[align=justify]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسأل الله العلي القدير أن يوفق أختنا الباحثة ويفتح عليها فتوح العارفين ويمدها بعونه وتوفيقه.
هذا الكتاب "
الأصول في علم القراءات" من الكتب المنسوبة لابن الجزري رحمه الله، ولا توجد دلالة قاطعة أو قرينة قوية تثبت صحة هذه النسبة، ولذا فالصواب أن يُوصف المخطوط بـ"
المنسوب لابن الجزري" بدلاً من الجزم بنسبته لابن الجزري دون دليل قاطع.
وأكتب هذا بعد قراءتي المتفحصة للنسختين الخطيتين أثناء بحثي عن موضوع لرسالة الماجستير قبل خمس سنوات تقريباً، وتواصلتُ حينها مع أخي الشيخ أبي إسحاق الحضرمي بشأن الكتاب؛ وذكر لي مشكوراً ما تفضل بكتابته أعلاه.
كما تواصلتُ أيضاً مع فضيلة الدكتور السالم الجكني بشأن الكتاب وذكر لي بأن تلميذه أبا إسحاق الحضرمي أحضر له نسخة خطية من الكتاب، وظهر له - أي: الدكتور الجكني - أن في نسبة الكتاب لابن الجزري نظر، وأن الأصل عدم صحة النسبة ما لم تُثبَت بدليل قاطع.
وراسلتُ والدي الأستاذ الدكتور غانم قدوري الحمد وفقه الله وعرضتُ عليه أمر الكتاب، فذكر لي أنه لم يقف على ما يُثبت صحة نسبة الكتاب لابن الجزري.
وتشرفتُ كذلك بزيارة الشيخ عاصم جنيد الله القاري شفاه الله في بيته، وعرضتُ عليه النسختين الخطيتين للكتاب، فذكر لي أن نسبة الكتاب لابن الجزري لا تثبت، وأن منهج مؤلّف الكتاب لا يشبه منهج ابن الجزري مطلقاً، وبعد أن قرأ مقدمة الكتاب - وقد قرر فيها المؤلّفُ أن عدد مخارج الحروف ستة عشر - قال لي: أثبت بأن ابن الجزري اختار في هذا الكتاب أن عدد مخارج الحروف ستة عشر، ثم اختار في كتبه الأخرى أن عددها سبعة عشر، فإذا أثبتّ ذلك فواصل، وإلا فستمضي مدة الماجستير كاملة في البحث عن كيفية إثبات صحة نسبة الكتاب لابن الجزري بدلاً من تحقيق المسائل العلمية فيه.
وعطفاً على ما ذكره أخي الحبيب أبو يوسف الكفراوي بشأن مقارنة هذا الكتاب مع المواضع التي أحال فيها ابن الجزري في كتابه
التمهيد إلى كتابه: "
التوجيهات على أصول القراءات"، فقد تتبعتُ هذه المواضع كاملة في
التمهيد، وكان ابن الجزري حينها يختصر الحديث ويحيل من أراد التوسع إلى ما ذكره في كتابه
التوجيهات، وهذه المواضع مختصرة جداً في كتاب
الأصول كما في
التمهيد وربما أقل، وثبت لي بعد المقابلة أن كتاب "
الأصول في علم القراءات" ليس هو "
التوجيهات على أصول القراءات"، وهذا مما أجزم به عطفاً على النسخ المتوفرة بين أيدينا.
وبرأيي أن الباحثة يلزمها أن تُضمّن خطة بحثها مبحثاً خاصاً للمقارنة بين الاختلاف في المسائل العلمية بين كتب ابن الجزري
كالتمهيد والنشر والمقدمة وغيرها، وبين المسائل ذاتها في كتاب
الأصول، كمسألة عدد مخارج الحروف مثلاً، وغيرها، مع دراسة هذا الاختلاف دراسة تاريخية بحسب تسلسل تأليف ابن الجزري لكتبه،
فالتمهيد ألّفه وهو دون العشرين،
والنشر والمقدمة ألّفهما وهو في الخمسين من عمره تقريباً، والتطور العلمي أو التجديد في اختيار المسائل لديه رحمه الله - كمسألة التواتر وتفخيم الألف وغيرهما - قد يعين على إثبات صحة النسبة من عدمها.
وأما ما ذكره أخي وليد عبيد وفقه الله في رده الأخير بأن العنوان موجود في فهرس المكتبة، وموجود في صفحة العنوان بالنسختين، فهذا لا يكفي للقطع بصحة نسبة الكتاب، وكثيرة هي المخطوطات التي نُسِبت في الفهارس نسبةً خاطئةً ولم يُعتدّ بما ذُكر في الفهارس، وما كتاب "
الاهتداء في الوقف والابتداء" المنسوب لابن الجزري في مكتبة تونس عنّا ببعيد.
http://vb.tafsir.net/tafsir18783/
وأضيف أيضاً بأن النسختين الخطيتين خلتا من أدنى إشارة أو ذكر لابن الجزري، لا في أول الكتاب، ولا في آخره، ولا في صفحة الغلاف، بل ليس فيهما إحالة إلى كتبه، أو شيوخه، أو إلى أي مصدر من المصادر المعتبرة، إلا في موضع واحد ذكر فيه المؤلّفُ صاحبَ كتاب
العنوان، وذلك في باب الروم والإشمام إن لم أكن متوهماً، ولا يخفى أن ابن الجزري ممن يُكثر ذِكر شيوخه في كتبه، ويشير إلى اختياراتهم، وإلى بعض مواقفه معهم في المسائل العلمية، ويحيل إلى بعض كتبه، وهذا كله مما ليس له أثر في هذا الكتاب.
أكتفي بهذا القدر، وأعتذر عن الاختصار أو الخطأ، فقد كتبتُ هذا الرد على عجل وأنا خارج البلاد وبعيد عن مكتبتي، وإن يسّر الله لي العودة للموضوع مجدداً فسأذكر بعض النقاط التي كنتُ دونتُها أثناء جمعي للمادة العلمية المتعلقة بالكتاب، ومنها ما يتعلق بالنسخة الثالثة الموجودة في تركيا، وكذلك ما يتعلق بمواضع السقط في النسختين، ومقابلتها مع بعض إحالات ابن الجزري في
التمهيد إلى كتابه
التوجيهات، وهي كلها رهن إشارة مشايخي وأساتذتي في قسم القراءات بجامعة أم القرى، وكذلك بين يدي أخي وليد عبيد إن احتاجتها الباحثة وفقها الله.
وأُشهد الله أني ما كتبتُ الذي كتبتُه إلا نُصحاً ونفعاً لإخوتي وأخواتي، والذي أتمناه وأرجوه أن تجتهد الباحثة بإثبات صحة نسبة الكتاب لابن الجزري إثباتاً قاطعاً قبل أن تخوض في تحقيق الكتاب، فإثبات صحة النسبة كفيل بتيسير الخطوات التالية، يسّر الله أمرها وأعانها وسدّدها.
والحمد لله رب العالمين،
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.[/align]