محمود البعداني
New member
- إنضم
- 10/04/2007
- المشاركات
- 109
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
مسألة (خلق القرآن) في ثورة حسن حنفي العقائدية !!
يعتبر كتاب : من العقيدة إلى الثورة، للدكتور حسن حنفي من أبرز ما كتب، وفيه تتبين ملامح مشروعه المتعلق بالتراث (بما يشمل مفهوم التراث بالمعنى الأوسع الذي يُدخل النص في التراث).
ويمكن للقارئ كتاب: من العقيدة إلى الثورة أن يتبين مدى أثر الفكر الاعتزالي على أطروحات الدكتور حس حنفي التي عرَضَها على أنها رؤى ثورية في العقيدة ! رغم الاجترار الواضح للمقولات الاعتزالية، بل يكاد الكتاب يكون في بعض مباحثه نقلاً خالصاً عن تراث المعتزلة
يقول علي حرب: " يقوم حسن حنفي بإعادة النظر في كل شيء، ويسعى إلى قلب كل المفهومات، يثور وخاصة في كتابه: (من العقيدة إلى الثورة) من أجل إعادة البناء والتأسيس، وينسف كل المقدمات والأصول، ويزعزع أكثر البديهيات القارة في العقل العربي والإسلامي، والغريب أن يفعل هذا لا بوصفه ملحداً أو مرتداً أو محارباً للدين، بل يُقَدِّمُ نفسَه بوصفه فقيهاً من فقهاء المسلمين يجدد لهم دينهم" [نقد النص، ص 71].
والناحية التي أشار إليها علي حرب في آلية عمل حسن حنفي، وهي: " أن يفعل هذا لا بوصفه ملحداً أو مرتداً أو محارباً للدين، بل يُقَدِّمُ نفسَه بوصفه فقيهاً من فقهاء المسلمين يجدد لهم دينهم" هذا من مكامن الخطورة البالغة، وفيه يظهر التغير الجوهري في الأسلوب الي انتهجه التيار العلماني المعاصر في قراءة النصوص الدينية.
وقد ظهر أثر الفكر الاعتزالي بجلاء في تناول حسن حنفي لمسألة : القول بخلق القرآن، والتي كانت قضيةً جوهرية في الطرح الاعتزالي، فرضها المعتزلة في فترة من فترات التاريخ مستقوين بقوة السلطة ممثلةً في الخليفة العباسي المأمون.
لم يكن من المتوقع من مفكر يتبنى اليسار الاسلامي في مجمل كتاباته كالدكتور حسن حنفي وهو يقرر هذه القضية في كتاب يعتبره ثورة في علم العقائد أن يرُدَّ الحق إلى نصابه
ولكن: طالما وكتابه يمثل ثورة عقائدية كما هو عنوانه، فأين الثورة في هذ المسألة على العقيد الاعتزالية، أم إنَّ الثورة العقائدية إنما تكون على عقائد أهل السنة وحسب، فإذا تعلق الأمر بعقائد المعتزلة، فهو النقل وفي أحسن الأحوال: صياغتها بقالب جديد !!
دعونا نستعرض بعض النقولات من كتاب: من العقيدة إلى الثورة حول هذه المسألة لنقف على مواضع الثورة ، وهل هي ثورةٌ فعلا أم هو التقليد واجترار الماضي التاريخي في أجلى صوره- على شدة تنفير التيار العلماني من كل ماضٍ!-
القول بخلق القرآن تنزيه لله تعالى عند حسن حنفي:
يجعل الدكتور حسن حنفي القول بخلق القرآن نوعاً من التنزيه لله تعالى، فيقول: " والحقيقة أن القول بالخلق أو الحدوث أكثر إطلاقاً لعواطف التنزيه، إذ كيف يكون الكلام بالصوت والحرف المسموع المرئي صفة تعبر عن التنزيه وهي لا تخلو من حس وتشبيه؟ كيف يكون القديم حسياً؟ إن القول بالخلق والحدوث هو في نفس الوقت تنزيه للذات وأكثر اقتراباً من الكلام كموضوع حسي علمي يمكن دراسته في علم الصوت أو في علوم اللغة" [من العقيدة إلى الثورة (2/453-454 )]
وقد جعل المعتزلة القول بخلق القرآن مندرجاً ضمن أصل التوحيد من الأصول الخمسة، ولذا فهم يعتبرون أول من زعم أن القول بخلق القرآن يعتبر تنزيهاً.
ولذا فما أورده حسن حنفي هو هو قول المعتزلة بلا أي ثورة، بل ولا حتى مجرد اعتراض أو تساؤل !!
وهذا القول باطل، إذ كلام الله تعالى – والقرآن منه- صفة من صفات الله تعالى التي نثبتها على الوجه الذي يليق بالله تعالى، وإذا كانت صفة لله تعالى فإن مقتضى تنزيه الله تعالى إثبات ما أثبت الله تعالى لنفسه.
وأما قول حسن حنفي " كيف يكون الكلام بالصوت والحرف المسموع المرئي صفة تعبر عن التنزيه وهي لا تخلو من حس وتشبيه؟ كيف يكون القديم حسياً؟" فهو تعليل باطل، إذ إثبات الصوت والحرف وردت به النصوص الشرعية، ولذا فإن إثباته يعتبر من تمام إثبات صفة الكلام لله تعالى، ولا يلزم من إثباته التشبيه لأن القاعدة في باب الصفات أن صفات الله تعالى يلزم عند إثباتها الحذر من التشبيه، والتعطيل، ولذا فمن فرَّ من التشبيه إلى التعطيل فقد وقع في الخطأ، والحقُّ: إثبات الصفات دون تشبيه أو تعطيل.
القرآن مخلوق عند حسن حنفي:
يقول الدكتور حسن حنفي:" والحقيقة أن الكلام هو الوحي الذي بين أيدينا المتجه من الله إلى الإنسان وإلى العالم. الكلام قصد من الله إلى الإنسان ورسالة من مُرسِل إلى مُرسَلٍ إليه عن طريق المبلغ وهو الرسول. فهو ليس صفة للذات المشخصة أي قصداً من الإنسان إلى الله تعظيماً وإجلالاً وتأليهاً.
الوحي إذن: كلام الله بلغة الإنسان، وبهذا يكون الكلام مخلوقاً أي أنه أرسل إلى الإنسان. هذا هو الخلق الطبيعي أو الإنساني عندما يتحول كلام الله إلى الإنسان وإلى الطبيعة" [من العقيدة إلى الثورة (2/ 464 )].
ونلاحظ في هذا الكلام أن أهم أمر تعلق به الدكتور حسن حنفي للقول بخلق القرآن هو أنه مرسل إلى الإنسان، وسمى هذا: الخلق الطبيعي أو الإنساني.
والحق أنها شبهة واهية، إذ العلم والسمع والبصر ونحوها من صفات الله تعالى لها تعلق بالإنسان من جهة أن الله تعالى يعلم ويسمع ويبصر خلقه، ولا يعني هذا أنها مخلوقة.
هذا مع ما في هذه الشبهة من إغفال الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة على أن القرآن الكريم كلام الله تعالى غير مخلوق، والتعلق بما ليس دليلاً في هذا الأمر المتعلق بصفات الله تعالى التي الأصل فيها هو التوقيف.
وكذلك فإن قول الدكتور حسن حنفي: " فهو ليس صفة للذات المشخصة أي قصداً من الإنسان إلى الله تعظيماً وإجلالاً وتأليهاً"، في العبارة لبس، فإن كان المراد أن الكلام ليس من صفات الله الذاتية، فهذا باطل، فإن الله تعالى كان ولا يزال متكلما، وقد قرر العلماء أن الكلام صفة ذاتية فعلية.
ويجعل الدكتور حسن حنفي احتمال كون القرآن الكريم مخلوق هو الاحتمال الموضوعي ويقابله الاحتمال التقليدي، حيث يقول: " وتقوم المجموعة الخامسة [هذه المجموعة من ست مجموعات أو احتمالات ذكرها الدكتور حسن حنفي في موضوع هل الكلام جسم وعرض ومخلوق؟، انظر: من العقيدة إلى الثورة (2/ 455- 459 )] على صفة واحدة هي مخلوق ويكون لدينا احتمالان، النفي والإثبات:
1- لا مخلوق. وهي النظرة التقليدية التي تثبت قدم الكلام كالحالة الأولى في المجموعات الأربع السابقة.
2- مخلوق. وهي النظرة الموضوعية التي تثبت الكلام الحسي كالحالة الأخيرة من المجموعات السابقة" [من العقيدة إلى الثورة (2/ 459 )].
وهكذا نرى أن القول بخلق القرآن يتحول إلى النظرة الموضوعية عند الدكتور حسن حنفي، وإثبات الكلام صفة من صفات الله تعالى على الوجه اللائق بالله تعالى عنده هو النظرة التقليدية.
وعموماً يمكن أن نلاحظ أن الدكتور حسن حنفي غلب عليه في مسألة خلق القرآن الأخذ بقول المعتزلة، وجعل رأيهم هو التنزيه، والنظرة الموضوعية.
علاقة مسألة خلق القرآن بالسياسة عند حسن حنفي:
يقول الدكتور حسن حنفي: " وقد تكون المسألة كلها سياسية في نشأتها. فقد أرادت السلطة إيقاع المعارضة في حبائل الموضوعات النظرية الصرفة إبعاداً منها لها عن المسائل العملية، فساهمت في إثارة مسألة خلق القرآن حتى يسهل حصار المعارضة وتشويه صورتها أمام العامة المؤمنة بعقائد أهل السنة والمطيعة للنظام. فاستعمل الموضوع النظري كسلاح عملي للتكفير وللمحاصرة ولعزلة المعارضة عن جماهيرها وإعطاء السلطة الحق في اضطهادها واستئصالها والقضاء عليها باسم الدفاع عن الإيمان والمحافظة على عقائد الأمة" [من العقيدة إلى الثورة (2/ 464 )].
وحاصل كلام الدكتور حسن حنفي أن مسألة خلق القرآن قد تكون سياسية أرادت الخلافة العباسية ( السلطة ) أن تصرف المعارضة ( المعتزلة ) من خلالها عن المسائل العملية حتى يسهل تشويه المعارضة أمام العامة المؤمنة بعقيدة أهل السنة.
وهذا النوع من التناول لمسائل العقيدة، وتفسيرها تفسيراً سياسياً قد تناوله الدكتور سلطان العميري في رسالة قيِّمة هي: التفسير السياسي للقضايا العقدية في الفكر العربي.
وفي هذا التفسير السياسي لمسألة خلق القرآن عدد من الأخطاء، ومنها:
الأول: أن أصل إثارة مسألة خلق القرآن إنما كان في زمن قوة المعتزلة لا في زمن ضعفها، وعليه فقد كانت المعتزلة هي السلطة حينها، وهي التي تجبر الناس على اعتناق عقيدة القول بخلق القرآن، لذا يفقد هذا الكلام قيمته العلمية، إذ يقال: على فرض صحة هذا الكلام زمن ضعف المعتزلة، فماذا عن زمن قوتهم، وهم إنما أظهروا هذه المسألة في حال قوتهم؟
الثاني: وصف المعتزلة بالمعارضة التي كانت تتبنى مواقف عملية من السلطة غير صحيح إذ لا توجد مواقف عملية تبنتها المعتزلة سوى التحريض على علماء أهل السنة لقولهم بأن القرآن الكريم كلام الله تعالى غير مخلوق.
والحق أن قول المعتزلة بخلق القرآن، وقول أهل السنة بأن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق " لم يكن من أجل أغراض سياسية ألبتة، وأنهم إنما قالوا بما قالوا لأنهم كانوا يعتقدون أنه موافق للشريعة...ولم يرد ولا في موطن واحد من أي من الطرفين أية إشارة للغرض السياسي في هذه القضية، فهل يعقل أن تكون الأطراف المختلفة في القضية أجهل بملابساتها ممن جاء بعدهم بقرون؟!" [انظر: التفسير السياسي للقضايا العقدية في الفكر العربي، ص 131]
والحاصل أنَّ مجمل ما طرحه الدكتور حسن حنفي في مسألة خلق القرآن في كتابه : من العقيدة إلى الثورة، إنما هو اجترار واستنساخ لتراث المعتزلة، فأين هي الثورة المزعومة ؟!!