مدارسة علمية تتعلق بروايات الإسرائيليات في كتب التفسير

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,698
مستوى التفاعل
5
النقاط
38
لقد ثبت ـ فيما رواه البخاري وغيره ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ... وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) ، فهو صلى الله عليه وسلم قد رفع الحرج عن أمته ، وأجاز لها التحديث عن بني إسرائيل ، ويشهد لهذا القرآن ، فإن الله سبحانه حكى بعض مقولات الأمم السابقة ، فردَّ باطلها ، وصحح صحيحها أو أشار إليه ، وأبهم في ما لا أثر له في العلم .
فقوله تعالى : { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [الكهف: 22] .
فقد حكى الله قول المختلفين ، ولا شك أن شيئًا منه خطأ ، وقد نبه على الخطأ بقوله : ( قل ربي أعلم بعدتهم ) ، ونبه على الصواب بعدم الاستدراك عليه ، وذلك جريًا على قاعدة ذكرها بعض العلماء ، منهم الشاطبي في كتاب الموافقات ، قال : (( كل حكاية وقعت في القرآن ؛ فلا يخلو أن يقع قبلها أو بعدها ـ وهو الأكثر ـ ردٌّ لها أو لا .
فإن وقع ردٌّ ، فلا إشكال في بطلان ذلك المحكي وكذبه ، وإن لم يقع معها ردٌّ فذلك دليل صحة المحكي وصدقه
أما الأول ، فظاهر ، ولا يحتاج إلى برهان ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : ( إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) فأعقب بقوله : ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ) الآية . وقال : ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ) الآية ، فوقع التنكيت على افتراء ما زعموا بقوله : ( بزعمهم ) ، وبقوله : ( ساء ما يحكمون ) ، ثم قال : ( وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ) إلى تمامه ورد بقوله : ( سيجزيهم بما كانوا يفترون ) ، ثم قال : ( وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة ) الآية فنبه على فساده بقوله : ( سيجزيهم وصفهم ) زيادة على ذلك ... وأشباه ذلك ، ومن قرأ القرآن وأحضره في ذهنه عرف هذا بيسر
وأما الثاني فظاهر أيضا ولكن الدليل على صحته من نفس الحكاية وإقرارها ، فإن القرآن سُمي فرقانًا وهدىً وبرهانًا وبيانًا وتبيانًا لكل شيء ، وهو حجة الله على الخلق على الجملة والتفصيل والإطلاق والعموم ، وهذا المعنى يأبى أن يُحكى فيه ما ليس بحق ، ثم لا يُنبه عليه .
وأيضا فإن جميع ما يُحكى فيه من شرائع الأولين وأحكامهم ولم ينبه على إفسادهم وافترائهم فيه فهو حق يجعل عمدة عند طائفة فى شريعتنا ويمنعه قوم لا من جهة قدح فيه ولكن من جهة أمر خارج عن ذلك فقد اتفقوا على أنه حق وصدق كشريعتنا ولا يفترق ما بينهما إلا بحكم النسخ فقط ... ومن أمثلة هذا القسم جميع ما حكي عن المتقدمين من الأمم السالفة مما كان حقا كحكايته عن الأنبياء والأولياء ومنه قصة ذي القرنين وقصة الخضر مع موسى عليه السلام وقصة أصحاب الكهف وأشباه ذلك )) أ.هـ كلام الشاطبي .
وإذا تأملت آية أصحاب الكهف السالفة ؛ وجدت أنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ، ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما، ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فقال في مثل هذا: { قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ } فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس، ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: { فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا } أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب ، وهذا يعني أن حكابة الخلاف عن السابقين منهج دلَّ عليه القرآن ، وهو مصداق قوله صلى الله عليه وسلم : ( وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) .
لكن مع تجويزه صلى الله عليه وسلم لأمته أن تحدِّث عن بني إسرائيل ، فإنه أرشدها إلى ضابط مهمٍّ في قبول هذه الأخبار من عدم قبولها ، فقد روى الإمام أحمد بسنده ، قال : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ أَخْبَرَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَمْلَةَ أَنَّ أَبَا نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ( بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، هَلْ تَتَكَلَّمُ هَذِهِ الْجَنَازَةُ ؟
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ الْيَهُودِيُّ : أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهَا تَتَكَلَّمُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ ) .
ومن هذا الأثر يظهر لك جليًا أننا لسنا ملزمين بتصديق بني إسرائيل ولا بتكذيبهم ، إلا بحجة ، وهي أن يتبين الصدق أو الكذب من كلامهم ، وذلك مفهوم الخطاب من هذا الحديث .
لذا رتَّب بعض العلماء منقولات بني إسرائيل على ثلاث مراتب معروفة ، وهي :
أحدها: ما علمنا صحتَه مما بأيدينا مما نشهدُ له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبَه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمِنُ به ولا نكذّبه، وتجوزُ حكايتُه لما تقدّم .
وإذا تأملت الكلام السابق ، وصح عندك هذا التقرير ، فيمكن طرح عدد من الأسئلة :
الأول : هل يلزم من ذِكِر المفسر لمرويات بني إسرائيل أن يكون قابلاً لها جملة وتفصيلا ؟
الثاني : هل يُثرَّب على المفسر الذي يذكر هذه الإسرائيليات بعد تجويز النبي صلى الله عليه وسلم له التحديث بها .
الثالث : هل ورد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم التفريق في جواز التحديث حتى يقال : لا يجوز ذكرها في كتب التفسير ؟
الرابع : هل المنهج السليم هو الإعراض الكلي عن الإسرائيليات ، والتخوف منها ، والتحذير منها أشدَّ الحذر ؟ أفما كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بشرع ربه ، وأرفق بأمته ممن يدعو بهذه الدعوة ؟! .
 
إن أذن النبي صلى الله عليه وسلم بالتحديث عن بني إسرائيل لا يعني إذنه بقبول تلك الأحاديث، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أشار إلى جانب الحق والصواب في تلك الروايات، حيث إنها تعد من الرواية عن كتبٍ فيها ما هو حق وما هو باطل، وردها مطلقاً يُعد رداً لبعض الحق، وقبولها مطلقاً يُعد قبولاً لبعض الباطل، ومن هنا وجب التوقف في قبولها وجاز التحديث في روايتها لما تحتمله من حق وباطل.
ولا بد من إعمال العقل في معالجة تلك النصوص عند فقد الثقة في نقلها، ولما كان غالب تلك الروايات يحمل في طياته الغث الذي يؤثر سلباً في مجال الاعتقاد والآداب وغيرها، والغالب في تلك الروايات أنها لا تفيد شيئاً في مجال المعرفة لعدم الثقة بها، فإن الاشتغال بها يعد من الفضول الذي إن لم يضر فلن ينفع.
وإذنه صلى الله عليه وسلم بالتحديث لا يعني بالضرورة أن ثمة فائدة من روايتها، ولعل ما أشرتُ إليه سابقاً هو العلة من أذنه صلى الله عليه وسلم.
بقي أن نشير أن تأصيل هذه المسألة محتاج لجمع نصوصٍ أُخر لها صلة بالموضوع، كنهيه صلى الله عليه وسلم عمرَ عن قراءة تلك الصحيفة التي رآها في يده من قصاصات كتب أهل الكتاب، وكنهي ابن عباس عن الرواية عن بني إسرائيل وغيرها، والمسألة أرى أنها لم تحرر على وجه يزيل الإشكال ويمنع اللبس الحاصل فيها، والله تعالى أعلم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم

أشكر أخي الكريم الدكتور مساعد على فتح الباب لمدارسة هذا الموضوع مرة أخرى، ولعل المزيد من المدارسة توصلنا إلى نتيجة نتفق عليها.

ولعل من المناسب في بداية المدارسة أن نجمع الأقوال التي ذكرها أئمتنا العلماء رحمهم الله في هذه المسألة ثم ننطلق من حيث انتهوا .

وقد جمعت بعض النقول التي أرى من المناسب عرضها هنا.

فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 261)​
قَوْله : ( وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَلَا حَرَج )
أَيْ لَا ضِيق عَلَيْكُمْ فِي الْحَدِيث عَنْهُمْ لِأَنَّهُ كَانَ تَقَدَّمَ مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّجْر عَنْ الْأَخْذ عَنْهُمْ وَالنَّظَر فِي كُتُبهمْ ثُمَّ حَصَلَ التَّوَسُّع فِي ذَلِكَ ، وَكَأَنَّ النَّهْي وَقَعَ قَبْل اِسْتِقْرَار الْأَحْكَام الْإِسْلَامِيَّة وَالْقَوَاعِد الدِّينِيَّة خَشْيَة الْفِتْنَة ، ثُمَّ لَمَّا زَالَ الْمَحْذُور وَقَعَ الْإِذْن فِي ذَلِكَ لِمَا فِي سَمَاع الْأَخْبَار الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَانهمْ مِنْ الِاعْتِبَار ، وَقِيلَ : مَعْنَى قَوْله " لَا حَرَج " : لَا تَضِيق صُدُوركُمْ بِمَا تَسْمَعُونَهُ عَنْهُمْ مِنْ الْأَعَاجِيب فَإِنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لَهُمْ كَثِيرًا ، وَقِيلَ : لَا حَرَج فِي أَنَّ لَا تُحَدِّثُوا عَنْهُمْ لِأَنَّ قَوْله أَوَّلًا : " حَدِّثُوا " صِيغَة أَمْر تَقْتَضِي الْوُجُوب فَأَشَارَ إِلَى عَدَم الْوُجُوب وَأَنَّ الْأَمْر فِيهِ لِلْإِبَاحَةِ بِقَوْلِهِ : " وَلَا حَرَج " أَيْ فِي تَرْك التَّحْدِيث عَنْهُمْ . وَقِيلَ : الْمُرَاد رَفْع الْحَرَج عَنْ حَاكِي ذَلِكَ لِمَا فِي أَخْبَارهمْ مِنْ الْأَلْفَاظ الشَّنِيعَة نَحْو قَوْلهمْ ( اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّك فَقَاتِلَا ) وَقَوْلهمْ : ( اِجْعَلْ لَنَا إِلَهًا ) وَقِيلَ : الْمُرَاد بِبَنِي إِسْرَائِيل أَوْلَاد إِسْرَائِيل نَفْسه وَهُمْ أَوْلَاد يَعْقُوب ، وَالْمُرَاد حَدِّثُوا عَنْهُمْ بِقِصَّتِهِمْ مَعَ أَخِيهِمْ يُوسُف ، وَهَذَا أَبْعَد الْأَوْجُه . وَقَالَ مَالِك الْمُرَاد جَوَاز التَّحَدُّث عَنْهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْر حَسَن ، أَمَّا مَا عُلِمَ كَذِبه فَلَا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى حَدِّثُوا عَنْهُمْ بِمِثْلِ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآن وَالْحَدِيث الصَّحِيح . وَقِيلَ : الْمُرَاد جَوَاز التَّحَدُّث عَنْهُمْ بِأَيِّ صُورَة وَقَعَتْ مِنْ اِنْقِطَاع أَوْ بَلَاغ لِتَعَذُّرِ الِاتِّصَال فِي التَّحَدُّث عَنْهُمْ ، بِخِلَافِ الْأَحْكَام الْإِسْلَامِيَّة فَإِنَّ الْأَصْل فِي التَّحَدُّث بِهَا الِاتِّصَال ، وَلَا يَتَعَذَّر ذَلِكَ لِقُرْبِ الْعَهْد . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : مِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُجِيز التَّحَدُّث بِالْكَذِبِ ، فَالْمَعْنَى حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِمَا لَا تَعْلَمُونَ كَذِبه ، وَأَمَّا مَا تُجَوِّزُونَهُ فَلَا حَرَج عَلَيْكُمْ فِي التَّحَدُّث بِهِ عَنْهُمْ وَهُوَ نَظِير قَوْله : " إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْل الْكِتَاب فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ " وَلَمْ يَرِدْ الْإِذْن وَلَا الْمَنْع مِنْ التَّحَدُّث بِمَا يُقْطَع بِصِدْقِهِ .)

مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 50)​
( وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو : { بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { إذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ } فَإِنَّهُ رَخَّصَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُمْ وَمَعَ هَذَا نَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّحْدِيثِ الْمُطْلَقِ عَنْهُمْ فَائِدَةٌ لِمَا رَخَّصَ فِيهِ وَأَمَرَ بِهِ وَلَوْ جَازَ تَصْدِيقُهُمْ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ لَمَا نَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ.)

فتح القدير - (ج 5 / ص 355)​
( فهذا العلم مأخوذ من أهل الكتاب ، وقد أمرنا : «أن لا نصدّقهم ، ولا نكذبهم» ، فإن ترخص مترخص بالرواية عنهم لمثل ما روى : " حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " فليس ذلك فيما يتعلق بتفسير كتاب الله سبحانه بلا شك ، بل فيما يذكر عنهم من القصص الواقعة لهم . وقد كرّرنا التنبيه على مثل هذا عند عروض ذكر التفاسير الغريبة .)

تفسير السعدي - (ج 1 / ص 55)​
( واعلم أن كثيرا من المفسرين رحمهم الله، قد أكثروا في حشو تفاسيرهم من قصص بني إسرائيل، ونزلوا عليها الآيات القرآنية، وجعلوها تفسيرا لكتاب الله، محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج "
والذي أرى أنه وإن جاز نقل أحاديثهم على وجه تكون مفردة غير مقرونة، ولا منزلة على كتاب الله، فإنه لا يجوز جعلها تفسيرا لكتاب الله قطعا إذا لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن مرتبتها كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب [ ص 56 ] ولا تكذبوهم "فإذا كانت مرتبتها أن تكون مشكوكا فيها، وكان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن القرآن يجب الإيمان به والقطع بألفاظه ومعانيه، فلا يجوز أن تجعل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة، التي يغلب على الظن كذبها أو كذب أكثرها، معاني لكتاب الله، مقطوعا بها ولا يستريب بهذا أحد، ولكن بسبب الغفلة عن هذا حصل ما حصل، والله الموفق.)

أحكام القرآن لابن العربي - (ج 1 / ص 40)​
( فِي الْحَدِيثِ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ : كَثُرَ اسْتِرْسَالُ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُمْ فِي كُلِّ طَرِيقٍ ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ } .
وَمَعْنَى هَذَا [ الْخَبَرِ ] الْحَدِيثُ عَنْهُمْ بِمَا يُخْبِرُونَ [ بِهِ ] عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَقِصَصِهِمْ لَا بِمَا يُخْبِرُونَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ أَخْبَارَهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ مُفْتَقِرَةٌ إلَى الْعَدَالَةِ وَالثُّبُوتِ إلَى مُنْتَهَى الْخَبَرِ ، وَمَا يُخْبِرُونَ بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ إقْرَارِ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ قَوْمِهِ ؛ فَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ .
وَإِذَا أَخْبَرُوا عَنْ شَرْعٍ لَمْ يَلْزَمْ قَوْلُهُ ؛ فَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ ، عَنْ { عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُمْسِكُ مُصْحَفًا قَدْ تَشَرَّمَتْ حَوَاشِيهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قُلْت : جُزْءٌ مِنْ التَّوْرَاةِ ؛ فَغَضِبَ وَقَالَ : وَاَللَّهِ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إلَّا اتِّبَاعِي } . )
 
مشاركة لطيفة

مشاركة لطيفة

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد ..

جزاك الله خيراً أيها الشيخ الكريم فكم تتحفنا بالمفيد ، وتقدح الذهن بالجديد .

غير أنَّ لي مداخلة ؛ فأن كانت صواباً فالحمد لله على توفيقه ، وإن كانت خطأ فحتماً سأنتفع منكم وبكم كثيراً كما تعودت من هذا الملتقى المبارك .

قلتَ _ رضي الله عنك _ : ( فإن الله سبحانه حكى بعض مقولات الأمم السابقة )

قال مقيده عفا الله عنه :

شاع عند كثير من المفسرين رحمهم الله تعالى أن يعبِّروا عمَّا قصَّهُ الله تعالى في كتابه عن قصص السابقين وأحوالهم بلفظ ( حكى ) وهذه المفردة لم ترد في كتاب الله تعالى ، والذي يظهر والعلم عند الله أن استبدالها بمفردة ( قَصَّ ) أولى وأسلم ؛ إذ نحن متعبِّدون بما جاء في كتاب ربنا ، إذ يقول سبحانه :

_ {إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ }آل عمران62
_ {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً }النساء164
_ { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الأعراف176
_ {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ }يوسف3
_ {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }القصص25
إلى آخر الآيات التي جاءت فيها هذه المفردة بأحوال الكلمة الثلاث ؛ الماضي ، والمضارع ، والأمر .

ثم إن مفردة ( حكى ) من الحكاية أي : أتى بمثله وشابهه .
وعليه فإن قول القائل حكى الله قصة كذا ، تفيد أنها مماثلة لما وقع من القصة ومشابهة لها ، لا نقل عين ما وقع ! والله جل في علاه قد قصَّ لنا ما قع حقيقة وكما وقع لا غير ألبتة ، ولهذا قال سبحانه ( بالحق ) أي المطابق للواقع بعينه . .
ولذا يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في قوله { بِالْحَقِّ } :

أي: على الجلية والأمر الذي لا لبس فيه ولا كذب، ولا وَهْم ولا تبديل، ولا زيادة ولا نقصان، كما قال تعالى: { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقّ } [آل عمران:62] وقال تعالى: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ } [ الكهف:13] ( 3/ 82 السلامة )

فإذا عُلِمَ هذا ؛ فالصواب والله أعلم أن نتابع كلام ربنا سِيَّما فيما يخبر الله به عن نفسه .
فيقال : قصَّ الله لنا في كتابه عن سيرة نبيِّه موسى عليه السلام .
وقصَّ لنا عن أحوال بني إسرائيل . وهلمَّ جرَّا .

وقد بحثت في السنة ( الكتب التسعة ) فلم أظفر بهذه المفردة .و الله أعلم

هذه حلقة من حلقات ( مصطلحات خاطئة في التفسير ) هذه باكورتها
وستكون القادمة بحول الله قولهم : ( القرآن صالح لكل زمان ومكان )

فأرجو من الشيخ العلامة الدكتور مساعد النظر فيما رُقِم وإفادتي بالصواب .
ونظركم اوجه رفع الله قدركم .

أما موضوع النقاش فلن آتي بجديد ومن خير ما قرأتُ ما سطَّره الشيخ الفاضل فهد الوهبي في موضوعه المتميز وبتنكيتٍ رائع بعنوان :
نظرات في موقف المعاصرين من الإسرائليات
فانظره هنا على حلقات :

1 ) الأولى
2 ) الثانية
3 ) الثالثة

وأمَّا الأسئلة التي ذكرتموها رفع الله قدركم ؛ فلعلي أنشط بتسطير ما يكون فيه نفع إن شاء الله .

ودمتم على الخير أعواناً

والله أعلم .
 
أحسنت أبا العالية ، وشكر الله لك هذا التنبيه المفيد ، ولقد كنت قرأت في هذه العبارة نقدًا لبعض العلماء ، ومنه ما هو مسطور في مقدمة تفسير ابن عطية في باب عقده بعنوان ( في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى ) .
وهي عبارة قد شاعت بين المفسرين وغيرهم ، ولاشكَّ أن التأدب في التعبير عن الله هو المقام الأمثل ، وهو المطلب المرتجى ، لكن قد يجيء الإخبار عنه بعبارات مثل هذه العبارة ، وليس في ذهن القائل بها ذلك النقص المتوهم الذي أشرتم إليه ، فيوخذ هذا من باب المسامحة في التعبير ، والله أعلم .
ولعلي أتنبه لهذه اللفظة في ما يستجد ، فأبدلها بما ذكرتم من عبارة القرآن ما دامت موفية بالمقصود ، والله الموفق .
 
أخي أبا مجاهد ، أحسن الله إليك بهذه النقول النافعة ، ولازال الموضوع يحتاج إلى بحث ومدارسة ، ومن باب الفائدة أقول :
إن لبعض السلف مذهبًا ، وهو التحرُّز من الرواية عن بني إسرائيل ، ويشير إلى هذا ما رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (5 : 476 ) ، قال : ( قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش قال: قلت للأعمش ما لهم يتقون تفسير مجاهد؟ قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب) .
ولا يخفى ما سبق طرحه من قول ابن عباس فيما رواه البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدث تقرؤونه محضا لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ؟ ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ؟ لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم ) . ( رقم الحديث :6929 ) .
ومن النقول في اعتذار العلماء لمن يروي الإسرائيليات ماقال الذهبي ـ في ميزان الاعتدال في ترجمة محمد بن إسحاق ـ : ( وقال ابن أبي فديك: رأيت ابن إسحاق يكتب عن رجل من أهل الكتاب.
قلت: ما المانع من رواية الاسرائيليات عن أهل الكتاب مع قوله صلى الله عليه وسلم: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.
وقال إذا حدثكم أهل الكتاب فلا
تصدقوهم ولا تكذبوهم، فهذا إذن نبوى في جواز سماع ما يأثرونه في الجملة، كما سمع منهم ما ينقلونه من الطب، ولا حجة في شئ من ذلك، إنما الحجة في الكتاب والسنة.
ولعلنا نشترك في استخراج نصوص العلماء في هذا الموضوع ، لتكون عونًا لمن أراد أن يحرر هذا الموضوع ، ويخرج برأي معتدل صائب ، بدلاً من النتائج المسيقة التي نراها في بعض الكتب التي كُتِبت عن الإسرائيليات ، والله الموفق .
 
كلمات نفيسة لابن عطية ربما تثري الموضوع

كلمات نفيسة لابن عطية ربما تثري الموضوع

مما يفيد في هذا كلام لابن عطية نفيس جدا في مواضع متفرقة ، ومنه :
ما قاله بعد ذكره لبعض القصص في قتل داود جالوت
قال : " وقد أكثر الناس في قصص هذه الآية وذلك كله لين الأسانيد فلذلك انتقيت منه ما تنفك به الآية وتعلم به مناقل النازلة واختصرت سائر ذلك " المحرر الوجيز 1/337
فهذه الكلمات من هذا الإمام يستفاد منها ما يلي :
1.الاستفادة من الإسرائيليات في نطاق ما
2.أن النص الإسرائيلي ربما يحتاج إليه في تفسير الآية وبيانها
3. كلام ابن عطية هذا يمكن تقسيم المفسرين على ضوئه إلى قسمين
أحدهما : طائفة تذكر بعض الروايات الإسرائيلية وتنتقي منها ما لا نكارة فيه ، مما يحتاج إليه في بيان الآية ، أو مما يكون متمما للمعنى ،كصنيع ابن عطية
ثانيهما : طائفة أخرى تذكر الرواية الإسرائيلية بكاملها ، وما فيها من الغث والسمين ، وغرضها الاستفادة من جزئية معينة من هذه الرواية ، دون بقية الرواية ، ولا يلزم من إقرارها لجزئية ما من الرواية ،إقرارها لكل ما فيها
ولقد أكثر ابن عطية من ذكر هذا المعنى عند ذكر القصص ، ولو كان عندي الآن سعة لسردتها ، ولكنها ظاهرة لكل من طالع تفسيره
 
ومما يجدر الاهتمام به في هذا الموضوع
كيفية التفريق بين ما يكون له حكم الرفع ، وما يكون من الإسرائيليات ، وما هي الضوابط التي تضبط ذلك
 
من النصوص المهمة في مرويات بني إسرائيل ما جاء في كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع :
(( كراهة رواية أحاديث بني إسرائيل المأثورة عن أهل الكتاب
- أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن إبراهيم القزويني ، أنا علي بن إبراهيم بن سلمة القطان ، نا أبو حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي نا آدم بن أبي إياس ، نا ورقاء بن عمر ، عن جابر الجعفي ، عن عامر الشعبي ، عن عبد الله بن ثابت ، خادم النبي صلى الله عليه وسلم قال : « جاء عمر بصحيفة فقال : يا رسول الله بعث إلي بهذه الصحيفة رجل من بني قريظة فيها جوامع من التوراة أقرأها عليك فجعل عمر يقرأ وجعل وجه رسول الله يتغير فرمى عمر بالصحيفة بشماله وقال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا فما زال يقولها حتى أسفر وجه رسول الله ثم قال : » والذي نفسي بيده لو أصبح اليوم فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ، أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من الأنبياء «
351 - أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب الطيبي ، نا محمد بن أيوب البجلي بالري نا محمد بن كثير ، أنا سفيان ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن ثابت الأنصاري ، قال : جاء عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه جوامع من التوراة فقال مررت على أخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة أفلا أعرضها عليك قال : فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أما ترى ما بوجه رسول الله ؟ فقال عمر : رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده لو أن موسى أصبح فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ، أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين »
- أنا أبو علي الحسن بن شهاب العكبري ، بها ، نا عبيد الله بن محمد بن حمدان الفقيه ، حدثني أبو بكر محمد بن أيوب البزاز قال : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي يقول : « دفعت إلى ابن بكار رقعة فيها : عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب ، قصة لموسى فقال لي : » نحتاج الساعة إلى ما نحن فيه ، موسى قد ذهب ، هات ما نحن فيه الساعة مما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم «
- وأنا الحسن بن شهاب ، نا عبيد الله بن محمد بن حمدان ، قال : سمعت ابن أبي داود ، يقول : سمعت الربيع بن سليمان ، يقول : سمعت الشافعي وسأله رجل عن شيء ، من أمر نوح فقال الشافعي : « ليت أنا نجد بيننا وبين نبينا صلى الله عليه وسلم شيئا يصح فكيف بيننا وبين نوح » وإنما كره العلماء رواية أحاديث الأنبياء وأقاصيص بني إسرائيل المأخوذة عن الصحف مثل ما رواه وهب بن منبه وكان يذكر أنه وجده في كتب المتقدمين وتلك الصحف لا يوثق بها ولا يعتمد عليها
- أنا علي بن الحسين ، صاحب العباسي أنا عبد الرحمن بن عمر الخلال ، نا محمد بن إسماعيل الفارسي ، نا بكر بن سهل ، نا عبد الخالق بن منصور ، قال : قال يحيى بن معين : « كان وهب بن منبه يرسل أخاه إلى الشام يشتري له الكتب ويجيء بها إليه فيفسرها بالعربية » وكذلك ما نقل عن أهل الكتاب أنفسهم دون أخذه من صحفهم فإن اطراحه واجب و الصدوف عنه لازم ، وقد كان محمد بن إسحاق صاحب السيرة ضمن كتبه من ذلك أشياء كثيرة
- أنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي ، أنا يوسف بن أحمد الصيدلاني ، نا محمد بن عمرو العقيلي ، نا الصائغ ، عن الحزامي ، عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، قال : « رأيت محمد بن إسحاق يكتب عن رجل ، من أهل الكتاب »
1356 - وأنا أبو منصور محمد بن محمد بن عثمان السواق نا عيسى بن حامد الرخجي ، نا هيثم بن خلف الدوري ، نا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، نا أبو داود ، قال : حدثني رجل : « أملى على محمد بن إسحاق حديثا فأعجبني قال : فقلت : من حدثك ؟ قال : فقال : مه (1) ثقة ، حدثني إبراهيم اليهودي »
1357 - أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا محمد بن عبد الله بن محمد المزني ، أنا علي بن محمد بن عيسى الجكاني ، نا أبو اليمان ، أخبرني شعيب ، عن الزهري ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس قال : « يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء كتابكم الذي أنزل الله على رسوله أحدث الأخبار بالله تعرفونه محضا لم يشب ، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا ما كتب الله وغيروا وكتبوا بأيديهم الكتب وقالوا هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم فلا والله ما رأينا رجلا منهم قط يسألكم عن الذي أنزل إليكم »
1358 - أنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسنويه الأصبهاني ، بها ، نا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عيسى بن مزيد الخشاب ، نا أحمد بن مهدي بن رستم أبو جعفر ، نا الحجاج بن أبي منيع ، نا جدي ، عن الزهري ، قال : قال ابن أبي نخلة الأنصاري : إن أبا نملة الأنصاري أخبره أنه بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من اليهود فقال : يا محمد هل تكلم هذه الجنازة قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أعلم . قال اليهودي أنا أشهد أنها تكلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان حقا لم تكذبوا وإن كان باطلا لم تصدقوا به » وأما ما حفظ من أخبار بني إسرائيل وغيرهم من المتقدمين عن رسول رب العالمين وعن صحابته الأخيار المنتخبين صلى الله عليه وعليهم أجمعين وعن العلماء من سلف المسلمين فإن روايته تجوز ونقله غير محظور
1359 - أخبرني الحسن بن علي التميمي ، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، نا بهز ، نا أبو هلال ، نا قتادة ، عن أبي حسان ، عن عمران بن حصين ، قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل لا يقوم إلا إلى عظم (1) صلاة » رواه هشام الدستوائي عن قتادة فجعل مكان عمران بن حصين عبد الله بن عمرو بن العاص
1360 - أناه القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا محمد بن المثنى ، نا معاذ ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن أبي حسان ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : « كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح ما يقوم إلا إلى عظم (1) صلاة » وهذا فيما قيل أصح من رواية أبي هلال والله أعلم
1361 - أنا إبراهيم بن مخلد بن جعفر ، نا محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي ، نا الحسين بن محمد بن أبي معشر ، نا وكيع ، عن الربيع بن سعد الجعفي ، عن ابن سابط ، عن جابر بن عبد الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « حدثوا عن بني إسرائيل فإنه كان فيهم الأعاجيب وأنشأ يحدث قال : خرجت طائفة من بني إسرائيل حتى أتوا مقبرة من مقابرهم فقالوا : لو صلينا ودعونا الله تعالى يخرج لنا رجلا ممن مات نسائله عن الموت ، ففعلوا ، فبينا هم كذلك إذا اطلع رأسه من قبر من تلك المقابر خلاسي بين عينيه أثر السجود فقال : يا هؤلاء ما أردتم ؟ إني قد مت منذ مائة عام وما سكنت عني حرارة الموت إلى الآن فادعوا الله أن يعيدني كما كنت »
1362 - أنا محمد بن الحسين بن محمد المتوثي ، أنا محمد بن عبد الله بن أحمد بن عتاب العبدي ، قال : كتب إلي محمد بن إبراهيم الصوري قال : نا محمد بن يوسف الفريابي ، نا ابن ثوبان ، عن حسان بن عطية ، عن أبي كبشة السلولي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ (1) مقعده من النار »
1363 - أنا أحمد بن أبي جعفر ، أنا علي بن عبد العزيز البرذعي ، نا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، نا أبي ، نا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : قال الشافعي : « معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم : » حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج « : أي لا بأس أن تحدثوا عنهم مما سمعتم وإن استحال أن يكون في هذه الأمة مثل ما روي أن ثيابهم تطول والنار التي تنزل من السماء فتأكل القربان ليس أن يحدث عنهم بالكذب » ))
 
أسئلة حول الإسرائيليات...

أسئلة حول الإسرائيليات...

لقد ثبت ـ فيما رواه البخاري وغيره ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ... وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) ، فهو صلى الله عليه وسلم قد رفع الحرج عن أمته ، وأجاز لها التحديث عن بني إسرائيل ، ويشهد لهذا القرآن ، فإن الله سبحانه حكى بعض مقولات الأمم السابقة ، فردَّ باطلها ، وصحح صحيحها أو أشار إليه ، وأبهم في ما لا أثر له في العلم .
فقوله تعالى : { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [الكهف: 22] .
فقد حكى الله قول المختلفين ، ولا شك أن شيئًا منه خطأ ، وقد نبه على الخطأ بقوله : ( قل ربي أعلم بعدتهم ) ، ونبه على الصواب بعدم الاستدراك عليه ، وذلك جريًا على قاعدة ذكرها بعض العلماء ، منهم الشاطبي في كتاب الموافقات ، قال : (( كل حكاية وقعت في القرآن ؛ فلا يخلو أن يقع قبلها أو بعدها ـ وهو الأكثر ـ ردٌّ لها أو لا .
فإن وقع ردٌّ ، فلا إشكال في بطلان ذلك المحكي وكذبه ، وإن لم يقع معها ردٌّ فذلك دليل صحة المحكي وصدقه
أما الأول ، فظاهر ، ولا يحتاج إلى برهان ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : ( إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) فأعقب بقوله : ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ) الآية . وقال : ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ) الآية ، فوقع التنكيت على افتراء ما زعموا بقوله : ( بزعمهم ) ، وبقوله : ( ساء ما يحكمون ) ، ثم قال : ( وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ) إلى تمامه ورد بقوله : ( سيجزيهم بما كانوا يفترون ) ، ثم قال : ( وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة ) الآية فنبه على فساده بقوله : ( سيجزيهم وصفهم ) زيادة على ذلك ... وأشباه ذلك ، ومن قرأ القرآن وأحضره في ذهنه عرف هذا بيسر
وأما الثاني فظاهر أيضا ولكن الدليل على صحته من نفس الحكاية وإقرارها ، فإن القرآن سُمي فرقانًا وهدىً وبرهانًا وبيانًا وتبيانًا لكل شيء ، وهو حجة الله على الخلق على الجملة والتفصيل والإطلاق والعموم ، وهذا المعنى يأبى أن يُحكى فيه ما ليس بحق ، ثم لا يُنبه عليه .
وأيضا فإن جميع ما يُحكى فيه من شرائع الأولين وأحكامهم ولم ينبه على إفسادهم وافترائهم فيه فهو حق يجعل عمدة عند طائفة فى شريعتنا ويمنعه قوم لا من جهة قدح فيه ولكن من جهة أمر خارج عن ذلك فقد اتفقوا على أنه حق وصدق كشريعتنا ولا يفترق ما بينهما إلا بحكم النسخ فقط ... ومن أمثلة هذا القسم جميع ما حكي عن المتقدمين من الأمم السالفة مما كان حقا كحكايته عن الأنبياء والأولياء ومنه قصة ذي القرنين وقصة الخضر مع موسى عليه السلام وقصة أصحاب الكهف وأشباه ذلك )) أ.هـ كلام الشاطبي .
وإذا تأملت آية أصحاب الكهف السالفة ؛ وجدت أنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ، ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما، ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فقال في مثل هذا: { قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ } فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس، ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: { فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا } أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب ، وهذا يعني أن حكابة الخلاف عن السابقين منهج دلَّ عليه القرآن ، وهو مصداق قوله صلى الله عليه وسلم : ( وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) .
لكن مع تجويزه صلى الله عليه وسلم لأمته أن تحدِّث عن بني إسرائيل ، فإنه أرشدها إلى ضابط مهمٍّ في قبول هذه الأخبار من عدم قبولها ، فقد روى الإمام أحمد بسنده ، قال : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ أَخْبَرَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَمْلَةَ أَنَّ أَبَا نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ( بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، هَلْ تَتَكَلَّمُ هَذِهِ الْجَنَازَةُ ؟
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ الْيَهُودِيُّ : أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهَا تَتَكَلَّمُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ ) .
ومن هذا الأثر يظهر لك جليًا أننا لسنا ملزمين بتصديق بني إسرائيل ولا بتكذيبهم ، إلا بحجة ، وهي أن يتبين الصدق أو الكذب من كلامهم ، وذلك مفهوم الخطاب من هذا الحديث .
لذا رتَّب بعض العلماء منقولات بني إسرائيل على ثلاث مراتب معروفة ، وهي :
أحدها: ما علمنا صحتَه مما بأيدينا مما نشهدُ له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبَه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمِنُ به ولا نكذّبه، وتجوزُ حكايتُه لما تقدّم .
وإذا تأملت الكلام السابق ، وصح عندك هذا التقرير ، فيمكن طرح عدد من الأسئلة :
الأول : هل يلزم من ذِكِر المفسر لمرويات بني إسرائيل أن يكون قابلاً لها جملة وتفصيلا ؟
الثاني : هل يُثرَّب على المفسر الذي يذكر هذه الإسرائيليات بعد تجويز النبي صلى الله عليه وسلم له التحديث بها .
الثالث : هل ورد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم التفريق في جواز التحديث حتى يقال : لا يجوز ذكرها في كتب التفسير ؟
الرابع : هل المنهج السليم هو الإعراض الكلي عن الإسرائيليات ، والتخوف منها ، والتحذير منها أشدَّ الحذر ؟ أفما كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بشرع ربه ، وأرفق بأمته ممن يدعو بهذه الدعوة ؟! .

الحمد لله و بعد...
أستاذي الفاضل مساعد الطيار...حفظكم الرحمن تعالى!
في حديثكم عن الإسرائيليات هنا ختمتم حضرتكم بهذه الأسئلة، التي حاولت أن أجد حلولا لها!
فهلا تكرمتم ببيان الإجابة أو بإحالتي لكتب؛ ليتضح الأمر عندي و ينكشف؟

ثم هناك سؤال آخر -أكرمكم الله بكرمه - يدور في خلدي، حول المرتبة الثالثة من منقولات بني إسرائيل، و هي ما نتوقف به فلا نصدقه و لا نكذبه، سؤالي: كيف نجيز لأنفسنا رواية مثل هذه المرتبة؟ أليست روايتنا لها، من قبيل الرضى بها و القبول؟و إن كانت روايتنا لها زيادة للفائدة، فأي فائدة يمكننا أن نجنيها من مثل تلك الروايات؟
و شكري الجزيل لكل من يرغب بالمساعدة!!!
و دمتم على رضى الرحمن أعوانا
 
لقد تكلمت عن بعضها في شرحي لمقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
 
عودة
أعلى