بسم1
أخي عمر وفقه الله
أقوال المفسرين رحمهم الله تراوحت بين اثبات أن مفهوم السعي يقصد به بلوغ سن التكليف والعمل والسعي مع أبيه :
يقول ابن كثير رحمه الله :
(
فلما بلغ معه السعي ) ومعناه فلما أدرك
وبلغ الحد الذي يقدر فيه على السعي ، وقوله : (
معه ) في موضع الحال والتقدير كائنا معه ، والفائدة في اعتبار هذا المعنى أن الأب أرفق الناس بالولد ، وغيره ربما عنف به في الاستسعاء فلا يحتمله ؛ لأنه لم تستحكم قوته ، قال بعضهم : كان في ذلك الوقت ابن ثلاث عشرة سنة ، والمقصود من هذا الكلام أن الله تعالى لما وعده في الآية الأولى بكون ذلك الغلام حليما ، بين في هذه الآية ما يدل على كمال حلمه ، وذلك لأنه كان به من كمال الحلم وفسحة الصدر ما قواه على احتمال تلك البلية العظيمة ، والإتيان بذلك الجواب الحسن .
أما الطبري رحمه الله فيقول :
لما بلغ الغلام الذي بشر به إبراهيم مع إبراهيم
العمل ، وهو السعي ، وذلك حين
أطاق معونته على عمله .
وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله (
فلما بلغ معه السعي ) يقول :
العمل .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله (
فلما بلغ معه السعي ) قال : لما شب حتى
أدرك سعيه سعي إبراهيم في العمل .
حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : لما شب
حين أدرك سعيه .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد (
فلما بلغ معه السعي ) قال :
سعي إبراهيم .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا سهل بن يوسف ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد (
فلما بلغ معه السعي ) :
سعي إبراهيم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله (
فلما بلغ معه السعي ) قال : السعي هاهنا
العبادة .
وقال آخرون : معنى ذلك :
فلما مشى مع إبراهيم .
ابن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير يقول :
والفاء في فلما بلغ معه السعي فصيحة لأنها مفصحة عن مقدر ، تقديره :
فولد له ويفع وبلغ السعي ، فلما بلغ السعي قال : يا بني إلخ ،
أي بلغ أن [ ص: 150 ]
يسعى مع أبيه ،
أي بلغ سن من يمشي مع إبراهيم في شئونه .
فقوله " معه " متعلق بالسعي والضمير المستتر في " بلغ " للغلام ، والضمير المضاف إليه " معه " عائد إلى إبراهيم . و " السعي " مفعول " بلغ " ولا حجة لمن منع تقدم معمول المصدر عليه ، على أن الظروف يتوسع فيها ما لا يتوسع في غيرها من المعمولات .
فاتفقت الأقوال على أن البلوغ في الآية (
بلوغ زمني) وليس (
بلوغ مكاني) فكان وجه استشهادي بأنه بلوغ
مكاني لموضع نسك السعي هو
الفاء التي افادت التعقيب السريع بينما كانت مواضع البلوغ الزمني استخدمت (
ثم) وحرف (
الواو) ولم تستعمل الفاء ، فدل ذلك على أن المراد بلوغ موضع السعي وليس السن ، ولذلك نقول أن هذا وجه من أوجه الفهم للآية يمكن إضافته للأوجه الآنفة مالم تُساق أدلة تنفي وجاهة هذا القول .
ودمت موفقاً بتوفيق الله