مسألة للنقاش:" فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ":

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم الله الرحمن الرحيم



يقول الله تعالى:" فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)"

هذا نهي من الله سبحانه وتعالى أن نضرب له الأمثال، لأنه مهما توهمنا ومهما تخيلنا فالله أعظم وأجل وأكبر ، فلا يعرف كيف هو سبحانه إلا هو.

وهذا أحد الوجوه في تأويل الآية: ( يعني لا تشبهوه/ بخلقه ) -انظر مفاتيح الغيب-.

فضرب المثل للشيء لا يتأتى إلا برؤية هذا الشيء أو رؤية نظيره أو الخبر الصادق عنه. وكل هذه الطرق الثلاثة متعذرة.

يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى:" فلا تمثلوا لِلهِ الأمثال، ولا تشبِّهوا له الأشباه، فإنه لا مِثْل له ولا شِبْه". اهـــ.

وسؤالي: هل ما نقرأه من ضرب الأمثال لبعض أفعال الله تعالى كالتوفيق والخذلان أو الهداية والإضلال وغيرها يعتبر من الضرب المحذور؟

والذي جعلني أطرح هذا السؤال هو ما علق به الشيخ محمد حامد الفقي على كلام شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله تعالى عند ضربه مثلا للتوفيق والخذلان -في المدارج-. يقول الشيخ الفقي :" سبحان الله أن تضرب له الأمثال، فإن الله يعلم وهم لا يعلمون".اهـــ.

ولا يخفى على أحد إمامة ابن القيم ومدى غوصه في بحور العلم وفي مقدمته علم التوحيد والاعتقاد، ومثل هذا الإمام الهمام لا يمكن أن يخفى عليه المحذور من الجائز في هذا الباب.

والله أعلم وأحكم.
 
لم يتضح لي المقصود فلو نقلت المثل الذي ضربه ابن القيم ليتضح الأمر أكثر وفقك الله .
وأيضاً ليتك توضح مقصودك بمثال في قولك : (وسؤالي: هل ما نقرأه من ضرب الأمثال لبعض أفعال الله تعالى كالتوفيق والخذلان أو الهداية والإضلال وغيرها يعتبر من الضرب المحذور؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم

بارك الله فيك دكتور عبد الرحمن.


يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كلامه عن مشهد التوفيق والخذلان -وهو أحد مشاهد المعصية-:

( وقد ضرب للتوفيق والخذلان مثل ملك أرسل إلى أهل بلد من بلاده رسولا وكتب معه إليهم كتابا يعلمهم أن العدو مصبحهم عن قريب ومجتاحهم ومخرب البلد ومهلك من فيها وأرسل إليهم أموالا ومراكب وزادا وعدة وأدلة وقال ارتحلوا مع هؤلاء الأدلة وقد أرسلت إليكم جميع ما تحتاجون إليه ثم قال لجماعة من مماليكه اذهبوا إلى فلان فخذوا بيده واحملوه ولا تذروه يقعد واذهبوا إلى فلان كذلك وإلى فلان وذروا من عداهم فإنهم لا يصلحون أن يساكنوني في بلدي فذهب خواص مماليكه إلى من أمروا بحملهم فلم يتركوهم يقرون بل حملوهم حملا وساقوهم سوقا إلى الملك فاجتاح العدو من بقي في المدينة وقتلهم وأسر من أسر.
فهل يعد الملك ظالما لهؤلاء أم عادلا فيهم؟ نعم خص أولئك بإحسانه وعنايته وحرمها من عداهم إذ لا يجب عليه التسوية بينهم في فضله وإكرامه بل ذلك فضلة يؤتيه من يشاء .) اهـــــ. -المدارج:1/415-.

يقول الشيخ القفي معلقا على هذا المثال :" سبحان الله أن تضرب له الأمثال، فإن الله يعلم وهم لا يعلمون".اهـــــ.

قلت متسائلا : هل هذا المثال وغيره من الأمثلة التي يضربها بعض العلماء لبعض أفعال الله تعالى كالتوفيق والخذلان مثلا يندرج في النهي الوارد في قوله تعالى:" فلا تضربوا لله الأمثال"؟

فلا خلاف في أن ضرب الأمثال لما يتعلق بذات الله وتشبيهه بخلقه من القسم المنهي عنه والمحذور.

لكن هل ينطبق هذا النهي على مثل ذاك المثال المضروب للتوفيق والخذلان على أن هذه تتعلق بأفعال الله جل في علاه وليس بذاته سبحانه؟

-تنبيه: للأسف المدارج يحتاج إلى تنقيح فهناك أخطاء مطبعية كثيرة وهذا ما لاحظته سواء في الطبعة المتوفرة عندي أو تلك الموجودة في الشاملة-.
 
أحسنت وفقك الله فقد اتضحت لي الصورة الآن ..

سؤالك في محله فعلاً، ولعلي وبقية الزملاء نراجع بعض المصادر العقدية خصوصاً التي فصلت في المقصود بالنهي عن ضرب الأمثال لله بشكل أوسع.
إن كنت أتوقع في مثل هذا المثال الذي ذكرتم أنه لا يشمله النهي، وأنه مجرد تقريب بالمثال لمعنى التوفيق والخذلان في أفعال الله، وأن هدف ابن القيم هو تقريب الأمر لذهن السامع بضرب المثال. لكن لعل البحث يكشف وجه الصواب أكثر بإذن الله جزاك الله خيراً
 
المنهي عنه في قوله تعالى: (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) الأنداد والنظراء.
وأما ضرب المثل لتقريب المعنى فلا محذورَ فيه، ففي سياق هذه الآية يقول سبحانه وتعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ). فاستدراك الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله في غير محله. والله أعلم.
 
السلام عليكم ورحمة الله
أحسنت أخي الكريم ابراهيم ، كلام سليم فالمقصود تقريب المعنى وليس المشابهة والمماثلة إذ ( ليس كمثله شيء ) ، ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) أي شبيه ولا عدل ولا مثيل أو نظير .
 
المنهي عنه في قوله تعالى: (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) الأنداد والنظراء.
وأما ضرب المثل لتقريب المعنى فلا محذورَ فيه، ففي سياق هذه الآية يقول سبحانه وتعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ). فاستدراك الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله في غير محله. والله أعلم.

أما في مسألة الاستشهاد بالمثل المضروب في الآية فالمثل قد يكون مضروبٌ في العباد وليس في الله تعالى وهو مقارنة بين العباد ، وقد يكون اقرب مثال قد يكون - ولا أجزم بذلك- ينطبق عليه القول بضرب المثل على النحو المنهي عنه في الآية للناس وهو لله ممكن ، كقوله تعالى ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل:76]
قال فيها الطبري رحمه الله "وهذا مثل ضربه الله تعالى لنفسه والآلهة التي تُعبد من دونه" وقد يكون المثل لله العلي سبحانه في قوله (كلٌّ على مولاه) فقد يكون القول أن المولى هو قد يراد به ذاته سبحانه اوجه لتنكير المولى وعدم تشبيهه بالبشر بينما لو أُخذ المحمل على ماقال ابن جرير رحمه الله لأصبح تشبيه الله للآلهة بالرجل الابكم الذي لا يقدر على شيء والله -تعالت ذاته- بمن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم.
فلو تحقق صرف المثل عن الله إلى سواه كان في ذلك امتثال لأمر بالله بالنهي عن ضرب المثل لله فليس كمثله شيء وعليه فيكون المثل بالصورة الأولى التفريق في الآية السالفة هو بين العبد المؤمن المنفق الذي يسمع اوامر الله ويأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم وبين العبد الابكم العاجز الذي لا يطيع لمولاه أمر - أي ربه- سبحانه ، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما.
وكلها في سياق واحد يقول تعالى:
فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ 74 ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ 75 وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ 76 [النحل]
 
إن الأمثال بعض إعجاز القرآن، وهي بعض مفاتنه البلاغية، تأخذ بالألباب أخذا، وتفتن النفوس ببديع صورها، فتملأ –بحسب مراميها- القلب فزعا وسكنا، والنفس رَغَبا ورَهَبا، وتنزل العقول فَتَدْهَشُ لروعتها وبراعتها.

لقد جَرَى القرآن في لغته على ما جَرَتْ عليه لغة العرب، وقد كانت الأمثال في لغتهم مشهورة، وعلى ألسنتهم جارية، فساق القرآن الأمثال، وهي وإن كانت أمثالا، فإنها ليست كأمثالهم، إن أمثال القرآن أعلى كعبا، وأجمل صورةً، وأعمق غَوْرا، وأَجْلَى معنًى. ومن بديع أمثال القرآن أنها كلما زادت أجزاء الصورة في المثل زادت روعة وبراعة.
وتأملوا معي تلك النماذج من أمثال القرآن:
  • قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة: 275].
هل رأيتم صورة وهيئة الذي يتخبطه الشيطان من المس؟
والجواب: لا.
فهل غابت عنكم الصورة والهيئة في الآية؟
الجواب: لا.
كيف ذلك؟! إنكم لم تروا الصورة، فكيف تكون حاضرة في أذهانكم؟!
والجواب: لقد ترك المثل القرآني حال وهيئة الذي يتخبط من مس الشيطان لخيالك، إن الحاضر في ذهنك أنها صورة مخيفة، فظيعة، رهيبة، رعيبة، فاسرح بخيالك واستحضر تلك الهيئة في قلبك، فكل ما تتخيله من عذاب لآكلي الربا ممكن وأشد، وحال استحضارك الصورة في خيالك تَحَسَّسْ قلبك، أمازال في مكانه؟! فلعله قد هرب من ضلوعك فَرَقَا.
  • وتأملوا معي تلك الصورة اللطيفة البديعة في قول الله تعالى:(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 261]
هل قرأتم المثل؟ هل أنتم في حاجة لبيانه؟
كل قارئ لهذا المثل -علم أو لم يعلم- سيدرك قدر عظمة النفقة في سبيل الله، والقارئ لن يدركها فقط، بل إنه سيستمتع بجمال الصورة وتفاصيلها، وسيأخذ في الحساب حتى يقف على قدر الثواب، ثم إنه سيجد نفسه بعد أن ينتهي من حساباته أمام: (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ)، إنه بعد أن يدرك أن مقدار الثواب كبير عظيم، يأتيه خبر من ربه وبشارة أعظم، إن هذا المقدار يضاعفه الله أضعافا، ثم يأتيه خبر آخر يجعل كل ما تقدم يقينا راسخا في قلب المؤمن: (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) إن الله واسع الفضل، فضله لا ينقص ولا ينقطع عن عباده.
  • واسمعوا لهذا المثل، قال الله عز وجل: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات: 12]
هل تهيأ لك أن أكلتَ لحم أخيك وهو ميت؟
بالطبع لا، فإن كنتَ لم تفعل، فاعلم أنك حين تذكر أخاك في غيبته بما يكره، فكأنك تأكل في لحمه وهو ميت، تَذَكَّرْ ذلك واستحضره في مخيلتك وعقلك وقلبك حين تغتاب أخاك، فإن بَقِيَ في نفسك رغبة في الاستزادة من لحمه ميتا، فامض في غيبتك إياه، وزِدْ من لحمه حتى تملأ بطنك، وتَتَجَشَّأَ دَمَه.

مَثَلٌ مَحَلُّ اختلاف:
اعترض البعض على ضرب الأمثال جملة دون تمييز، وميز بعضهم ضرب المثل للهعز وجل، عن المثل لغيره من الأفعال والمخلوقات، وكان المثل في قول الله عز وجل: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل:76]، هو محل الاضطراب والاختلاف، والأمر عندي ليس محلا لاضطراب ولا محلا لاختلاف؛ فإن الله عز وجل في الآية لم يمثل نفسه بأحد، فالْمَثَلُ في الآية يشبه الْمَثَل في قوله عز وجل: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [النحل: 17]، وقد ورد مثل هذا في القرآن في مواطن عدة.

فالله جَلَّ وعَلا سُبَّحَانَه عَزَّ عن الشبيه والمثيل، وهنا نقول ما يقول ربنا: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، ونسمع ونطيع لما أمرنا به: (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). أما الأفعال والأحوال والخلق فإنها محل ضرب الأمثال، وفي القرآن منه الكثير، فلا محذور في ذلك، بل هو من لطيف المعاني، ومن بليغ الكلام، ومن جميل الأساليب.

ولقد جَارَى رسول الله صلى الله عليه وسلم لغة كتاب الله في ضرب الأمثال، وفي حديثهصلى الله عليه وسلم منها الكثير، ويحضرني هنا المثل الرائع الذي ضربه للمشركين حين جاءه الأمر (اِصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) فصعد على جبل الصفا، وناداهم حتى اجتمعوا عليه، فقال فيهم: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ قَالُوا مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا" أقام عليهم الحجة بمَثَلٍ قريب للأفهام، وأَشْهَدَهُم على صدقه قبل أن يقول لهم: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ".
والله أعلم
وللبحث بقية أتمها إن شاء الله قريبا ثم أنشره.
د. محمد الجبالي
 
جزى الله خيرا كل الإخوة الذين تفضلوا بآرائهم في هذا الموضوع.

وقد وقفت بعض الشيء مع الآية من سورة النحل ولاحقتها، فقلت في نفسي:

بعد النهي مباشرة ضرب الله مثلين (عبدا مملوكا...ورجلين أحدهما أبكم...)، وهذين المثلين على ما ذهب إليه الإمام مجاهد رحمه الله تعالى هما لله سبحانه وللأوثان، وقد وافقه في الثاني قتادة.

1- فيمكن أن يقال أن النهي لا يخصه سبحانه، فله أن يضرب لنفسه ما شاء من الأمثال، أما نحن فقد نهينا أن نضرب له جل جلاله الأمثال. فهو سبحانه (لايسأل عما يفعل وهم يسؤلون).

2- بشيء من التأمل في المثلين المضروبين نجد أنهما يتعلقان بأفعال الله سبحانه وليس بذاته، ففيه دلالة على جواز ضرب الأمثال له سبحانه، لكن في حدود الأفعال وليس فيما يتعلق بالذات.
فكأن المثلين المضروبين بيان لما يجوز من الضرب حتى لا يظن أن النهي عام، خاصة وأن لفظ (الأمثال) في قوله تعالى:(فلا تضربوا لله الأمثال) لم يرد نكرة، فلو قال الله تعالى:(فلا تضربوا لله مثلا) لعم كل مثل، لأنه كما هو معلوم النكرة في سياق النهي تعم.

والله أعلم وأحكم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته للقرطبي رحمه الله تعالى وقفات مع الآية التي بعدها وهي :


(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُونَ ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75))
قوله تعالى : ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ضرب الله مثلا نبه - تعالى - على ضلالة المشركين ، وهو منتظم بما قبله من ذكر نعم الله عليهم وعدم مثل ذلك من آلهتهم . ضرب الله مثلا أي بين شبها ; ثم ذكر ذلك فقال : عبدا مملوكا أي كما لا يستوي عندكم عبد مملوك لا يقدر من أمره على شيء ورجل حر قد رزق رزقا حسنا فكذلك أنا وهذه الأصنام . فالذي هو مثال في هذه الآية هو عبد بهذه الصفة مملوك لا يقدر على شيء من المال ولا من أمر نفسه ، وإنما هو مسخر بإرادة سيده . ولا يلزم من الآية أن العبيد كلهم بهذه الصفة ; فإن النكرة في الإثبات لا تقتضي الشمول عند أهل اللسان كما تقدم ، وإنما تفيد واحدا ، فإذا كانت بعد أمر أو نهي أو مضافة إلى مصدر كانت للعموم الشيوعي ; كقوله : أعتق رجلا ولا تهن رجلا ، والمصدر كإعتاق رقبة ، فأي رجل أعتق فقد خرج عن عهدة الخطاب ، ويصح منه الاستثناء . وقال قتادة : هذا المثل للمؤمن والكافر ; فذهب قتادة إلى أن العبد المملوك هو الكافر ; لأنه لا ينتفع في الآخرة بشيء من عبادته ، وإلى أن معنى ومن رزقناه منا رزقا حسنا المؤمن . والأول عليه الجمهور من أهل التأويل . قال الأصم : المراد بالعبد المملوك الذي ربما يكون أشد من مولاه أسرا وأنضر وجها ، وهو لسيده ذليل لا يقدر إلا على ما أذن له فيه ; فقال الله - تعالى - ضربا للمثال . أي فإذا كان هذا شأنكم وشأن عبيدكم فكيف جعلتم أحجارا مواتا شركاء لله - تعالى - في خلقه وعبادته ، وهي لا تعقل ولا تسمع .
الثانية : فهم المسلمون من هذه الآية ومما قبلها نقصان رتبة العبد عن الحر في الملك ، وأنه لا يملك شيئا وإن ملك . قال أهل العراق : الرق ينافي الملك ، فلا يملك شيئا ألبتة بحال ، وهو قول الشافعي في الجديد ، وبه قال الحسن وابن سيرين . ومنهم من قال : يملك إلا أنه ناقص الملك ، لأن لسيده أن ينتزعه منه أي وقت شاء ، وهو قول مالك ومن اتبعه ، وبه قال الشافعي في القديم . وهو قول أهل الظاهر ; ولهذا قال أصحابنا : لا تجب عليه عبادة الأموال من زكاة وكفارات ، ولا من عبادات الأبدان ما يقطعه عن خدمة سيده كالحج والجهاد وغير ذلك . وفائدة هذه المسألة أن سيده لو ملكه جارية جاز له أن يطأها بملك اليمين ، ولو ملكه أربعين من الغنم فحال عليها الحول لم تجب على السيد زكاتها لأنها ملك غيره ، ولا على العبد لأن ملكه غير مستقر . والعراقي يقول : لا يجوز له أن يطأ الجارية ، والزكاة في النصاب واجبة على السيد كما كانت . ودلائل هذه المسألة للفريقين في كتب الخلاف . وأدل دليل لنا قوله - تعالى - : الله الذي خلقكم ثم رزقكم فسوى بين العبد والحر في الرزق والخلق . وقال - عليه السلام - : من أعتق عبدا وله مال . . . فأضاف المال إليه . وكان ابن عمر يرى عبده يتسرى في ماله فلا يعيب عليه ذلك . وروي عن ابن عباس أن عبدا له طلق امرأته طلقتين فأمره أن يرتجعها بملك اليمين ; فهذا دليل على أنه يملك ما بيده ويفعل فيه ما يفعل المالك في ملكه ما لم ينتزعه سيده . والله أعلم .
الثالثة : وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن طلاق العبد بيد سيده ، وعلى أن بيع الأمة طلاقها ; معولا على قوله - تعالى - : لا يقدر على شيء . قال : فظاهره يفيد أنه لا يقدر على شيء أصلا ، لا على الملك ولا على غيره فهو على عمومه ، إلا أن يدل دليل على خلافه . وفيما ذكرناه عن ابن عمر وابن عباس ما يدل على التخصيص . والله - تعالى - أعلم .
الرابعة : قال أبو منصور في عقيدته : الرزق ما وقع الاغتذاء به . وهذه الآية ترد هذا التخصيص ; وكذلك قوله - تعالى - : ومما رزقناهم ينفقون . و أنفقوا مما رزقناكم وغير ذلك من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : جعل رزقي تحت ظل رمحي وقوله : أرزاق أمتي في سنابك خيلها وأسنة رماحها . فالغنيمة كلها رزق ، وكل ما صح به الانتفاع فهو رزق ، وهو مراتب : أعلاها ما يغذي . وقد حصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوه الانتفاع في قوله : يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت . وفي معنى اللباس يدخل الركوب وغير ذلك . وفي ألسنة المحدثين : السماع رزق ، يعنون سماع الحديث ، وهو صحيح .
الخامسة : قوله تعالى : ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هو المؤمن ، يطيع الله في نفسه وماله . والكافر ما لم ينفق في الطاعة صار كالعبد الذي لا يملك شيئا .
وهنا مسألة ماذا يقصد بقوله : اهل العراق ؟ هل يقصد الحنفية ام الحنابلة لان في وقته يعتبر العراق مكان الاحناف والحنابلة والله تعالى اعلم .
 
عودة
أعلى