أسماء للقرآن اصطلح عليها(72).
قال قتادة ( ت: 117 هـ ) في قوله: (ألم): " اسمٌ من أسماء القرآن "(73).
3. أن كل حروف مركبة منها هي أسماء الله. فقد رُوي عن علي ( ت : 40 هـ ) رضي الله عنه أنه كان يقول: " يا (كهيعص) اغفر لي"(74).
والقاعدة في ثبوت الأسماء لله تعالى تُبطل هذا القول، فإن القاعدة أن أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة(75).
النوع الثالث:
أنها حروف هجاء مقصودة بأسمائها لأغراض داعية لذلك: وهذا هو القول الصحيح، وسيأتي الحديث في حِكم ذكرها بقطع النظر عن معناها.
المقام الثاني:
ما الحكمة من إيراد هذه الحروف في أوائل السور؟
وقد اختلف العلماء في حكمة ذلك مع قطع النظر عن معناها، إلى أقوال منها:
1. أنها بيان لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، مع كونه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها(76).
نقل هذا عن جمع من العلماء، وقرره الزمخشري ( ت : 538 هـ ) ونصره(77)، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ)(78)، والحافظ المزي ( ت : 742 هـ )(79)، وساق ابن كثير ( ت: 774 هـ ) عدداً من الآيات الدالة على هذا الوجه ثم قال: " وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر والله أعلم "(80)، ورجحه أيضاً الشيخ الأمين الشنقيطي (ت: 1393هـ)(81).
وقال ابن عاشور (ت: 1393هـ ): "خلص أن الأرجح من تلك الأقوال ثلاثة وهي: كون تلك الحروف لتبكيت المعاندين وتسجيلاً لعجزهم عن المعارضة، أو كونها أسماءً للسور الواقعة فيها، أو كونها أقساماً أقسم الله بها لتشريف قدر الكتابة وتنبيه العرب الأميين إلى فوائد الكتابة لإخراجهم من حالة الأمية. وأرجح هذه الأقوال الثلاثة هو أولها"(82).
2. ليعرف بها أوائل السور(83).
قال ابن كثير ( ت: 774 هـ ): " وهذا ضعيفٌ لأن الفصل حاصلٌ بدونها فيما لم تُذكر فيه، وفيما ذُكرتْ فيه: البسملةُ تلاوةً وكتابةً"(84).
3. أنها ذكرت في بداية السور لتفتح أسماع المشركين لاستماعها إذ تواصوا بالإعراض عن القرآن، حتى إذا استمعوا له؛ تلا عليهم المؤَلَّفَ منها(85).
قال ابن كثير ( ت: 774 هـ ): " وهو ضعيف أيضاً لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور، لا يكون في بعضها، بل غالبها ليبس كذلك، ولو كان كذلك لانبغى الابتداء بها في أوائل الكلام معهم سواء كان افتتاح سورة أو غير ذلك. ثم إن هذه السورة والتي تليها ـ أعني: البقرة وآل عمران ـ مدنيتان ليستا خطاباً للمشركين؛ فانتقض ما ذكوره بهذه الوجوه"(86).
4. أن الله أقسم بها تنويهاً بها لأن مسمياتها تألفت منها أسماء الله تعالى وأصول التخاطب والعلوم. كما أقسم الله بالقلم تنويهاً به(87).
قال ابن عباس ( ت: 68 هـ) في قوله: (طس) وقوله: (طس): " قسم أقسمه الله وهو من أسمائه "(88).
وقال عكرمة ( ت : 105 هـ ): "هو قسم"(89).
الراجح:
الذي يظهر والله أعلم أن هذه الأحرف المقطعة الواردة في القرآن، هي حروف الهجاء المعروفة عند العرب، ويُنطق عند القراءة بأسمائها، الدالة عليها، ولم يقع استنكار لها عند العرب، وهذه الحروف رموز مجردة لا معنى لها عند العرب، ولم يرد نقلٌ صحيح يدلُّ على أنها لها معانٍ عندهم، وأما نزولها في القرآن فله حكمة وسرٌّ كما حُكي ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وليست تلك الحِكَمُ والأسرار من قبيل بيان المعاني، فهي من باب ذكر الحِكَم، وهذا خارج عن حدِّ التفسير، فلا علاقة له بآية آل عمران، وعليه فإن تفسير هذه الأحرف لا دخل له في المتشابه، لما يلي:
1- أن الحديث في هذه الأحرف المقطعة ليس من قبيل تفسير المعنى، وإنما من باب ذكر حكمة ورودها في القرآن. وحديث آية آل عمران ليس في العلل وإنما في التأويل وهو إما المعنى أو حقيقة ما يؤول إليه الأمر، وكلا المعنيين غير واردين في هذه الأحرف.
2- أنه على القول بأنه لا يعلم سر ذكرها إلا الله تعالى، فإنها غير مختصة بذلك، فكثير من الأحكام هي من هذا القبيل، وهي ما يعبر عنه العلماء بأنها تعبدية، غير معقولة المعنى، ولم يقل أحدٌ من العلماء: إن الآيات التي ذكرت تلك العبادات من المتشابه. بل هي من المحكمات.
وكذلك فاختصاص كثير من الجمل في بعض السور دون غيرها وسر ترتيب الآيات في السور، كل ذلك مما له سرٌّ يعلمه الله تعالى، والله تعالى أعلم.
[align=center]الخميس 11 / 3 / 1431هـ[/align]
ــــــــ
الحواشي:
1. انظر: كشف الأسرار: ( 1 / 92 ).
2. هي أسماء للحروف التي تدل عليها. انظر شرح ذلك في الكشاف للزمخشري: ( 1 / 128 ).
3. السابق نفس الصفحة. فهي في الخط حروف وفي النطق أسماء. وسيأتي مزيد بيان لذلك قريباً.
4. ولها أكثر من جملة تضبطها، وأما مع التكرار فهي ثمانية وسبعون حرفاً. انظر ذلك في: البرهان للزركشي: (1/ 167 )، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: ( 27 ).
5. انظر: البرهان للزركشي: ( 1 / 167 )، والإتقان: ( 5 / 1827 ).
6. جامع البيان: ( 1 / 226 ).
7. التعريفات: ( 220 ). وانظر: تاج العروس: ( 39 / 123 ).
8. التعريفات للجرجاني: ( 220 ).
9. شفاء العليل: ( 319 ).
10. قواعد الأحكام: ( 1 / 28 ).
11. أصول السرخسي: ( 2 / 128 ).
12. الاستعمال هنا ظاهر جداً في إرادة العلة.
13. البحر المحيط: ( 5 / 24 ).
14. النكت والعيون: ( 1 / 370 ).
15. ومن تلك الأقوال الدالة على استعمال العلماء لكلمة (المعنى) مراداً بها العلة:
قول الرازي: "فثبت بهذا أن الوضوء غير معقول المعنى". تفسير الرازي: ( 11 / 158 ).
وقول البقاعي: " ولما كان من الأوامر ما هو معقول المعنى، ومنها ما هو تعبدي، وكان عقل المعنى يساعد على النفس في الحمل على امتثال الأمر ناسب اقتران الأمر به بالترغيب كما قال: (واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب) [البقرة: 196]". نظم الدرر: ( 3 / 135 ).
وقول السرخسي: " إنما نجوز استعمال الرأي عند معرفة معاني النصوص وإنما يكون هذا فيما يكون معقول المعنى، فأما فيما لا يعقل المعنى فيه فنحن لا نجوز إعمال الرأي لتعدية الحكم إلى ما لا نص فيه، وسيأتيك بيان هذا في شرط القياس" أصول السرخسي: ( 2 / 142 ).
وقوله أيضاً: "فعرفنا أنه متى كان النص معقول المعنى فإنه يجوز تعليله بذلك المعنى ليتعدى الحكم به إلى فرع". أصول السرخسي: (2/155).
16. الحرف عند النحاة غير الحرف الهجائي كما سيأتي في ص : ( 193 ).
17. الكتاب: ( 1 / 12 ).
18. أي: سيبويه.
19. قال في موطنٍ آخر تعليقاً على كلام سيبويه: "فميزه بقوله: (جاء لمعنى) عن حروف الهجاء مثل: ألف، با، تا. فإن هذه حروف هجاء". الرد على المنطقيين: ( 130 ).
20. مجموع الفتاوى: ( 17/ 420 ـ 421).
21. رواه الترمذي في سننه في فضائل القرآن: باب ما جاء في من قرأ حرفاً من القرآن ما له من الأجر: (1944) رقم (2910) وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، والبيهقي في شعب الإيمان: ( 3 / 371 ) رقم (1831)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح الترمذي: ( 3 / 9 ) رقم (2327).
22. الرد على المنطقيين: (1/ 129 ـ 130 ).
23. تحفة الأحوذي: ( 8 / 191 ).
24. انظر: النحو الوافي لعباس حسن: ( 1 / 13 ).
25. انظر: ضياء السالك إلى أوضح المسالك: ( 1 / 34 ). وقيل في التعريف: (الحرف كلمة تدل على معنى، في غيرها، فقط). انظر: الجنى الداني: ( 1 / 1 ).
26. انظر: النحو الوافي لعباس حسن: ( 1 / 66 )، والجنى الداني في حروف المعاني: ( 1 / 1 ). واختلفوا في عدد أحرف المعاني على أقوال: فقيل ثلاثة وسبعون حرفاً وقيل غير ذلك. انظر: الجنى الداني: ( 1 / 3 ).
27. رواه الترمذي في سننه في فضائل القرآن: باب ما جاء في من قرأ حرفاً من القرآن ما له من الأجر: (1944) رقم (2910) وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، والبيهقي في شعب الإيمان: ( 3 / 371 ) رقم (1831)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح الترمذي: ( 3 / 9 ) رقم (2327).
28. أي: حروف الهجاء.
29. مجموع الفتاوى: ( 12 / 103 ـ 104 ).
30. انظر: الرد على المنطقيين: (1/ 129 ـ 130 ).
31. قال ابن عاشور: " وهاته الفواتح قرآن لا محالة، ولكن اختلف في أنها آيات مستقلة، والأظهر أنها ليست بآيات مستقلة، بل هي أجزاء من الآيات الموالية لها على المختار من مذاهب جمهور القراء". التحرير والتنوير: (1/218).
32. انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور: ( 1 / 207 ـ 212 ) فقد قسم الأقوال الواردة في الحروف المقطعة إلى هذه الأنواع الثلاثة.
33. قال الشيخ ابن عثيمين: " وأصح الأقوال فيها القول الثاني: وهو أنها حروف هجائية ليس لها معنىً على الإطلاق؛ وهذا مروي عن مجاهد، وحجة هذا القول: أن القرآن نزل بلغة العرب، وهذه الحروف ليس لها معنىً في اللغة العربية... أما كونه تعالى اختار هذا الحرف دون غيره ورتبها هذا الترتيب فهذا ما لا علم لنا به. هذا بالنسبة لذات الحروف". ثم ذكر الحكمة منها. انظر: تفسير القرآن الكريم (الفاتحة والبقرة): ( 1 / 22 ).
34. قانون التأويل: ( 527 ـ 528، 531 ). وقال ابن عاشور: " وكيف يزعم زاعمٌ أنها واردة في معانٍ غير معروفة مع ثبوت تلقي السامعين لها بالتسليم من مؤمن ومعاند، ولولا أنهم فهموا منها معنى معروفاً دلتْ عليه القرائن لسأل السائلون وتورك المعاندون... وقد سألوا عن أوضح من هذا فقالوا: (وما الرحمن ) [الفرقان: 60]". التحرير والتنوير: ( 1 / 210 ).
35. فإذا ثبت أنها مما استأثر الله بعلمه فهي من المتشابه عند القائلين بأن المتشابه لا يعلمه إلا الله وهو المتشابه الكلي.
36. جامع البيان: ( 1 / 210 ). قال: " وقال بعضهم: لكلِّ كتاب سرٌّ، وسر القرآن فواتحه". ذَكَرَه بعد سياق أقوال المفسرين ثم أتبعه بأقوال أهل العربية. ولم يذكر عددٌ من المفسرين هذا القول في حكاية الأقوال ومن هؤلاء: الماوردي. ويلاحظ أنَّ التعبير بكونها سر القرآن لا يتطابق مع القول بأنها من المتشابه.
37. روي عنه رضي الله عنه أنه قال: "في كل كتاب سرٌّ، وسر القرآن أوائل السور": انظر: الكشف والبيان للثعلبي: (1 / 136)، وتفسير البغوي: ( 1 / 58 )، وزاد المسير لابن الجوزي: ( 37 )، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ( 1 / 172 )، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: ( 26 )، وتفسير الرزاي: (2/3)، والبحر المحيط لأبي حيان: ( 1 / 157 )، وروح المعاني للآلوسي: ( 1 / 100 )، واللباب لابن عادل: ( 1 / 253).
38. روي عنه رضي الله عنه أنه قال: " الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يُفَسَّر ". انظر: تفسير السمرقندي: (1/46) ونَقَلَ هذا النصَّ أيضاً عن عثمان وابن مسعود رضي الله عنهما، ونقله عنه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ( 1 / 172 )، وانظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير: ( 26).
39. انظر: تفسير السمرقندي: (1/46)، ونقله عنه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ( 1 / 172 )، وانظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير: ( 26 ).
40. روي عنه رضي الله عنه أنه قال: " لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي". انظر: الكشف والبيان للثعلبي: (1 / 136)، وتفسير البغوي: ( 1 / 58 )، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (1/172)، وتفسير القرآن العظيم: ( 26 )، وتفسير الرازي: ( 2 / 3 ).
41. انظر: تفسير السمرقندي: (1/46)، ونقله عنه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: (1/172).
42. قال داود بن أبي هند: كنت أسأل الشعبي عن فواتح السور فقال: يا داود إن لكل كتاب سراً وإن سر القرآن فواتح السور فدعها وسل عما سوى ذلك. أخرجه ابن المنذر وأبو الشيخ كما في الدر المنثور: ( 1 / 55 )، وانظر: تفسير السمرقندي: (1/46)، وزاد المسير لابن الجوزي: ( 37 )، وتفسير البغوي: ( 1 / 58 )، وروح المعاني: ( 1 / 100 )، واللباب لابن عادل: ( 1 / 253).
43. انظر: زاد المسير لابن الجوزي: ( 37 )، والمحرر الوجيز لابن عطية: ( 49 )، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ( 1 / 172 )، والبرهان للزركشي: ( 1 / 173 )، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: ( 26 )، والتحرير والتنوير لابن عاشور: ( 1 / 207 ).
44. انظر: الإحكام: ( 4 / 123 ـ 124 ). وقد خصص المتشابه بالحروف المقطعة، والأقسام التي في بدايات السور.
45. البحر المحيط: ( 1 / 158 ).
46. حيث قال: " فاعلم أن من تكلم في بيان معاني هذه الحروف جازماً بأن ذلك هو ما أراده الله عزّ وجل، فقد غلط أقبح الغلط، وركب في فهمه ودعواه أعظم الشطط، فإنه إن كان تفسيره لها بما فسرها به راجعاً إلى لغة العرب، وعلومها فهو كذب بحت، فإن العرب لم يتكلموا بشيء من ذلك، وإذا سمعه السامع منهم كان معدوداً عنده من الرَّطَانة، ولا ينافي ذلك أنهم قد يقتصرون على أحرف، أو حروف من الكلمة التي يريدون النطق بها، فإنهم لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن تقدمه ما يدل عليه، ويفيد معناه، بحيث لا يلتبس على سامعه كمثل ما تقدم ذكره. ومن هذا القبيل ما يقع منهم من الترخيم، وأين هذه الفواتح الواقعة في أوائل السور من هذا؟ وإذا تقرر لك أنه لا يمكن استفادة ما ادّعوه من لغة العرب، وعلومها لم يبق حينئذ إلا أحد أمرين:
الأوّل: التفسير بمحض الرأي الذي ورد النهي عنه، والوعيد عليه، وأهل العلم أحق الناس بتجنبه، والصدّ عنه، والتنكُّب عن طريقه، وهم أتقى لله سبحانه من أن يجعلوا كتاب الله سبحانه ملعبةً لهم يتلاعبون به، ويضعون حماقات أنظارهم، وخُزَعْبَلات أفكارهم عليه.
الثاني: التفسير بتوقيف عن صاحب الشرع، وهذا هو المهيع الواضح، والسبيل القويم، بل الجادة التي ما سواها مردوم، والطريقة العامرة التي ما عداها معدوم، فمن وجد شيئاً من هذا، فغير ملوم أن يقول بملء فيه، ويتكلم بما وصل إليه علمه، ومن لم يبلغه شيء من ذلك فليقل لا أدري، أو الله أعلم بمراده، فقد ثبت النهي عن طلب فهم المتشابه، ومحاولة الوقوف على علمه مع كونه ألفاظاً عربية، وتراكيب مفهومة، وقد جعل الله تتبع ذلك صنيع الذين في قلوبهم زيغ، فكيف بما نحن بصدده؟ فإنه ينبغي أن يقال فيه إنه متشابه المتشابه على فرض أن للفهم إليه سبيلاً، ولكلام العرب فيه مدخلاً، فكيف وهو خارج عن ذلك على كل تقدير... والذي أراه لنفسي ولكل من أحبّ السلامة واقتدى بسلف الأمة ألا يتكلم بشيء من ذلك، مع الاعتراف بأن في إنزالها حكمة لله عزّ وجل لا تبلغها عقولنا ولا تهتدي إليها أفهامنا، وإذا انتهيت إلى السلامة في مداك فلا تجاوزه ". فتح القدير: (53 ـ 54).
47. ولا تدخل عندهم في المتشابه على القول الآخر في وهو أنه مما يمكن معرفة معناه.
48. حيث نقل هذا القول عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما كما سبق في الحواشي.
49. حيث نقل هذا القول عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم كما سبق في الحواشي.
50. التحرير والتنوير: ( 1 / 207 ).
51. أسرار التنزيل بحاشية زادة: ( 1 / 70 )
52. تفسير السمرقندي: ( 1 / 46 ).
53. انظر الأثرين عن ابن مسعود رضي الله عنه في: الدر المنثور للسيوطي: ( 1/ 53 ).
54. سبق عزوه في الحاشية (37).
55. سبق عزوه في الحاشية (38).
56. زاد المعاد: ( 4 / 123 ).
57. التحرير والتنوير: ( 29 / 38 ).
58. انظر: فصول في أصول التفسير للطيار: ( 34 ).
59. انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ( 1 / 172 )، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: ( 26 ـ 27 ).
60. المحرر الوجيز: ( 49، 50 ).
61. انظرها إن شئت في: جامع البيان للطبري: ( 1 / 118 ـ 121 )، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: ( 26 ـ 27 )، والبرهان للزركشي: ( 1 / 173 )، والتحرير والتنوير لابن عاشور: ( 1 / 206 ـ 216 ).
62. ذكر هذه الأنواع ابن عاشور في التحرير والتنوير: ( 1 / 207 ).
63. انظر: جامع البيان: ( 1 / 209 ).
64. السابق نفس الصفحة.
65. انظر: جامع البيان: ( 1 / 208 )، وتفسير ابن أبي حاتم: ( 1 / 32 ) رقم ( 43 )، ومعاني القرآن للنحاس: (1/73)، والأسماء والصفات للبيهقي: ( 1 / 231 ) رقم (167)، والدر المنثور للسيوطي: ( 1/ 53 )، (3/67).
66. جامع البيان: ( 1 / 208 )، ورواه البيهقي في الأسماء والصفات: ( 1 / 231 ) رقم (168)، وابن أبي حاتم في تفسيره: ( 1 / 32 ) رقم ( 45 ).
67. رواه ابن جرير في جامع البيان: ( 1 / 208 )، وابن أبي حاتم في تفسيره: ( 1 / 32 ) رقم ( 48 )، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: ( 1 / 53 ) إلى ابن مردويه.
68. قانون التأويل: ( 530 ـ 531).
69. تفسير النيسابوري: ( 1 / 131 ).
70. جامع البيان: ( 1 / 208 ).
71. ذهب إلى هذا: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال الزمخشري: " وعليه إطباق الأكثر "، ونسب لسيبويه، انظر: الكشاف: ( 1 / 129 )، وانظر: جامع البيان لابن جرير: ( 1 / 205 ـ 206 )، والتحرير والتنوير: ( 1 / 211 )، واختاره الفخر الرازي في تفسيره: ( 2 / 9 )، وقال الآلوسي: " وقد كثر الكلام في شأن أوائل السور والذي أطبق عليه الأكثر وهو مذهب سيبويه وغيره من المتقدمين أنها أسماء لها وسميت بها إشعاراً بأنها كلمات معروفة التركيب فلو لم تكن وحياً من الله تعالى لم تتساقط مقدرتهم دون معارضتها". ثم ذكر الاعتراضات على هذا القول. انظر روح المعاني: ( 1 / 99 ).
72. نُقل عن الكلبي والسدي وقتادة. انظر: التحرير والتنوير: ( 1 / 211 ).
73. رواه ابن جرير في تفسيره: ( 1 / 204 )، وابن أبي حاتم في تفسيره: ( 1 / 33 ) رقم (50)، والنحاس في معاني القرآن: ( 1 / 75 ). وانظر: الدر المنثور: ( 1 / 53 ).
وروي مثله عن مجاهد: رواه ابن جرير في نفس الموضع السابق، وابن أبي حاتم في تفسيره أيضاً: (1/33) رقم (50)، والنحاس في معاني القرآن: ( 1 / 75).
وروي مثله عن ابن جريج: رواه ابن جرير في الموضع السابق.
74. رواه الدارمي في في الرد على بشر المريسي: ( 20 / 14 ) رقم ( 14 )، ورواه ابن جرير في تفسيره: ( 15 / 451 )، قال البيضاوي: " ولعله أراد يا منزلهما ". أسرار التنزيل: ( 1 / 70 ). وقال ابن عطية: "فهذا يحتمل أن تكون الجملة من أسماء الله تعالى، ويحتمل أن يريد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينادي الله تعالى بجميع الأسماء التي تضمنها: (كهيعص) كأنه أراد أن يقول: ( يا كريم يا هادي يا عليّ يا عزيز يا صادق ) اغفر، فجمع هذا كله باختصار في قوله يا (كهيعص) ". المحرر الوجيز: (1218).
75. انظر: القواعد المثلى لابن عثيمين: ( 13 ).
76. حكاه الرازي عن المبرد وجمع من المحققين. انظر: تفسير الرازي: ( 2 / 7 )، وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا. انظر: الجامع لأحكام القرآن: ( 1 / 173 )، وقال عنه الثعلبي: "أحسن الأقاويل فيه وأمتنها". الكشف والبيان: ( 1 / 137 ).
77. الكشاف: ( 1 / 136 ـ 137 ).
78. نقل ذلك عنه ابن كثير في تفسيره: ( 27 ).
79. نقل ذلك عنه ابن كثير في تفسيره: ( 27 ).
80. انظر: تفسير القرآن العظيم: ( 27 ).
81. أضواء البيان: ( 3 / 5 ).
82. التحرير والتنوير: ( 1 / 216 ).
83. انظر: جامع البيان: ( 1 / 212 ـ 213 )، والمحرر الوجيز: ( 49 ).
84. تفسير القرآن العظيم: ( 27 ).
85. انظر: جامع البيان: ( 1 / 212 )، والمحرر الوجيز: ( 50 )، وزاد المسير: ( 38 )، وفتح القدير: ( 52 ).
86. تفسير القرآن العظيم: ( 27 ).
87. نُقل عن الأخفش. انظر: التحرير والتنوير: ( 1 / 212 ).
88. رواه ابن جرير في جامع البيان: ( 1 / 207 ) و ( 17 / 542 ) و ( 18 / 5 )، وابن أبي حاتم في تفسيره: (8 / 2747 ) رقم ( 15517 ) وفي: ( 9 / 2838 ) رقم ( 16086 ) وفي: ( 9 / 2938 ) رقم (16661 )، والنحاس في معاني القرآن: ( 1/74)، والبيهقي في الأسماء والصفات: ( 1 / 229 ) رقم (163)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: ( 1 / 53 ) إلى ابن المنذر أيضاً.
89. رواه ابن جرير في جامع البيان: ( 1 / 207 )، وابن أبي حاتم في تفسيره: ( 1 / 33 ) رقم (52).
فإن من المسائل التي يبحثها العلماء داخل علم المحكم والمتشابه مسألة (الحروف المقطعة)، تحت أي النوعين تُدرج؟، هل هي من المحكم ، أو من المتشابه؟، وإن كانت من المتشابه، فأي نوعي المتشابه هو المقصود: المتشابه الكلي الذي استأثر الله ـ تعالى ـ بعلمه، أو المتشابه النسبي الذي يعلمه العلماء دون غيرهم.
وقد أحببت المشاركة في هذا الموضوع بهذا البحث المختصر، أسأل الله تعالى التوفيق والسداد ..
مسألة: هل الحروف المقطعة من المتشابه:
مقدمة:
الحروف المقطعة: هي التي يجب أن يُقْطَعَ كلُّ حرفٍ منها عن الباقي في التكلم، بأن يؤتى باسمِ كُلٍّ منها على هيئته، فتقول: ألف لام ميم، بخلاف قولك: أَلَمْ، فإنه يجب أن يوصل بعضها ببعض ليفيد المعنى(1).
وهذه الألفاظ وإن كانت أسماءً حقيقة(2) لكنها تسمى حروفاً باعتبار مدلولاتها تجوزاً(3).
وقد ورد في القرآن أربعة عشر حرفاً مقطعاً ـ مع حذف المكرر ـ يجمعها قولك: (نص حكيم قاطع له سر)(4). ووقع الافتتاح بالأحرف المقطعة في تسعٍ وعشرين سورة(5).
ولم تكن العرب تفتتح كلامها بمثل هذه الحروف المقطعة، قال ابن جرير الطبري ( ت: 310 هـ ): "فإنه معلومٌ منها أنها لم تكن تبتدئُ شيئاً من كلامها بـ ( ألم ) و (ألمر) و(ألمص) "(6).
وقد وقع الخلاف بين العلماء في هذه الأحرف المقطعة هل هي من المتشابه أو لا، ويعبر بعضهم بهل لها معنىً أو لا ؟.
وقبل الحديث عن هذه المسألة ينبغي التنبيه إلى أربع قضايا مهمة وهي:
أولاً: وقوع الاشتراك في لفظ ( المعنى ) عند العلماء:
فإنه قد وقع اشتراكٌ في مصطلح ( المعنى ) بين أهل اللغة، وبين كثيرٍ من العلماء حين يقولون: (حكم معقول المعنى) أو (غير معقول المعنى).
فأما أهل اللغة فإنهم يريدون بـ (المعنى) الصورة الذهنية لِلَّفْظِ:
قال الجرجاني (ت:816هـ) في تعريف المعاني: "هي الصورة الذهنية من حيث إنه وضع بإزائها الألفاظ والصور الحاصلة في العقل"(7). وقال: " المعنى: ما يقصد بشيء"(8).
وهنا يُعبِّر أهل اللغة بقولهم (معنى هذه الكلمة هو كذا) كما يقولون مثلاً: ( معنى الصلاة هو الدعاء).
وأما عند من يُعبِّر بقوله (حكم معقول المعنى) فإنه يريد بـ (المعنى): العلةَ أو الحكمةَ، وهذا الاستعمال شائعٌ في كلام العلماء رحمهم الله تعالى، ومن أمثلة ذلك الاستعمال:
- ما قاله ابن القيم ( ت: 751 هـ): " أنه سبحانه حكيم لا يفعل شيئاً عبثاً ولا لغير معنىً ومصلحةٍ وحكمةٍ هي الغايةُ المقصودةُ بالفعل، بل أفعاله سبحانه صادرةً عن حكمةٍ بالغة لأجْلها فَعَل، كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل. وقد دلَّ كلامه وكلامُ رسوله على هذا وهذا في مواضعَ لا تكادُ تُحصى، ولا سبيلَ إلى استيعابِ أفرادها فنذكر بعض أنواعها"(9).
فهو لا يريد بالمعنى: ما تعارف عليه أهل اللغة، بل مراده ما يقصده بعض الأصوليين من هذه الكلمة، وهو العلة أو الحكمة التي شُرع لأجلها الحكم أو أنزلت لأجلها الآية.
- وقد أوضح العزُّ بنُ عبد السلام ( ت: 660 هـ) مرادَ العلماءِ بقولهم (معقول المعنى) بقوله:
"فصلٌ: فيما عُرفت حكمته من المشروعات، وما لم تُعرف حكمته:
المشروعات ضربان:
أحدهما: ما ظهر لنا أنه جالبٌ لمصلحةٌ أو دارئٌ لمفسدة، أو جالبٌ دارئٌ لمفسدة، أو جالبٌ دارئٌ لمصلحة، ويعبر عنه بأنه معقولُ المعنى.
الضرب الثاني: ما لم يظهر لنا جلبُه لمصلحةٍ أو درؤُه لمفسدةٍ، ويعبر عنه بالتعبد"(10).
- ومن ذلك الاستعمال أيضاً قولُ السرخسي ( ت: 490 هـ ): "واستنباط المعنى من النصوص بالرأي: إما أن يكون مطلوباً لتعديةِ حكمِه إلى نظائرِه وهو عينُ القياس، أو ليحصل به طمأنينةُ القلب. وطمأنينةُ القلب إنما تحصل بالوقوف على المعنى الذي لأجله ثبت الحكم في المنصوص"(11).
ومن المعلوم أن المعنى الذي ثبت الحكمُ لأجله في المنصوص هو: العلة. ويدل على ذلك أيضاً أن حديثه هذا عن القياس.
- ومما يدل على إطلاق المعاني على العلل ما قاله الزركشي (ت: 794هـ): " قال: الاستنباط مختص بإخراج المعاني من ألفاظ النصوص... فقد جعل الله للأحكام أعلاماً من الأسماء والمعاني بالألفاظ الظاهرة، والمعاني عللٌ باطنةٌ، فيكون بالاسم مقصوراً عليه، وبالمعنى متعدياً، فصار معنى الاسم(12) أخص بالحكم من الاسم، فعموم المعنى بالتعدي، وخصوص الاسم بالتوقيف، وإن كانت تابعة للأسماء، لأنها مشروعة فيها، فالأسماء تابعة لمعانيها لتعديها إلى غيرها"(13).
- قال الماوردي (ت: 450 هـ): "ويحتمل ثامناً: أن المحكم ما كانت معاني أحكامه معقولة، والمتشابه ما كانت معاني أحكامه غير معقولة، كأعداد الصلوات، واختصاص الصيام بشهر رمضان دون شعبان"(14).
ومراده أن المحكم معلوم العلة، ولم يُرِدْ أنه مفهوم المعنى اللغوي، بدليل تمثيله لغير معقول المعنى بأعداد الصلوات، فإنه لا تُعلم حكمة اختصاصها، كسبب الاقتصار على الركعتين في الفجر والأربع في الظهر والعصر.. وهلم جرا، فإن العلماء يتوقفون عند حكمة ذلك ويكلونها إلى الله تعالى فهي إذن غير معقولة المعنى(15).
إذا ثبت ذلك فهل مراد الذين يقولون: (إن الأحرفَ المقطعةَ ليس لها معنى): أنه لا يوجد في الذهن تصورٌ لمعناها، أو أنهم يريدون أننا لا نصل إلى حكمتها ومراد الله تعالى منها، فهي غير معقولة المعنى؟.
وسيتضح الجواب على هذا السؤال باستكمال تأمل القضايا الثلاث المتبقية .
ثانياً: النظر في أصل الحرف عند العرب، هل له معنى أو أنه وضع لغير معنى:
فإن كلمة (حرف): اسمٌ له مدلول عند العرب الذين شهدوا التنزيل، وله معنى غير معناه عند النحاة.
فهو عند العرب: يشمل الاسم، والفعل، والحرف الاصطلاحي عند أهل النحو، كما يشمل حروف الهجاء(16).
قال شيخ الإسلام: "والحرف في لغة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتناول الذي يسميه النحاة اسماً وفعلاً وحرفاً؛ ولهذا قال سيبوبه في تقسيم الكلام: (اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، ليس باسم ولا فعل)(17). فإنه لما كان معروفاً من اللغة أن الاسم حرف، والفعل حرف؛ خَصَّ(18) هذا القسمَ الثالثَ ـ الذي يطلق النحاةُ عليه الحرفَ ـ أنه جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل، وهذه حروف المعاني التي يتألف منها الكلام(19).
وأما حروف الهجاء فتلك إنما تكتب على صورة الحرف المجرد وينطق بها غير مُعْرَبَةٍ ولا يقال فيها معرب ولا مبني؛ لأن ذلك إنما يقال في المؤلَّف"(20).
وقال: " وأما تسمية الاسمِ وحده كلمة، والفعلِ وحده كلمة، والحرفِ وحده كلمة، مثل (هل) و (بل): فهذا اصطلاحٌ محضٌ لبعض النحاة، ليس هذا من لغة العرب أصلاً. وإنما تسمي العربُ هذه المفردات حروفاً، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ القران فله بكل حرف عشر حسنات أما أني لا أقول (ألم) حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)(21) "(22).
وقال المباركفوري (ت: 1353 هـ ): " والحرف يطلق على حرف الهجاء، والمعاني، والجملة المفيدة، والكلمة المختلف في قراءتها، وعلى مطلق الكلمة"(23).
وأما أحرف الهجاء المعروفة: فهي إحدى المعاني التي يدلُّ عليها اسم (الحرف) عند العرب: وكل واحد منها رمزٌ مجردٌ، لا يدلُّ إلا على نفسه، ما دام مستقلاً لا يتصل بحرف آخر(24).
فهي رموز لا تدل على معانٍ، وإنما تدل فقط على نفسها، بخلاف من ادعى ثبوت معانٍ لها عند العرب.
وأما الحرف عند أهل النحو فهو: كلمة لا تدل على معنى في نفسها، وتدلُّ على معنى في غيرها إذا ضُمَّ إليها، ولا تدلُّ على زمنٍ ما(25).
وهذه الحروف عند النحاة تُسمَّى (أدوات الربط)؛ لأن الكلمة إما أن تدلَّ على ذات، وإما أن تدلَّ على معنى مجرد ـ أي: حدث ـ، وإما أن تربط بين الذات والمعنى المجرد منها. فالاسم يدل على الذات، والفعل يدلُّ على المعنى المجرد منها، والحرف هو الرابط.
وهذا الحرف النحوي يختلف اختلافاً كاملاً عن ( الحرف الهجائي ) الذي تُبنى منه صيغة الكلمة؛ كالباء، والتاء، والجيم، وغيرها من سائر الحروف الهجائية، وتسمى هذه الأحرف الهجائية أحرفَ البناء، وأما النحوية فهي أحرف المعاني(26).
إذا عُلِمَ ذلك فإن هذه الأحرف المقطعة في سور القرآن ليست هي الحروف النحوية، بل هي الحروف الهجائية، التي يتكون منها الكلم، وهي داخلة في معنى الحرف عند العرب الذين نزل عليهم القرآن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، ولكن ألف حرفٌ، ولام حرفٌ، وميم حرفٌ"(27).
إذا ثبت ما سبق فهل المراد من نطقها: الحرفُ نفسه المدلول عليه باسمه، أو المراد اسم الحرف.
وتوضيح ذلك: هل المراد عند قراءة: (ألم) فتقول: (ألف لام ميم ) أنك تقصد هذه الأسماء فكأنك تقول: أنا أنطق باسم الحرف (أ) وباسم الحرف (ل) وباسم الحرف (م)، أو أن المراد من النطق أصلاً هو هذه الحروف وإنما نُطق بأسمائها ؟.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ): "فهنا لم يرد النبي بالحرف نفس المداد وشكل المداد وإنما أراد الحرف المنطوق وفى مراده بالحرف قولان:
قيل: هذا اللفظ المفرد(28).
وقيل: أراد صلى الله عليه وسلم بالحرفِ الاسمَ كما قال: (ألف حرف ولام حرف وميم حرف). ولفظ الحرف والكلمة له في لغة العرب التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بها معنى، وله في اصطلاح النحاة معنى "(29).
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن المراد هو هذه الألفاظ المفردة ـ أي: الحروف الهجائية ـ لا أسماؤها لدليلين:
1- الرسم القرآني، فإنهم كتبوا هذه الحروف على شكل الحرف لا على شكل اسمه، ويتضح ذلك من كتابة حرف (ن) في القرآن، فإنهم لما أرادوا حرف النون كما في سورة القلم كتبوا (ن) كما في قوله تعالى: (ن والقلم وما يسطرون) [القلم: 1 ] وعندما أرادوا الاسم كتبوا (نون) على صيغة الاسم كما في قوله تعالى: (وذا النون) [الأنبياء: 87].
2- الأجر المترتب على قراءة هذه الأحرف فإن النبي صلى الله عليه وسلم رتَّب على قراءة (ألم) ثلاثين حسنة، لأنها أحرف ثلاثة، ولو كان المراد أسماء الحروف لكان عدد الحسنات المترتبة تسعين حسنة؛ لأن عدد حروف أسمائها تسعة حروف.
ثالثاً: التفريق بين الحرف وبين الاسم الدال عليه:
فإن للحرف الهجائي اسماً يدل عليه، فاسم (لام) يدل على الحرف (ل) الذي هو أول وآخر كلمة (ليل)، كما تدل الأسماء في اللغة على مسمياتها، ولذا ورد عن الخليل بن أحمد الفراهيدي أنه أوضح هذا المعنى لطلابه حين سألهم كيف ينطقون بالزاء من زيد فقالوا: (زا) فقال: نطقتم بالاسم وإنما الحرف: (زه)(30).
فكل لفظٍ مجردٍ من حروف الهجاء له اسم يدلُّ عليه، ودلالة هذه الأسماء على مسمياتها معروفة عند العرب، ظاهرة لهم، فهم لا يختلفون في دلالة اسم ( ميم ) على الحرف الأول من قولك (ملك) مثلاً.
رابعاً: التفريق بين المنطوق والمكتوب:
فإن الحروف الهجائية تُكتب في القرآن على هيئتها مجردة، وتُنطق بأسمائها، وتوضيح ذلك:
المكتوب = المنطوق
ألم = ألف لام ميم
ألمر = ألف لام ميم راء
ق = قاف
وهكذا فإن المنطوق هو اسم الحرف لا ذات الحرف، كما سبق عن الخليل، وليس المراد في خلاف العلماء في معنى الأحرف المقطعة؛ ما يُنطقُ، فإنه دالٌّ عند العرب على المسمى وهو الأحرف المجردة، وهي المكتوبة في المصحف، وأما المكتوب وهو حروف الهجاء المجردة، فإنها رموز لا معاني لها، إلا إذا انضمت إلى غيرها، فتكون منها الكلام، والجمل، وإنما وقع الخلاف بين العلماء في السرٍّ الذي لأجله وردتْ في القرآن.
إذا عُلِمت هذه القضايا وانضم إليها القول الصحيح وهو أن القرآن كلّه معلومُ المعنى، وأنه لا يوجد فيه كلمةٌ لا يفهم معناها جميعُ المخاطَبين.
فإن هذه الأحرف المقطعة هي من القرآن قطعاً(31)، ومعنى أسمائها المنطوقةِ ظاهرٌ لا خفاء فيه، إذ هي أسماء الحروف الهجائية المعروفة عند العرب، فألف: اسم للحرف المعروف، وكذا اللام والميم، وغيرها من الحروف، ولم يستنكرها أحد ممن نزل عليهم القرآن، وإنما وقع الخلاف بين العلماء في علة ذكرها في القرآن، وهل لها دلالة غير معناها الظاهر؟.
ومما يدل على ذلك أن الأقوال التي ذكرت معانيها على أنواع:
- أن تكون رموزاً اقتضبت من كلم أو جمل.
- أنها حروف جعلت أسماء وأفعالاً.
- أنها بمعنى الحروف وإنما جيء به لحكم عديدة(32).
فلا يصح أن يقال: إن المنطوق مجهول المعنى بحيث لا يفهم العرب هذه الحروف من تلك الأسماء، وإنما وقع الخلاف في دلالتها وعلة ذكرها في القرآن(33).
قال ابن العربي ( ت : 543هـ ): " أن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الخلق بمعجز تحدى به العرب خاصّة وهو القرآن، واستفتح بعض سوره بهذه الحروف المقطعة، والعرب قد شنفت له، وقومه جراءة عليه، يرقبون منه زلةً، ويتربصون به سقطة، فلو كانتْ هذه الحروف سالكةً سبيل الإشكال غير داخلة في فنٍّ من فنون فصاحتهم، لا تهتدي إليها معارفهم، ما تركوه أن ينتقل عنها شبراً حتى يحدث لهم فيه ذكراً، ويظهر إليهم بها علماً، وقد قال للمبتدئين منهم بالإذاية، المشتهرين بالكناية، المستهزئين لكل دليل وآية: (ص والقرآن ذي الذكر ) [ص: 1] (حم تنزيل من الرحمن الرحيم ) [فصلت: 1 ـ 2]، والأندية حافلة بالأعادِ، والنفوس متشوقة إلى عثرةٍ من الحُسَّادِ، فأذعنوا لفصاحة القول باتفاق، ولم يقولوا: هذا اختلاط، بل قالوا: هذا اختلاق... فنقول: لما رأينا العرب الأعادي والأولياء والشادين والعلماء لم يقدحوا فيه ولا مالوا عنه قطعنا على أنه كان مفهوماً عندهم جارياً على سبيل العربية"(34).
إذا ثبت أن معاني أسماء هذه الحروف معلومة للمخاطبين، فإنها لا تكون من المتشابه من حيث معناها في لغة العرب، فهي معلومة لدى الجميع.
وأما ما وراء ذلك من الأسرار والحِكَمِ مِنْ ذِكْرِها وما تدل عليه فقد اختلف العلماء في ذلك.
بيان الخلاف في المسألة:
بعد ما تقدم فإن العلماء قد ذكروا الخلاف في هذه الأحرف المقطعة في مقامين:
المقام الأول:
هل هي مما استأثر الله بعلمه، أو لا(35)؟.
ويمكن تلخيص ذلك الخلاف كما يلي:
القول الأول: أنها مما استأثر الله بعلمه:
والمعنى: أنه لا يعلم أحدٌ سِرَّ ذكرِها في القرآن، فرَدُّوا عِلْمَها إلى الله تعالى، وقالوا: هي سِرُّ الله في القرآن، ولله في كل كتاب من كتبه سِرٌّ، وهي من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه.
ذَكَرَ هذا القول ابنُ جرير الطبري ( ت: 310 هـ ) ولم ينسبه إلى أحد، وجعله آخر أقوال المفسرين في تفسير الحروف المقطعة، ولم يُعلق عليه(36).
ونَقَلَ بعضُ المفسرين هذا القول عن أبي بكر(37) ، وعمر(38)، وعثمان(39)، وعلي(40)، وابن مسعود ( ت : 32 هـ )(41) رضي الله عنهم.
ونقل أيضاً عن عامر الشعبي ( ت: 103 هـ )(42)، وسفيان الثوري، والربيع بن خثيم، وجماعة من المحدثين، واختاره أبو حاتم بن حبان(43)، وابن حزم(44).
وقال أبو حيان: "والذي أذهبُ إليه: أن هذه الحروف التي في فواتح السور هو المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، وسائر كلامه تعالى محكم "(45)، ومال إليه الشوكاني ( ت : 1251 هـ)(46).
وعلى هذا القول تكون علة ذكر هذه الأحرف من المتشابه على القول بأن المتشابه هو ما استأثر الله بعلمه(47).
التعليق على هذا القول:
أولاً: أن النقل عن الخلفاء الأربعة وابن مسعود ( ت : 32 هـ ) رضي الله عنهم غيرُ ثابتٍ، ولعل أول من نقل ذلك عنهم الثعلبيُّ (48)، والسمرقنديُّ (49)، ولم يرتض عددٌ من العلماء هذا النقل:
قال ابنُ عاشور (ت: 1393هـ ): " ونُسب هذا إلى الخلفاء الأربعة في روايات ضعيفة"(50).
ولم أجد هذه الأقوال منسوبة إليهم بسند صحيح، ولم يوردها السيوطيُّ ( ت: 911 هـ ) في الدر المنثور. وقال البيضاوي: "وقيل: إنه سر استأثره الله بعلمه وقد روي عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة ما يقرب منه، ولعلهم أرادوا أنها أسرار بين الله تعالى ورسوله ورموز لم يقصد بها إفهام غيره إذ يبعد الخطاب بما لا يفيد"(51).
ثانياً: أن النقلَ ـ مع عدم ثبوته ـ مختلفٌ عنهم:
فقد روي عن علي ( ت : 40 هـ ) رضي الله عنه أنه قال: " هو اسم من أسماء الله تعالى، فُرَّقِتْ حروفُه في السور"(52).
وروي عن ابن مسعود ( ت : 32 هـ ) رضي الله عنه أنه قال في (ألم): "حروفٌ اشْتُقَّتْ من حروف هجاء أسماء الله". وأنه قال فيها أيضاً: "هو اسم الله الأعظم"(53).
ثالثاً: أن أغلب نصوص كلامهم رضي الله عنهم تدلُّ على أن لهذه الأحرف سراً، وهذا لا خلاف فيه، فلها سرٌّ وحكمةٌ يعلمها الله تعالى:
- قال أبو بكر رضي الله عنه: " في كل كتاب سر وسر القرآن أوائل السور "(54).
- وقال علي رضي ( ت : 40 هـ ) الله عنه: " لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي"(55).
والتعبير بالسرِّ يشير إلى الحكمة والعلة أكثر مما يشير إلى المعنى، واستعمال العلماء يدل على ذلك ومن أمثلة ذلك:
- ما قاله ابن القيم ( ت: 751 هـ): " فلما أراد الله إكرامه بالشهادة ظهر تأثير ذلك الأثر الكامن من السُّمِّ، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، وظهر سرُّ قوله تعالى لأعدائه من اليهود: (أكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون ) [البقرة: 87] فجاء بلفظ: (كذبتم ) بالماضي الذي قد وَقَعَ منه وتحقَّقَ وجاء بلفظ: (تقتلون) بالمستقبل الذي يتوقعونه وينتظرونه والله أعلم"(56).
- وقال ابن عاشور ( ت : 1393هـ ) في قوله تعالى: "ما أفاده قوله: (فوقهم) فإن جميع الدواب تمشي على الأرض والطير كذلك فإذا طار الطائر انتقل إلى حالة عجيبة مخالفة لبقية المخلوقات وهي السير في الجوِّ بواسطة تحريك جناحيه وذلك سرُّ قوله تعالى: (يطير بجناحيه) [ الأنعام: 38 ] بعد قوله: (ولا طائر) في سورة الأنعام [الأنعام: 38 ] لقصد تصوير تلك الحالة"(57). واستعمالات العلماء كثيرة في هذا الباب.
وأما ما نقله السمرقنديُّ عن عمر وعثمان وابن مسعود ( ت : 32 هـ ) بلفظ واحد وهو: "الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يُفَسَّر ". فقد سبق ما يدل على ورود ما يخالفه عن علي ( ت : 40 هـ ) وابن مسعود ( ت : 32 هـ )، كما ورد مخالفة ذلك عن ابن عباس ( ت: 68 هـ) رضي الله عنهم أجمعين كما سيأتي، والقاعدة: أن تفاسير الصحابة رضي الله عنهم حجةٌ إذا اتفقوا، وأما إذا اختلفوا فلا يكون قول أحدهم حجة على الآخر وإنما يرجع إلى المرجحات(58). وقد وقع الاختلاف هنا في المنقول عنهم رضي الله عنهم، مع اختلاف القول عن آحادهم، فلا بد من الرجوع إلى المرجحات الخارجية.
القول الثاني: أنها مما تعلم دلالتها:
ونُقل هذا القول عن ابن عباس ( ت: 68 هـ) رضي الله عنهما، ومجاهد ( ت : 103 هـ )، والشعبي ( ت: 103 هـ )، وقتادة ( ت: 117 هـ )، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ( ت : 182 هـ )، وجمع كبير من العلماء(59). ونسبه ابن عطية ( ت: 541 هـ ) لجمهور العلماء وصَوَّبه(60).
ثم اختلف أصحاب هذا القول في تحديد معناها على أقوال كثيرة(61) يمكن جمعها في هذه الأنواع(62):
النوع الأول:
أقوال ترجعها إلى رموز اقتضبت من كلم أو جمل، فكانت أسراراً لها(63): ويندرج تحت هذا النوع أقوال منها:
1. أنها حروف مقتضبة من أسماء وصفات الله المفتتحة بحروف مماثلة لها، ومثالها: (ألم): ألف إشارة إلى أحد أو أول، واللام إشارة إلى اللطيف، والميم إلى ملك أو مجيد(64).
2. أنها رموز لأسماء الله وأسماء الرسول صلى الله عليه وسلم وأسماء الملائكة. فألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد.
3. أن كل حرف منها رمز إلى كلمة، فنحو (ألم): أنا الله أعلم، و(ألمر) : أنا الله أرى، و(ألمص)أنا الله أعلم وأفصل(65). روى ابن جرير ( ت : 310 هـ) عن ابن مسعود ( ت : 32 هـ ) وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (ألم) قال: "أما (ألم) فهو حروفٌ اشْتُقَّ من حروف هجاء أسماءِ الله"(66). وعن ابن عباس (ت: 68 هـ) في قوله (ألم) و (حم) و (ن) قال: "اسم مقطع"(67).
ويُعترض على هذه الأقوال الثلاثة بما يلي:
أ- أنها بحاجة إلى نقل صحيح، قال ابن العربي ( ت : 543هـ ): " فلو جاء خبر صحيح بأنه اسم من أسماء الله أو من أسماء السور أو القرآن لاخترناه واعتقدناه، وكما أنه لو جاءنا من طريق اللغة أن (يس) معناه: يا سيد، أو (طه) معناه: يا رجل... لسلمناه له"(68).
ب ـ أنها غير منضبطة، فلا يستطيع كل أحدٍ تأليف تلك الأسماء والكلمات، قال النيسابوري ( ت: بعد 850 هـ ): " لكنا لا نقدر على كيفية تركيبها في الجميع "(69).
4. أنها رموز لمدة دوام هذه الأمة بحساب الجُمَّل.
قال ابن جرير ( ت: 310 هـ ) بعد سياق هذا القول: " كرهنا ذكر الذي حُكي ذلك عنه، إذ كان الذي رواه ممن لا يُعْتَمَدُ على روايته ونقله"(70).
النوع الثاني:
أنها وضعت أسماء أو أفعالاً: ومن تلك الأقوال:
1. أنها أسماء السور(71).
2. أنها أسماء للقرآن اصطلح عليها(72).
قال قتادة ( ت: 117 هـ ) في قوله: (ألم): " اسمٌ من أسماء القرآن "(73).
3. أن كل حروف مركبة منها هي أسماء الله. فقد رُوي عن علي ( ت : 40 هـ ) رضي الله عنه أنه كان يقول: " يا (كهيعص) اغفر لي"(74).
والقاعدة في ثبوت الأسماء لله تعالى تُبطل هذا القول، فإن القاعدة أن أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة(75).
النوع الثالث:
أنها حروف هجاء مقصودة بأسمائها لأغراض داعية لذلك: وهذا هو القول الصحيح، وسيأتي الحديث في حِكم ذكرها بقطع النظر عن معناها.
المقام الثاني:
ما الحكمة من إيراد هذه الحروف في أوائل السور؟
وقد اختلف العلماء في حكمة ذلك مع قطع النظر عن معناها، إلى أقوال منها:
1. أنها بيان لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، مع كونه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها(76).
نقل هذا عن جمع من العلماء، وقرره الزمخشري ( ت : 538 هـ ) ونصره(77)، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ)(78)، والحافظ المزي ( ت : 742 هـ )(79)، وساق ابن كثير ( ت: 774 هـ ) عدداً من الآيات الدالة على هذا الوجه ثم قال: " وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر والله أعلم "(80)، ورجحه أيضاً الشيخ الأمين الشنقيطي (ت: 1393هـ)(81).
وقال ابن عاشور (ت: 1393هـ ): "خلص أن الأرجح من تلك الأقوال ثلاثة وهي: كون تلك الحروف لتبكيت المعاندين وتسجيلاً لعجزهم عن المعارضة، أو كونها أسماءً للسور الواقعة فيها، أو كونها أقساماً أقسم الله بها لتشريف قدر الكتابة وتنبيه العرب الأميين إلى فوائد الكتابة لإخراجهم من حالة الأمية. وأرجح هذه الأقوال الثلاثة هو أولها"(82).
2. ليعرف بها أوائل السور(83).
قال ابن كثير ( ت: 774 هـ ): " وهذا ضعيفٌ لأن الفصل حاصلٌ بدونها فيما لم تُذكر فيه، وفيما ذُكرتْ فيه: البسملةُ تلاوةً وكتابةً"(84).
3. أنها ذكرت في بداية السور لتفتح أسماع المشركين لاستماعها إذ تواصوا بالإعراض عن القرآن، حتى إذا استمعوا له؛ تلا عليهم المؤَلَّفَ منها(85).
قال ابن كثير ( ت: 774 هـ ): " وهو ضعيف أيضاً لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور، لا يكون في بعضها، بل غالبها ليبس كذلك، ولو كان كذلك لانبغى الابتداء بها في أوائل الكلام معهم سواء كان افتتاح سورة أو غير ذلك. ثم إن هذه السورة والتي تليها ـ أعني: البقرة وآل عمران ـ مدنيتان ليستا خطاباً للمشركين؛ فانتقض ما ذكوره بهذه الوجوه"(86).
4. أن الله أقسم بها تنويهاً بها لأن مسمياتها تألفت منها أسماء الله تعالى وأصول التخاطب والعلوم. كما أقسم الله بالقلم تنويهاً به(87).
قال ابن عباس ( ت: 68 هـ) في قوله: (طس) وقوله: (طس): " قسم أقسمه الله وهو من أسمائه "(88).
وقال عكرمة ( ت : 105 هـ ): "هو قسم"(89).
الراجح:
الذي يظهر والله أعلم أن هذه الأحرف المقطعة الواردة في القرآن، هي حروف الهجاء المعروفة عند العرب، ويُنطق عند القراءة بأسمائها، الدالة عليها، ولم يقع استنكار لها عند العرب، وهذه الحروف رموز مجردة لا معنى لها عند العرب، ولم يرد نقلٌ صحيح يدلُّ على أنها لها معانٍ عندهم، وأما نزولها في القرآن فله حكمة وسرٌّ كما حُكي ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وليست تلك الحِكَمُ والأسرار من قبيل بيان المعاني، فهي من باب ذكر الحِكَم، وهذا خارج عن حدِّ التفسير، فلا علاقة له بآية آل عمران، وعليه فإن تفسير هذه الأحرف لا دخل له في المتشابه، لما يلي:
1- أن الحديث في هذه الأحرف المقطعة ليس من قبيل تفسير المعنى، وإنما من باب ذكر حكمة ورودها في القرآن. وحديث آية آل عمران ليس في العلل وإنما في التأويل وهو إما المعنى أو حقيقة ما يؤول إليه الأمر، وكلا المعنيين غير واردين في هذه الأحرف.
2- أنه على القول بأنه لا يعلم سر ذكرها إلا الله تعالى، فإنها غير مختصة بذلك، فكثير من الأحكام هي من هذا القبيل، وهي ما يعبر عنه العلماء بأنها تعبدية، غير معقولة المعنى، ولم يقل أحدٌ من العلماء: إن الآيات التي ذكرت تلك العبادات من المتشابه. بل هي من المحكمات.
وكذلك فاختصاص كثير من الجمل في بعض السور دون غيرها وسر ترتيب الآيات في السور، كل ذلك مما له سرٌّ يعلمه الله تعالى، والله تعالى أعلم.
[align=center]الخميس 11 / 3 / 1431هـ[/align]
ــــــــ
الحواشي:
1. انظر: كشف الأسرار: ( 1 / 92 ).
2. هي أسماء للحروف التي تدل عليها. انظر شرح ذلك في الكشاف للزمخشري: ( 1 / 128 ).
3. السابق نفس الصفحة. فهي في الخط حروف وفي النطق أسماء. وسيأتي مزيد بيان لذلك قريباً.
4. ولها أكثر من جملة تضبطها، وأما مع التكرار فهي ثمانية وسبعون حرفاً. انظر ذلك في: البرهان للزركشي: (1/ 167 )، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: ( 27 ).
5. انظر: البرهان للزركشي: ( 1 / 167 )، والإتقان: ( 5 / 1827 ).
6. جامع البيان: ( 1 / 226 ).
7. التعريفات: ( 220 ). وانظر: تاج العروس: ( 39 / 123 ).
8. التعريفات للجرجاني: ( 220 ).
9. شفاء العليل: ( 319 ).
10. قواعد الأحكام: ( 1 / 28 ).
11. أصول السرخسي: ( 2 / 128 ).
12. الاستعمال هنا ظاهر جداً في إرادة العلة.
13. البحر المحيط: ( 5 / 24 ).
14. النكت والعيون: ( 1 / 370 ).
15. ومن تلك الأقوال الدالة على استعمال العلماء لكلمة (المعنى) مراداً بها العلة:
قول الرازي: "فثبت بهذا أن الوضوء غير معقول المعنى". تفسير الرازي: ( 11 / 158 ).
وقول البقاعي: " ولما كان من الأوامر ما هو معقول المعنى، ومنها ما هو تعبدي، وكان عقل المعنى يساعد على النفس في الحمل على امتثال الأمر ناسب اقتران الأمر به بالترغيب كما قال: (واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب) [البقرة: 196]". نظم الدرر: ( 3 / 135 ).
وقول السرخسي: " إنما نجوز استعمال الرأي عند معرفة معاني النصوص وإنما يكون هذا فيما يكون معقول المعنى، فأما فيما لا يعقل المعنى فيه فنحن لا نجوز إعمال الرأي لتعدية الحكم إلى ما لا نص فيه، وسيأتيك بيان هذا في شرط القياس" أصول السرخسي: ( 2 / 142 ).
وقوله أيضاً: "فعرفنا أنه متى كان النص معقول المعنى فإنه يجوز تعليله بذلك المعنى ليتعدى الحكم به إلى فرع". أصول السرخسي: (2/155).
16. الحرف عند النحاة غير الحرف الهجائي كما سيأتي في ص : ( 193 ).
17. الكتاب: ( 1 / 12 ).
18. أي: سيبويه.
19. قال في موطنٍ آخر تعليقاً على كلام سيبويه: "فميزه بقوله: (جاء لمعنى) عن حروف الهجاء مثل: ألف، با، تا. فإن هذه حروف هجاء". الرد على المنطقيين: ( 130 ).
20. مجموع الفتاوى: ( 17/ 420 ـ 421).
21. رواه الترمذي في سننه في فضائل القرآن: باب ما جاء في من قرأ حرفاً من القرآن ما له من الأجر: (1944) رقم (2910) وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، والبيهقي في شعب الإيمان: ( 3 / 371 ) رقم (1831)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح الترمذي: ( 3 / 9 ) رقم (2327).
22. الرد على المنطقيين: (1/ 129 ـ 130 ).
23. تحفة الأحوذي: ( 8 / 191 ).
24. انظر: النحو الوافي لعباس حسن: ( 1 / 13 ).
25. انظر: ضياء السالك إلى أوضح المسالك: ( 1 / 34 ). وقيل في التعريف: (الحرف كلمة تدل على معنى، في غيرها، فقط). انظر: الجنى الداني: ( 1 / 1 ).
26. انظر: النحو الوافي لعباس حسن: ( 1 / 66 )، والجنى الداني في حروف المعاني: ( 1 / 1 ). واختلفوا في عدد أحرف المعاني على أقوال: فقيل ثلاثة وسبعون حرفاً وقيل غير ذلك. انظر: الجنى الداني: ( 1 / 3 ).
27. رواه الترمذي في سننه في فضائل القرآن: باب ما جاء في من قرأ حرفاً من القرآن ما له من الأجر: (1944) رقم (2910) وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، والبيهقي في شعب الإيمان: ( 3 / 371 ) رقم (1831)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح الترمذي: ( 3 / 9 ) رقم (2327).
28. أي: حروف الهجاء.
29. مجموع الفتاوى: ( 12 / 103 ـ 104 ).
30. انظر: الرد على المنطقيين: (1/ 129 ـ 130 ).
31. قال ابن عاشور: " وهاته الفواتح قرآن لا محالة، ولكن اختلف في أنها آيات مستقلة، والأظهر أنها ليست بآيات مستقلة، بل هي أجزاء من الآيات الموالية لها على المختار من مذاهب جمهور القراء". التحرير والتنوير: (1/218).
32. انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور: ( 1 / 207 ـ 212 ) فقد قسم الأقوال الواردة في الحروف المقطعة إلى هذه الأنواع الثلاثة.
33. قال الشيخ ابن عثيمين: " وأصح الأقوال فيها القول الثاني: وهو أنها حروف هجائية ليس لها معنىً على الإطلاق؛ وهذا مروي عن مجاهد، وحجة هذا القول: أن القرآن نزل بلغة العرب، وهذه الحروف ليس لها معنىً في اللغة العربية... أما كونه تعالى اختار هذا الحرف دون غيره ورتبها هذا الترتيب فهذا ما لا علم لنا به. هذا بالنسبة لذات الحروف". ثم ذكر الحكمة منها. انظر: تفسير القرآن الكريم (الفاتحة والبقرة): ( 1 / 22 ).
34. قانون التأويل: ( 527 ـ 528، 531 ). وقال ابن عاشور: " وكيف يزعم زاعمٌ أنها واردة في معانٍ غير معروفة مع ثبوت تلقي السامعين لها بالتسليم من مؤمن ومعاند، ولولا أنهم فهموا منها معنى معروفاً دلتْ عليه القرائن لسأل السائلون وتورك المعاندون... وقد سألوا عن أوضح من هذا فقالوا: (وما الرحمن ) [الفرقان: 60]". التحرير والتنوير: ( 1 / 210 ).
35. فإذا ثبت أنها مما استأثر الله بعلمه فهي من المتشابه عند القائلين بأن المتشابه لا يعلمه إلا الله وهو المتشابه الكلي.
36. جامع البيان: ( 1 / 210 ). قال: " وقال بعضهم: لكلِّ كتاب سرٌّ، وسر القرآن فواتحه". ذَكَرَه بعد سياق أقوال المفسرين ثم أتبعه بأقوال أهل العربية. ولم يذكر عددٌ من المفسرين هذا القول في حكاية الأقوال ومن هؤلاء: الماوردي. ويلاحظ أنَّ التعبير بكونها سر القرآن لا يتطابق مع القول بأنها من المتشابه.
37. روي عنه رضي الله عنه أنه قال: "في كل كتاب سرٌّ، وسر القرآن أوائل السور": انظر: الكشف والبيان للثعلبي: (1 / 136)، وتفسير البغوي: ( 1 / 58 )، وزاد المسير لابن الجوزي: ( 37 )، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ( 1 / 172 )، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: ( 26 )، وتفسير الرزاي: (2/3)، والبحر المحيط لأبي حيان: ( 1 / 157 )، وروح المعاني للآلوسي: ( 1 / 100 )، واللباب لابن عادل: ( 1 / 253).
38. روي عنه رضي الله عنه أنه قال: " الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يُفَسَّر ". انظر: تفسير السمرقندي: (1/46) ونَقَلَ هذا النصَّ أيضاً عن عثمان وابن مسعود رضي الله عنهما، ونقله عنه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ( 1 / 172 )، وانظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير: ( 26).
39. انظر: تفسير السمرقندي: (1/46)، ونقله عنه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ( 1 / 172 )، وانظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير: ( 26 ).
40. روي عنه رضي الله عنه أنه قال: " لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي". انظر: الكشف والبيان للثعلبي: (1 / 136)، وتفسير البغوي: ( 1 / 58 )، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (1/172)، وتفسير القرآن العظيم: ( 26 )، وتفسير الرازي: ( 2 / 3 ).
41. انظر: تفسير السمرقندي: (1/46)، ونقله عنه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: (1/172).
42. قال داود بن أبي هند: كنت أسأل الشعبي عن فواتح السور فقال: يا داود إن لكل كتاب سراً وإن سر القرآن فواتح السور فدعها وسل عما سوى ذلك. أخرجه ابن المنذر وأبو الشيخ كما في الدر المنثور: ( 1 / 55 )، وانظر: تفسير السمرقندي: (1/46)، وزاد المسير لابن الجوزي: ( 37 )، وتفسير البغوي: ( 1 / 58 )، وروح المعاني: ( 1 / 100 )، واللباب لابن عادل: ( 1 / 253).
43. انظر: زاد المسير لابن الجوزي: ( 37 )، والمحرر الوجيز لابن عطية: ( 49 )، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ( 1 / 172 )، والبرهان للزركشي: ( 1 / 173 )، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: ( 26 )، والتحرير والتنوير لابن عاشور: ( 1 / 207 ).
44. انظر: الإحكام: ( 4 / 123 ـ 124 ). وقد خصص المتشابه بالحروف المقطعة، والأقسام التي في بدايات السور.
45. البحر المحيط: ( 1 / 158 ).
46. حيث قال: " فاعلم أن من تكلم في بيان معاني هذه الحروف جازماً بأن ذلك هو ما أراده الله عزّ وجل، فقد غلط أقبح الغلط، وركب في فهمه ودعواه أعظم الشطط، فإنه إن كان تفسيره لها بما فسرها به راجعاً إلى لغة العرب، وعلومها فهو كذب بحت، فإن العرب لم يتكلموا بشيء من ذلك، وإذا سمعه السامع منهم كان معدوداً عنده من الرَّطَانة، ولا ينافي ذلك أنهم قد يقتصرون على أحرف، أو حروف من الكلمة التي يريدون النطق بها، فإنهم لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن تقدمه ما يدل عليه، ويفيد معناه، بحيث لا يلتبس على سامعه كمثل ما تقدم ذكره. ومن هذا القبيل ما يقع منهم من الترخيم، وأين هذه الفواتح الواقعة في أوائل السور من هذا؟ وإذا تقرر لك أنه لا يمكن استفادة ما ادّعوه من لغة العرب، وعلومها لم يبق حينئذ إلا أحد أمرين:
الأوّل: التفسير بمحض الرأي الذي ورد النهي عنه، والوعيد عليه، وأهل العلم أحق الناس بتجنبه، والصدّ عنه، والتنكُّب عن طريقه، وهم أتقى لله سبحانه من أن يجعلوا كتاب الله سبحانه ملعبةً لهم يتلاعبون به، ويضعون حماقات أنظارهم، وخُزَعْبَلات أفكارهم عليه.
الثاني: التفسير بتوقيف عن صاحب الشرع، وهذا هو المهيع الواضح، والسبيل القويم، بل الجادة التي ما سواها مردوم، والطريقة العامرة التي ما عداها معدوم، فمن وجد شيئاً من هذا، فغير ملوم أن يقول بملء فيه، ويتكلم بما وصل إليه علمه، ومن لم يبلغه شيء من ذلك فليقل لا أدري، أو الله أعلم بمراده، فقد ثبت النهي عن طلب فهم المتشابه، ومحاولة الوقوف على علمه مع كونه ألفاظاً عربية، وتراكيب مفهومة، وقد جعل الله تتبع ذلك صنيع الذين في قلوبهم زيغ، فكيف بما نحن بصدده؟ فإنه ينبغي أن يقال فيه إنه متشابه المتشابه على فرض أن للفهم إليه سبيلاً، ولكلام العرب فيه مدخلاً، فكيف وهو خارج عن ذلك على كل تقدير... والذي أراه لنفسي ولكل من أحبّ السلامة واقتدى بسلف الأمة ألا يتكلم بشيء من ذلك، مع الاعتراف بأن في إنزالها حكمة لله عزّ وجل لا تبلغها عقولنا ولا تهتدي إليها أفهامنا، وإذا انتهيت إلى السلامة في مداك فلا تجاوزه ". فتح القدير: (53 ـ 54).
47. ولا تدخل عندهم في المتشابه على القول الآخر في وهو أنه مما يمكن معرفة معناه.
48. حيث نقل هذا القول عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما كما سبق في الحواشي.
49. حيث نقل هذا القول عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم كما سبق في الحواشي.
50. التحرير والتنوير: ( 1 / 207 ).
51. أسرار التنزيل بحاشية زادة: ( 1 / 70 )
52. تفسير السمرقندي: ( 1 / 46 ).
53. انظر الأثرين عن ابن مسعود رضي الله عنه في: الدر المنثور للسيوطي: ( 1/ 53 ).
54. سبق عزوه في الحاشية (37).
55. سبق عزوه في الحاشية (38).
56. زاد المعاد: ( 4 / 123 ).
57. التحرير والتنوير: ( 29 / 38 ).
58. انظر: فصول في أصول التفسير للطيار: ( 34 ).
59. انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ( 1 / 172 )، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: ( 26 ـ 27 ).
60. المحرر الوجيز: ( 49، 50 ).
61. انظرها إن شئت في: جامع البيان للطبري: ( 1 / 118 ـ 121 )، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: ( 26 ـ 27 )، والبرهان للزركشي: ( 1 / 173 )، والتحرير والتنوير لابن عاشور: ( 1 / 206 ـ 216 ).
62. ذكر هذه الأنواع ابن عاشور في التحرير والتنوير: ( 1 / 207 ).
63. انظر: جامع البيان: ( 1 / 209 ).
64. السابق نفس الصفحة.
65. انظر: جامع البيان: ( 1 / 208 )، وتفسير ابن أبي حاتم: ( 1 / 32 ) رقم ( 43 )، ومعاني القرآن للنحاس: (1/73)، والأسماء والصفات للبيهقي: ( 1 / 231 ) رقم (167)، والدر المنثور للسيوطي: ( 1/ 53 )، (3/67).
66. جامع البيان: ( 1 / 208 )، ورواه البيهقي في الأسماء والصفات: ( 1 / 231 ) رقم (168)، وابن أبي حاتم في تفسيره: ( 1 / 32 ) رقم ( 45 ).
67. رواه ابن جرير في جامع البيان: ( 1 / 208 )، وابن أبي حاتم في تفسيره: ( 1 / 32 ) رقم ( 48 )، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: ( 1 / 53 ) إلى ابن مردويه.
68. قانون التأويل: ( 530 ـ 531).
69. تفسير النيسابوري: ( 1 / 131 ).
70. جامع البيان: ( 1 / 208 ).
71. ذهب إلى هذا: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال الزمخشري: " وعليه إطباق الأكثر "، ونسب لسيبويه، انظر: الكشاف: ( 1 / 129 )، وانظر: جامع البيان لابن جرير: ( 1 / 205 ـ 206 )، والتحرير والتنوير: ( 1 / 211 )، واختاره الفخر الرازي في تفسيره: ( 2 / 9 )، وقال الآلوسي: " وقد كثر الكلام في شأن أوائل السور والذي أطبق عليه الأكثر وهو مذهب سيبويه وغيره من المتقدمين أنها أسماء لها وسميت بها إشعاراً بأنها كلمات معروفة التركيب فلو لم تكن وحياً من الله تعالى لم تتساقط مقدرتهم دون معارضتها". ثم ذكر الاعتراضات على هذا القول. انظر روح المعاني: ( 1 / 99 ).
72. نُقل عن الكلبي والسدي وقتادة. انظر: التحرير والتنوير: ( 1 / 211 ).
73. رواه ابن جرير في تفسيره: ( 1 / 204 )، وابن أبي حاتم في تفسيره: ( 1 / 33 ) رقم (50)، والنحاس في معاني القرآن: ( 1 / 75 ). وانظر: الدر المنثور: ( 1 / 53 ).
وروي مثله عن مجاهد: رواه ابن جرير في نفس الموضع السابق، وابن أبي حاتم في تفسيره أيضاً: (1/33) رقم (50)، والنحاس في معاني القرآن: ( 1 / 75).
وروي مثله عن ابن جريج: رواه ابن جرير في الموضع السابق.
74. رواه الدارمي في في الرد على بشر المريسي: ( 20 / 14 ) رقم ( 14 )، ورواه ابن جرير في تفسيره: ( 15 / 451 )، قال البيضاوي: " ولعله أراد يا منزلهما ". أسرار التنزيل: ( 1 / 70 ). وقال ابن عطية: "فهذا يحتمل أن تكون الجملة من أسماء الله تعالى، ويحتمل أن يريد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينادي الله تعالى بجميع الأسماء التي تضمنها: (كهيعص) كأنه أراد أن يقول: ( يا كريم يا هادي يا عليّ يا عزيز يا صادق ) اغفر، فجمع هذا كله باختصار في قوله يا (كهيعص) ". المحرر الوجيز: (1218).
75. انظر: القواعد المثلى لابن عثيمين: ( 13 ).
76. حكاه الرازي عن المبرد وجمع من المحققين. انظر: تفسير الرازي: ( 2 / 7 )، وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا. انظر: الجامع لأحكام القرآن: ( 1 / 173 )، وقال عنه الثعلبي: "أحسن الأقاويل فيه وأمتنها". الكشف والبيان: ( 1 / 137 ).
77. الكشاف: ( 1 / 136 ـ 137 ).
78. نقل ذلك عنه ابن كثير في تفسيره: ( 27 ).
79. نقل ذلك عنه ابن كثير في تفسيره: ( 27 ).
80. انظر: تفسير القرآن العظيم: ( 27 ).
81. أضواء البيان: ( 3 / 5 ).
82. التحرير والتنوير: ( 1 / 216 ).
83. انظر: جامع البيان: ( 1 / 212 ـ 213 )، والمحرر الوجيز: ( 49 ).
84. تفسير القرآن العظيم: ( 27 ).
85. انظر: جامع البيان: ( 1 / 212 )، والمحرر الوجيز: ( 50 )، وزاد المسير: ( 38 )، وفتح القدير: ( 52 ).
86. تفسير القرآن العظيم: ( 27 ).
87. نُقل عن الأخفش. انظر: التحرير والتنوير: ( 1 / 212 ).
88. رواه ابن جرير في جامع البيان: ( 1 / 207 ) و ( 17 / 542 ) و ( 18 / 5 )، وابن أبي حاتم في تفسيره: (8 / 2747 ) رقم ( 15517 ) وفي: ( 9 / 2838 ) رقم ( 16086 ) وفي: ( 9 / 2938 ) رقم (16661 )، والنحاس في معاني القرآن: ( 1/74)، والبيهقي في الأسماء والصفات: ( 1 / 229 ) رقم (163)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: ( 1 / 53 ) إلى ابن المنذر أيضاً.
89. رواه ابن جرير في جامع البيان: ( 1 / 207 )، وابن أبي حاتم في تفسيره: ( 1 / 33 ) رقم (52).