مسألة مهمة في التحريرات

بيان جواز تغليظ اللام في {فصالا}، و{يصّالحا} مع ترقيقها في {طال} من طريق الطيّبة.

بيان جواز تغليظ اللام في {فصالا}، و{يصّالحا} مع ترقيقها في {طال} من طريق الطيّبة.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

بيان جواز تغليظ اللام في {فصالا}، و{يصّالحا} مع ترقيقها في {طال} من طريق الطيّبة.

قال ابن الجزريّ عند نقله للخلاف في نحو {طال}، و{فصالا}: "وأحد الوجهين في الهداية، والهادي، والتجريد من قراءته على عبد الباقي، وفي الكافي، وتلخيص أبي معشر". ثمّ قال: "والوجهان جميعاً في الشاطبية، والتجريد، والكافي، والتلخيص، وجامع البيان إلا أن صاحب التجريد أجرى الوجهين مع الصاد وقطع بالترقيق مع الطاء على أصله"(1).
قلت: أشار ابن الجزريّ إلى الخلف في اللام التي يحول بينها وبين الحروف الثلاثة ألف، وذلك في {طال}، و{يصّالحا}، و{فصالا}، وذكر أنّ الذين نقلوا الخلاف في هذا الجنس هم: الشاطبي، وابن الفحام، والمهدوي، وابن سفيان، وأبو معشر، وابن شريح، والداني في جامع البيان، وأخبر أنّ ابن الفحام ذكر الوجهين في اللام مع الصاد دون الطاء أي في {فصالا}، و{يصّالحا}، دون {طال}.
وفي الطيّبة قال: (.....وإن يحُلْ فيها ألفْ *** أو إن يُمَلْ مع ساكن الوقف اختُلِفْ)

فالمعمول به أداءً من طريق الطيّبة هو إعمال الخلاف مطلقاً من غير تمييز بين اللام مع الصاد واللام مع الطاء، وهو الموافق لظاهر الطيّبة.
وأمّا إعمال الخلاف في اللام مع الصاد دون الطاء فغير مقروء به، ولا يظهر في الطيّبة لأنّ ابن الجزري اعتبره انفرادًا من صاحب التجريد فيما يظهر، وإلاّ لأجازه.
وعند تأمّلي لبعض النصوص اتّضح أنّ ابن الفحام لم ينفرد بالخلاف في اللام مع الصاد دون الطاء، بل هو مذهب صاحب الكافي، والهداية أيضاً.

فأمّا من الكافي فقال ابن شريح: "واختلف عنه في اللام المشدّدة بعد الصاد، وإذا حال بين اللام والصاد ألف نحو:{صلّى}، و{يُصلّبوا}، و{يصالحا}، و{فصالا}، فبعضهم فخّم، وبعضهم قرأ بين اللفظين، والتفخيم أشهر"(2). قال المالقي: "ووافقه الإمام– أي وافق ابن شريح الداني– فيما بعد الصاد"(3).

وأمّا من الهداية فقال المهدوي في شرحه: "فإذا حالت الألف بين اللام والصاد نحو: {فصالا}، فقد ذكرنا أنّ عن ورش فيه الوجهين: الترقيق والتفخيم، فمن أخذ بالترقيق فلأنّ الألف قد حجزت بين اللام والصاد، ومن أخذ بالتفخيم فإنّه لم يعتدّ بالألف لضعفها، ولأنّها تزيد التفخيم حسناً، والأخذ بالترقيق أولى، ويُقوّي ذلك أنّه لم يرو أحد عن ورش أنّه فخّم {فطال عليهم الأمد}"(4).

وأمّا من التجريد فقال ابن الفحام: "فإن حالت الألف بين الصاد واللام المفتوحة، فقرأت على عبد الباقي بالترقيق، وعلى الجماعة بالتفخيم نحو: {فصالا}، و{يصالحا}"(5).

وعلى ما سبق يتّضح أن إجراء الخلاف في اللام مع الصاد دون الطاء صحيح على شرط ابن الجزري، لأنّه ثابت من طريق التجريد والكافي، والهداية، بل وذكر المهدوي أنّه لا يصحّ في هذا النوع غيره عن ورش بقوله: "ويُقوّي ذلك أنّه لم يرو أحد عن ورش أنّه فخّم {فطال عليهم الأمد}"
ويؤخذ مما سبق أنّ رواة الوجهين في {طال}، و{فصالا}، و{يصّالحا} على قسمين:
الأول: قسم نقل الخلاف في الكلمات الثلاثة، وهؤلاء هم: الشاطبي، والداني، وأبو معشر الطبري على ما يظهر في النشر.
الثاني: قسم نقل الخلاف في {فصالا}،و{يصّالحاً} دون {طال}، وهؤلاء هم: صاحب التجريد، والكافي، والهداية، مع كونهم يُغلّظون اللام مع الطاء في نحو {الطلاق}.
والعلم عند الله تعالى



(1) النشر (2/113 و 114).
(2) الكافي ص70.
(3) الدرّ اليتيم ص571.
(4) شرح الهداية ص130، و131.
(5) التجريد ص181.
 
مسألة تحريرية أردت عرضها

مسألة تحريرية أردت عرضها

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد

مسألة تحريرية أردت عرضها، وهي تتعلّق بمسالة الهمزتين المفتوحتين من كلمة للأزرق من طريق الكافي لابن شريح

قال ابن الجزري: "وذكر الوجهين جميعاً ابن شريح والشاطبي والصفراوي وغيرهم"(النشر 1/363) أي ذكروا : تسهيل الثانية أو إبدالها حرف مدّ مشبع.
قال ابن شريح: "فقرأ الحرميان وأبو عمرو وهشام بتحقيق الاولى، وتسهيل الثانية يجعلونها بين الهمزة والألف" ثم قال: "وقد قيل إنّ ورشاً يُبدل من الثانية ألفاً، وعلى هذا تدلّ روايته لأنّ الرواية أتت عنه بالمدّ، ولا يكون المدّ إلاّ بالبدل، ولا يتمكّن المدّ بجعلها بين بين"(الكافي ص44).
لحدّ الآن لا إشكال في المسألة لأنّ ما في النشر يوافق ما في الكافي لابن شريح.
ولمّا اقتنيت كتاب مفردة يعقوب لابن شريح وجدتّ هذا النصّ الذي غيّر عندي ما جنح إليه ابن الجزري والمحررون، وهو قول ابن شريح في كتابه مفردة نافع: "يُحقّق الأولى منهما ورش، ويُبدلُ الثانية ألفاً، وقد قرأتُ له الثانية بين بين، أعني بين الهمزة والألف، وهو أحسَنُ"(مفردة نافع ص95). قلت: فقوله: "وقد قرأت له الثانية بين بين"، قلب الموازين ودلّ أنّ ابن شريح قرأ بالتسهيل، وإشارته إلى وجه الإبدال كان على سبيل الحكاية، وهذا سرّ قوله في الكافي : "وقد قيل إنّ ورشاً يُبدل من الثانية ألفاً" بصيغة التضعيف.
فنستفيد من هذه المسألة أنّ الأئمّة أحياناً يذكرون بعض الأوجه التي لم يقرؤوا بها، ولا يُبيّنون ذلك على وجه التصريح، فيظنّ المتأخرون أنّه ثابت عنهم عن طريق الأداء، وهو ليس كذلك. أقول بكلّ تواضع إنّ الخلل بدأ من ابن شريح رحمه الله لأنّه ذكر في إسناده الوحيد في الكافي قراءته بهذه الرواية فقال: "اعلم أنّي قرأ برواية ورش على أبي العباس أحمد بن النفيس المقرئ" ثمّ ذكر باقي السند بصيغة القراءة إلى أبي يعقوب الأزرق عن ورش، وذكر في كتابه مفردة نافع نفس الإسناد فقال: اعلم لقّنك الله أنّي قرأت بهذه الرواية على أبي العباس" ثمّ ذكر باقي السند. فالشاهد أنّه ذكر سند قراءته، لكنّه أدخل في كتابه الكافي ما ليس من قراءته، واستعماله لصيغة التضعيف غير كاف لأنّ أهل الأداء كثيراً ما يستعملون هذه الصيغ فيما صحّ عندهم على غير الأقوى في الرواية.

أقول لمشايخي الأفاضل: ما قيمة قراءة ابن الجزري بالإبدال من طريق بن شريح، إن كان ابن شريح لم يقرأ به عن شيخه أبي العباس ؟
إن اعتبرنا بوجه الإبدال من طريق ابن شريح فما فائدة الإسناد ؟.
وهنا مسألة أخرى: فإن كان ابن الجزري رحمه مدركاً بأنّ بن شريح قرأ بالتسهيل ومع ذلك ذكر الوجهين له، فهو مضطرب في منهجه لأنّه نبّه في الكثير من المسائل خروج الداني عن طريقه في التيسير حيث ذكر فيه مالم يقرأه على ابن خاقان مثلاً فتعقّبه في النشر، ولم يُعقّب على ابن شريح في هذه المسألة مثل ما صنع مع الداني. وإمّا أن يكون على غير علم بقراءة ابن شريح بالتسهيل لعدم وقوفه على كلامه، ففي كلتا الحالتين وجب الاستدراك على ابن الجزري بإهمال وجه الإبدال والاقتصار على وجه التسهيل لأنّه به ثبت الأداء عن ابن شريح عن شيخه أبي العباس.
فالإبدال وإن قرأ به ابن الجزري، فإنّه لا يصحّ أداءً عن ابن شريح لأنّه لم يقرأ به على شيخه أبي العباس.
والعلم عند الله تعالى.
 
قال ابن الجزري في النشر 1337:

" تنبيه : ظاهر عبارة التيسير في (هداي) في البقرة و طه ,و(محياي) في الأنعام ,و (مثواي) في يوسف , الفتح لورش من طريق الأزرق , وذلك أنه لما نص على إمالتها للكسائي من رواية الدوري عنه في الفصل المختص به وأضاف إليه (رؤياك) نص بعد ذلك على إمالة (رؤياك) بين بين لورش وأبي عمرو دون الباقي , وقد نص في باقي كتبه على خلاف ذلك ,وصرح به نصاً في كتاب (الإمالة) , وهو الصواب خلافاً لمن تعلق بظاهر عبارته في التيسير , وكذلك ظاهر عبارة العنوان في هود يقتضي فتح (مرساها) لورش , وكذا (السوأى) في الروم , والصواب إدخال ذلك في الضابط المتقدم في باب الإمالة فيؤخذ له بين بين بلا نظر والله أعلم" اﻫ.

وقال الإزميري في البدائع (ل 6)

" تنبيه : قال في النشر بعد تمثيل (لا) التي للتبرئة (نص على ذلك ابن سوار في المستنير) قلتُ: رأيت نسخاً كثيرة من المستنير لم يتعرض لذكر التوسط في هذا النوع إلا نسخة واحدة ذكر فيها أول البقرة قال (روى القطان عن ابن سعدان عن سليم عن حمزة التوسط في ((لا ريب )) ونحوها ) ,فعلى هذا لا يجيء التوسط من المستنير لخلف وخلاد , ولكنا نأخذ بالتوسط منه اعتماداً على ابن الجزري لأنه عالم بالفن ,ويحتمل خطأ جميع ما رأيته من النسخ " اﻫ.
 

تنبيه : ظاهر عبارة التيسير في (هداي) في البقرة و طه ,و(محياي) في الأنعام ,و (مثواي) في يوسف , الفتح لورش من طريق الأزرق , وذلك أنه لما نص على إمالتها للكسائي من رواية الدوري عنه في الفصل المختص به وأضاف إليه (رؤياك) نص بعد ذلك على إمالة (رؤياك) بين بين لورش وأبي عمرو دون الباقي , وقد نص في باقي كتبه على خلاف ذلك ,وصرح به نصاً في كتاب (الإمالة) , وهو الصواب خلافاً لمن تعلق بظاهر عبارته في التيسير , وكذلك ظاهر عبارة العنوان في هود يقتضي فتح (مرساها) لورش , وكذا (السوأى) في الروم , والصواب إدخال ذلك في الضابط المتقدم في باب الإمالة فيؤخذ له بين بين بلا نظر والله أعلم" اﻫ.
لم أفهم سبب نقل هذا النصّ. كان ينبغي التعليق لندرك الغاية من نقله.

تنبيه : قال في النشر بعد تمثيل (لا) التي للتبرئة (نص على ذلك ابن سوار في المستنير) قلتُ: رأيت نسخاً كثيرة من المستنير لم يتعرض لذكر التوسط في هذا النوع إلا نسخة واحدة ذكر فيها أول البقرة قال (روى القطان عن ابن سعدان عن سليم عن حمزة التوسط في ((لا ريب )) ونحوها ) ,فعلى هذا لا يجيء التوسط من المستنير لخلف وخلاد , ولكنا نأخذ بالتوسط منه اعتماداً على ابن الجزري لأنه عالم بالفن ,ويحتمل خطأ جميع ما رأيته من النسخ " اﻫ.
هل الأزميري عامل جميع المسائل كما عامل هذه المسألة بالذات ؟ إنّما جنح إلى ما جنح إليه ابن الجزري في هذه المسألة لأنّه وجد نسخة توافق ما في النشر فاطمأنّ لذلك، وصنيعه هذا معقول ووجيه، إذ كلّ ما وقع فيه غموض وإشكال فالنشر هو المخرج، ثمّ نحن نعلم أنّ معظم مصادر النشر طبعت على نسختين أو أكثر، فإن لم يرد تضارب في النسخ فالأصل أن ما في النسخ موثوق، ولا يمكن التشكيك مطلقاً في جميع المصادر دون النشر، إذ التشكيك في المصادر هو تشكيك أيضاً في النسخ التي اعتمد عليها ابن الجزري، فإن قلتم قد اعتمد على الأداء قلنا لم يعتمد في نشره على الأداء فحسب إذ كلّه نقل من الكتب وعزو إليها. ثمّ إنّ الأزميري وغيره من الحرّرين لم يسلموا من الاضطراب، وحتّى ابن الجزري نفسه لم يسلم من ذلك لأنّهم جميعاً بشر، ولأنّ المحرّرين لم يذكروا منهجهم في التحرير، ولم يؤصّلوه، كما أصلّ أهل الحديث والأصول المسائل للتقليل من الاضطراب والتعارض.
والإشكال هو في تتبع اضطرابات المحرّرين دون ما في النشر، ولو وقفوا على شرطه وبحثوا ودقّقوا لوجدوا أنّه خرج عن شرطه في بعض الأحيان وأنّه وقع في الاضطراب ولا ينقص ذلك من قدره عليه رحمة الله.
 
عودة
أعلى