محمد يحيى شريف
New member
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
الهدف من هذا البحث هو بيان: كيفية التعامل مع ما أهمله ابن الجزري في النشر والطيّبة بعد ثبوت صحّته على شرطه في النشر.
وها أنا أذكر مثالا من الأمثلة لتتّضح الأمور جيّدا، وهي مسألة ترقيق الراء {المرء} لورش من طريق الأزرق.
فأقول وبالله التوفيق:
اختلف عن الأزرق في راء {المرء}، فذهب إلى التفخيم صاحب التجريد(1)، وتلخيص العبارات(2)، وهو أحد الوجهين في التبصرة(3)، والهداية(4)، والكافي(5). وذهب الباقون إلى التفخيم، وهو الثاني في التبصرة، والهداية، والكافي، ولا يصحّ في هذه الكتب الثلاثة من النشر إلاّ وجه التفخيم، حيث أهمل ابن الجزري وجه الترقيق في {المرء} مطلقاً، سواء للأزرق أو لغيره، ورجّح التفخيم، فقال: "والتفخيم هو الأصح، والقياس لورش، وجميع القراء، وهو الذي لم يذكر في الشاطبية، والتيسير، والكافي، والهادي(6)، والهداية(7)، وسائر أهل الأداء سواه، وأجمعوا على تفخيم: {ترميهم}، و{في السرد}، و{رب العرش}، و{الأرض}، ونحوه، ولا فرق بينه وبين (المرء) والله أعلم"(8).
قلت: وأمّا من التجريد، وتلخيص العبارات، فلم يرد فيهما لورش إلاّ الترقيق، والعدول عنه إلى التفخيم خروج عن الرواية من طريقيهما، لأنّ الترقيق في {المرء} عن ورش صحيح على شرط ابن الجزري، لشهرته(9) عند رجال كتاب النشر، ممن أسند إليهم ابن الجزريّ رواياته، بل قد يبلغ مبلغ التواتر لأنّه مرويّ عن الأهوازي(10)، وابن الفحام، ومكي، وابن شريح، والمهدويّ، وابن سفيان، وابن بلّيمة، وغيرهم. قال مكي: "والمشهور عن ورش الترقيق.(11)" بل خطّأ بعض أهل الأداء من قرأ بالتفخيم كأبي الحسن الحصري حين قال (ولا تَقْرَ راء المرء إلاّ رقيقة)، وبه قرأ ابن عظيمة الإشبيلي(12) لورش كما أخبر في شرحه على القصيد الحصري. ولم يُخطئ الداني الآخذين بوجه الترقيق بل اكتفى بالقول: "وتفخيمها أقيس لأجل الفتحة قبلها، وبه قرأت"(13)، وحتّى ابن الجزريّ نفسه لم يُسقطه بل وصفه بالصحّة عند قوله: "والتفخيم هو الأصح، والقياس لورش وجميع القراء"، فقوله: "والتفخيم هو الأصح"، دليل على أنّ الترقيق صحيح. وأغرب كيف ضعّف الشاطبيّ وجه الترقيق بقوله : (وما بعده كسر أو اليا فما لهم بترقيقه نصّ وثيق فيمثلا). فقوله: وما بعده كسرٌ يقصد: {المرء}. وهذا التضعيف منه غير مسلّم لأنّ الداني لم يُضعّفه، وإنّما ضعّف(14) الراء الساكنة المتبوعة بالياء نحو: {قرية}، و{مريم}، إذ لو كان تضعيف الشاطبيّ مقتصراً على المتبوعة بالياء لقنا أنّه اتّبع الداني في ذلك، لكن لم نر تضعيفاً للداني في {المرء}، وبالتالي فلا وجه لتضعيفه ومنعه، إلاّ إذا كان تضعيفه له بسبب عدم ثبوته عنده بالرواية، لكن عدم ثبوته عنده لا يعني عدم ثبوته عند غيره.
خلاصة المسألة:
نخلص مما سبق إلى أنّ وجه الترقيق في {المرء} صحيح على شرط ابن الجزريّ عن الأزرق، ويصحّ في النشر من طريق التجريد، وتلخيص العبارات لثبوته فيهما من غير خلاف. أمّا من التبصرة، والكافي، والهداية، فنقتصر لهم على وجه التفخيم لثبوته فيها زيادة على وجه الترقيق، عملاً والتزاماً باختيار ابن الجزريّ ما دام اختياره ثابتا في المصادر الثلاثة.
وهنا مسألة مهمّة وهو هدف البحث:
فهل نتّبع ابن الجزري في إهماله لوجه صحيح على شرطه لا سيما إذا قرئ من طريق لم يرد فيه غيره.
فالتجريد وتلخيص العبارات لم يصحّ عنهما إلاّ وجه الترقيق، وقد تبيّن أنّ هذا الوجه صحيح على شرط ابن الجزري، فإن اتّبعنا ابن الجزري في التفخيم من طريق التجريد والتلخيص فقد خالفنا الرواية عنهما، لأنّ الرواية عنهما هي بالترقيق، وهذا يقتضي أن يكون صاحب النشر قد قرأ بذلك من طريقيهما.
والذي أراه هو مخالفة ابن الجزري، واتّباع الرواية الصحيحة التي ثبتت عن صاحب التجريد والتلخيص لعدة أسباب:
أوّلها: إنّ ابن الجزري ليس مصدر الرواية بل هو متّبع، والقراءة سنّة متّبعة فيما صحّ واشتهر.
الثاني: ابن الجزري نفسه خالف من تقدّمه في بعض الأوجه فعدل عن الرواية واتّبع اجتهاده كما صنع في مسألتنا هذه، أفلا يحقّ لنا أن نصنع ذلك نحن معه، كما صنع هو مع من تقدّمه.
الثالث: إهماله للوجه كان على أساس قياس واجتهاد محض، بقوله: "والتفخيم هو الأصح، والقياس لورش، وجميع القراء، وهو الذي لم يذكر في الشاطبية، والتيسير، والكافي، والهادي، والهداية، وسائر أهل الأداء سواه، وأجمعوا على تفخيم: {ترميهم}، و{في السرد}، و{رب العرش}، و{الأرض}، ونحوه، ولا فرق بينه وبين (المرء) والله أعلم".
الرابع: لا يمكن أن نُسمّي ما صنعه اختياراً، لأنّ الاختيار يكون بالاقتصار على أحد الأوجه الثابتة في الرواية، ونحن نعلم أنّ الرواية من طريق التلخيص والتجريد هي بالترقيق فحسب، والعدول عن ذلك من طريقيهما هو خروج عن الرواية وليس اختياراً، إذ لو كان اختياراً لأجاز لنفسه الخلط بين جميع المصادر، ولاكتفى بنقل الخلاف من غير عزو وتحرير، وبالتالي يكون قد خالف منهجه الذي مشى عليه في النشر.
هذه المسألة مفتاح لأصل وقاعدة مهمّة في التحريرات.
_______________________________________
(1) التجريد ص180
(2) تلخيص العبارات ص51.
(3) التبصرة ص48.
(4) شرح الهداية ص141، و142.
(6) الكافي ص76.
(7) قد ذكر المهدوي الوجهين في شرح الهداية ص141، و142.
(8) النشر (2/102).
(9) (النشر 2/102).
(10) ينظر النشر (2/102)، وكتاب الكنز لعبد المؤمن الواسطي. وطريق الأهوازي سواء من الوجيز أو الموجز ليس من طرق النشر بالنسبة لطريق الأزرق.
(11) ينظر التبصرة ص148.
(12) منح الفريدة ص421.
(13) جامع البيان ص358.
(14) قال الداني في إيجاز البيان: "وقد استثنى آخرون من ذلك أيضاً، ما كان بعد الراء فيه ياء مفتوحة نحو قوله تعالى: {مريم}، و {قرية}، و{من قريتنا}، و{من قريتكم} وشبهه، لمكان الياء، وذلك خطأ لا شكّ فيه"(شرح الدرر للمنتوري 2/594). قلت: وقد نقل المنتوري أقوالاً كثيرة عن الداني في ذلك.
الهدف من هذا البحث هو بيان: كيفية التعامل مع ما أهمله ابن الجزري في النشر والطيّبة بعد ثبوت صحّته على شرطه في النشر.
وها أنا أذكر مثالا من الأمثلة لتتّضح الأمور جيّدا، وهي مسألة ترقيق الراء {المرء} لورش من طريق الأزرق.
فأقول وبالله التوفيق:
اختلف عن الأزرق في راء {المرء}، فذهب إلى التفخيم صاحب التجريد(1)، وتلخيص العبارات(2)، وهو أحد الوجهين في التبصرة(3)، والهداية(4)، والكافي(5). وذهب الباقون إلى التفخيم، وهو الثاني في التبصرة، والهداية، والكافي، ولا يصحّ في هذه الكتب الثلاثة من النشر إلاّ وجه التفخيم، حيث أهمل ابن الجزري وجه الترقيق في {المرء} مطلقاً، سواء للأزرق أو لغيره، ورجّح التفخيم، فقال: "والتفخيم هو الأصح، والقياس لورش، وجميع القراء، وهو الذي لم يذكر في الشاطبية، والتيسير، والكافي، والهادي(6)، والهداية(7)، وسائر أهل الأداء سواه، وأجمعوا على تفخيم: {ترميهم}، و{في السرد}، و{رب العرش}، و{الأرض}، ونحوه، ولا فرق بينه وبين (المرء) والله أعلم"(8).
قلت: وأمّا من التجريد، وتلخيص العبارات، فلم يرد فيهما لورش إلاّ الترقيق، والعدول عنه إلى التفخيم خروج عن الرواية من طريقيهما، لأنّ الترقيق في {المرء} عن ورش صحيح على شرط ابن الجزري، لشهرته(9) عند رجال كتاب النشر، ممن أسند إليهم ابن الجزريّ رواياته، بل قد يبلغ مبلغ التواتر لأنّه مرويّ عن الأهوازي(10)، وابن الفحام، ومكي، وابن شريح، والمهدويّ، وابن سفيان، وابن بلّيمة، وغيرهم. قال مكي: "والمشهور عن ورش الترقيق.(11)" بل خطّأ بعض أهل الأداء من قرأ بالتفخيم كأبي الحسن الحصري حين قال (ولا تَقْرَ راء المرء إلاّ رقيقة)، وبه قرأ ابن عظيمة الإشبيلي(12) لورش كما أخبر في شرحه على القصيد الحصري. ولم يُخطئ الداني الآخذين بوجه الترقيق بل اكتفى بالقول: "وتفخيمها أقيس لأجل الفتحة قبلها، وبه قرأت"(13)، وحتّى ابن الجزريّ نفسه لم يُسقطه بل وصفه بالصحّة عند قوله: "والتفخيم هو الأصح، والقياس لورش وجميع القراء"، فقوله: "والتفخيم هو الأصح"، دليل على أنّ الترقيق صحيح. وأغرب كيف ضعّف الشاطبيّ وجه الترقيق بقوله : (وما بعده كسر أو اليا فما لهم بترقيقه نصّ وثيق فيمثلا). فقوله: وما بعده كسرٌ يقصد: {المرء}. وهذا التضعيف منه غير مسلّم لأنّ الداني لم يُضعّفه، وإنّما ضعّف(14) الراء الساكنة المتبوعة بالياء نحو: {قرية}، و{مريم}، إذ لو كان تضعيف الشاطبيّ مقتصراً على المتبوعة بالياء لقنا أنّه اتّبع الداني في ذلك، لكن لم نر تضعيفاً للداني في {المرء}، وبالتالي فلا وجه لتضعيفه ومنعه، إلاّ إذا كان تضعيفه له بسبب عدم ثبوته عنده بالرواية، لكن عدم ثبوته عنده لا يعني عدم ثبوته عند غيره.
خلاصة المسألة:
نخلص مما سبق إلى أنّ وجه الترقيق في {المرء} صحيح على شرط ابن الجزريّ عن الأزرق، ويصحّ في النشر من طريق التجريد، وتلخيص العبارات لثبوته فيهما من غير خلاف. أمّا من التبصرة، والكافي، والهداية، فنقتصر لهم على وجه التفخيم لثبوته فيها زيادة على وجه الترقيق، عملاً والتزاماً باختيار ابن الجزريّ ما دام اختياره ثابتا في المصادر الثلاثة.
وهنا مسألة مهمّة وهو هدف البحث:
فهل نتّبع ابن الجزري في إهماله لوجه صحيح على شرطه لا سيما إذا قرئ من طريق لم يرد فيه غيره.
فالتجريد وتلخيص العبارات لم يصحّ عنهما إلاّ وجه الترقيق، وقد تبيّن أنّ هذا الوجه صحيح على شرط ابن الجزري، فإن اتّبعنا ابن الجزري في التفخيم من طريق التجريد والتلخيص فقد خالفنا الرواية عنهما، لأنّ الرواية عنهما هي بالترقيق، وهذا يقتضي أن يكون صاحب النشر قد قرأ بذلك من طريقيهما.
والذي أراه هو مخالفة ابن الجزري، واتّباع الرواية الصحيحة التي ثبتت عن صاحب التجريد والتلخيص لعدة أسباب:
أوّلها: إنّ ابن الجزري ليس مصدر الرواية بل هو متّبع، والقراءة سنّة متّبعة فيما صحّ واشتهر.
الثاني: ابن الجزري نفسه خالف من تقدّمه في بعض الأوجه فعدل عن الرواية واتّبع اجتهاده كما صنع في مسألتنا هذه، أفلا يحقّ لنا أن نصنع ذلك نحن معه، كما صنع هو مع من تقدّمه.
الثالث: إهماله للوجه كان على أساس قياس واجتهاد محض، بقوله: "والتفخيم هو الأصح، والقياس لورش، وجميع القراء، وهو الذي لم يذكر في الشاطبية، والتيسير، والكافي، والهادي، والهداية، وسائر أهل الأداء سواه، وأجمعوا على تفخيم: {ترميهم}، و{في السرد}، و{رب العرش}، و{الأرض}، ونحوه، ولا فرق بينه وبين (المرء) والله أعلم".
الرابع: لا يمكن أن نُسمّي ما صنعه اختياراً، لأنّ الاختيار يكون بالاقتصار على أحد الأوجه الثابتة في الرواية، ونحن نعلم أنّ الرواية من طريق التلخيص والتجريد هي بالترقيق فحسب، والعدول عن ذلك من طريقيهما هو خروج عن الرواية وليس اختياراً، إذ لو كان اختياراً لأجاز لنفسه الخلط بين جميع المصادر، ولاكتفى بنقل الخلاف من غير عزو وتحرير، وبالتالي يكون قد خالف منهجه الذي مشى عليه في النشر.
هذه المسألة مفتاح لأصل وقاعدة مهمّة في التحريرات.
_______________________________________
(1) التجريد ص180
(2) تلخيص العبارات ص51.
(3) التبصرة ص48.
(4) شرح الهداية ص141، و142.
(6) الكافي ص76.
(7) قد ذكر المهدوي الوجهين في شرح الهداية ص141، و142.
(8) النشر (2/102).
(9) (النشر 2/102).
(10) ينظر النشر (2/102)، وكتاب الكنز لعبد المؤمن الواسطي. وطريق الأهوازي سواء من الوجيز أو الموجز ليس من طرق النشر بالنسبة لطريق الأزرق.
(11) ينظر التبصرة ص148.
(12) منح الفريدة ص421.
(13) جامع البيان ص358.
(14) قال الداني في إيجاز البيان: "وقد استثنى آخرون من ذلك أيضاً، ما كان بعد الراء فيه ياء مفتوحة نحو قوله تعالى: {مريم}، و {قرية}، و{من قريتنا}، و{من قريتكم} وشبهه، لمكان الياء، وذلك خطأ لا شكّ فيه"(شرح الدرر للمنتوري 2/594). قلت: وقد نقل المنتوري أقوالاً كثيرة عن الداني في ذلك.