فالمعنى أن عدم إيمانهم متأصل فيهم فالآيات ترد على عقولهم وتألفها قلوبهم وتراها أعينهم وتصغي إليها آذانهم ومع ذلك جحدوا بها وحاربوها فمنهم من يجعل أصابعه في أذنه ومنهم يولى مدبرا ومنهم من قتل ما يدل علة اآية لينفيها ومنهم من قال لا تسمعوا للقرآن ومنهم من حارب صاحب اآية بل منهم من قتل رسولهم فلا تعجب من فعلهم فهم متمكنون من الكفر والجحود والذي دل على ذلك وأكثر من ذلك كلمة (كان).
*-ونحوه(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ...(50) الكهف. كان من الجن فإن طبيعة الجن متمكنة منه فلم يتأثر في حضوره في الملأ الأعلى ووقوفه في زمرة الملائكة المعصومين و لأنه من الجن وله حق الاختيار ولم يكن معصوما فاختار الخروجج على أمرالله لأنه ما زال متأثرا بخلقه الأصى فليس وجوده مع الملائكة ينسيه خلقه الأول إنه من الجن بل متأصلا فيهم كان من الجن ووجوده مع الملائكة أمر عارض لن يؤثر فيه بل المؤثر كونه من الجن.
و نحو ذلك صفات المدح
لعل ذلك أولى بل هو الصواب لأن هناك من قال بزيادة كان
ففي البغوي : وما كان أكثرهم مؤمنين، مصدقين أي سبق علمي فيهم أن أكثرهم لا يؤمنون. وقال سيبويه: كان هاهنا صلة مجازه: وما أكثرهم مؤمنين.
وفي البيضاوي :وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ في علم الله وقضائه فلذلك لا ينفعهم أمثال هذه الآيات العظام.
ونقل الألوسي عن سيبويه إن كانَ صلة والمعنى وما أكثرهم مؤمنين فالمراد الإخبار عن حالهم في الواقع لا في علم الله تعالى الأزلي وارتضاه شيخ الإسلام، وقال: هو الأنسب بمقام بيان عتوهم وغلوهم في المكابرة والعناد مع تعاقد موجبات الإيمان من جهته عز وجل وأما نسبة كفرهم إلى علمه تعالى فربما يتوهم منها كونهم معذورين فيه بحسب الظاهر ويحتاج حينئذ إلى تحقيق عدم العذر بما يخفى على العلماء المتقنين، والمعنى على الزيادة وما أكثرهم مؤمنين مع عظم الآية الموجبة للإيمان لغاية تماديهم في الكفر والضلالة وانهماكهم في الغي والجهالة. ويجوز على قياس ما مر عن بعض الأجلة في قوله تعالى: أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ أن يقال: إن كانَ للاستمرار واعتبر بعد النفي فالمراد استمرار نفي إيمان أكثرهم مع عظم الآية الموجبة لإيمانهم، وفيه من تقبيح حالهم ما فيه.
وهذا المعنى وإن تأتي على تقدير إسقاط كانَ بأن يعتبر الاستمرار الذي تفيده الجملة الاسمية بعد النفي أيضا إلا أنه فرق بين الاستمرارين بعد اعتبار كان قوة وضعفا فتدبر، ونسبة عدم الإيمان إلى أكثرهم لأن منهم من لم يكن كذلك
يدعونني الفعل مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والنون الثانية نون الوقاية ووصفهم بما يوصف به الذكور
فأي إناث هنا
إن الحديث عن الأعراض يستحيي منه النساء ثم الحديث عن امرأة مثلهن عجيب لذا قيل عنهن وقال نسوة
ثم زاد الأمر عجبا عندما صرحت امرأة العزيز بمكرها وكيدها وصرحت بغرضها بعد نزعها كسوة الحياء الذي يستر المرأة العفيفة أمام الرجال فهذا لا يليق بالنساء ثم اتفاق النسوة على كيدها ودعوته لتلبية غرض المرأة يحجبهن جميعا عن أنوثة النساء وحيائهن ، إنهن خلعن برقع الحياء و خلعن معه نون النسوة لا يليق بهن نون الحياء والخجل.
وكأن سيدنا يوسف قد حفته عناية الله فلم ير النساء باغرائهن وأنوثتهن بل رأى هؤلاء النسوة بغير حياء فقال أي نساء هؤلاء إنهن كالرجال فلا يشجع على ما يطلبنه إلا الذكور
وكأنه لعصمته وشدة حياء وطلبه للنجاة تخيلهن رجالا كي لا يلتفت لكيدهن
هذا توجيه لمن أراد إعراب الفعل كما يتبادر للمعرب وهو أنسب لمقام القرآن الذي نزل بلسان عربي مبين فهو ليس للإلغاز والتعمية بل للبيان و التبيين أما من أراد اعرابه على أن الواو لام الكلمة والنون نون النسوة فاعل فنقول له أصبت ولا تُعب على غيرك فالغاية من القرآن الهداية والغرض من الإعراب المعني بل توضيحه وتسهيل فهمه .
...أَصْغَى إليه : مالَ بسَمْعِه ) نحوَه ؛ كما في الصِّحاح وفي المُحْكم : أَصْغَى إليه سَمْعَه : أَمالَهُ[1].
وقد هدى الله العلامة ابن عاشور فمال إلى الحق واكتفى بذكره قال رحمه الله:وصَغَتْ: مَالَتْ، أَيْ مَالَتْ إِلَى الْخَيْرِ وَحَقِّ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ الزَّوْجِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ سَمَاعُ الْكَلَامِ إِصْغَاءً لِأَنَّ الْمُسْتَمِعُ يَمِيلُ سَمْعُهُ إِلَى مَنْ يُكَلِّمُهُ[2].
وكذا القاسمي وفق ومال إلى الحق واكتفى به فقال :إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما أي إلى الحق. وهو ما وجب من مجانبة ما يسخط رسوله[3].
قال أبو الليث:قوله تعالى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ يعني: عائشة وحفصة، فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما يعني:مالت قلوبكما عن الحق. وذكر عن الفراء أنه قال: معناه إن لا تتوبا إلى الله، فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما عن الحق، ويقال: فيه مضمر، ومعناه: إن تتوبا إلى الله يقبل الله توبتكما، ويقال معناه إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما يعني: مالت إلى الحق[5].
ولا ندري السبب الذي جعل الفراء يقحم ما ليس في الآية كي يفسرها مالت عن الحق فيميل هو عن الحق بذكر مضمر لا حاجة إليه ويفسر الآية بما لا دليل عليه.
وقد شاع هذا التفسير الدخيل في كتب الأقدمين وكأنه لا مناص أو مفر عنه
ففي النكت والعيون ما لا يقبل من تفسير صغت قال الماوردي:وفي (صغت) ثلاثة أقاويل: أحدها: يعني زاغت , قاله الضحاك. الثاني: مالت , قاله قتادة ,والثالث: أثمت[6]
ومستندهم آثار ضعيفة لا يركن إليها ففي الطبري :حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) يقول: زاغت قلوبكما، يقول: قد أثمت قلوبكما.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن مجاهد، قال: كنا نرى أن قوله:( فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) شيءهين، حتى سمعت قراءة ابن مسعود( إن تَتُوبَا إِلى اللهِ فَقَدْ زَاغَتْ قُلُوبُكُمُا ).
وهذه الأسانيد ضعيفة لا يعتمد عليها ,لا سيما ذكر القراءة التي لا تثبت إلا بالتواتر ثم ها هي تخالف رسم المصحف. أما قتادة فقد أوقفنا على معنى صغى ولم يذكر الحرف الذي يتعدى بها فنحن نقول صغت إلى ولكن روي بعض المفسرين مال عن ولا محل له هنا لنبوه عن سياق الآيات .
قال ابن جرير حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) : أي مالت قلوبكما.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن قتادة( فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) مالت قلوبكما[7].
وقول قتادة أولى بالقبول إن قلنا مالت إلى الحق,
أما قول ابن جرير حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:( فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) يقول: زاغت.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان( صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) قال: زاغت قلوبكما.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد، قال الله عزّ وجلّ:( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) قال: سرهما أن يجتنب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جاريته، وذلك لهما موافق( صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) إلى أن سرّهما ما كره رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
ففيها انقطاع وقول ابن زيد معقول إلى حد ما
وسار على هذا التأويل الباطل جماعة من المفسرين ممن عنى بالمأثور بل وممن عنى بالعقل والفكر
قال البغوي:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} أَيْ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِيذَاءِ. يُخَاطِبُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أَيْ زَاغَتْ وَمَالَتْ عَنِ الْحَقِّ وَاسْتَوْجَبْتُمَا التَّوْبَة[8]. هوهذا تقليد لما في الطبري فالرد عليه يشبهه.
*-قال ابن عطية:وقوله تعالى: صَغَتْ قُلُوبُكُما معناه مالت أي عن المعدلة والصواب، والصغا: الميل، ومنه صياغة الرجل وهم حواشيه الذين يميلون إليه، ومنه أصغى إليه بسمعه، وأصغى الإناء، وفي قراءة عبد الله بن مسعود «فقد زاغت قلوبكما» ، والزيغ الميل وعرفه في خلاف الحق، قال مجاهد: كما نرى صغت شيئا هينا حتى سمعنا قراءة ابن مسعود: «زاغت».[9]
قال الماتريدي: ثم قوله: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) فجائز أن يكون قوله: (إِن) زيادة في الكلام، وحقه الحذف، فيكون معناه: توبا إلى اللَّه؛ فقد صغت قلوبكما، ويوقف عليه ثم يبدأ بقوله: (وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ).
وجائز أن يكون حقه الإثبات، فلا يكون حرف (إِن) زيادة، ويكون معناه: إن تتوبا إلى اللَّه، وإلا فإن اللَّه هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين فيكون الجزاء فيه مضمرًا.
وجائز أن يكون جزاء صنيعهن أن يطلقهن، فكأنه قال: إن تتوبا إلى اللَّه وإلا طلقكن، فيكون في هذا أنه حبب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إليهن حتى اشتد عليهن الطلاق، وخرج الطلاق مخرج العقوبة لهن على صنيعهن، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا).أي: مالت عن الحق الذي لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عليكما، وحق الرسول - عليه السلام - حق عظيم يرد فيه العتاب بأدنى تقصير[10].
فقد صغت قلوبكما) أي عدلت ومالت عن الحق، وهو حق الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك حق عظيم يوجد فيه استحقاق العتاب بأدنى تقصير وجواب الشرط محذوف للعلم به على تقدير: كان خيرا لكما[11].
قال الطيبي:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، وهو ميل قلوبكما عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب ما يحبه، وكراهة ما يكرهه. وقرأ ابن مسعود: (فقد زاغت)[12].
وفي التفسير المظهري :قوله ان تتوبا الى الله لعائشة وحفصة يعنى تتوبا.إِلَى اللَّهِ من التعاون على النبي - صلى الله عليه وسلم - وافشاء سره وجزاء الشرط محذوف أى أتيتما بالواجب أقيم علة مقامه حيث قال فَقَدْ صَغَتْ أى زاغت ومالت قُلُوبُكُما عن الاستقامة على طريق الحق[13].
قال الألوسي : ومعنى قوله تعالى: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما مالت عن الواجب من مخالفته صلى الله تعالى عليه وسلم بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه إلى مخالفته، والجملة قائمة مقام جواب الشرط بعد حذفه. والتقدير إن تتوبا فلتوبتكما موجب وسبب فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما أو فحق لكما ذلك فقد صدر ما يقتضيها
وجعلها ابن الحاجب جوابا من حيث الإعلام كما قيل في: إن تكرمني اليوم فقد أكرمتك أمس، وقيل: الجواب محذوف تقديره يمح إثمكما، وقوله تعالى: فَقَدْ صَغَتْ إلخ بيان لسبب التوبة، وقيل: التقدير فقد أديتما ما يجب عليكما أو أتيتما بما يحق لكما، وما ذكر دليل على ذلك قيل: وإنما لم يفسروا فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما بمالت إلى الواجب أو الحق أو الخير حتى يصح جعله جوابا من غير احتياج إلى نحو ما تقدم لأن صيغة الماضي- وقد- وقراءة ابن مسعود- فقد زاغت قلوبكما- وتكثير المعنى مع تقليل اللفظ تقتضي ما سلف، وتعقب بأنه إنما يتمشى على ما ذهب إليه ابن مالك من أن الجواب يكون ماضيا وإن لم يكن لفظ كان، فيه نظر[14].
والخلاصة : أننا نميل إلى الحق في حفظ حق أمهات المؤمنين علينا من توقيرهن فنقول صغت قلوبكما إلى الحق .
[1] تاج العروس من جواهر القاموس - ث (38/ 423) [2] التحرير والتنوير (28/ 356) [3] تفسير القاسمي = محاسن التأويل (9/ 275) [4]تفسير القرطبي (18/ 188)
[8] تفسير البغوي - طيبة (8/ 165) [9] تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (5/ 331)
[10] تأويلات أهل السنة (10/ 83) [11] تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (30/ 570) [12]فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (15/ 500)
[13] التفسير المظهري (9/ 340) [14] روح المعاني (14/ 347)