أبومجاهدالعبيدي1
New member
- إنضم
- 02/04/2003
- المشاركات
- 1,760
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
- الإقامة
- السعودية
- الموقع الالكتروني
- www.tafsir.org
بسم الله الرحمن الرحيم
أورد ابن جرير رحمه الله أقوال المفسرين في معنى قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)[النساء: من الآية3]
ومن تلك الأقوال التي وردت في تفسير الآية ما ذكره بقوله رحمه الله :
( وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن القوم كانوا يتحوبون في أموال اليتامى ألا يعدلوا فيها , ولا يتحوبون في النساء ألا يعدلوا فيهن , فقيل لهم : كما خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى , فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن , ولا تنكحوا منهن إلا من واحدة إلى الأربع , ولا تزيدوا على ذلك , وإن خفتم ألا تعدلوا أيضا في الزيادة على الواحدة , فلا تنكحوا إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيهن من واحدة أو ما ملكت أيمانكم . )
ثم ذكر من قال ذلك من السلف فقال : ( حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب , عن سعيد بن جبير , قال : كان الناس على جاهليتهم , إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه . قال : فذكروا اليتامى , فنزلت : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } قال : فكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى , فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في النساء .
حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } إلى : { أيمانكم } كانوا يشددون في اليتامى , ولا يشددون في النساء , ينكح أحدهم النسوة , فلا يعدل بينهن ; فقال الله تبارك وتعالى : كما تخافون أن لا تعدلوا بين اليتامى فخافوا في النساء , فانكحوا واحدة إلى الأربع , فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم .
حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } حتى بلغ : { أدنى ألا تعولوا } يقول : كما خفتم الجور في اليتامى وهمكم ذلك , فكذلك فخافوا في جمع النساء. وكان الرجل في الجاهلية يتزوج العشرة فما دون ذلك , فأحل الله جل ثناؤه أربعا , ثم الذي صيرهن إلى أربع قوله : { مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } يقول : إن خفت ألا تعدل في أربع فثلاث , وإلا فثنتين , وإلا فواحدة ; وإن خفت ألا تعدل في واحدة , فما ملكت يمينك .
حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن أيوب , عن سعيد بن جبير , قوله : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } يقول : ما أحل لكم من النساء , { مثنى وثلاث ورباع } فخافوا في النساء مثل الذي خفتم في اليتامى ألا تقسطوا فيهن . ....
حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو النعمان عارم , قال : ثنا حماد بن زيد , عن أيوب , عن سعيد بن جبير , قال : بعث الله تبارك وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم , والناس على أمر جاهليتهم , إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه , وكانوا يسألونه عن اليتامى , فأنزل الله تبارك وتعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } قال : فكما تخافون ألا تقسطوا في اليتامى فخافوا ألا تقسطوا وتعدلوا في النساء .
حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : قوله : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } قال : كانوا في الجاهلية ينكحون عشرا من النساء الأيامى , وكانوا يعظمون شأن اليتيم , فتفقدوا من دينهم شأن اليتيم , وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية , فقال : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } ونهاهم عما كانوا ينكحون في الجاهلية ......) انتهى باختصار
ثم قال مرجحاً : ( قال أبو جعفر : وأولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بتأويل الآية قول من قال : تأويلها : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى , فكذلك فخافوا في النساء , فلا تنكحوا منهن إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيه منهن من واحدة إلى الأربع , فإن خفتم الجور في الواحدة أيضا فلا تنكحوها , ولكن عليكم بما ملكت أيمانكم , فإنه أحرى أن لا تجوروا عليهن . وإنما قلنا : إن ذلك أولى بتأويل الآية , لأن الله جل ثناؤه افتتح الآية التي قبلها بالنهي عن أكل أموال اليتامى بغير حقها , وخلطها بغيرها من الأموال , فقال تعالى ذكره : { وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا } . ثم أعلمهم أنهم إن اتقوا الله في ذلك فتحرجوا فيه , فالواجب عليهم من اتقاء الله , والتحرج في أمر النساء مثل الذي عليهم ظن التحرج في أمر اليتامى , وأعلمهم كيف التخلص لهم من الجور فيهن , كما عرفهم المخلص من الجور في أموال اليتامى , فقال : انكحوا إن أمنتم الجور في النساء على أنفسكم , ما أبحت لكم منهن وحللته , مثنى وثلاث ورباع , فإن خفتم أيضا الجور على أنفسكم في أمر الواحدة بأن تقدروا على إنصافها , فلا تنكحوها , ولكن تسروا من المماليك , فإنكم أحرى أن لا تجوروا عليهن , لأنهن أملاككم وأموالكم , ولا يلزمكم لهن من الحقوق كالذي يلزمكم للحرائر , فيكون ذلك أقرب لكم إلى السلامة من الإثم والجور , ففي الكلام إذ كان المعنى ما قلنا , متروك استغني بدلالة ما ظهر من الكلام عن ذكره . وذلك أن معنى الكلام : وإن خفتم ألا تقسطوا في أموال اليتامى فتعدلوا فيها , فكذلك فخافوا ألا تقسطوا في حقوق النساء التي أوجبها الله عليكم , فلا تتزوجوا منهن إلا ما أمنتم معه الجور , مثنى وثلاث ورباع , وإن خفتم أيضا في ذلك فواحدة , وإن خفتم في الواحدة فما ملكت أيمانكم فترك ذكر قوله فكذلك فخافوا أن تقسطوا في حقوق النساء بدلالة ما ظهر من قوله تعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } . فإن قال قائل : فأين جواب قوله : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } ؟ قيل : قوله : { فانكحوا ما طاب لكم } غير أن المعنى الذي يدل على أن المراد بذلك ما قلنا : قوله : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا } . )
أقول : ترجيح ابن جرير هنا مخالف لما ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها في بيان سبب نزول الآية ، وقد ذكر هو الروايات عن عائشة في أول تفسيره للآية بقوله :
( حدثنا ابن حميد , قال : ثنا ابن المبارك , عن معمر , عن الزهري , عن عروة , عن عائشة : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } فقالت : يا ابن أختي , هي اليتيمة تكون في حجر وليها , فيرغب في مالها وجمالها , ويريد أن ينكحها بأدنى من سنة صداقها , فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق , وأمروا أن ينكحوا ما سواهن من النساء .
حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني يونس بن يزيد , عن ابن شهاب , قال : أخبرني عروة بن الزبير , أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم , عن قول الله تبارك وتعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } قالت : يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها , تشاركه في ماله , فيعجبه مالها وجمالها , فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها , فيعطيها مثل ما يعطيها غيره , فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن , ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق , وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن .
قال يونس بن يزيد : قال ربيعة في قول الله : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } قال : يقول : اتركوهن فقد أحللت لكم أربعا
حدثنا الحسن بن الجنيد وأبو سعيد بن مسلمة , قالا : أنبأنا إسماعيل بن أمية , عن ابن شهاب , عن عروة , قال : سألت عائشة أم المؤمنين , فقلت : يا أم المؤمنين أرأيت قول الله : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } ؟ قالت : يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها , فيرغب في جمالها ومالها , ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة صداق نسائها , فنهوا عن ذلك أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا فيكملوا لهن الصداق , ثم أمروا أن ينكحوا سواهن من النساء إن لم يكملوا لهن الصداق .....
- حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن هشام , عن أبيه , عن عائشة , قالت : نزل , يعني قوله : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } . .. الآية , في اليتيمة تكون عند الرجل , وهي ذات مال , فلعله ينكحها لمالها , وهي لا تعجبه , ثم يضر بها , ويسيء صحبتها , فوعظ في ذلك .
قال أبو جعفر : فعلى هذا التأويل جواب قوله : { وإن خفتم ألا تقسطوا } قوله : { فانكحوا } ) انتهى باختصار
وهذا التفسير الذي ذكرته عائشة رضي الله عنها لا شك أنه أقوى لأسباب :
الأول : أنه يعتبرفي حكم سبب نزول الآية .
الثاني : أنه تفسير في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .قال ابن عاشور : ( وعائشة لم تسند هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن سياق كلامهايؤذن بأنّه عن توقيف، ولذلك أخرجه البخاري في باب تفسير سورة النساء بسياق الأحاديث المرفوعة اعتداداً بأنها ما قالت ذلكإلاّ عن معاينة حال النزول .)
الثالث : أنه موافق لظاهر الآية ، ولا تحتاج الآية معه إلى تقدير .قال ابن عاشور : ( وكلامها هذا أحسن تفسير لهذه الآية. )
قال الشنقيطي رحمه الله :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَـامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ لا يخفى ما يسبق إلى الذهن في هذه الآية الكريمة من عدم ظهور وجه الربط بين هذا الشرط ، وهذا الجزاء ، وعليه ، ففي الآية نوع إجمال ، والمعنى كما قالت أم المؤمنين ، عائشة رضي اللَّه عنها : أنه كان الرجل تكون عنده اليتيمة في حجره ، فإن كانت جميلة ، تزوجها من غير أن يقسط في صداقها ، وإن كانت دميمة رغب عن نكاحها وعضلها أن تنكح غيره ؛ لئلا يشاركه في مالها ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ، أي : كما أنه يرغب عن نكاحها إن كانت قليلة المال ، والجمال ، فلا يحل له أن يتزوجها إن كانت ذات مال وجمال إلا بالإقساط إليها ، والقيام بحقوقها كاملة غير منقوصة ، وهذا المعنى الذي ذهبت إليه أم المؤمنين ، عائشة ، رضي اللَّه عنها ، يبيّنه ويشهد له قوله تعالىٰ : {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النّسَاء قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتاٰبِ فِى يَتَـامَى النّسَاءللا ٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا} ، وقالت رضي اللَّه عنها : إن المراد بما يتلى عليكم في الكتاب هو قوله تعالىٰ : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى ٱلْيَتَـٰمَىٰ} ، فتبين أنها يتامى النساء بدليل تصريحه بذلك في قوله : {فِى يَتَـٰمَى ٱلنّسَاء ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} ، فظهر من هذا أن المعنى وإن خفتم ألا تقسطوا في زواج اليتيمات فدعوهن ، وانكحوا ما طاب لكم من النساء سواهن ، وجواب الشرط دليل واضح على ذلك ؛ لأن الربط بين الشرط والجزاء يقتضيه ، وهذا هو أظهر الأقوال ؛ لدلالة القرءَان عليه ) .
وقد اقتصر ابن كثير رحمه الله في تفسيره على ما ذكرته عائشة رضي الله عنها .
وبهذا نعلم أن ابن جرير رحمه الله قدم دلالة السياق - كما فهمها هو - على دلائل هي في الحقيقة أقوى من دلالة السياق ، ورجح ما رجحه بناء على ذلك .
أورد ابن جرير رحمه الله أقوال المفسرين في معنى قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)[النساء: من الآية3]
ومن تلك الأقوال التي وردت في تفسير الآية ما ذكره بقوله رحمه الله :
( وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن القوم كانوا يتحوبون في أموال اليتامى ألا يعدلوا فيها , ولا يتحوبون في النساء ألا يعدلوا فيهن , فقيل لهم : كما خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى , فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن , ولا تنكحوا منهن إلا من واحدة إلى الأربع , ولا تزيدوا على ذلك , وإن خفتم ألا تعدلوا أيضا في الزيادة على الواحدة , فلا تنكحوا إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيهن من واحدة أو ما ملكت أيمانكم . )
ثم ذكر من قال ذلك من السلف فقال : ( حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب , عن سعيد بن جبير , قال : كان الناس على جاهليتهم , إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه . قال : فذكروا اليتامى , فنزلت : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } قال : فكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى , فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في النساء .
حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } إلى : { أيمانكم } كانوا يشددون في اليتامى , ولا يشددون في النساء , ينكح أحدهم النسوة , فلا يعدل بينهن ; فقال الله تبارك وتعالى : كما تخافون أن لا تعدلوا بين اليتامى فخافوا في النساء , فانكحوا واحدة إلى الأربع , فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم .
حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } حتى بلغ : { أدنى ألا تعولوا } يقول : كما خفتم الجور في اليتامى وهمكم ذلك , فكذلك فخافوا في جمع النساء. وكان الرجل في الجاهلية يتزوج العشرة فما دون ذلك , فأحل الله جل ثناؤه أربعا , ثم الذي صيرهن إلى أربع قوله : { مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } يقول : إن خفت ألا تعدل في أربع فثلاث , وإلا فثنتين , وإلا فواحدة ; وإن خفت ألا تعدل في واحدة , فما ملكت يمينك .
حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن أيوب , عن سعيد بن جبير , قوله : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } يقول : ما أحل لكم من النساء , { مثنى وثلاث ورباع } فخافوا في النساء مثل الذي خفتم في اليتامى ألا تقسطوا فيهن . ....
حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو النعمان عارم , قال : ثنا حماد بن زيد , عن أيوب , عن سعيد بن جبير , قال : بعث الله تبارك وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم , والناس على أمر جاهليتهم , إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه , وكانوا يسألونه عن اليتامى , فأنزل الله تبارك وتعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } قال : فكما تخافون ألا تقسطوا في اليتامى فخافوا ألا تقسطوا وتعدلوا في النساء .
حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : قوله : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } قال : كانوا في الجاهلية ينكحون عشرا من النساء الأيامى , وكانوا يعظمون شأن اليتيم , فتفقدوا من دينهم شأن اليتيم , وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية , فقال : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } ونهاهم عما كانوا ينكحون في الجاهلية ......) انتهى باختصار
ثم قال مرجحاً : ( قال أبو جعفر : وأولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بتأويل الآية قول من قال : تأويلها : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى , فكذلك فخافوا في النساء , فلا تنكحوا منهن إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيه منهن من واحدة إلى الأربع , فإن خفتم الجور في الواحدة أيضا فلا تنكحوها , ولكن عليكم بما ملكت أيمانكم , فإنه أحرى أن لا تجوروا عليهن . وإنما قلنا : إن ذلك أولى بتأويل الآية , لأن الله جل ثناؤه افتتح الآية التي قبلها بالنهي عن أكل أموال اليتامى بغير حقها , وخلطها بغيرها من الأموال , فقال تعالى ذكره : { وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا } . ثم أعلمهم أنهم إن اتقوا الله في ذلك فتحرجوا فيه , فالواجب عليهم من اتقاء الله , والتحرج في أمر النساء مثل الذي عليهم ظن التحرج في أمر اليتامى , وأعلمهم كيف التخلص لهم من الجور فيهن , كما عرفهم المخلص من الجور في أموال اليتامى , فقال : انكحوا إن أمنتم الجور في النساء على أنفسكم , ما أبحت لكم منهن وحللته , مثنى وثلاث ورباع , فإن خفتم أيضا الجور على أنفسكم في أمر الواحدة بأن تقدروا على إنصافها , فلا تنكحوها , ولكن تسروا من المماليك , فإنكم أحرى أن لا تجوروا عليهن , لأنهن أملاككم وأموالكم , ولا يلزمكم لهن من الحقوق كالذي يلزمكم للحرائر , فيكون ذلك أقرب لكم إلى السلامة من الإثم والجور , ففي الكلام إذ كان المعنى ما قلنا , متروك استغني بدلالة ما ظهر من الكلام عن ذكره . وذلك أن معنى الكلام : وإن خفتم ألا تقسطوا في أموال اليتامى فتعدلوا فيها , فكذلك فخافوا ألا تقسطوا في حقوق النساء التي أوجبها الله عليكم , فلا تتزوجوا منهن إلا ما أمنتم معه الجور , مثنى وثلاث ورباع , وإن خفتم أيضا في ذلك فواحدة , وإن خفتم في الواحدة فما ملكت أيمانكم فترك ذكر قوله فكذلك فخافوا أن تقسطوا في حقوق النساء بدلالة ما ظهر من قوله تعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } . فإن قال قائل : فأين جواب قوله : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } ؟ قيل : قوله : { فانكحوا ما طاب لكم } غير أن المعنى الذي يدل على أن المراد بذلك ما قلنا : قوله : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا } . )
أقول : ترجيح ابن جرير هنا مخالف لما ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها في بيان سبب نزول الآية ، وقد ذكر هو الروايات عن عائشة في أول تفسيره للآية بقوله :
( حدثنا ابن حميد , قال : ثنا ابن المبارك , عن معمر , عن الزهري , عن عروة , عن عائشة : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } فقالت : يا ابن أختي , هي اليتيمة تكون في حجر وليها , فيرغب في مالها وجمالها , ويريد أن ينكحها بأدنى من سنة صداقها , فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق , وأمروا أن ينكحوا ما سواهن من النساء .
حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني يونس بن يزيد , عن ابن شهاب , قال : أخبرني عروة بن الزبير , أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم , عن قول الله تبارك وتعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } قالت : يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها , تشاركه في ماله , فيعجبه مالها وجمالها , فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها , فيعطيها مثل ما يعطيها غيره , فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن , ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق , وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن .
قال يونس بن يزيد : قال ربيعة في قول الله : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } قال : يقول : اتركوهن فقد أحللت لكم أربعا
حدثنا الحسن بن الجنيد وأبو سعيد بن مسلمة , قالا : أنبأنا إسماعيل بن أمية , عن ابن شهاب , عن عروة , قال : سألت عائشة أم المؤمنين , فقلت : يا أم المؤمنين أرأيت قول الله : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } ؟ قالت : يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها , فيرغب في جمالها ومالها , ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة صداق نسائها , فنهوا عن ذلك أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا فيكملوا لهن الصداق , ثم أمروا أن ينكحوا سواهن من النساء إن لم يكملوا لهن الصداق .....
- حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن هشام , عن أبيه , عن عائشة , قالت : نزل , يعني قوله : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } . .. الآية , في اليتيمة تكون عند الرجل , وهي ذات مال , فلعله ينكحها لمالها , وهي لا تعجبه , ثم يضر بها , ويسيء صحبتها , فوعظ في ذلك .
قال أبو جعفر : فعلى هذا التأويل جواب قوله : { وإن خفتم ألا تقسطوا } قوله : { فانكحوا } ) انتهى باختصار
وهذا التفسير الذي ذكرته عائشة رضي الله عنها لا شك أنه أقوى لأسباب :
الأول : أنه يعتبرفي حكم سبب نزول الآية .
الثاني : أنه تفسير في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .قال ابن عاشور : ( وعائشة لم تسند هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن سياق كلامهايؤذن بأنّه عن توقيف، ولذلك أخرجه البخاري في باب تفسير سورة النساء بسياق الأحاديث المرفوعة اعتداداً بأنها ما قالت ذلكإلاّ عن معاينة حال النزول .)
الثالث : أنه موافق لظاهر الآية ، ولا تحتاج الآية معه إلى تقدير .قال ابن عاشور : ( وكلامها هذا أحسن تفسير لهذه الآية. )
قال الشنقيطي رحمه الله :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَـامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ لا يخفى ما يسبق إلى الذهن في هذه الآية الكريمة من عدم ظهور وجه الربط بين هذا الشرط ، وهذا الجزاء ، وعليه ، ففي الآية نوع إجمال ، والمعنى كما قالت أم المؤمنين ، عائشة رضي اللَّه عنها : أنه كان الرجل تكون عنده اليتيمة في حجره ، فإن كانت جميلة ، تزوجها من غير أن يقسط في صداقها ، وإن كانت دميمة رغب عن نكاحها وعضلها أن تنكح غيره ؛ لئلا يشاركه في مالها ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ، أي : كما أنه يرغب عن نكاحها إن كانت قليلة المال ، والجمال ، فلا يحل له أن يتزوجها إن كانت ذات مال وجمال إلا بالإقساط إليها ، والقيام بحقوقها كاملة غير منقوصة ، وهذا المعنى الذي ذهبت إليه أم المؤمنين ، عائشة ، رضي اللَّه عنها ، يبيّنه ويشهد له قوله تعالىٰ : {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النّسَاء قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتاٰبِ فِى يَتَـامَى النّسَاءللا ٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا} ، وقالت رضي اللَّه عنها : إن المراد بما يتلى عليكم في الكتاب هو قوله تعالىٰ : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى ٱلْيَتَـٰمَىٰ} ، فتبين أنها يتامى النساء بدليل تصريحه بذلك في قوله : {فِى يَتَـٰمَى ٱلنّسَاء ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} ، فظهر من هذا أن المعنى وإن خفتم ألا تقسطوا في زواج اليتيمات فدعوهن ، وانكحوا ما طاب لكم من النساء سواهن ، وجواب الشرط دليل واضح على ذلك ؛ لأن الربط بين الشرط والجزاء يقتضيه ، وهذا هو أظهر الأقوال ؛ لدلالة القرءَان عليه ) .
وقد اقتصر ابن كثير رحمه الله في تفسيره على ما ذكرته عائشة رضي الله عنها .
وبهذا نعلم أن ابن جرير رحمه الله قدم دلالة السياق - كما فهمها هو - على دلائل هي في الحقيقة أقوى من دلالة السياق ، ورجح ما رجحه بناء على ذلك .