محمد محمود إبراهيم عطية
Member
ذكر من تكلم في أوجه بيان السنة للقرآن : نسخ السنة للقرآن ، وهي من مسائل الخلاف ، وأحاول هاهنا أن أوجز تحريرها ، والله المستعان .
معلوم أن السنة قسمان : آحاد ومتواتر ، والآحاد ثلاثة أنواع : غريب ، وعزيز ، ومشهور ؛ وهو بأنواعه الثلاثة يفيد الظن ، وأما المتواتر فهو يفيد اليقين ؛ والجمهور على عدم جواز نسخ القرآن بالسنة الآحادية ؛ لأن القرآن متواتر يفيد اليقين ، والآحادي مظنون ، ولا يصح رفع المعلوم بالمظنون .
وأما نسخ القرآن بالسنة المتواترة ، فقد أجازه أبو حنيفة[SUP] [1][/SUP] ، وأحمد في رواية[SUP] [2] [/SUP]؛ لأن الكل وحي من الله ، قال تعالى :] وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [ [ النجم : 3 ، 4 ] ؛ وقال : ] وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [ [ النحل : 44 ] ، والنسخ نوع من البيان ؛ ومنعه الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ، لقوله تعالى : ] مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [ [ البقرة : 106 ] ، والسنة ليست خيرًا من القرآن ، ولا مثله[SUP] [3] [/SUP].
وذهب ابن حزم - رحمه الله - إلى جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة والآحاد ؛ قال : اختلف الناس في هذا بعد أن اتفقوا على جواز نسخ القرآن بالقرآن ، وجواز نسخ السنة بالسنة ، فقالت طائفة : لا تنسخ السنة بالقرآن ، ولا القرآن بالسنة ؛ وقالت طائفة : جائز كل ذلك ، والقرآن ينسخ بالقرآن وبالسنة ، والسنة تنسخ بالقرآن وبالسنة ؛ قال أبو محمد ( ابن حزم ) : وبهذا نقول ، وهو الصحيح ؛ وسواء عندنا السنة المنقولة بالتواتر ، والسنة المنقولة بأخبار الآحاد ، كل ذلك ينسخ بعضه بعضًا ، وينسخ الآيات من القرآن ، وينسخه الآيات من القرآن ؛ وبرهان ذلك ما بيناه في ( باب الأخبار ) من هذا الكتاب من وجوب الطاعة لما جاء عن النبي e ، كوجوب الطاعة لما جاء في القرآن ، ولا فرق ؛ وأن كل ذلك من عند الله تعالى : ] وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [ [ النجم : 3 ، 4 ] ، فإذا كان كلامه وحيًّا من عند الله U ، والقرآن وحي ، فنسخ الوحي بالوحي جائز ؛ لأن كل ذلك سواء في أنه وحي[SUP] [4] [/SUP]؛ وتوسع – رحمه الله – في هذا الباب جدًّا .
وذكر المجيزون لذلك أمثلة ، وعند التحقيق لا تدل على النسخ ، قال ابن تيمية – رحمه الله : وَأَمَّا نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ ؛ فَهَذَا لَا يُجَوِّزُهُ الشَّافِعِيُّ ، وَلَا أَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ ، وَيُجَوِّزُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدْ احْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ نَسَخَهَا قَوْلُهُ : " إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثِ " [5] ، وَهَذَا غَلَطٌ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا نَسَخَهُ آيَةُ الْمَوَارِيثِ ، كَمَا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ السَّلَفُ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْفَرَائِضِ : ] تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [ [ النساء : 13 ، 14 ] ، فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْفَرَائِضَ الْمُقَدَّرَةَ حُدُودُهُ ، وَنَهَى عَنْ تَعَدِّيهَا ، كَانَ فِي ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ أَحَدٌ عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ e : " إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثِ " ، وَإِلَّا فَهَذَا الْحَدِيثُ وَحْدَهُ إنَّمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَنَحْوُهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَنِ ؛ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَ مُجَرَّدَ خَبَرٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ الصِّحَّةِ ، نَاسِخًا لِلْقُرْآنِ ؛ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ نُسِخَ بِسُنَّةِ ، بِلَا قُرْآنٍ ؛ وَقَدْ ذَكَرُوا مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : ] فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [ [ النساء : 15 ] ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ e أَنَّهُ قَالَ : " خُذُوا عَنِّي ، خُذُوا عَنِّي ؛ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا : الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ ؛ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ ، وَالرَّجْمُ " [6][SUP] [/SUP]؛ وَهَذِهِ الْحُجَّةُ ضَعِيفَةٌ ، لِوَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ النَّسْخِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ مَدَّ الْحُكْمَ إلَى غَايَةٍ ، وَالنَّبِيُّ e بَيَّنَ تِلْكَ الْغَايَةَ ، لَكِنَّ الْغَايَةَ هُنَا مَجْهُولَةٌ ، فَصَارَ هَذَا يُقَالُ : إنَّهُ نَسْخٌ ، بِخِلَافِ الْغَايَةِ الْبَيِّنَةِ فِي نَفْسِ الْخِطَابِ كَقَوْلِهِ : ] ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ [ [ البقرة : 187 ] ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى نَسْخًا بِلَا رَيْبٍ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ جَلْدَ الزَّانِي ثَابِتٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَكَذَلِكَ الرَّجْمُ ، كَانَ قَدْ أُنْزِلَ فِيهِ قُرْآنٌ يُتْلَى ثُمَّ نُسِخَ لَفْظُهُ ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : ( وَالشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ، وَقَدْ ثَبَتَ الرَّجْمُ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ ، وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ؛ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا يُدَّعَى مِنْ نَسْخِ قَوْلِهِ : ] وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ [ الْآيَةَ ؛ فَإِنَّ هَذَا إنْ قَدَرَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ ، فَقَدْ نَسَخَهُ قُرْآنٌ جَاءَ بَعْدَهُ ؛ ثُمَّ نُسِخَ لَفْظُهُ ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ مَنْقُولًا بِالتَّوَاتُرِ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ ؛ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَد وَسَائِرَ الْأَئِمَّةِ يُوجِبُونَ الْعَمَلَ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الْمُحْكَمَةِ ، وَإِنْ تَضَمَّنَتْ نَسْخًا لِبَعْضِ آيِ الْقُرْآنِ ، لَكِنْ يَقُولُونَ : إنَّمَا نُسِخَ الْقُرْآنُ بِالْقُرْآنِ ، لَا بِمُجَرَّدِ السُّنَّةِ ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ] مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَاأَوْمِثْلِهَا [ [ البقرة : 106 ] ، وَيَرَوْنَ مِنْ تَمَامِ حُرْمَةِ الْقُرْآنِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْسَخْهُ إلَّا بِقُرْآنِ[SUP] [7] [/SUP].
وقد ناقش الزرقاني - رحمه الله بعض ما أورده المجيزون في ( مناهل العرفان ) ثم قال : من هذا العرض يخلص لنا أن نسخ القرآن بالسنة لا مانع يمنعه عقلا ولا شرعًا ، غاية الأمر أنه لم يقع ، لعدم سلامة أدلة الوقوع كما رأيت [SUP]( [8] ) [/SUP].
وقال العثيمين - رحمه الله - في أنواع النسخ : نسخ القرآن بالسنَّة ؛ ولم أجد له مثالاً سليمًا[SUP] [9] [/SUP].
قال مقيده - عفا الله عنه : قد وقفت على مثالٍ يصلح في هذا المقام ، قال الجصاص في ( أحكام القرآن ) : في قوله تعالى : ] لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [ [ الأحزاب : 52 ] ... ثم أورد حديث عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ e حَتَّى حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ[SUP] [10] [/SUP]؛ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يُوجِبُ نَسْخَهَا ، فَهِيَ إذًا مَنْسُوخَةٌ بِالسُّنَّةِ ؛ وَيُحْتَجُّ بِهِ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ ؛ فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ : ] لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ [ خَبَرٌ ، وَالْخَبَرُ لَا يَجُوزُ النَّسْخُ فِي مُخْبِرِهِ ؛ قِيلَ لَهُ : إنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ ، فَهُوَ نَهْيٌ ، يَجُوزُ وُرُودُ النَّسْخِ عَلَيْهِ ؛ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ : لَا تَتَزَوَّجْ بَعْدَهُنَّ النِّسَاءَ ، فَيَجُوزُ نَسْخُهُ .ا.هـ [SUP][11] [/SUP].
ووافقه في هذا الموضع الكيا الهراسي من الشافعية ؛ قال : ولا شك أن ظاهر الآية يقتضي تحريم سائر النساء على رسول الله e ، سوى من كنَّ عنده ، حتى حلَّ له النساء ، وهذا يوجب نسخ الآية ، وليس في القرآن ما يوجب نسخها ، فهي منسوخة بالسنة ؛ ويحتج به على جواز نسخ القرآن بالسنة[SUP] [12] [/SUP].ا.هـ .
قال ابن عطية - رحمه الله - في ( المحرر الوجيز ) : وذهب هبة الله في ( الناسخ والمنسوخ ) له إلى أن قوله : ] تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ [ [ الأحزاب : 51 ] الآية ، ناسخ لقوله : ] لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ [ الآية ، وقال : ليس في كتاب الله تعالى ناسخ تقدم المنسوخ إلا هذا ؛ قال : وكلامه يضعف من جهات[SUP] [13] [/SUP]؛ ولم يذكر - رحمه الله - هذه الجهات ؛ والذي يظهر منها أن الناسخ والمنسوخ لا يثبت بكلام مرسل ، إذ لابد أن يكون هناك دليل عليه ، أو يعرف المتقدم والمتأخر .
وقد روى حديث عائشة البيهقي في ( السنن الكبرى ) ثم قال : قَالَ الشَّافِعِيُّ t : كَأَنَّهَا تَعْنِى اللاَّتِى حُظِرْنَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ : ] لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ [ ، قَالَ : وَأَحْسَبُ قَوْلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ ، بِقَوْلِ اللَّهِ U : ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [ إِلَى قَوْلِهِ : ] خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [[SUP] [14] [/SUP].
قال مقيده - عفا الله عنه : وهذا فيه نظر - أيضًا ؛ قال الطاهر بن عاشور - رحمه الله : وأما ما رواه الترمذي عن عائشة - رضي الله عنه - أنها قالت : ما مات رسول الله e حتى أحل الله له النساء ؛ وقال : حديث حسن ؛ وهو مقتض أن هذه الآية منسوخة ؛ فهو يقتضي أن ناسخها من السنة ، لا من القرآن ؛ لأن قولها : ما مات ، يؤذن بأن ذلك كان آخر حياته ، فلا تكون هذه الآية التي نزلت مع سورتها قبل وفاته e بخمس سنين ؛ [ يقصد : ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [ ] ناسخه للإباحة التي عنتها عائشة ؛ فالإباحة إباحة تكريم لرسول الله e ؛ وروى الطحاوي مثل حديث عائشة عن أم سلمة[SUP] [15] [/SUP].
والذي أخلص إليه أن نسخ القرآن بالسنة جائز ، مع ندرة وقوعه ، والعلم عند الله تعالى .
[1] انظر ( الفصول في الأصول ) للجصاص الحنفي : 2 / 345 .
[2] انظر ( نواسخ القرآن ) لابن الجوزي الحنبلي : 1 / 139 - 141 ، و ( مجموع الفتاوى ) لابن تيمية : 20 / 97 ، 98 .
[3] انظر ( الرسالة ) ص 106 - تحقيق أحمد شاكر ، و( البحر المحيط ) لمحمد بن بهادر الزركشي الشافعي : 5 / 261 - 271 ؛ و ( الاستذكار ) لابن عبد البر المالكي : 7 / 264 ، و ( مناهل العرفان في علوم القرآن ) للزرقاني : 2 / 237 - 243 .
[4] انظر ( الإحكام في أصول الأحكام ) : 4 / 107 .
[5] رواه أحمد : 4 / 168 ، 187 ، 238 ، 239 ، الترمذي ( 2121 ) وقال : حسن صحيح ، والنسائي ( 3641 : 3743 ) ، وابن ماجة ( 2712 ) ، والدارمي ( 3255 ) من طرق عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن خارجة ؛ وله شاهد من حديث أبي أمامة رواه أبو داود ( 2870 ) ، والترمذي ( 2120 ) ، وحسنه ، وهو كما قال ؛ لأن إسماعيل بن عياش روايته عن الشاميين حسنة ، وقد رواه عن شرحبيل بن مسلم ، وهو شامي ثقة ، ويشهد له حديث عمرو بن خارجة المتقدم .
[6] مسلم ( 1690 ) .
[7] مجموع الفتاوى : 20 / 397 - 399 .
[8] انظر ( العرفان في علوم القرآن ) : 2 / 237 - 244 .
[9] انظر ( الأصول من علم الأصول ) ص 55 .
[10] رواه احمد : 6 / 41 ، 180 ، والترمذي ( 3216 ) وحسنه والنسائي في ( المجتبى ) رقم 3204 ، وصححه الألباني في ( صحيح سنن الترمذي ) رقم 2568 ؛ ورواه ابن حبان ( 6366 ) ، ووالحاكم : 2 / 437 ، وصححه ، ووافقه الذهبي .
[11] انظر ( أحكام القرآن للجصاص ) : 5 / 241 .
[12] انظر ( أحكام القرآن ) للكيا الهراسي : 4 / 349 .
[13] انظر ( المحرر الوجيز ) : 4 / 454 ، 455 – الكتب العلمية .
[14] السنن الكبير : 7 / 54 ( 13126 ) – تحقيق محمد عبد القادر عطا – دار الباز – مكة .
[15] انظر ( التحرير والتنوير ) : 21 / 303 ، وحديث أم سلمة رضي الله عنها رواه الطحاوي في ( شرح مشكل الآثار ) : 2 / 39 .
معلوم أن السنة قسمان : آحاد ومتواتر ، والآحاد ثلاثة أنواع : غريب ، وعزيز ، ومشهور ؛ وهو بأنواعه الثلاثة يفيد الظن ، وأما المتواتر فهو يفيد اليقين ؛ والجمهور على عدم جواز نسخ القرآن بالسنة الآحادية ؛ لأن القرآن متواتر يفيد اليقين ، والآحادي مظنون ، ولا يصح رفع المعلوم بالمظنون .
وأما نسخ القرآن بالسنة المتواترة ، فقد أجازه أبو حنيفة[SUP] [1][/SUP] ، وأحمد في رواية[SUP] [2] [/SUP]؛ لأن الكل وحي من الله ، قال تعالى :] وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [ [ النجم : 3 ، 4 ] ؛ وقال : ] وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [ [ النحل : 44 ] ، والنسخ نوع من البيان ؛ ومنعه الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ، لقوله تعالى : ] مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [ [ البقرة : 106 ] ، والسنة ليست خيرًا من القرآن ، ولا مثله[SUP] [3] [/SUP].
وذهب ابن حزم - رحمه الله - إلى جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة والآحاد ؛ قال : اختلف الناس في هذا بعد أن اتفقوا على جواز نسخ القرآن بالقرآن ، وجواز نسخ السنة بالسنة ، فقالت طائفة : لا تنسخ السنة بالقرآن ، ولا القرآن بالسنة ؛ وقالت طائفة : جائز كل ذلك ، والقرآن ينسخ بالقرآن وبالسنة ، والسنة تنسخ بالقرآن وبالسنة ؛ قال أبو محمد ( ابن حزم ) : وبهذا نقول ، وهو الصحيح ؛ وسواء عندنا السنة المنقولة بالتواتر ، والسنة المنقولة بأخبار الآحاد ، كل ذلك ينسخ بعضه بعضًا ، وينسخ الآيات من القرآن ، وينسخه الآيات من القرآن ؛ وبرهان ذلك ما بيناه في ( باب الأخبار ) من هذا الكتاب من وجوب الطاعة لما جاء عن النبي e ، كوجوب الطاعة لما جاء في القرآن ، ولا فرق ؛ وأن كل ذلك من عند الله تعالى : ] وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [ [ النجم : 3 ، 4 ] ، فإذا كان كلامه وحيًّا من عند الله U ، والقرآن وحي ، فنسخ الوحي بالوحي جائز ؛ لأن كل ذلك سواء في أنه وحي[SUP] [4] [/SUP]؛ وتوسع – رحمه الله – في هذا الباب جدًّا .
وذكر المجيزون لذلك أمثلة ، وعند التحقيق لا تدل على النسخ ، قال ابن تيمية – رحمه الله : وَأَمَّا نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ ؛ فَهَذَا لَا يُجَوِّزُهُ الشَّافِعِيُّ ، وَلَا أَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ ، وَيُجَوِّزُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدْ احْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ نَسَخَهَا قَوْلُهُ : " إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثِ " [5] ، وَهَذَا غَلَطٌ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا نَسَخَهُ آيَةُ الْمَوَارِيثِ ، كَمَا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ السَّلَفُ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْفَرَائِضِ : ] تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [ [ النساء : 13 ، 14 ] ، فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْفَرَائِضَ الْمُقَدَّرَةَ حُدُودُهُ ، وَنَهَى عَنْ تَعَدِّيهَا ، كَانَ فِي ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ أَحَدٌ عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ e : " إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثِ " ، وَإِلَّا فَهَذَا الْحَدِيثُ وَحْدَهُ إنَّمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَنَحْوُهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَنِ ؛ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَ مُجَرَّدَ خَبَرٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ الصِّحَّةِ ، نَاسِخًا لِلْقُرْآنِ ؛ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ نُسِخَ بِسُنَّةِ ، بِلَا قُرْآنٍ ؛ وَقَدْ ذَكَرُوا مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : ] فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [ [ النساء : 15 ] ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ e أَنَّهُ قَالَ : " خُذُوا عَنِّي ، خُذُوا عَنِّي ؛ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا : الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ ؛ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ ، وَالرَّجْمُ " [6][SUP] [/SUP]؛ وَهَذِهِ الْحُجَّةُ ضَعِيفَةٌ ، لِوَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ النَّسْخِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ مَدَّ الْحُكْمَ إلَى غَايَةٍ ، وَالنَّبِيُّ e بَيَّنَ تِلْكَ الْغَايَةَ ، لَكِنَّ الْغَايَةَ هُنَا مَجْهُولَةٌ ، فَصَارَ هَذَا يُقَالُ : إنَّهُ نَسْخٌ ، بِخِلَافِ الْغَايَةِ الْبَيِّنَةِ فِي نَفْسِ الْخِطَابِ كَقَوْلِهِ : ] ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ [ [ البقرة : 187 ] ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى نَسْخًا بِلَا رَيْبٍ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ جَلْدَ الزَّانِي ثَابِتٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَكَذَلِكَ الرَّجْمُ ، كَانَ قَدْ أُنْزِلَ فِيهِ قُرْآنٌ يُتْلَى ثُمَّ نُسِخَ لَفْظُهُ ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : ( وَالشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ، وَقَدْ ثَبَتَ الرَّجْمُ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ ، وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ؛ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا يُدَّعَى مِنْ نَسْخِ قَوْلِهِ : ] وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ [ الْآيَةَ ؛ فَإِنَّ هَذَا إنْ قَدَرَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ ، فَقَدْ نَسَخَهُ قُرْآنٌ جَاءَ بَعْدَهُ ؛ ثُمَّ نُسِخَ لَفْظُهُ ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ مَنْقُولًا بِالتَّوَاتُرِ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ ؛ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَد وَسَائِرَ الْأَئِمَّةِ يُوجِبُونَ الْعَمَلَ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الْمُحْكَمَةِ ، وَإِنْ تَضَمَّنَتْ نَسْخًا لِبَعْضِ آيِ الْقُرْآنِ ، لَكِنْ يَقُولُونَ : إنَّمَا نُسِخَ الْقُرْآنُ بِالْقُرْآنِ ، لَا بِمُجَرَّدِ السُّنَّةِ ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ] مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَاأَوْمِثْلِهَا [ [ البقرة : 106 ] ، وَيَرَوْنَ مِنْ تَمَامِ حُرْمَةِ الْقُرْآنِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْسَخْهُ إلَّا بِقُرْآنِ[SUP] [7] [/SUP].
وقد ناقش الزرقاني - رحمه الله بعض ما أورده المجيزون في ( مناهل العرفان ) ثم قال : من هذا العرض يخلص لنا أن نسخ القرآن بالسنة لا مانع يمنعه عقلا ولا شرعًا ، غاية الأمر أنه لم يقع ، لعدم سلامة أدلة الوقوع كما رأيت [SUP]( [8] ) [/SUP].
وقال العثيمين - رحمه الله - في أنواع النسخ : نسخ القرآن بالسنَّة ؛ ولم أجد له مثالاً سليمًا[SUP] [9] [/SUP].
قال مقيده - عفا الله عنه : قد وقفت على مثالٍ يصلح في هذا المقام ، قال الجصاص في ( أحكام القرآن ) : في قوله تعالى : ] لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [ [ الأحزاب : 52 ] ... ثم أورد حديث عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ e حَتَّى حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ[SUP] [10] [/SUP]؛ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يُوجِبُ نَسْخَهَا ، فَهِيَ إذًا مَنْسُوخَةٌ بِالسُّنَّةِ ؛ وَيُحْتَجُّ بِهِ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ ؛ فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ : ] لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ [ خَبَرٌ ، وَالْخَبَرُ لَا يَجُوزُ النَّسْخُ فِي مُخْبِرِهِ ؛ قِيلَ لَهُ : إنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ ، فَهُوَ نَهْيٌ ، يَجُوزُ وُرُودُ النَّسْخِ عَلَيْهِ ؛ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ : لَا تَتَزَوَّجْ بَعْدَهُنَّ النِّسَاءَ ، فَيَجُوزُ نَسْخُهُ .ا.هـ [SUP][11] [/SUP].
ووافقه في هذا الموضع الكيا الهراسي من الشافعية ؛ قال : ولا شك أن ظاهر الآية يقتضي تحريم سائر النساء على رسول الله e ، سوى من كنَّ عنده ، حتى حلَّ له النساء ، وهذا يوجب نسخ الآية ، وليس في القرآن ما يوجب نسخها ، فهي منسوخة بالسنة ؛ ويحتج به على جواز نسخ القرآن بالسنة[SUP] [12] [/SUP].ا.هـ .
قال ابن عطية - رحمه الله - في ( المحرر الوجيز ) : وذهب هبة الله في ( الناسخ والمنسوخ ) له إلى أن قوله : ] تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ [ [ الأحزاب : 51 ] الآية ، ناسخ لقوله : ] لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ [ الآية ، وقال : ليس في كتاب الله تعالى ناسخ تقدم المنسوخ إلا هذا ؛ قال : وكلامه يضعف من جهات[SUP] [13] [/SUP]؛ ولم يذكر - رحمه الله - هذه الجهات ؛ والذي يظهر منها أن الناسخ والمنسوخ لا يثبت بكلام مرسل ، إذ لابد أن يكون هناك دليل عليه ، أو يعرف المتقدم والمتأخر .
وقد روى حديث عائشة البيهقي في ( السنن الكبرى ) ثم قال : قَالَ الشَّافِعِيُّ t : كَأَنَّهَا تَعْنِى اللاَّتِى حُظِرْنَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ : ] لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ [ ، قَالَ : وَأَحْسَبُ قَوْلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ ، بِقَوْلِ اللَّهِ U : ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [ إِلَى قَوْلِهِ : ] خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [[SUP] [14] [/SUP].
قال مقيده - عفا الله عنه : وهذا فيه نظر - أيضًا ؛ قال الطاهر بن عاشور - رحمه الله : وأما ما رواه الترمذي عن عائشة - رضي الله عنه - أنها قالت : ما مات رسول الله e حتى أحل الله له النساء ؛ وقال : حديث حسن ؛ وهو مقتض أن هذه الآية منسوخة ؛ فهو يقتضي أن ناسخها من السنة ، لا من القرآن ؛ لأن قولها : ما مات ، يؤذن بأن ذلك كان آخر حياته ، فلا تكون هذه الآية التي نزلت مع سورتها قبل وفاته e بخمس سنين ؛ [ يقصد : ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [ ] ناسخه للإباحة التي عنتها عائشة ؛ فالإباحة إباحة تكريم لرسول الله e ؛ وروى الطحاوي مثل حديث عائشة عن أم سلمة[SUP] [15] [/SUP].
والذي أخلص إليه أن نسخ القرآن بالسنة جائز ، مع ندرة وقوعه ، والعلم عند الله تعالى .
[1] انظر ( الفصول في الأصول ) للجصاص الحنفي : 2 / 345 .
[2] انظر ( نواسخ القرآن ) لابن الجوزي الحنبلي : 1 / 139 - 141 ، و ( مجموع الفتاوى ) لابن تيمية : 20 / 97 ، 98 .
[3] انظر ( الرسالة ) ص 106 - تحقيق أحمد شاكر ، و( البحر المحيط ) لمحمد بن بهادر الزركشي الشافعي : 5 / 261 - 271 ؛ و ( الاستذكار ) لابن عبد البر المالكي : 7 / 264 ، و ( مناهل العرفان في علوم القرآن ) للزرقاني : 2 / 237 - 243 .
[4] انظر ( الإحكام في أصول الأحكام ) : 4 / 107 .
[5] رواه أحمد : 4 / 168 ، 187 ، 238 ، 239 ، الترمذي ( 2121 ) وقال : حسن صحيح ، والنسائي ( 3641 : 3743 ) ، وابن ماجة ( 2712 ) ، والدارمي ( 3255 ) من طرق عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن خارجة ؛ وله شاهد من حديث أبي أمامة رواه أبو داود ( 2870 ) ، والترمذي ( 2120 ) ، وحسنه ، وهو كما قال ؛ لأن إسماعيل بن عياش روايته عن الشاميين حسنة ، وقد رواه عن شرحبيل بن مسلم ، وهو شامي ثقة ، ويشهد له حديث عمرو بن خارجة المتقدم .
[6] مسلم ( 1690 ) .
[7] مجموع الفتاوى : 20 / 397 - 399 .
[8] انظر ( العرفان في علوم القرآن ) : 2 / 237 - 244 .
[9] انظر ( الأصول من علم الأصول ) ص 55 .
[10] رواه احمد : 6 / 41 ، 180 ، والترمذي ( 3216 ) وحسنه والنسائي في ( المجتبى ) رقم 3204 ، وصححه الألباني في ( صحيح سنن الترمذي ) رقم 2568 ؛ ورواه ابن حبان ( 6366 ) ، ووالحاكم : 2 / 437 ، وصححه ، ووافقه الذهبي .
[11] انظر ( أحكام القرآن للجصاص ) : 5 / 241 .
[12] انظر ( أحكام القرآن ) للكيا الهراسي : 4 / 349 .
[13] انظر ( المحرر الوجيز ) : 4 / 454 ، 455 – الكتب العلمية .
[14] السنن الكبير : 7 / 54 ( 13126 ) – تحقيق محمد عبد القادر عطا – دار الباز – مكة .
[15] انظر ( التحرير والتنوير ) : 21 / 303 ، وحديث أم سلمة رضي الله عنها رواه الطحاوي في ( شرح مشكل الآثار ) : 2 / 39 .