مدارسة : كيف تقرأ السعي في الآية التالية

إنضم
10/05/2012
المشاركات
1,361
مستوى التفاعل
37
النقاط
48
الإقامة
جدة
الموقع الالكتروني
tafaser.com
بسم1

{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } [الصافات:102]
الحمدلله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
فأطرح هذه الآية الكريمة للمدارسة وبالأخص مفهوم بلوغ السعي ، وقد سطرت بحثاً في هذه القصة قد يشتمل على بعض ما يخالف ما سارت عليه أقوال العلماء ولكني اجتزأت منه ما يتعلق بهذه الآية لأنها مليئة بما يمكن أن يقال بشأنها فنستعين بالله وننتظر مساهمات الكرام هنا والله ولي التوفيق.
 
( فلما بلغ معه السعي ) قال ابن عباس وقتادة : يعني المشي معه إلى الجبل . وقال مجاهد عن ابن عباس : لما شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم والمعنى : بلغ أن يتصرف معه ويعينه في عمله . قال الكلبي : يعني العمل لله تعالى ، وهو قول الحسن ومقاتل بن حيان وابن زيد ، قالوا : هو العبادة لله تعالى

معالم التنزيل للبغوي
 
أي من الأقوال أوجه وماذا قدمه علی سواه ولماذا ؟؟
وهل هناك وجوه أخری ؟؟
 
فَلَمَّا : الفاء للتعقيب الفوري.

بَلَغَ :
البلوغ له حالين إما (بلوغ زمني ) الوصول لأجَلٍ ووقتٍ معين معلوم كبلوغِ القاصر ، أو الحال الثانية (بلوغ مكاني) وهي بلوغ المحلّ والوصول إلى موضع معيَّن ، والفهم الدارج هو بلوغ اسماعيل سن السعي في الرزق أو العبادة وأرى أن المراد بلوغ مكاني وهو مكان وموضع السعي بين الصفا والمروة.

مَعَهُ : ب
لغ ابراهيم مع ابنه أي وصل للموضع المعلوم بمعيته وكان ابراهيم .

السَّعْيَ : أي عندما بلغا موضع منسك السعي بين الصفا والمروة .

قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. (الصافات)
ويعود السبب في قولي بذلك أن هذه الرفقة والمعية بين ابراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام اخبرنا الله جل وعلا عنه في موضع آخر فقال جلَّ من قائل :

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) البقرة
فكانت آية الذبح امتدادا لهذا السياق ومبيِّنةً متممة له ونقول وبالله التوفيق أن ما يوجه ذلك :
نجد أن أدعية إبراهيم عليه السلام بصيغة التثنية له ولابنه إسماعيل عليه السلام وقد اشتملت على ما يلي:
أولا: (
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا) الدعاء بالقبول لهذا العمل الجليل وهو رفع القواعد وإعادة بناء البيت.
ثانيا: (
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) وهي أعلى درجات الاستسلام والإخلاص المطلق لله.
ثالثاً: (
وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) مع علمه باستحالة وصول كل الذرية لتلك الدرجة فقد وردت بصيغة التبعيض ب (من).
رابعاً : (
وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا) و دعا ربه أن يريه ويري إسماعيل مناسك الحج لهذا البيت المعظم.
خامساً : (
وَتُبْ عَلَيْنَا) دعا بأن يتوب الله عليه وعلى إسماعيل ويغفر لهما.

وفي سبيل إظهار المناسك لإبراهيم وابنه اسماعيــل عليهما الســلام وفقاً لدعوتهما فقد اتجها بعد رفع القواعد لموضع السعي ليريهما ربهما منسك السعي ، وكانت الرؤيا (رؤيا الذبح) سبيل لمعرفة منسك الذبح فالبلوغ هنا مكاني وليس بلوغ زمني والدليل استعمال القرآن لأسرع حروف التعقيب وهو (الفاء) فقال تعالى (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) وقلنا أن البلوغ هنا مكاني وليس زمني فالبلوغ الزماني لم يرد في كتاب الله (بالفاء) والبلوغ الزماني سنَّاً لا يستقيم استعمال فاء التعقيب معه لأن بلوغ عمر معين ليس حدث فوري بل يستغرق وقتاً طويلاً حتى يتحقق، واستدلالا لذلك نعود لكتاب الله فنجد :


{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } [يوسف:22]
فالبلوغ في السن استعمل معه (الواو) لتراخي حصول البلوغ في سنين عديدة وليس حصول فوري ، فطالما استعملت الفاء دل ذلك على سرعة في الوقوع مقارنة مع الكبر في السن والبلوغ الزمني.



{ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا } [الكهف:61]
فالبلوغ المكاني هنا استعمل معه (الفاء) للعجلة وسرعة وقوع النسيان فتناسب البلوغ المكاني مع سرعة الحركة والفعل وهو استعمال مطابق لاستعمال الفاء في الآية موضع الدراسة.


{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } [الحج:5]
فكان البلوغ العمري توظف معه (ثم) للتراخي بين الطفولة والبلوغ فلا يستقيم استعمال الفاء في هذه الحالة.


{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [غافر:67]
فهذا تأكيد وتبيان لأي الحروف الاستئنافية استعمالا في حال وصف بلوغ الأشد أو الوصول لسن التكليف أو ما يسمى بالبلوغ.


{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [الأحقاف:15]

نستطيع تلمس سرعة وقوع الفعل من خلال استعمال فاء التعقيب في السياق في دلالة على تتابع وقوع الحديث فيكون :
فَـلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَـانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَـلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) (الصافات)

وبالتالي فقد تحقق (القبول) من الله لقاء رفع القواعد وتقبل منهما وجعلهما (مُسلميَنِ) وهي درجة اعلى من الإحسان وهي الاستسلام الخالص المطلق لله تعالى ، وجعلهما مُسْلِمَيْنِ عليهما السلام في قوله تعالى (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) فحصل الاستسلام واستجاب الله
فتكون الصورة عندئذٍ شديدة الوضوح والتبيان والاستقامة فقد رفع اسماعيل ووالده عليهما السلام قواعد الكعبة المشرفة ودعيا بدعاء أجابه الله تعالى فأراهما الله مناسك الحج واراهما منسك السعي وفي اثناء ذلك قضى أن يريهم منسك الذبح وخلال الابتلاء حصل استجابته جل وعلا لهما بجعلهما مسلمين لله تعالى ، وقلنا أن دلالة بلوغ السعي تعني موضع النسك التي دعيا الله ان يريهما اياه بسبب تركيب الجملة القرآنية التي تقودنا إلى أن استعمال الفاء أتى في القرآن للدلالة على بلوغ الموضع وليس بلوغ السن فهذا أيضاً يحمل دلالة وبرهاناً على أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام وليس إسحق.

والله أعلم وأحكم
 
إستنباط مكاني صحيح في رايي اخي عدنان، وأقوال المفسرون التي نقلها بدر شايع لاتنافي قولك، فهي تدل على حدوث (السعي ) بعد فتره من قصه هاجر رضي الله عنها بمكه ، وقوله تعالى ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ } (سورة إِبراهيم )
 
بسم1
أخي عمر وفقه الله
أقوال المفسرين رحمهم الله تراوحت بين اثبات أن مفهوم السعي يقصد به بلوغ سن التكليف والعمل والسعي مع أبيه :
يقول ابن كثير رحمه الله :
( فلما بلغ معه السعي ) ومعناه فلما أدرك وبلغ الحد الذي يقدر فيه على السعي ، وقوله : ( معه ) في موضع الحال والتقدير كائنا معه ، والفائدة في اعتبار هذا المعنى أن الأب أرفق الناس بالولد ، وغيره ربما عنف به في الاستسعاء فلا يحتمله ؛ لأنه لم تستحكم قوته ، قال بعضهم : كان في ذلك الوقت ابن ثلاث عشرة سنة ، والمقصود من هذا الكلام أن الله تعالى لما وعده في الآية الأولى بكون ذلك الغلام حليما ، بين في هذه الآية ما يدل على كمال حلمه ، وذلك لأنه كان به من كمال الحلم وفسحة الصدر ما قواه على احتمال تلك البلية العظيمة ، والإتيان بذلك الجواب الحسن .

أما الطبري رحمه الله فيقول :
لما بلغ الغلام الذي بشر به إبراهيم مع إبراهيم العمل ، وهو السعي ، وذلك حين أطاق معونته على عمله .
وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( فلما بلغ معه السعي ) يقول : العمل .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ( فلما بلغ معه السعي ) قال : لما شب حتى أدرك سعيه سعي إبراهيم في العمل .
حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : لما شب حين أدرك سعيه .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ( فلما بلغ معه السعي ) قال : سعي إبراهيم .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا سهل بن يوسف ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ( فلما بلغ معه السعي ) : سعي إبراهيم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( فلما بلغ معه السعي ) قال : السعي هاهنا العبادة .
وقال آخرون : معنى ذلك : فلما مشى مع إبراهيم .

ابن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير يقول :
والفاء في فلما بلغ معه السعي فصيحة لأنها مفصحة عن مقدر ، تقديره : فولد له ويفع وبلغ السعي ، فلما بلغ السعي قال : يا بني إلخ ، أي بلغ أن [ ص: 150 ] يسعى مع أبيه ، أي بلغ سن من يمشي مع إبراهيم في شئونه .
فقوله " معه " متعلق بالسعي والضمير المستتر في " بلغ " للغلام ، والضمير المضاف إليه " معه " عائد إلى إبراهيم . و " السعي " مفعول " بلغ " ولا حجة لمن منع تقدم معمول المصدر عليه ، على أن الظروف يتوسع فيها ما لا يتوسع في غيرها من المعمولات .

فاتفقت الأقوال على أن البلوغ في الآية (بلوغ زمني) وليس (بلوغ مكاني) فكان وجه استشهادي بأنه بلوغ مكاني لموضع نسك السعي هو الفاء التي افادت التعقيب السريع بينما كانت مواضع البلوغ الزمني استخدمت (ثم) وحرف (الواو) ولم تستعمل الفاء ، فدل ذلك على أن المراد بلوغ موضع السعي وليس السن ، ولذلك نقول أن هذا وجه من أوجه الفهم للآية يمكن إضافته للأوجه الآنفة مالم تُساق أدلة تنفي وجاهة هذا القول .
ودمت موفقاً بتوفيق الله
 
عودة
أعلى