أصبحت موجة التدين الجديد ظاهرة لا تخطئها العين، وهي ظاهرة أوسع من الحركات الإسلامية، تتبادل معها التأثير والتأثر لكنها لا تستوعب فيها، وقد أخذت هذه الظاهرة تتبلور في شكل تجمعات شبابية من المتدينين الجدد تتمحور حول العمل الخيري، فيما يبشر بإمكانية عودة روح التطوع من أجل "الخير العام" إلى مجتمعاتنا خاصة مع تدفق موجات الشباب على العمل الخيري تدفقا جعل منه "موضة" نرجو أن تنمو لتصير "روحا" تسري في أوساط الناس. وفي السطور التالية نتتبع آثار أقدام القافلة.. قافلة الخير الجديدة، وبعد أن نرسم معالم الصورة ننظر إليها بعين المحب التي ليست عن كل عيب كليلة.
كلمة السر: 1999
عندما خرجت السياسة من الشباك دخل العمل التطوعي الخيري من الباب، هذه هي العبارة التي يمكنها أن تلخص بإيجاز "قصة جمعيتين".
ففي النصف الثاني من عقد التسعينيات سحبت مظلة السياسة التي كانت تظلل حركة الشباب في الجامعات المصرية قسرا، بينما خارج أسوار الجامعة كان تيار جديد للتدين العام يتشكل، تيار بعيد عن السياسة والأيديولوجيا، آخذ في طريقه قطاعات جديدة من الشباب تنتمي بالأساس للشرائح العليا من الطبقة الوسطى إضافة لجميع شرائح الطبقة العليا من المجتمع.
في ظل هذا المناخ خرجت طائفتان من الشباب حاملة لواء العمل الخيري التطوعي، جاءت إحداهما من جامعة القاهرة وبالتحديد من كلية الهندسة لتؤسس "جمعية رسالة للأعمال الخيرية". أما الثانية فقد جاءت من الجامعة الأمريكية بالقاهرة لتؤسس "فاتحة خير.. متطوعون للتنمية". وكأن كلمة السر كانت "1999"؛ ففي ذلك العام تأسست الجمعيتان لتقدما نمطا مختلفا من العمل الأهلي الخيري لا يعتمد على كبار السن أو الموظفين من أرباب المعاشات، ولا يقدمه شرائح المتدينين التقليديين أو المسيَّسين الملتفين حول المساجد؛ بل يعتمد بالأساس على شباب "مختلف" يتطوع بجهده وماله ووقته من أجل مد يد العون للشرائح الفقيرة والمهضومة الحق في المجتمع، شباب عرف طريقه إلى شبكة الإنترنت منذ عرف طريقه إلى العمل الخيري.
ظاهرة كـ"قطعة الجيلي"
إذا كان انسحاب السياسة من الجامعات قد مثل مؤثرا "بالسلب" في نشأة الموجة الجديدة من العمل الخيري، فإن ثمة بيئة أثرت بالإيجاب وسبقت في الوجود رسالة وفاتحة خير، ومن ثم لا بد أن تذكر قبل استكمال المسير أن تلك البيئة -فيما أظن- تهيأت فيها البذور الجنينية لظاهرة التدين الجديدة التي بدأت تأخذ طريقها في أوساط أبناء النخب الاقتصادية منذ أوائل التسعينيات، كان لدعاة مثل "عمر عبد الكافي" و"حازم صلاح أبو إسماعيل"، ولظاهرة مثل حجاب الفنانات المعتزلات أثرها في غرسها إما مباشرة أو بشكل غير مباشر.
وعندما أخذت تلك الظاهرة في الاتساع في نطاق "الدقي والمهندسين" وبدأ صداها يسمع خارجها، وما لبثت الحكومة أن انتبهت إلى خطورتها على "الأمن العام" -من وجهة نظرها بالطبع- ومن ثم قررت منع الدكتور "عمر عبد الكافي" عام 1996. ولأن التدين روح تنساب بين الناس لا يمكن إيقافها بقرار بمنع "س" أو "ص"، ولأنه لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ليعود الناس إلى عقد الستينيات؛ عقد الدولة البوليسية، والحيطان ذات الآذان والشعب المستأنس الذي يعمل أفراده "مستخدمين" لدى الدولة؛ فقد عادت الظاهرة للانتشار والاتساع بشكل أكبر من ذي قبل وكأنها قطعة من الجيلي، ما إن تضغط عليها من ناحية حتى تقفز من أخرى، لكن الطريف أن قطعة الجيلي قفزت هذه المرة من نفس المكان: الدقي والمهندسين وما حولهما، وذلك مع ظهور "عمرو خالد" كوجه شبابي جديد في نفس عام إيقاف عبد الكافي؛ أي عام 1996.
بيئة من العمل الخيري النسائي "الشيك"
على حواف موجة التدين الجديدة تلك كانت هناك موجة عمل خيري آخذة في التشكل يغلب عليها الطابع النسائي، تبلورت حول الحاجة "ياسمين الخيام" وجمعيتها، وامتدت إلى نفس الشريحة من "النخب" النسائية والبناتية -إن جاز التعبير- في مناطق أخرى، لكنها لم تشكل ظاهرة إلا عندما ظهرت جمعيتا "رسالة" من ناحية، و"فاتحة خير" من ناحية أخرى، وقبل ذلك بزمن كانت اللجنة النسائية التابعة للجنة الزكاة بمسجد صلاح الدين بالمنيل بيئة أخرى للعمل الخيري الذي يقوم به المتدينون "الشيك"، كإحدى النقاط المتقدمة في العمل الخيري التقليدي، ومن ثم فإنها ما لبثت أن استقطبت بعض الشباب "الشيك" أيضا الراغب في العمل الخيري في موجاته الجديدة.
كانت "رسالة" و"فاتحة خير" هي الأطر الخيرية التي استوعبت الموجة الأولى من الشباب المتدين تدينا جديدا بعيدا عن السياسة.. موجة استمرت في التشكل 3 سنوات من عام 1996 إلى عام 1999، لا أستطيع أن أجزم أن هناك رابطا مباشرا وحقيقيا بين الأمرين، لكن بلا شك أن ما أحدثه ظهور "الشاب عمرو" في ساحة الدعوة من تأثير يشبه سقوط الحجر في الماء الراكد أثر في خلق دوامات تأثيرية من التدين الشبابي الجديد، وإذا كنا قد تناولنا هاتين الجمعيتين قبل ذلك؛ فلا بد لنا من تناول الموجة التالية الحالية من العمل الخيري الشبابي التي أرى أن لها رافدين:
- الأول وهو الرافد الأقوى: برنامج "صناع الحياة" الذي فتح أعين الكثير من الشباب المتدينين الجدد على التحول من مجرد التدين العبادي الفردي إلى التدين ذي الدور الاجتماعي.
- الثاني وهو الرافد الأقل بريقا: وهو بيئة عمل الخير الجديدة منها والقديمة، والتي شكلت أرضية وخلفية حافزة وحاضنة أحيانا والتي ألمحنا إليها في تتبعنا لجذور القافلة.
تعددت الأسماء والخير واحد
وباستعراض 5 نماذج من العمل الخيري الشبابي الجديد (وهي الجمعية المصرية للتنمية الإنسانية، وجمعية مشوار، وجمعية رحمة، ومساعدة.كوم، ونادي يللا شباب)، والتي لا يتجاوز عمرها العام الواحد، يمكن أن نخرج عليها بالملاحظات التالية:
- أنها تتشابه إلى حد كبير في أنشطتها وكأنها نسخ بالكربون.
- وتتشابه في طموحها الكبير على قلة إمكانياتها.
- وتتشابه في جرأتها في الانفتاح السريع على شبكة الإنترنت.
- أن تلك الأعمال تتسم في الغالب بالعفوية وقلة الخبرة.
- كما يعيبها النمطية الشديدة التي لا ترى آفاقا للعمل التطوعي أبعد مما كان يراه الأقدمون من الجمعيات الخيرية التقليدية بفارق وحيد في الفئة العمرية للمجموعة القائمة على العمل.
التدريب.. أحدث صيحة في العمل التطوعي
إلا أن بعض الإضافات النوعية بدأت تطرأ على تلك الموجة متمثلة في بعض الأعمال أو الجمعيات النوعية (مثل جمعية مصر شريان العطاء). ومن تلك الأعمال النوعية الجديدة التي لا يتعدى عمرها بضعة شهور "التدريب"، وأبرز أمثلته هو فريق "برنامج الفعالية الشخصية" الذي يقوم به بعض الشباب من أجيال أكبر من جيل موجة العمل الخيري الجديد، إلا أنهم ارتأوا أن الشباب الأصغر سنا في حاجة لمثل ذلك التدريب الذي يضمن لهم تحقيق النجاح سواء في أعمالهم التطوعية الخيرية أو في أعمالهم لكسب العيش، وقد أقام هذا الفريق 3 حلقات تدريبية بالتعاون مع جمعية مسجد رابعة العدوية، حضر فيها ألف شاب وفتاة، وكان يوم الثلاثاء 14 سبتمبر 2004 هو حفل تخرج تلك الدفعات، والآن تنهال عليهم العروض لتكرار هذا البرنامج التدريبي التطوعي في العديد من النوادي والجمعيات. وفي الوقت نفسه بدأت جمعية رسالة تدخل نشاط التدريب كأحد أنشطتها الأساسية، وذلك من خلال مركز رسالة للتدريب، الذي بدأ بالأساس بالتدريب على برامج الكمبيوتر، وكذلك مهارات إعداد السير الذاتية والحضور الناجح للمقابلات؛ مما يساعد الشباب في الالتحاق بالأعمال لكسب العيش بشكل ناجح.
وإذا كان هؤلاء الشباب جميعا قد امتلأت جوانحهم بالحماس للعمل، وترجموا هذا الحماس بالفعل في شكل مؤسسات أهلية خيرية.. فهم بحاجة إلى استيعاب رسالة مفادها أن النهضة أو "صناعة الحياة" التي يرغبون في تحقيقها لا يحدثها العمل الخيري وحده؛ فسفينة الأمة بها ألف ثقب، تحتاج إلى أنماط متعددة من العمل التطوعي لسدها، وهو عمل لا يقل "ثوابا" بحال عما يقومون به من أعمال خيرية.
في إستطلاع صحفي .. أكاديميون ومهتمون بالشأن الدعوي يطالبون بالفصل بين المهنة ومتطلباتها الخاصة وبين الوسائل المباشرة للدعوة
الصحوه - إستطلاع/ مجيب الحميدي
ماهي طبيعة علاقة الدعوة بميادين الحياة المختلفة ومتطلباتها المهنية المتنوعة والمتجددة؟ وكيف يستطيع المهني المتخصص خدمة دعوته من خلال أدائه المهني دون أن يخل بشروط المهنة أو يتعارض مع طبيعة تخصصه؟
وماهي الأسباب التي تدفع بعض المعنيين بالدعوة إلى الخلط بين طبيعة المهنة ومتطلباتها الخاصة وبين طبيعة بعض الوسائل المباشرة للدعوة كالخطبة والمحاضرة؟ لماذا يطالب الشاعر والكاتب والبرلماني والصحافي و ... و... أن يقوم بدور الواعظ والمرشد والخطيب مثلاً، وماهو مستوى قناعتنا بأن المهن المختلفة لها وظائف دعوية مستقلة تتعلق بطبيعة ميادينها ومتطلباتها الخاصة؟
وما مدى الأضرار التي يلحقها التوظيف الدعوي الخاطئ بالدعوة والمهنة على حد سواء؟
وما علاقة كل ذلك بالتأثر بالمفهوم الديني الغربي الكنسي الذي يحصر التدين بالشعائر والأخلاق وبعض الطقوس الروحية هذا المفهوم الذي يسميه البعض بالعلمانية غير المقصودة لدى بعض المتدينين «الصحوة» طرحت هذه التساؤلات الهامة أمام عدد من المعنيين بالشأن الدعوي وخرجت بهذه الحصيلة:
الأستاذ أحمد القميري يقول: إن الدعوة بمفهومها العام كما تكون بالقول تكون بالعمل ولللدعوة في كل ميدان من ميادين الحياة أساليب تتوافق مع مقتضى الحال والمقال، فالشاعر له طريقته وللبرلماني طريقته والخطيب له طريقته والصحافي له طريقته وكل صاحب مهنة يخاطب المحتكين بمهنته والمتأثرين بها بالوسيلة المناسبة، ويرى القميري أن إشكالية التداخل بين الوظائف والوسائل في ميدان الدعوة، تعود إلى تصور بعض القائمين على المؤسسات الدعوية أن الدعوة لاتكون إلا بالخطبة أو المحاضرة حتى اختلطت نظرة البعض للدعوة بهذه الوسائل المباشرة مع أن وسائل الدعوة متعددة بتعدد ميادين الحياة المختلفة.
فالقصيدة وسيلة تخدم الدعوة وفق شروطها الفنية الخاصة والبرنامج السياسي وسيلة تخدم الدعوة وفق شروطه الموضوعية الخاصة والصحيفة وسيلة تخدم الدعوة وفق شروطها المهنية الخاصة والعبرة بالأهداف والمضامين السليمة والمهم في الوسائل مدى فاعليتها ونجاحها في توصيل الرسائل السليمة، وكل مهني يمارس تدينه من خلال مهنته وعليه أن يخلص النية وأن يكون قدوة لغيره في كمية إنتاجه وكيفيته.
ويؤكد القميري أن المهني الذي لايعتقد أن اتقانه لمهنته وإحسانه فيها جزء من واجبه الديني ويحاول الاستعاضة عن هذا الواجب ببعض المستحبات يكون مقصراً حتى يؤدي الواجب المتعين عليه المتعلق بحقوق العباد.
الدكتور أحمد الدغشي يحذر مما يصفها بظاهرة الثنائية العقيمة وخطورتها في تعميق قاعدة الأبيض والأسود «إما - أو» ولا مجال لوسط بينهما وفي موضوع الخطاب الدعوي وعلاقته بمختلف مجالات الحياة والمهن المختلفة، يقول الدغشي: هناك من يظن أنه ينبغي أن تتحدد مضامين هذا الخطاب في إطار العلوم الشرعية وما تشمله من عقائد وعبادات ومعاملات بمعناها الضيق والمحدود ولا علاقة لهذا الخطاب، فيما عدا ذلك وفي مقابل هذا هناك من يتصور أن طرحاً كهذا يعني اختزال الإسلام في مجالات بعينها ويرى الدغشي أن الخطاب الدعوي له معنيان خاص وعام، وأن الخاص يعني بالعبادات والعقائد والمعاملات وهو من اختصاص العالم الشرعي المتخصص في أي مجال من مجالات العلوم الشرعية والمعنى الآخر للخطاب الدعوي هو المعنى العام الذي يتناول كل مايتصل بمجالات الحياة والمهن المختلفة والذي ينطلق من مرجعية شرعية وإن لم يكن صادر من متخصص بالعلوم الشرعية فالدعوة العامة يمكن أن يمارسها كل مسلم لديه قدر ولو محدود من حمل الهم الإسلامي.
ويخلص الدكتور الدغشي إلى ضرورة التمييز بين الخطاب الدعوي الخاص حيث التخصص والمرجعية الشرعية الصرفة وبين الخطاب الدعوي العام الذي يشترك فيه كل مسلم ينطلق من مرجعية الإسلام حتى وإن كان بعيداً عن التخصص الشرعي أو لاينطلق بكليته من الخطاب الدعوي الخاص.
الأستاذ محمد سيف العديني يدعو إلى التفريق بين الرؤية الشمولية الإسلامية وبين أهمية التخصصات الإنسانية المختلفة التي فرضها التطور الإنساني وتعقيدات الحياة وتعدد مجالاتها.
ويؤكد العديني على أهمية تحول الدعوة بمعناها الخاص إلى مهنة تستلزم التفرغ الكامل والإلمام بالمهارات والقدرات والمعارف الخاصة بها في حين تؤدي المهن الأخرى دورها الدعوي من خلال الانتاج المتقن والسلوك الأحسن لأن تقديم القدوة فرض عين على كل مسلم والإحسان أهم مراتب الدين.
ويشير العديني إلى الأضرار التي تنجم نتيجة تدخل الداعية المتفرغ للدعوة بمعناها الخاص في مهام وتخصصات الآخرين.
ويضرب العديني مثلاً بنتيجة تدخل البعض في شركات توظيف الأموال وهم لايمتلكون القدرات والمهارات الخاصة والمعرفة المتعمقة والتجربة الكافية في هذا المجال وما نتج عن هذا التدخل من إشكاليات ألحقت الضرر بالدعوة والمهنة على حد سواء.
ويتفق القميري والدغشي والعديني على أهمية احترام التخصصات المختلفة وأن الجامع الدعوي بين كل هذه التخصصات يتعلق بالنية والأهداف الغائية، ويؤكد العديني أن التخصص اليوم أصبح مطلوباً حتى في مجالات علوم الشريعة الإسلامية.
......
* شارة
«فاسأل به خبيرا»
«الانحصار في التخصص كثيراً مايؤدي إلى التقوقع وإغلاق الأبواب على النفس والخطر على كل حال ليس في التخصص إنما في الإزدواج الذي يفرز أناساً لايعرفون من الدين شيئاً وأخرين لايعرفون عن ثقافة العصر شيئاً.
والذي يهمنا تأكيده هنا هو وقوف كل فرد أو فريق عند حدود علمه ولا يخوض فيما لايحسنه ويرجع في كل علم إلى أهله وخبرائه كما قال تعالى: «ولا يُنبّئك مثلُ خبير»، «فاسأل به خبيراً».
يوسف القرضاوي
* نظرية البطاطة المبرعمة
يخطئ كثير من المربين في اعتقاد أن جميع من يربيهم أو من هم معه في فرق العمل، يحسنون كل شيء فهو يتخيلهم بطاطة تبرعمت في كل اتجاه ظانة أنها ستؤدي مهمتين لكنها أعيدت إلى التربة لتنمو من جديد نتيجة ذلك التفكير.
يجب علينا أن نؤمن بأن كلاً ميسر لما خلق له وأن الجميع ليسوا سواء وأن الفروق الفردية سنة الله في خلقه ومن الأمثل التي يحكونها في القرية «صاحب المهرتين كذاب».
والذي توكل إليه الكثير من الأعمال فهل تراه يتقن شيئاً؟! وما جعل الله لداعية من ستة قلوب في جوفه وتفكير الكثير بعقلية البطاطة التي تربعت تجعلهم يعتقدون وجود هذه القلوب.
- محمد سيف عبدالله
مختارات (70) (هموم تربوية ودعوية )+ فن توجيه الحدث
مختارات (70) (هموم تربوية ودعوية )+ فن توجيه الحدث
عشرون طريقة لمواجهة تمرد الطفل العنوان *
تربوي الموضوع
ابني -8 سنوات- عاطفي وحنون جدا، ولكن لديه الكثير من السلوكيات الصعبة التي أفقد معها السيطرة على نفسي، مع أني امرأة قوية، وأقصد بذلك أني أمتلك من الإرادة والإيمان ما جعلني أتفوق وأتميز في أمور عديدة، إلا أني أشعر بإحباط وألم عميق عندما أجد نفسي أفشل أمام صغيري الذي جعل الله له في قلبي حبا يختلف عن الآخرين، ولكنه بتصرفاته لا يسمح لي أن أعبر عن حبي هذا في جميع الأوقات، فتنقلب إلى جدل وصوت عال وغضب لسلوكه الذي يتركز على الإهمال وعدم الجدية في أعماله أو بشخصيته؛ فهو يحاول أن يجعل نفسه مهرجا أغلب الأوقات ولا يتصرف بشكل عادي، لا أريد منه أن يكون متزنا وحكيما، ولكن طفلا عاديا.
ثم إنه لا يتحمل مسئولية أي عمل وينسى ولا يهتم بما يجب عليه؛ فواجباته يجب أن أذكره بها عدة مرات لكي يؤديها، وفراشه وملابسه وكل صغيرة وكبيرة يجب أن أنبهه عليها، مع أني علمته وأخته النظام والمسئولية منذ الصغر حسب ما يتوافق مع أعمارهما، وغالبا ما أجد أخته وهي أكبر منه بسنتين تستجيب بشكل جيد، في حين تكاد استجابته تكون صفرا في أغلب الأمور.
وهذا الملاحظات لا تنطبق في البيت فقط وإنما في المدرسة أيضا؛ فهو لا يتبع النظام والروتين وغالبا ما يقوم بسلوكيات غير مسموح بها سواء بالمدرسة أو البيت أو خارج البيت، كأن يرفض أداء واجب معين في المدرسة أو يرفض القراءة في البيت وأمور عديدة أخرى.
حاولت معه مختلف أنواع الترغيب من خلال جداول المكافآت أو حتى العقاب كحرمانه من بعض الأمور التي يحبها ولكن لم أجد نتيجة إيجابية، وحتى عندما أحاول أن أنذره بالعقاب كأن يحرم من مشاهدة التلفزيون يكون جوابه مثيرا؛ فيقول لا يهمني أنا أستطيع أن أفعل كذا وكذا.
وإذا ما اشتد الأمر بيننا فإنه يفقد أعصابه ويتجاوز حدود الأدب في الكلام، وهذا ما يرعبني؛ لأن الطفل عادة يخاف ويهدأ عندما يثور الكبير أمامه سواء كان والديه أو معلمته أو أي شخص آخر، ولكن ابني يتجاوز كل شيء ولا يدرك مع من يتكلم وماذا يقول ثم يندم بعد فترة قصيرة ويعتذر، وغالبا ما أكون في قمة الحزن، فلا أستطيع أن أشعر به أو حتى أن أتكلم معه.
أنا خائفة عليه كثيرا وأكثر ما يؤلمني هو عدم مقدرتي في السيطرة على أعصابي أمام هذه التحديات، أراجع نفسي كثيرا وأقويها بالدعاء والإيمان، إلا أني غالبا ما أفشل، مزاجي أصبح حادا، وأصبحت لا أستطيع أن أمارس بقية أعمالي بشكل طبيعي كواجباتي نحو زوجي وابنتي وأيضا عملي وحتى علاقاتي الخارجية أصبحت أتهرب منها.
أنا أقرأ كثيرا وأحب أن أتعلم وأثقف نفسي في كل مجال، ولكن تبقى أمنيتي الأولى أن أكون أما ناجحة وصالحة؛ فصناعة الإنسان أمر صعب ونبيل في نفس الوقت، وأنا أريد أن أكون مربية ومصلحة قبل أن أكون أما، ولكني لست راضية عن نفسي لعدم قدرتي السيطرة على غضبي وعصبيتي بالشكل الذي يريحني وينفع ولدي وعائلتي.
أسأل الله لكم التوفيق والسداد والعون على تقديم الحلول، وإن أردتم المزيد من الاستفسار والتوضيح فإني على أتم الاستعداد لذلك.
ملاحظه أود استشارة د/حمدي عبد الحفيظ شعيب إن كان ممكنا أو أي استشاري آخر إن لم يكن ممكنا.
الاستشارة
د/حمدي عبد الحفيظ شعيب اسم الخبير
الحل
الأخت الفاضلة السائلة الأستاذة/ سما السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وشكر الله لكم استشارتنا.
فلقد تساءلتم عن حالة ولدكم الحبيب؛ والذي يعاني من حالة (العناد والتمرد)؛ كما ورد في رسالتكم الطيبة.
أولا: فإني أشكر الله إليكم حرصكم على أبنائكم، واجتهادكم في تنشئتهم ورعايتهم ومتابعتهم.
ثانيا: فإني أحييكم على هذا الأسلوب الراقي، والشرح الطيب الدقيق، وهذه المشاعر الوالدية الفائقة، ولِمَ لا وقد جعلكم الحق سبحانه أحق الناس بصحبة الأبناء، وأن الجنان تجري تحت أقدامكن؟!!.فهنيئا لأبنائكم هذه الوالدية الراقية. وهنيئا لكنَّ تلك المنزلة الربانية الخالدة.
ثالثا: فمعذرة؛ لتأخر ردي؛ وذلك لأنني عادة ما أتمهل في أي قضية أكتب عنها؛ لأفيد إخواني بحق، ولأمر آخر هو طلبكم استشارة شخصي وبالاسم؛ لذا فإنني أسأله سبحانه التوفيق.
ونعود لحالة ولدكم الحبيب؛ فهي من تساؤلكم تجمع بين حالة "الطفل العنيد والمتمرد".
ولتوضيح ذلك، وللرد على استفساراتكم؛ ردا شافيا، كافيا، سنجعله بعونه سبحانه في نقاط منهجية؛ على هيئة أسئلة بسيطة، وإجابات عنها أبسط.
وهو ملخص لرسالتين بعنوان "ولدي.. عنيدا!" و"ولدي.. متمردا!"، وهما من الرسائل التي يصدرها مركز ولدي الذي أرؤسه تحت سلسلة "منهجية الاستثمار في الأبناء".
أولا: ما هي أبرز أسباب العناد والتمرد عند الأطفال؟
إن أصعب الأعباء التي يواجهها الوالدان؛ هي سلوكيات الأبناء الغريبة.
ومن أخطر الأعباء التي يتحملها الوالدان؛ هي سوء التعامل مع هذه السلوكيات.
فقد تنزل من قدر الوالدين، ويستشعر الأبناء هذه الندية، فتقوى في نفوسهم ملكة العناد والتمرد، فينسحب الوالدان وتنكمش سلطتهما، فيبادر الأبناء بمحاولة كسب المعركة وملء هذا الفراغ التربوي، ويتجاوزون حدود مسئولية الوالدين، ويمتدون إلى منطقة سلطة الوالدين، وتنشأ روح التمرد.
وهذه من أخطر الأخطاء التربوية في علاقة الوالدين بالأبناء؛ وهي "ظاهرة الندية والتمرد التربوية".
والتي من أبرز ظواهرها؛ هو ضعف قدر الوالدين.
ومن أبرز نتائجها؛ هو تمرد الأبناء.
وتأملي هذه المتوالية أو المعادلة التربوية:
سلوك غريب(من الابن) + خطأ والدي تربوي -> ضعف قدر الوالدين -> ظاهرة الندية التربوية -> التمرد.
وتعالي نتناول الموضوع على أقسام:
القسم الأول: أسباب ظاهرة الندية التربوية؟ وهما نوعان من الأسباب:
الأول: أسباب والدية:
أي أسباب تعود إلى خلل في علاقة الوالدين بعضهما البعض وروافدها التالي:
1- صراع الديكة الوالدي:
حيث ينشأ الأبناء وكأنهم في حظيرة للدواجن؛ يتصارع فيها الوالدان، ويتناحران كالديكة أمام الأبناء.
2- الأسرة الخماسينية:
وهي الحالة المرضية الاجتماعية؛ التي ينشأ الأبناء فيها في أجواء مغبرة عاصفة متربة بالخلافات الأسرية، كرياح الخماسين المؤذية.
3- الازدواجية التربوية:
وتنشأ من تضارب قرارات الوالدين والكبار عموما أمام الصغار؛ فالأم تعطي قرارا، والأب يعطي قرارا. والابن لا يعرف أي قرار سينفذ فهذه التضاربات قد تجعل للابن قوة وعدم الطاعة لكليهما.
الثاني: أسباب والدية أبنائية:
أي أسباب تعود إلى خلل في علاقة الوالدين بالأبناء وطريقة تعاملهما معهم، وروافدها:
1- السلطوية أو الدكتاتورية:
عندما يفرض الوالدان القضايا والآراء على الأطفال بتعسف؛ دون محاولة سماع أرائهم.
2- التنابز بالألقاب:
أي يضع الوالدان تعريفا أو صفة سيئة للطفل؛ فيعرف بها، ويتعايشها وتصبح جزءا من شخصيته.
3- النشأة داخل الصوبة الزراعية:
وهو الأسلوب التربوي الوالدي الذي يربي الأطفال على الحماية الزائدة.
4- الإسراف في التدليل:
فلا يجرؤ الوالدان على قول: لا للطفل ولمطالبه.
5- البيزنطيات:
ونقصد بها اللقاءات كثيرة الجدال؛ فيكون حوارك مع أبنائك؛ بأسلوب المهاترات بين الأخذ والرد. وتكثر من ترديد: أنا قلت لك كذا!. ولماذا لم تفعل كذا؟. ولماذا تقول كذا؟.
فهذه جميعها مهاترات لا تؤدي إلى نتيجة سليمة بتعاملك مع ابنك.
6- حوار الطرشان:
حيث يكون الحوار بنبرة الصوت المرتفعة، أو الصراخ بلا ضوابط.
فإن الصراخ بوجه الابن ومواجهته بكل شدة سيعطيه هذا الأسلوب قوة وستصبح ندا له كلما استعملت معه هذه الطريقة وهذا الأسلوب الخاطئ.
7- القرقعة بدون طحن:
فتكثر من التهديد مع عدم إمضاء العزيمة، ومعنى هذا لا تهدد بأمر لن تنفذه.
8- صواريخ الغضب:
فيكون الموجه لرد أفعالك؛ هو الغضب والانفعال، والتصرف بموجبه لا بموجب العدالة.
وتكثر من ترديد: سأضربك!. سأحرمك!. سأقتلك؟ وتنساق وراء انفعالاتك النفسية في لحظات الغضب لا بموجب التفكير السليم.
9- الاستعقاق التربوي:
بأن تستهدف ابنا محددا بالنقد والتجريح، أو أن تستأثر أحدهم بكرمك وعطفك دون الآخرين.
10- تساقط الزلات:
فتحاسب الأبناء على كل الأخطاء سواء كانت كبيرة أم تافهة، فقولك دائما: لا تفعل كذا. قد يربك نضج شخصيته.
القسم الثاني: أسباب طبيعية تعود إلى سمات مرحلة الطفل العمرية:
وسنركز هنا على أبرز سمات المرحلة السنية لولدكم الحبيب (مرحلة الطفولة المتوسطة) وكيف نجيد فن التعامل معها.
أولا من الجانب العاطفي (النفسي والاجتماعي)؛ فمن مظاهر وسمات الطفولة المتوسطة في هذا الجانب، أن الطفل:
1- يظهر الحاجة إلى استحسان وموافقة الزميل والكبير، وهذا يتطلب تقديم الدعم الإيجابي للطفل بالتشجيع والتقدير.
2- لديه زيادة في الوعي الاجتماعي، وارتباطه بالمحيطين، وهذا يتطلب الاهتمام بتوفير البيئة الاجتماعية الطيبة.
3- يستمتع بالمدح والغبطة والعمل الجيد.
4- يتأثر كثيرا عندما ينهزم أو يخسر، وهذا يتطلب تجنب الملاومة.
5- يعترف بالخطأ.
6- يبدأ كل من الفتيان والفتيات بالانشغال بألعاب خاصة بهم.
7- لديه خوف من الحرج، وهذا يتطلب تجنب إحراجه أمام الآخرين.
8- يظهر الغيرة تجاه ولى الأمر، أو من يقوم مقامه.
ثانيا الجانب الفكري، ومن أبرز مظاهره وسماته أن الطفل يكون في هذه المرحلة:
1- قادرا على التعبير عن النفس بالكلام جيدا.
2- ذاكرته السمعية جيدة.
3- لديه قدرات التمييز توازى الكبار.
4- يستمتع بالمنافسة والتحدي.
5- يظهر تقدما في استعمال اللغة وفن الخطابة.
6- يظهر القدرة على التخطيط للذات والآخرين.
7- قادرا ومستعدا لقبول زيادة في المسئوليات الشخصية.
8- يكثر من الأسئلة.
ولتنمية هذا الجانب الفكري فلا بد من الاهتمام بـ:
1- تنمية مهارات الاتصال لديه.
2- الدعم الإيجابي لكل قدراته المتفتحة.
3- تنمية المهارات والمواهب.
4- تأسيس الحوار معه على أساس من الحوار والشورى.
القسم الثالث: أسباب مرضية تعود إلى ردة فعل الطفل للمؤثرات الوالدية والبيئية، وتتمثل في:
1- عدم فهم الطفل أو الانتباه له؛ فقد يساء فهم موقف الطفل وسلوكه، ولو سئل لعلمنا أنه لا يفهم ما يقوله أو ما يأمره به ولي الأمر.
2- لفت الانتباه لطلب الحافز، فقد يجد الطفل أنه كلما تمادى في موقفه وجد رعاية واهتماما من الآخرين، فيستمرئ هذه المواقف.
3- الرغبة في الحرية ورفض مظلة الوالدين الخانقة؛ وكأنه يصرخ بهذه الرسالة الصامتة: (أعطني حريتي أطلق يديَّ؟؟؟!!!).
4- الانتقام والتشفي؛ وكأن الطفل يسر برد فعل الوالدين لتمرده، ويعجبه هذه الحيرة والقلق والنكد الذي يسببه لوالديه، وكأن لسان حاله يقول: "ها أنذا، ولم يزل في جعبتي التمردية العنادية الكثير".
5- توتر الطفل، وهي حالة عصبية تنتاب بعض الأطفال عندما يغضبهم أحد فتتملكهم حركات عصبية لاإرادية.
6- الشعور بالحرمان العاطفي داخل الأسرة.
7- الأمراض الجسمية والوراثية: مثل اضطرابات الغدد، وسوء الهضم. وهذه يلزمها أن نتأكد من أن الطفل لا يعاني من مرض عضوي.
8- محاولة إثبات الذات.
9- الرفض المقنع، وهي حالة العناد التي يواجه بها حالات الإحباط من معاملة الآخرين فيرفض النوم أو الأكل أو النظافة أو غيرها من التعاليم الأسرية والوالدية المقيدة.
وبعد الاطلاع على أسباب عناد الطفل نأتي للجانب الثاني:
ثانيا: الوقاية:
وتتمثل في هذه النقاط المختصرة للوالدين:
1- لا تنفعلي أمام ولدكم.
2- أشبعي الحاجات الفسيولوجية عنده.
3- لا تسرفي في التدليل.
4- ابتعدي عن القسوة.
5- تجنبي السلطوية الوالدية.
6- تقبلي الخطأ المسموح لبناء الشخصية؛ فالخطأ طريق التجربة والرصيد.
ثالثا: العلاج:
ويتمثل في هذه الطرق العشرين الذهبية التربوية في مواجهة حالات العناد والتمرد العصبية عند الأبناء:
1- استخدمي أسلوب التجاهل، أثناء نوبة غضب الطفل، وغيري مكانك والأفضل أن تذهبي للحمام حيث لن يتبعك.
2- كافئي السلوك الحسن.
3- عاقبي بحزم وببساطة بقاعدة العزل البسيطة من 5-10 دقائق في غرفة خاصة، عند حدوث الحالة.
4- اهتمي به.
5- عوديه على الحديث إلى الذات ومخاطبة النفس.
6- لا تطيعي رغباته عند غضبه واشترطي معه على هذا عندما يكون هادئاً.
7- حافظي على هدوء أعصابك فلا يستفزك بغضبه.
8- كوني قدوة حسنة.
9- لا تجعليه ينتصر بهذا السلوك.
10- أبعديه عن المكان.
11- لا تسرفي في التدخل في شئونه.
12- لا تنظري إليه بتهاون أو استهزاء.
13- لا تخربي ممتلكاته.
14- لا تستثيريه.
15- ساعديه على تحقيق رغباته المشروعة؛ خاصة الهوايات، فيوجه طاقاته واهتماماته إلى العمل النافع.
16- هيئي جوا من الحب والدفء العاطفي الأسري.
17- شاركيه في الترفيه واللعب.
18- شاركيه في اللعب الجماعي، والاختلاط بالأقران.
19- لا تحمليه ما لا يطيق؛ وتذكري الرسالة الرائعة التي أوردها "ديل كارنيجي" في كتابه "كيف تكسب الأصدقاء" بعنوان "بابا ينسى" وتذكري "إنه طفل".
20- أسرفي في تقدير آرائه وشجعيه على الحوار والمناقشة.
رابعا: نصائح أخوية:
(1) اقرئي مع ولدك الحبيب ومع نفسك بعض المراجع المفيدة حول هذا الموضوع:
1- طفلك الصغير هل هو مشكلة: محمد كامل عبد الصمد ـ القاهرة ـ دار الوفاء ـ 1989.
2- سيكولوجية التوافق النفسي في الطفولة المبكرة: أميرة عبد العزيز الديب ـ الكويت ـ مكتبة الفلاح ـ 1990.
3- ابني لا يكفي أن أحبك: سلوى يوسف المؤيد ـ القاهرة ـ دار المعارف ـ 1995.
4- تشاجر الأشقاء: محمد ديماس ـ لبنان ـ دار ابن حزم ـ 1999.
5- كيف تخلص أبناءك من العناد والكذب؟!: د. محمد فهد الثويني ـ القاهرة ـ دار اقرأ ـ 2003م.
فإن أفادكم هذا الرد، وإن شئتم؛ أن تدعو الله سبحانه عن ظهر الغيب؛ أن يثيبني وكذلك كل العاملين على موقعنا الموقر:
1- بأن يغفر لي ما لا يعلمون، ولا يؤاخذني بما يقولون، ويجعلني خيرا مما يظنون.
2- وبأن يحشرني مع من أغاث ملهوفا.
3- وأن يكون في عوني، بأن جعلني دوما فيمن كان في عون أخيه.
4- وأن يجعلني ممن دلوا على الخير.
5- وأن أكون ممن أدخلوا السرور على بيت مسلم؛ فليس له جزاء -كما بشرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم- إلا الجنة.
* الإسلام أون لاين
فن توجيه الحدث
حماس والجهاد: مبادرة الجزائر مكافأة مجانية للاحتلال
متابعات: *
في أول تعليق فلسطيني على قرار قمة الجزائر بتفعيل مبادرة السلام اعتبرت حركتا المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي المبادرة بأنها تمثل مكافأة مجانية للاحتلال الإسرائيلي وخيبة جديدة للفلسطينيين.
وقال الناطق باسم حماس سامي أبو زهري إن نتائج القمة العربية تعكس حال التراجع والعجز الكبير الذي أصيبت به مؤسسة الجامعة العربية.
من جانبه اعتبر نافذ عزام القيادي في الجهاد الإسلامي أن من غير المجدي الاستمرار في الحديث عن مبادرات سلام عربية في ظل استهتار إسرائيل بها ورفضها والتمادي في العدوان على الشعب الفلسطيني، واصفا نتائج القمة بأنها مخيبة لآمال الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
رغم أنها من المفروض أن يطلق عليها: "الدعوة الأساسية الإجبارية.. المؤثرة المثمرة".
فهي "منسية" من الداعي غالبا لخطأ في فهمه، إذ هو قد يعتبر الدعوة إلى الله وإلى إسلامه لا تكون إلا في المسجد فقط، وعن طريق الخطب والدروس والمواعظ فحسب.
وهي "مهملة" غالبا منه.. إما لظنه بعدم جدواها، إذ هو لن يؤثّر فيهم، أو هم قد اعتادوا عليه؛ وهو يعلم – بحكم موروثه القديم - المثل القائل: "زامر الحي لا يُطرِب"، سواء أكان صوابا أو خطأ.. وإما لتوتر العلاقات فيما بينه وبينهم لخلافات أسرية عائلية بسبب من الأسباب، والتي يعتبرها عادية بين كل الأسر والعائلات.. وإما لكونه كان بعيدا عن دينه من قبل وكانوا يعلمون خلقه السيئ السابق فهم فاقدون للثقة فيه.. وإما لصغر سنه بالنسبة لهم فيصعب عليه توجيه من هو أكبر منه سنا ومقاما.. أو نحو ذلك من الأسباب التي تُقعد الداعي عن دعوة أهله.
رغم أنها دعوة "أساسية إجبارية"..
لأنها من الفروض؛ لأن الله تعالى يقول: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، ويقول: (اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل).
ولأنها أمر يستطيعه كل من أراد أن يدعوا.. فالاستطاعة متوفرة، بل مؤكدة، لأن الداعي لا يبذل جهدا كبيرا، فهو لا ينتقل مثلا من مكان لآخر حيث الذين يدعوهم موجودين بصورة طبيعية "إجبارية" حوله، بل في بيته!! ومتعايشين معه لفترات تطول أو تقصر، ولا يبذل مشقة في التعرف عليهم أو التمهيد للحديث أو التعامل معهم، لأنه سيقابلهم كلهم أو بعضهم بقصد أو بغير قصد على الأقل مرة يوميا أو حتى يوما بعد يوم في أصعب الأحوال، فكل الأجواء مهيّئة، بل أحيانا لا يبذل حتى وقتا! لأنه قد يستخدم مثلا إفشاء السلام لتوصيل بعض أخلاقيات الإسلام سريعا.
ولأنها تدريب للداعي على دعوة الآخرين خارج البيت.. فإذا كان ناجحا معهم فسينجح غالبا في الخارج.. مع جيرانه وبقية أقاربه وأنسابه وزملائه، لأنه بدعوة أهله سيكتسب الخبرة والثقة، وسيساعدونه ولا يعوقونه.. أما إن فشل معهم وهو الذي جزء منهم وهم جزء منه، فإن فرص نجاحه مع غيرهم أقل، إلا استثناءًا.. وسيكون أول ما يصدمه أقوال الآخرين علنا أو سرًا: كيف تدعونا ولم تدع أهلك بعد؟! بل وأنت الفاشل في دعوتهم! أصلحهم قبل أن تصلحنا! أتعالجون غيركم وأنتم الذين تحتاجون إلي علاج؟! أتطفئ نيران الآخرين والنار في بيتك؟!
وهي دعوة "مهمة مؤثرة".. لأن جهودها قليلة ونتائجها كبيرة، فالداعي مع المدعوين الآخرين يستغرق جهودا تحضيرية كثيرة من أجل التعرف عليهم وتعرفهم عليه وثقتهم فيه وحبهم له وإعداد مداخل للحديث أو للتعامل معهم، ويبذل في ذلك جهودا مالية وصحية ووقتية وذهنية وغيرها.. أما مع أسرته والأقارب والأنساب، وأيضا الجيران، وأيضا زملاء عمله ودراسته، فكل هذه الخطوات قبل دعوتهم قد اختصرت، إذ التعارف قائم، بل وثيق، وحنين وحب ورابطة الدم والقرابة الفطري موجود وغالبا ما يكون في ازدياد، وصور التعامل طبيعية وكثيرة من خلال ظروف حياتهم التي تجمعهم والتي من السهل توصيل أخلاقيات الإسلام بما يناسب في كل موقف من مواقفها.. ثم الداعي من المفترض أنه معروف وموثوق فيه لديهم من سابق التعامل معه وكونه قدوة في تعاملاته، ومن المفترض أنه يعرف صفاتهم وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية ومشاكلهم وما يفرحهم وما يحزنهم ونحو ذلك مما يمهد لحسن دعوتهم.
أخي الحبيب؛
إن وسائل دعوة الأسرة - وكذلك العائلة والأقارب والجيران والزملاء - كثيرة ومتنوعة ويصعب حصرها.. وسنذكر لك بعضها لتكون مجرد تفتيح للأذهان، ثم تبتكر أنت وكل داع ما يناسب الظروف والأحوال والبيئات والأشخاص كبيرهم وصغيرهم، ومن هذه الوسائل:
1- القدوة والحب:
وهذه وحدها قد تكفيك! ولا تتعجب، فهي كانت الوسيلة الكبرى للرسول صلي الله عليه وسلم
في دعوته لمن حوله، مع قليل من الكلام الودود الرقيق، وتدبر في وصف السيدة خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم يوم جاءه الوحي أول مرة: (أبشر، فوالله لا يخزيك أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وتحمل الكَلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) رواه البخاري ومسلم.. فلو كنت ناجحا سعيدا في حياتك، لكنت خير مثال للإسلام الذي جعلك هكذا بأخلاقك التي نظمت لك كل شئون حياتك صغيرها وكبيرها فأسعدتك وأنجحتك، ولأحبوك وتمنوا أن يكونوا مثلك.. فأنت حسن المظهر، طيب الرائحة، بسَام ضحاك، جذاب الحديث، مثقف، تحسن وتجيد دراستك وعلمك وعملك، واعٍ بما حولك، كثير الخبرات، لديك القدرة على كسب الحلال، صادق أمين محب ودود صبور شكور، وفِيّ بوعودك ومواعيدك، تحفظ لسانك عن كل قول سيء، وتخدمهم وتعينهم وتشاركهم أفراحهم وأحزانهم، وتحل مشكلاتهم إن وجدت، وتعطف على صغيرهم وتعرف حق كبيرهم، وتتواضع لهم، وترشدهم لكل ما هو خير وتعينهم على ترك كل ما هو شر؛ وبالجملة، فأنت سعيد في نفسك مسعد لهم مؤثر فيهم قد كسرت القاعدة الخاطئة "زامر الحي لا يطرب" كما كسرها من قبل الرسول صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام الذين أثَّروا أول ما أثَّروا في أقاربهم وأصدقائهم وعدلوا المثل إلى: "زامر حيِّنا هو الذي يطربنا"!
2- استغلال أوقات الطعام:
حيث التآلف والتحاب والأحاديث المتنوعة الشيقة المثمرة عن تفاصيل الظروف والأحوال والمشكلات العامة والخاصة وحلولها الإسلامية، والتي من خلالها يتعلمون تدريجيا أن الإسلام ما جاء ليربك حياتهم وإنما لييسرها ويسعدها.. كما يمكن أن يتعلموا أثناءه الذوق والكرم والإيثار والتعاون على تحضيره ورفعه وغسل الأطباق ونحو ذلك من الأخلاقيات الحسنة التي تسعد المتعاملين بها.
لقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم يستغل وقت الطعام لزرع بعض الصفات ولتعليم بعض الأخلاق، فقال ذات مرة لبعض صحابته وهم يأكلون وهو يأكل معهم: (إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا)، ثم قال: (كلوا من حواليها ودعوا ذروتها يبارك فيها) أخرجه أبو داود.
3- استغلال البرامج الإعلامية الجيدة:
حيث نتعلم جميعا منها آداب الإسلام في الحوار والاستماع لاختيار الأنسب والأصلح والأسعد والأكثر ثوابا، كذلك من خلالها يتم عرض آراء الإسلام وأخلاقياته وقوانينه فيما يعرض بأسلوب مناسب، في الفن والرياضة والسياسة والصحة والعلم والعمل والاقتصاد والتجارة والمال والثقافة والعلاقات الدولية وما شابه ذلك.. ثم من خلالها أيضا يتم نوع من أنواع الترويح الجماعي.. فقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم هو وزوجته عائشة يشاهدان الأحباش وعروضهم النزالية في المسجد وهي تسند خدها إلى خده صلي الله عليه وسلم، فيكون هذا فرصة لزيادة الحب بينهم، ونحو ذلك من المنافع.
4- استغلال المناسبات:
السَارَة "كالأعياد، وشهر رمضان، والمواسم الإسلامية، وحفلات الخطبة والزواج وأيام الميلاد، والنجاح الدراسي، والترقي الوظيفي، وغيره"، والحزينة "كعيادة المريض، وغيرها.." استغلالها في التهنئة وتبادل الهدايا والزيارات أو في المواساة.. ففي هذا تواصل للقلوب وتمهيد لها لقبول الإسلام وتعلم أخلاقه والتدريب عليها عمليا في كل مواقف الحياة كما كان يفعل الرسول صلي الله عليه وسلم.
5- استغلال العطلات الرسمية والمصايف السنوية المجمعة:
وذلك لمزيد من التعارف والتفاهم والتآخي وتوصيل بعض الأخلاقيات الإسلامية المناسبة لهذه الأوقات، كالاهتمام بالرياضة والسباحة والترويح الحلال الذي ينشط النفوس لمزيد من العمل والإنتاج ملتزما بالضوابط الشرعية أثناء ذلك كالزي وغض البصر وتجنب المحرمات ونحو ذلك.. فلقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم -كما تروي السيرة النبوية- سفرات قصيرة أو طويلة يصطحب فيها بعض زوجاته ومرافقيه، فيتعلمون خلالها فوائد السفر وآدابه وآداب المعاملات والعلاقات الاجتماعية ونحوها.
6- استغلال أوقات الصلوات إن أمكن:
أو حتى صلاة واحدة يوميا.. في الدعاء الجماعي مثلا بعدها، أو في كلمة توجيهية خفيفة كما كان يفعل الرسول صلي الله عليه وسلم أحيانا، أو في تذكرة بآية قرآنية أو بحديث نبوي في معنىً من معاني الإسلام ربما لا يزيد عن بضع دقائق منعا للملل أو لتعطيل الأعمال.
7- عقد لقاءات تربوية إن أمكن:
دورية أو غير دورية، أسبوعيا أو حتى شهريا، حسبما تسمح به الظروف والأوقات، فتجتمعون على قراءة قرآن أو تفسير أو حديث أو فقه، أو على كتاب سيرة أو فكر أو ثقافة، أو سماع شريط كاسيت أو فيديو أو برنامج إعلامي جيد أو ما شابه ذلك.. فهذه اللقاءات ستعرّفهم نظريا بالإسلام ليطبقوه بعدها عمليا تدريجيا في كل شئون حياتهم ليسعدوا به في دنياهم وفي آخرتهم.
8- المشاركة في وضع خطة لأهداف البيت وأولوياته، وأهداف أفراده وتطلعاتهم.
كل هذا سيوصل لهم أن الإسلامي يحب الحياة..
المرتبطة بالآخرة (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة)..
المرتبطة بأننا نعمل كل أعمالنا لأننا نحب ربنا الذي يريد منا فعلها لمصلحتنا ولسعادتنا، ونعملها لأننا نطلب حبه وعونه ورزقه وتوفيقه في الدنيا ثم أعظم ثوابه في الآخرة..
ويعلمهم قواعد الإسلام وضوابطه عند وضع الخطط والأهداف والوسائل، فتكون حلالا بعيدة عن الحرام، نافعة مسعدة للنفس وللغير وللإسلام وللمسلمين ولغيرهم.
هذا، ويمكن عمل صندوق للتكافل الاجتماعي بين الأسرة أو العائلة أو مع الجيران والزملاء، باشتراك شهري رمزي لمعاونة من قد يحتاج.. كذلك يمكن عمل لجنة للإصلاح بين المتخاصمين إن وقع خلاف، لتكون فرصة لتوضيح أسس الإسلام العادلة في سرعة حل الخلافات وإعادة العلاقات كما كانت وأفضل، كما يقول تعالى: (والصلح خير).
أخي الحبيب؛
إن الأهل حول الداعي يكاد يهتف كل واحد منهم أن ادعوني للإسلام! فها أنا أمامك وفي انتظارك! ودعوتهم سهلة ميسرة ممهد لها مضمونة نتائجها وهي أعظم مما يبذل فيها، ووسائلها يمكن تطويرها.. فلعل الداعي ينتبه ويهتم بهم.
ولا حجة له بأنه "مشغول"! فدعوتهم هي الفرض والأساس، والقيام بها يسقط الفرض عن كل داع "مشغول" رغم أنفه! وسيثاب أيضا أعظم الثواب رغم أنفه!
أخي الحبيب؛
بهذه الوسائل البسيطة العميقة التدريجية البعيدة المدى - وغيرها الكثير والتي سيبتكر فيها من أراد الابتكار -، وبالصبر والأمل والدعاء؛ سيحدث التغيير بإذن الله، وستجد من لا يصلي سيصلي، وغير المحجبة تتحجب، والعاق بوالديه بارا بهما، والقاطع لرحمه واصلا لهم، والعنيد ليِّنًا، والعصبي هادئا، والبخيل كريما، والأناني متعاونا، والمتكبر متواضعا.. فتسعد الحياة كلها بهذه الأخلاق الحسنة وتسعد الآخرة بالاتصال بالله وبالإسلام وبالدعوة إليهما، وسيكون لكل داع ثوابه العظيم كما يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: (من دلّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله) رواه مسلم.
تحت عنوان ( اصنعوا التاريخ من مواقعكم المختلفة وتصدروا موكب الشهود الحضاري ) يكتب الأستاذ أحمد القمميري * فيقول :
لندرك جميعا أن لحظات السقوط هي بداية الإقلاع وبداية الارتفاع وبداية التغيير الحقيقي وأن في رحم مرحلة السقوط ينشأ جنين الانبعاث الجديد .
لقد واجهت الأمة تحديات استهدفت كيانها من الأساس وبنيانها من القواعد ، عاشت صراعا مريرا وعنيفا مع المستعمر ثم مع فئة التغريب ، الفئة التي تغربت واستسلمت للغازي وقد جاءت دول ما بعد الاستقلال فكرست الوجود الاستعماري وكرست الظلم والاستبداد والفرقة .
خرجنا بدول تبحث عن مشاريع تجزئة الدولة القطرية والدعوى إلى إنشاء كيانات شبيهة بالكنتونات التي كانت موجودة في لبنان ، كل مجموعة تعمل لها دولة ، دولة الدولة تجزئة التجرئة .
هذا جانب وبالمقابل هناك جانب آخر مشرق ، فقد خرجت الأمة من هذا الصراع الذي عانت منه بمسألة جوهرية وهي إثبات هويتها العقائدية والثقافية ، الأمة اليوم أعلنت بطريقة وبأخرى ، بتكتلاتها المختلفة ولافتاتها المتعددة بأنه لا يمكن لهذه الأمة أن يكون لها مقوماتها وكينونتها وشخصيتها المستقلة ولها القدرة على الظهور في الألفية الثالثة ومواجهة الثقافات العالمية التي تجاوزت الحدود والجغرافية إلا أن تكون الهوية الإسلامية محور الأمة العربية والإسلامية محور الأمة العربية والإسلامية وقطب رحاها ، وبالتالي فإن مسألة إثبات أن الإسلام هو عنصر الحياة والحيوية لهذه الأمة صارت قضية محسومة وإنجاز يحسب لكل الذين ساهموا في تحقيقه من داخل الحركة الإسلامية أو من خارجها على حد سواء .
وليس مطلوبا منا أن نظل ندندن بأن الإسلام هو الحل وبأن الإسلام هو الذي يحافظ على هذه الأمة ... طبعا لا يعني بحال أن هذا الكلام سهل وبسيط هذه حقائق على مستوى العقيدة أن نقول أن الإسلام هو الحل ، فالأمة اليوم سلمت قيادها الفعلي لهذا الدين ، لهذا الهدى المنزل من عند الله .
ولكن ماذا بعد وقد سلمنا بهذه المقولة وهذه الفكرة ؟
ما هو المطلوب منا وما هو المنتظر ؟
هل نظل نمدح هذه الفكرة ونثني عليها ؟ هل نظل نقدح في الآخر وندينه ونحاكمه ؟
هل نظل نقلب في صفحات الماضي القريب والبعيد لنثبت للأمة أحقية هذا المنهج ؟
صحيح أنه ينبغي أن تضل ذاكرة الأمة حية في تجاربها المريرة حتى لا تنسى وحتى لا يلعب بهذه الذاكرة مرة أخرى ينبغي أن نحافظ عليها ولكن لا نقف عندها طويلا .
جيل التمكين لا جيل إثبات الهوية
إذا ما هو المطلوب منا اليوم ونحن نلج إلى قرن جديد وإلى مرحلة جديدة وإلى تحولات كونية هائلة ؟ وهي تحولات لسنا في مكان قصي عنها وليست منا ببعيد ، إننا نعيش في مركز التأثير والتأثر ، في عصر القرية الكونية التي أصبحت بدهيه من بدهيات هذا العصر وحقيقة من حقائقه ، والتي لا يمكن أن نغفل عنها أو أن نتجاوزها أو نقفز عليها .
وهو أمر يتطلب منا أن ننظر إلى تحت أقدامنا وأن نتحسس مواقعنا ثم نستشرف مستقبلنا .
ولكن ما هي الفئة العمرية التي يمكن أن ترسم من الراهن ومن اللحظة التي نحن فيها مستقبل ومصير هذه الأمة ؟ إذا لم يكن الشباب فمن سيكون ؟
هل تلك العناصر التي قد شاخت وعاشت التجارب المحبطة والمنكسة ؟
هل تلك العناصر المسكونة بروح التجارب الفاشلة من جهة واستصغار نفسها وقدراتها أمام هذه التحديات الجديدة من جهة أخرى ؟
لا .. لا يمكن أن تواجه التحدي الجديد إلا نفسيات جديدة خرجت من الارتهان لهذا الواقع المؤلم والحالك والبائس ... لا يمكن أن يواجه هذا المستقبل إلا نفسيات تحررت من موروثات الماضي والعيش فيه والتحاكم إليه والدندنة حول قضاياه .
ولن يكون هناك مثل الشباب أقدر وأجدر على القيام بهذا الدور المنتظر .
وإذا وعوا وأدركوا هذا الدور فسيكونون نقطة تحول فارقة في حياة أمتهم .
وأقصد بالشباب هنا الطالب والعامل والطبيب والمهندس كل فئات المجتمع مستقبلا هي التي ستحمل الدور القادم – وهو في تقديري الشخصي – دور عظيم لأنكم جيل فيما يبدو ويظهر لي تحرير من كثير من العقد والقيود التي عاشتها الأجيال السابقة ، لأن الأجيال السابقة كانت وليدة أوضاع ظلم وقهر واستبداد محلي وخارجي ، وعاشت في أجواء تشر ذم وتشتت وتمزق ، كل هذا الأوضاع والأجواء سيكون محصلتها أدعى أنه تحرر .
أنظر لتلك الأجيال التي عاشت تلك الأوضاع كيف انتكست ، سرعان ما رفعت شعارات ضخمة كالحرية والديمقراطية لكنها حينما وصلت إلى مقاليد السلطة مارست أبشع أنواع القهر والاستبداد لأنها كانت مسكونة بالقهر والاستبداد باعتبارها وليدته ومحصلة بيئته .
أقول هذا الجيل سيكون جيل التغيير إن شاء الله ، جيل التمكين لهذا الدين ، جيل تحقيق المشروع الإسلامي الحضاري بأبعادة وجوانبه وفروعه وتشعباته المختلفة وليس جيل إثبات الهوية .
الجيل السابق والذي لا يزال بعضه يعيش حتى الساعة كانت مهمته إثبات الهوية والحفاظ على مقومات الأمة وكينونيتها من أن تتلاشى وتنتهي وتبيد حافظ على هذا الكيان ووصل إلى القدر الذي شكل إجماعا على مستوى العالم الإسلامي كله بأنه هوية الأمة لم تكن ولن تكن إلا بالإسلام وبالإسلام وحدة ، هذه قضية الجيل السابق ناضل وجاهد وكافح من أجلها ووصل إلى الغاية المنشودة فيها .
الأمل فيكم أن تقدموا النموذج العملي والبديل المشاهد ، وأن تصنعوا الحدث ولا تكونوا صدى أو رجع صدى لحدث أخر .
ليس المطلوب منكم أن تقرءوا التاريخ بل أن تصنعوا التاريخ من مواقعكم المختلفة وأن تدخلوه من أوسع أبوابه ولا تستصغروا أنفسكم ولا تتقزموا أمام هذه القيم العالية فالأمور قابلة لمن عزم وصمم وكانت له إرادة قوية .
مطلوب منكم اليوم دور ثقافي واجتماعي واقتصادي وسياسي ، مطلوب وفي مختلف جوانب الحياة .
تواصل وتفاهم وحوار
وإذا كان من الصعب الحديث عن كل هذه الأدوار فقد ركزت على ثلاثة أدوار رئيسية :-
الدور الأول :- دور دعوى ثقافي :
وهذا الدور مشروع دولة ، مشروع أمة بكاملها ، وليس مشروع فئة معينة أو حزب بعينه ، لأن الثقافة لا يمكن أن تتحملها فئة أو يحتكرها فرد ، وأتصور أن أول منطلق في هذا الجانب هو أن يكون المشروع خلافيا – ولا نتخوف من هذا الجانب هو أن يكون المشروع الخلافي يعني اجتهاد ، ولهذا يسمى مشروعا أي أنه قابل للخطأ و الصواب ، لا أقول مشروعنا الكتاب والسنة لأنهما معصومان ، ولكن أقول مشروعنا الإسلامي من الكتاب والسنة ، يعني اجتهادنا وفهمنا للإسلام ولكيفية التمكين له في الأرض ، إذا أول نقطة مطلوبة هي استيعاب المشروع الإسلامي استيعابا حقيقيا وليس فقط الإيمان والإعجاب به .
النقطة الثانية :
ضرورة فهم الواقع الثقافي الحالي والتعامل معه بندية وكفاءة واقتدار ، إذ لا بد لشباب التغيير أن يفهموا طبيعة المعركة الحالية ، المعركة الثقافية من أقوى وأعنف المعارك فالمدخل للاستعمار اليوم لن يكون إلا عبر الثقافات وصراع الحضارات وهي ثقافة لا تغزونا إلى داخل البيوت بل تقتحم علينا أسرة نومنا ، تهاجمنا ليل نهار وفي كل لحظة وتأتينا بوسائل عصرية حديثة ومثيرة مستخدمة كل التقنيات والعلوم الحديثة في إيصال فكرتها إنها معركة تحتاج أن نستوعبها وأن نفقة مفرداتها وأن نفهم مصطلحاتها ومرتكزاتها وأن ندرك آثارها النفسية والفكرية والخلقية حاضرا ومستقبلا .
إن حل المشكل الثقافي يحتاج إلى جهد كبير وعقول كبيرة وثقة عالية بما عندكم فلا مجال اليوم للخوف ولا مجال للتواري ولانزواء ، إن مرحلة نصب الأسوار الحديدية على العقول انتهت ولا يمكن ولا ينبغي أن يخطر ولو في عالم الخيال أن يتخوف المسلم من الاحتكاك بغيره ، وأن يجادل ويحاور ويتعامل مع الآخر .
إن الإسلام في أصله وجوهره ، في هدفه وغاياته يبحث عن التفاعل ويبحث عن الاتصال وحرية التواصل والمسلم الواثق من مسيرته الواعي لفكرته المستوعب لحضارته ، لا يهرب من هذه المعارك والمعتركات بل يرحب بها ويسعى إليها وهو مستيقن في النهاية بأن الغلبة له ، لأنه يملك الحجة والمنطق ويحب الحق والعدل والجمال ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) .
إن الواقع الثقافي اليوم واقع خطير ، وقد تحدثت في أكثر من مناسبة – بأن الثقافة صارت مشاعة لا تعرف عائقا ولا تصدها حواجز ، فحتى الأمية لم تعد عائقا فيمكن لامرأة أمية أو لراعي غنم أمي في أقاصي الصحراء أو في أعالي الجبال أن يكون مثقفا من خلال الفضائيات التي تستدر من كل مكان ومن خلال الصوت الصورة يمكن أن يستوعب الكثير والكثير ويحدث له تحولات نفسية وفكرية وأنت لا تدري وتتصور أنه أميته يحمي نفسه أو أنه في حصن حصين من التغير والتحول والتبدل وهذا نوع من الجهالة .
النقطة الثالثة :
أن يتقن الشباب تخصصاته المختلفة فمعركة العالم اليوم ، معركة علم ، معركة معلومات ، معارف ، تقنيات والصراع صراع معرفي حضاري وليس صراع طائرات وصواريخ ودبابات فقط .
إن إتقان التخصص عبادة وجهاد ، معناه التغير إلى الأحسن ولهذا لا بد لنا من متخصصون في كافة العلوم الإنسانية والتقنية والهروب من التخصص تحت ذرائع مختلفة يدل على عدم وعي وأدارك لحقيقة الدور المطلوب من المسلم الذي يريد أن يعيش عصره ويتعامل مع خصومه .
النقطة الرابعة :
ينبغي أن نقوم بنشر الفكر والعلوم والثقافة في أواسط الأمة لأن تحصين الأمة ليس بضرب أسوار من الممنوعات أو من الأحوطيات ، لا مجال اليوم لأن نقول هذا ممنوع وذاك مرفوض ، إذا أردنا فعلا أن نكون أندادا وأكفاء في هذا العصر الذي لا يحترم الضعفاء ولا يقدر المهازل علينا أن ننشر الثقافة الحية والفكر الصحيح والعلم الصائب ، العلم الذي يجعل الإنسان ينبذ الخلافات التي مزقت الأمة وفرقت شملها ، العلم الذي يجعل الناس يتعاملون مع النبع الصافي في القرآن الكريم والسنة النبوية ثم التعامل مع قضايا العصر وفهمها وإنزال النصوص المناسبة في الحوادث والأحوال المختلفة لهذا الظرف ولهذا العصر الذي نعيش فيه ، والثقافة التي تقنع الناس بأهلية ومشروعية المشروع الإسلامي، الثقافية التي تحميهم وتحصنهم من كافة الاختراقات الثقافية التي تعني احترام تجارب الأمة المسلمة وما أنتجه العلماء السابقون ، الثقافة التي لا تجعلنا فعلا نواكب المعرفة ونستفيد من الخطأ رفضا له وإنهاء لآثاره ، ونستفيد من الصواب تعميقا له وتجذيرا لمدلولاته لحقائقه .
الدور الثاني :-
دور اجتماعي :
على الشباب أن يقوموا بهذا الدور الاجتماعي لأن المطلوب اليوم تغيير في بنية المجتمع وإعادة صياغته صياغة جديدة حتى يصبح مجتمعا حقيقيا متماسكا ومتآخيا ومتحابا ، الحزبية فيه مزيد من الحوار والتآلف والعطاء وليست طريقا لتصفية الحسابات الشخصية أو الأسرية أو العنصرية أو الطبقية أو السياسية ، الحزبية عنده طريق ووسيلة من وسائل التواصل والتفاهم والحوار ، الحزبية معناها دين للاعتراف بالآخر وإنصافه ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على لا تعدلوا ) .
نحن بحاجة لأن نقوم بهذا الدور الاجتماعي لأننا نعيش كثير من مظاهر الظلم والاستبداد لأن مجتمعنا بنيانه متفكك شبكة العلاقات الاجتماعية فيه كما قال أحد المفكرين :
إما مقطعة أو واهية لا تقوى على المواجهة الجماعية لكل مظاهر الظلم والقهر والاستبداد.
نحن بحاجة لأن نقوم بهذا الدور الاجتماعي عبر قياس لأنشطتنا المختلفة في المدارس والجامعات ، عن طريق الاتحادات والنقابات والجمعيات ، نقدم النموذج الذي يتجاوز الحساسيات العنصرية والمناطقية والحزبية ، نعلم بعضنا بعضا كيف نتحاور وكيف نتنافس تنافسا مسئولا ، وكيف نقدم الأكفاء وإن كان لا ينتمي لحزبنا أو جماعتنا ، كيف نقدم الصالح العام على الصالح الخاص والصالح الوطني على الصالح الحزبي .
ينبغي أن نقوم بهذا الدور سواء في الوسط الطلابي أو الشبابي أو في أوساط الطلابي أو الشبابي أو في أوساط المجتمع المختلفة هذا إذا أردنا فعلا تغييرا حقيقيا في واقع يبشر بهذا المجتمع ، حينما يربي هذا الإنسان على ألا يأخذ حق غيره بل يتنازل عن بعض حقه لغيره حينما نعلم آباءنا وإخواننا وأبناءنا أننا نكره الظلم ولو صدر منا ، ونكره الاستبداد ولو صدر من أصحابنا ، نقوم بالقسط والعدل ولو ضد أحبابنا أو أقرباءنا .
إن البعض بعقليتهم الجاهلة والمتخلفة يتصورون أنهم يوم يأخذون حقوق الآخرين ، يكسبون حقوقهم ولا يدرون أنهم بهذا السلوك يكونون قد أعطوا المشروعية لغيرهم لأخذ حقوقهم سواء كانت هذه الحقوق مادية أو معنوية .
في موكب الشهود :
الدور الثالث :دور سياسي :
ولا بد من القيام بهذا الدور كشباب لأن المشكل السياسي أهم ، مشكل في الأمة وأهم مشكل في العمل السياسي في عالمنا العربي والإسلامي أن الصراع فوقي ، المجتمعات لا تتصارع كثيرا إلا على السلطة ولهذا ينبغي أن يكون لنا دور في حل المشكل السياسي من خلال إيمان حقيقي بالشورى ، تمارسها ممارسة حقيقية في اجتماعاتنا المصغرة والكبيرة ، نمارسها في اتحاد ونقابة وجمعية ، نمارسها في المجتمع العام كالانتخابات مثلا ، ونقدم فيه النموذج .
وخلاصة هذه الأدوار يختزلها قوله سبحانه وتعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ).
المطلوب منكم اليوم الشهود الحضاري على العالم في الألفية الثالثة ، وهذا يقودنا للحديث عن مظاهر الشهادة وأعتقد أن الوعي أهم مظهر من مظاهر الشهادة وذلك حتى تكون شاهدا على بينه .
إن الشهادة ينبغي أن تكون حقائق نقدمها يمكن أن تكون بالفعل قبل القول ، يقول الله عز وجل ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ) أي بفعلهم هذا شهادة على قولهم .
إذا تكون الشهادة بالقول والفعل والوعي الصحيح بالحوار الهادف والمعارضة البناءة بإنصاف الآخر و الاعتراف به والتعامل معه والشهادة بالعدل عليه .
مختارات 98 تهيئة لشهر رمضان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فإليك - أخي الكريم ،أختي الكريمة : هذه الجملة من المقترحات المختصرة والتي تساعد
على تهيئة النفس والبيت والمسجد في استقبال شهر رمضان المبارك والذي نسأل الله أن
يبلغنا وجميع المسلمين صيامه وقيامه إنه على كل شيء قدير:-
أولا: النفس :-
1- إخلاص العمل لله عز وجل .
2- استشعار نعمة الله علينا بهذه المواسم .
3- العلم بأنه ميدان منافسة على العتق من النار .
4- تهيئة المصحف والانقطاع عن الشواغل .
5- اختيار كتاب من كتب التفسير ككتاب السعدي رحمه الله للرجوع إليه عند الحاجة .
6- أن يخصص الإنسان لنفسه تلاوتين الأولى / تلاوة تدبر بقراءة جزء واحد في كل يوم
بتدبره ويقف عند عجائبه وآياته . الثانية / تلاوة أجر وهي التي يكثر فيها الختمات
ابتغاء الأجر .
7- إعداد جدول للقراءة يوفق فيه الإنسان بين قدراته وأعماله .
8- تعويد النفس على الدعاء ورفع اليدين .
9- تعويد النفس على الجلوس في المسجد أدبار الصلوات وخاصة صلاتي الفجر والعصر .
10- تعويد النفس على الصدقة والبذل والعطاء.
11- الحرص على تحفيز النفس ومضاعفة دورها في العمل الصالح مثل قراءة حياة السلف
وحالهم في رمضان .
12- الاستماع إلى الأشرطة وقراءة المطويات الخاصة بذلك .
13- تعويد النفس على القيام وذلك بالزيادة في الوتر والتهجد .
ثانيا: البيت :-
1- شراء مصاحف وحاملات مصاحف لجميع أعضاء الأسرة .
2- تخصيص مصلى في المنزل .
3- شراء الأشرطة و المطويات وعمل مسابقات عائلية خاصة برمضان .
4- عقد جلسة مع أفراد الأسرة والتحدث عن رمضان وفضله وأحكامه .
5- تجهيز المنزل بما يتطلبه من مأكولات مشروبات بشرط عدم الإسراف .
6- اتخاذ قرار مجمع عليه تجاه وسائل الإعلام وما تبثه في رمضان .
7- تنسيق وتوزيع الأدوار بين أهل البيت في الخدمة حتى تجد المرأة حظها في برامج
العبادة .
8- تنسيق برامج الزيارات والاستضافات الرمضانية مع الأهل والجيران والأصدقاء .
9- إعداد برنامج للعمرة والاعتكاف لجميع أعضاء الأسرة .
10- المشاركة في إعداد الطبق اليومي ولو كان شيئاً يسيراً يهدى لوجبة تفطير
الصائمين في المسجد.
11- مسابقة في حفظ أحاديث كتاب الصيام مثل كتاب بلوغ المرام أو رياض الصالحين .
ثالثا: المسجد :-
1- أن يتهيأ الإمام في المواظبة بالقيام بجميع الفروض في مسجده طيلة أيام الشهر .
2- إعداد إنارة المسجد وتنظيم أثاثه ، والعناية بالإذاعة والصوتيات .
3- الاهتمام بدورات المياه والقيام على تجهيزها وتنظيفها .
4- العمل على حث جماعة المسجد في جمع تبرعات للمسجد وما يحتاجه من الماء والمناديل
الورقية والطيب .
5- استضافة بعض العلماء وطلبة العلم في المسجد لإلقاء الكلمات والمواعظ قبل رمضان
وأثناءه .
6- اختيار الإمام للكتاب المناسب وقراءته على جماعة المسجد بعد إحدى الصلوات .
7- إعداد المسابقات اليومية والأسبوعية لجماعة المسجد .
8- تخصيص لجنة تقوم بإعداد وجبة إفطار الصائم والإشراف عليها .
9- توزيع الأشرطة على أهل الحي .
10- إعداد برامج للجاليات من مطويات وأشرطة .
11- تخصيص ليلتين أو ثلاث من الشهر يجتمع فيها جماعة المسجد لإفطار جماعي يأتي كل
واحد منهم باليسير من زاده ويجتمعون عليه في المسجد تحت إشراف الإمام وتنسيقه .
12- إعداد برنامج ترفيهي لشباب الحي .
13- الحرص على أن يختم الإمام ولو ختمة واحدة في صلاة التراويح .
14- إقامة دورية للحي .
15- الحرص على أن تقدم برامج تكون بدائل ومزاحمات إعلامية .
16- إعداد برنامج لجمع الزكاة وتوزيعها على فقراء الحي .
17- إعداد برنامج لعيد رمضان مثل اجتماع الجيران بعد صلاة العيد في المسجد .
وبالله التوفيق , وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الشيخ العمراني علامة العصر
تشعر في حضرته بهيبة العالم الجليل، الغزير في علمه، المتزن في طرحه وتناوله، المتواضع في تعاطيه، البسيط في تعامله مع كل من حوله، والاهم روح الفكاهة والنكتة تلك التي تسكنه إلى جانب رحابة صدره .
العلامة المعروف الشيخ محمد اسماعيل العمراني، له اجتهاداته وأبحاثه وتحقيقاته ومؤلفاته العلمية القيمة، التي ما يزال معظمها مخطوطا لم ينشر بعد، ومع ذلك تجده لا يحب الظهور والأضواء ، بل يعتبر نفسه "نصف عالم".
وسط زحمة انشغالاته، وكثرة اهتماماته، والمساحات البيضاء التي تغطي ملامحه، يبدو وكأن تفكيره قد انهكه، لكنه لم يهزمه، فهو بقدر ما نسأل الله أن يمده بالصحة والعمر المديد، يحتفظ بذاكرة قوية مثل شابا في مقتبل العمر، وارهاصات التقدم في السن لم تثنه عن مواصلة ما بدأه قبل سنوات تعود لعشرينيات القرن الماضي، إذ يواصل تحقيقاته وابحاثه العلمية ، ويواظب على تقديم حلقات الدرس في مسجد الزبيري بالعاصمة،ولا يبخل بفتواه في المسائل الشرعية والدينية لطالبيها ممن يقصدونه ليل نهار ومن كل حدب وصوب.
صادفناه بعد صلاة العصر بصحبة مجموعة من طلابه في الطريق لزيارة أحد جيرانه على فراش المرض فرافقناه، ورغم طلبه منا انتظاره في المسجد حتى يعود، إلا ان ابتسامته وبشاشته المعهودة، جعلته يهضم تطفلنا بمجرد معرفته بوجودنا.
في لقائنا هذا تحدث العلامة العمراني باستفاضة عن مشايخه وطفولته وعن طموحاته وأماله، وكشف عن سر العلاقة الحميمة التي تربطه بمسجد الزبيري،وأحرج الأسئلة التي أفتى فيها، ولم يفته توضيح اللغط الحاصل حول الزكاة وعلى من تقع ولايتها..قضايا كثيرة شخصية وعلمية ناقشناها معه، وكان كلما تعمقنا أكثر تزايد تلهفنا للمتابعة.
سألنا في طريقنا معا للمسجد لإجراء هذا الحوار أسئلة كثيرة منها على سبيل المثال: انتم عد صوروا ؟وما عتسألوا ؟ رددت عليه :نعم وأشرت للكاميرا .
وقال زميلي: نريد أن نعرف من هو العمراني.
فأجاب العمراني بروح الفكاهة: " ما فائدة من الصور ، (الصور تنشر في الجرايد وتداس بالاقدام ولااريد ان تداس صورتي)، وبعدين أنا (نص) عالم بفضل دعوة الوالدين ".
*أنا نصف عالم
سبأ: من هو العمراني؟
العمراني: أنا محمد بن إسماعيل بن محمد العمراني نشأت في صنعاء اليمن ولدت في شهر ربيع سنه 1340 ه الموافق سنه 1922 م وقرأت في مدرسة الفليحي ثم في مدرسة الإصلاح ثم في الجامع الكبير، ثم في مسجد الفليحي والروضة وفي قبة المهدي وقبة طلحة وفي مسجد الوشلي وغيرها من المساجد التي كانت محل لدراسة العلوم الشرعية والدينية .
وقد أخذت نصيب لا باس به من علوم النحو والصرف والمعاني والبيان والبديع، وفي أصول الفقه وأصول الدين والحديث والتفسير .. ولكن لم أصل للعلم الذي كنت اطمح إليه وأحب أن اصل إليه، أنا عبارة عن نصف عالم فقط لا عالم ، ومن يقول بأنني علامة فلعلة من باب حسن الظن بي وإلا فلا كما تقول العرب " سماعك من بعيدي خيرا من أن تره".. وهذا مثلا يضرب لمن يسمعون به فإذا وجوده، وجدوه اقل مما كان يسمعوا به، وأنا يسمعون أن هناك محمد إسماعيل العمراني، والواقع انه ليس بالعالم الذي كانوا يعتقدون به ، وغاية الأمر أنني شغلت نفسي بالتدريس نحو ستين سنة، ادرس في مسجد الفليجي،وادرس في المدرسة العلمية قبل الثورة (مدرسة الوحدة حاليا)وكانت جامعة كبيرة مدة الدراسة فيها عشر سنة.
كما درًست في جامعة صنعاء ، ولازلت أدرس في المعهد العالي للقضاء وفي جامعة الأيمان أيضا وادرس في مسجد الزبيري صباح ومساء.
سبأ: يا ترى إلى ما كنتم تطمحون؟
العمراني: أن أكون علامة مثل العلماء الآخرين مثل تلاميذ الشوكاني مثل تلاميذ ابن حجر العسقلاني مثل تلاميذ ابن تيمية ، ولا اطمح ان أكون مثل الشوكاني وابن حجر وابن تيمية ولكن مثل تلاميذهم .
سبأ: لماذا ليس مثلهم؟
العمراني: لأنهم أصحاب منازل علمية رفيعة، لا يستطيع أحد أن يصل إلي مستواهم.
سبأ: ما هي المؤلفات التي ألفتموها للوصول إلى ما وصلتم اليه ؟
العمراني: ألفت كتاب عن تاريخ القضاء في الإسلام، تم تجميعه من عدة محاضرات ألقيتها قبل 24 سنة في المعهد العالي للقضاء بعنوان (نظام القضاء في الإسلام)، ويضم محاضرات عن القضاء عند العرب قبل الإسلام، والقضاء في فترة حياة النبي صلى الله عليه وسلم، يليها القضاء في عصر الخلفاء الراشدين، ومن ثم أيام بني أمية، وفي أيام بني العباس، ثم الدولة الأيوبية، والقضاء في اليمن قبل الثورة ...الخ.
سبأ: هل معنى هذا انه لا يوجد لديكم كتب أخرى؟
العمراني: معي، لكن ما تزال مخطوطة ولا تستحق النشر.
سبأ: كم عددها يا ترى ؟
العمراني: ضاحكا "قد نسيت".
*الشوكاني شيخ شيخ شيخ شيخي
سبأ: ما هي فحوى المخطوطات التي تحدثتم عنها؟
العمراني: "ما بش مخطوطات" هي مجرد مسودات(خربشات).
سبأ: عمًا تتحدث؟
العمراني: في علوم الشريعة وتاريخ الإسلام لكنها مختصرة ولا تصح بعد لان تخرج إلى حيز الوجود.
سبأ: هل ستخرجونها يوما ما؟
العمراني: إن شاء الله .
سبأ: ماذا يمثل لكم الإمام الشوكاني؟
العمراني: هو شيخ شيخ شيخ شيخي، بيني وبينه ثلاثة، انا مثلا اروي مؤلفات الشوكاني ومسانده ومجموعاته بطرق من جملتها عن السيد العلامة قاسم ابن إبراهيم عن القاضي إسحاق ابن عبد الله المجاهد عن القاضي محمد بن محمد العمراني جدي ابو والدي عن شيخ الإسلام الشوكاني. كما ارويه بطريقة أخرى عن شيخي القاضي عبد الله حويذ عن السيد على السدمي عن القاضي محمد بن محمد العمراني عن شيخ الإسلام الشوكاني، وأرويه عن القاضي عبد الله الجرافي عن المولى العلامة حسين العمري عن السيد إسماعيل ابن محسن ابن عبد الكريم ابن إسحاق عن شيخ الإسلام الشوكاني.. هكذا معي عدة طرق،ولا يوجد بيني وبينه إلا ثلاثة علماء.
سبأ:إلى أي مدى انتم متأثرون بالإمام الشوكاني؟
العمراني: بعضهم يقول لي بمن تأثرت من مشايخك مثلما تأثر العلامة السخاوي بابن حجر وابن القيم تأثر بشيخه ابن تيميه وأنا أقول لم أتأثر بشيخي تأثرت بالقاضي محمد بن علي الشوكاني وبالسيد العلامة محمد رشيد رضا محرر جريدة المنار التي كانت تصدر خلال الفترة من سنه 1315هـ إلى سنه 1354هـ أي خمسة وثلاثين سنه و(35)مجلد ، وكنت معجب بها وكنت اذهب لاستعارتها من خزانه الجامع الكبير أو من أي شخصا واطالعها ، ولهذا أقول: تأثرت برشيد رضا والشوكاني.
* أقسم رمضان ثلاثة أثلاث
سبأ: بمناسبة حلول شهر رمضان ترى ما هي منزلته بالنسبة لكم ؟وكيف تمضون أوقاته؟
العمراني: اقسمه ثلاثة أقسام ، ثلث لقراءة القرآن، وثلث لتدريس العلم، وثلث للإجابة على الفتاوى ثم الفتاوى والفتاوى إلى ما لانهاية وحتى أذان المغرب.
سبأ: وأين حصة أسرتكم وأبنائكم ؟
العمراني: ضاحكا "أسرتي!!" .. "معاهم" من بعد صلاة العشاء إلى قبل الفجر".
سبأ: كيف تصفون علاقتكم بالإعلاميين والصحفيين؟
العمراني: اهرب من اللقاءات الصحفية لان علمي مقصور على المسجد والجامعة فقط ، ولا امتلك علم يستحق النشر للخارج.. علمي في حدود.
سبأ: يا ترى ماذا تحدثنا عن البدايات وأيام الطفولة ؟
العمراني: البدايات الأولى كان الناس يقولون لي : "أقع" عالم ، أجدادك كلهم علماء كبار.. ولكن لم يكن هناك من يعطيني كتب، إلا واحد من العلماء السيد العلامة عبد الرحمن بن حسين الشامي الذي كان دائما يقول لي: (كن) مثل جدك، أقرأ إذا احتجت كتاب أنا أعيرك ..إذا احتجت مخطوط أنا أدي لك.. حتى انه كان إذا عثر على كتاب مخطوط(قيم) يقول ما له إلا فلان ويرسل به لي. على عكس الآخرين الذين لم يعينونني.
المهم بعدها درست عند السيد العلامة عبد الخالق إبراهيم ابن عبد الكريم ابن إبراهيم الأمير، الذي كان محرر جريدة الأيمان في صنعاء، وكانت هي الوحيدة، كما درست عند عمه السيد عبد الخالق ابن حسين الأمير، وعند القاضي عبد الله السرحي، وعند القاضي عبد الله الجرافي، وعند السيد محمد السراجي، وعند السيد العلامة احمد الكحلاني ،وعند القاضي العلامة على الانسي،وعند العلامة على الدبب، والعزي البهلولي ، وعند العلامة عبد الله حميد ،وعند اكبر علامة قبل ستين سنه القاضي العلامة عبد الوهاب الشماحي ،الذي توفي قبل أكثر من 67سنه
1357هـ وهذا كان اكبر علامة في اليمن.
سبأ: في رحلة الفتاوي الطويلة التي تقدمونها لطالبيها .. ما هي أحرج مسألة واجهتكم؟
العمراني: سئلت مرة عن القتال الذي وقع ما بين الدولة العثمانية وبين الإمام يحيى وغيره من الأئمة،لمن الحق مع السلاطين العثمانيين أم مع الدولة القاسمية أئمة اليمن .. فأجبت بقولي: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فالحق معه والله اعلم بالسرائر".
سبأ: ثمة لغط قائم ألان حول من يتولى الزكاة مارايكم؟
العمراني: قال العلماء ولاية الزكاة للدولة ، وهذا هو مذهب الشوكاني في جميع مؤلفاته، ولكن على الدولة أن تأذن للتجار بان يخرجوا بعضا منها للفقراء،أما المنصوص فهو أن ولايتها للدولة، لكن الدولة كانت تأذن في السابق لتجار صنعاء بان يخرجوا بعضها للفقراء والمساكين والمؤلفين والعزيزين الذين في البيوت .
سبأ: لكن هناك من يشكك بتوليتها للدولة؟
العمراني: النبي صلى الله عليه وسلم قال : أعطوهم الذي لهم واسألوا الذي لكم، فقد أجزئت الغني إذا سلمها للدولة سواء كانت الدولة عادلة أو غير عادلة .. سواء صرفتها في مصارفها أو لا ..المسئول أمام الله هو أن يصرفها ولا يسأل عن شيئا أبدا.. ولايتها للدولة ، ومن سلمها للدولة برئت ذمته وليس عليه أن يسأل . الأحاديث تدل على هذا حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أعطوهم الذي لهم واسألوا الله الذي لكم".. فولايتها إلى الدولة،ولا يشترط أن تكون الدولة على مواصفات حسب ما يريد الذين يريدون أن يعرقلوا الزكاة، هؤلاء يتملصون من الزكاة بحجة أنها ليست وظيفتها.. وظيفتك أن تسلم الزكاة للدولة،وتدخل الجنة لأنك قد عملت بالركن الواجب والثواب عند الله قد قدر ، " لا يتعذرش" أحد بأن الدولة عملت "أو سوت" ، وظيفته يسلمها للدولة ، وله الأجر ، وقد اسقط الواجب، وبعدها الدولة تعمل ما تشاء.
سبأ: ما سر العلاقة التي تربطكم بهذا المسجد ؟
العمراني: ضاحكا لان بيتنا بجانب المسجد.
سبأ: ماذا عن مسجد الفليحي لماذا تركتموه؟
العمراني: لا ننا انتقلنا ،وعموما الطلبة هنا هم أكثر من ثلاثمائة على عكس الفليحي الذي لا يتعدون عدد الأصابع .
المرجع : الإصلاح نت
صنعاء –سبأنت:حاوره: محمد السياغي و إبراهيم الذماري
مختارات 100( تربويات )
النقاء الذي نفتقده *
في أول مقابلة تلفزيونية له بعد خروجه من السجن فاجأ الزعيم الماليزي أنور إبراهيم الناس عندما ذهب يتحدث عن خصمه (محاضير محمد) ويقول إن محاضير ظلمني كثيراً.. ولكن إذا كان لمحاضر سيئة واحدة بظلمي فإن له الكثير الكثير من الحسنات لماليزيا وشعبها؟!
والمعلوم أن محاضر محمد هو من وقف وراء الحملة التي أطاحت بإبراهيم وسجنه بشكل مهين من موقع الرجل الثاني في الحزب والدولة إلى السجن مع تهم مست عرضه وشرفه بصورة لم يسبق أن تعرض لها أحد!
ومع هذا كله يؤكد أنور إبراهيم في نهاية حديثه بأن الإنصاف يقتضي أن نقول بأن محاضير رجل عظيم يستحق الاحترام!
لكن الحقيقة أيضاً أن ما فعله وقاله أنور إبراهيم هنا وفي وقت ما زال يحمل مرارة الظلم والقهر.. هو الأكثر عظمة ويستحق الاحترام والتأمل.. فالعدل والإنصاف وتجسيد «ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا» وبهذه الصورة الجميلة صفة من صفات أهل الجنة وأخلاق من أخلاق التمكين الحضاري وجزء من النقاء الفردي الذي يقف وراء المعجزة الماليزية ويفسر لنا سر الفعل الاستثنائي للماليزيين.. وهو خلق مفقود وأمر صعب.. صعب يعجز عنه الكثير ممن يقومون الليل ويصومون النهار ويتصدرون للدعوة.
ويقف فقدان هذا الخلق وهذا النقاء الفردي وراء التخلف ووراء كل الإرباك الذي تعيشه الأمة ويكفي أن نعرف أننا غالباً ما نتجاوز الإنصاف إلى دائرة الظلم وفي كل حالاتنا تقريباً عند الحب وعند الكره على السواء؛ فإذا أحببنا (فلاناً) فإننا نتجاوز الإنصاف بهذا الحب فنعطيه حقه وحق الآخرين ونحمله ما لا يطيق حتى نكسر ظهره والآخرين، وإذا ما بغضنا (فلانا) فإننا نتجاوز الإنصاف إلى الظلم فنجرد هذا من كل حسناته ونحمله سيئات الإنس والجن ونجره إلى عثرته جراً وبكل سرور حتى يخيل لك أحياناً بأننا أمة ممتحنة في نفسها فكلما تحرك أبناؤها لفعل شيء ما حتى يحولون بدون إنذار إلى سباع تأكل بعضها لحوم بعض ويحسبون أنهم يقفون على ثغرة بينما هم في الحقيقة يفتحون ثغرة جديدة على الجدار بل ثغرات عديدة لصالح الشيطان
مختارات 102
توجيهات تربوية
آداب تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال
أطفالنا أكبادنا تمشي على الأرض، أنعم الله بهم علينا ليمنحونا السعادة والهناء، وعلى الرغم من الصعوبات الكثيرة التي تواجهنا مع أبنائنا منذ نعومة أظفارهم وحتى بلوغهم مرحلة الشباب إلا أنهم يمثلون لنا دائماً وأبداً سبباً قوياً من أسباب الحياة.
وقد تعددت وتباينت- في العصر الحديث- المدارس التي تتناول موضوع تعامل الآباء مع الأبناء وفق منظور علمي أو نفسي مستمد من حاجات المجتمع ومتطلباته، وبالرجوع إلى توجيهات هذه المدارس نجد أن هناك التقاء بينها وبين منهج رسولنا الكريم الذي أتي به منذ ما يزيد على 1400 سنة قبل أن تظهر تلك المدارس بأفكارها وأبحاثها ودراساتها.
- اهتمام الإسلام بالطفولة
أعطى الإسلام اهتماماً بالغاً بالطفولة، وحفظ للطفل حياته منذ تكونه جنيناً وأولاه الرعاية والعناية صغيراً وحظر على الوالدين أن يهملا في تربيته، وقد ترك لنا رسولنا الكريم إرثاً كبيراً من المواقف والقصص والأحداث التي تعلمنا التعامل مع الأطفال وعدم اعتبارهم قصّراً بعيدين عن إدراك ما يحدث حولهم من أمور، والباحث في هذا الإرث يجد مدرسة متكاملة المناهج، ثابتة المبادئ، راسخة الأصول في التربية والتنشئة الصالحة.
- من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم:
أولاً:
تشجيع الطفل على طلب العلم ومخالطة العلماء، ففي حضور الناشئ مجالس العلماء ومن يكبرونه سناً وقدراً تكريمُ له وتوسيعُ لمداركه وتبصيرُ له بأمور الحياة، ولكن ينبغي على الأبوين تعليمه آداب المجلس وكيفية التخلق فيه فلا يطاول الكبار في مجالسهم أو يتقدمهم بحديث أو كلام.
وقد روي مسلم في صحيحه أن سَمُرَة بن جندب رضي الله عنه قال: لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً، فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالاً هم أسن مني.
ومن القصص التي تروي عن تشجيع رسولنا الكريم للأطفال على طلب العلم.
ما رواه البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنه- قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم تُدخل هذا الفتى معنا، ولنا أبناء مثله، فقال: إنه ممن قد علمتهم، قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم قال وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني فقال: ما تقولون ( إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون) حتى ختم السورة، فقال بعضهم: أُمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نُصرنا وفُتح علينا، وقال بعضهم لا ندري، ولم يقل بعضهم شيئاً، فقال لي: يا ابن العباس أكذلك تقول؟ قلت: لا ، قال: فما تقول؟
قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له ( إذا جاء نصر الله والفتح ) فتح مكة، فذاك علامة أجلك ( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً ) قال عمر ما أعلم منها إلا ما تعلم.
ومن المهم مناقشة الطفل وطلب رأيه فيما يسمعه من أحداث مع توضيح ما غمض عليه منها وفقاً للمرحلة العمرية التي يمر بها.
ثانياً:
المداعبة والتعليم بطريقة اللعب، وهذه من الأمور التي تعتبرها المدارس الحديثة ذات فائدة ونفع في تعليم الطفل وأكثرها أهمية لقربها إلى نفسية الطفل وتكوينه السيكولوجي.
وهناك الكثير من الأحاديث التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر هذا النهج وعمل به ومن القصص التي تؤيد ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، وكان إذا جاء قال: " يا أبا عمير ما فعل النغير"
والنغير تصغير لكلمة نغر وهو طائر كان يلعب به، فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح، ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا.
وفي هذا الحديث درس كبير في تربية الأطفال وتشويقهم والتودد إليهم بما يحبونه والاستعانة بذلك لتشجيعهم على أداء واجباتهم الدينية ليكبروا ملتزمين مدركين لحقوقهم وواجباتهم.
ثالثاً:
التلطف بهم واحترام مشاعرهم ومواساتهم، فقد روى أنه ذات مرة كان صلى الله عليه وسلم يمشي في السوق فرأى أبا عمير يبكي، فسأله عن السبب فقال له " مات النغير يا رسول الله " فظل صلى الله عليه وسلم يداعبه ويحادثه ويلاعبه حتى ضحك، فمر الصحابة بهما فسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عما أجلسه معه، فقال لهم " مات النغير، فجلست أواسي أبا عمير ".
وفي هذا الموقف بيان واضح لرحمته صلى الله عليه وسلم وعطفه على الأطفال.
رابعاً:
التقرب إلى الأطفال بالهدايا والهبات، ومما يدل على ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه قال: " اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا" ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر.
خامساً:
التأكيد على عدم غشهم أو الكذب عليهم، ومما جاء في ذلك حديث عبد الله بن عامر رضي الله عنه، قال: " دعتني أمي ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت: ها تعال أعطيك" فقال لها صلى الله عليه وسلم: " ما أردت أن تعطيه؟"
قالت " أعطيه تمرا"، فقال لها: " أما أنك لو لم تعطيه شيئاً كتبت عليك كذبة".
فالكذب على الطفل يفقده ثقته بأبويه ويعطيه شعورا بالاغتراب فينصرف عن الاستماع إليهما ويعمد إلى تقليدهما بالكذب.
سادساً:
التأديب بلطف مع بيان السبب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كخ، كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟".
ومن هنا نرى كيف يكون التوجيه بحب ولطف بعد المراقبة الدقيقة فإن فشلا تأتي بعدهما القسوة المحببة التي تنبع من قلوب تقصد الخير، لا الانتقام والتشفي.
وأخيراً قائتي العزيزة
إن أطفالنا نبتات طرية فإذا تركت دون ركائز مالت واعوجت، فلتكن ركائزنا مستمدة من نهج رسولنا الكريم ومن ذاك النبع الدافق من الحب والعطاء الذي علينا أن التربية السليمة تبدأ منذ نعومة الأظفار، فما ينشأ عليه الطفل من صغره يصبح ملازماً وراسخاً معه في كبره وقد قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا
على ما كان عوّده أبوه
- من تجارب الأمهات
كانت الأم تحكي لطفلها منذ نعومة أظفاره سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف كان خَلقه وُخلقه، ولما بلغ العاشرة من عمره أكره الله تعالى بزيارة قبره صلى الله عليه وسلم، ولما عاد قال لها: " إني أحب الرسول جداً وأتمنى رؤيته، ومقابلته في الجنة: ولكني لا أحب أن يكون ملتحياًº فأنا أفضله بدون لحية! فكان على الأم أن تتصرف بلباقة فقالت له: " أنا متأكدة يا بني أنك حين تراه ستحبه أكثر بكثير، سواء كان ملتحياً أم لا"، ولكنه أصر قائلاً: " لا ، أنا أحبه بدون اللحية " ، فقالت له الأم: " هل تعلم لماذا كان يربي الرسول لحيته؟"
قال: "لا"، فقالت له: " لأن اليهود كانوا يحلقون اللحية، ويعفون الشارب، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يخالفهم.. أم أنك كنت تفضل أن نتشبه بهؤلاء القوم؟ " فرد على الفور: " لا ، لا يصح أن نتشبه بهم أبداً" وانتهى الحوار، ولم يعد يتكلم في هذا الموضوع أبداً.
وكانت أم أخرى تعاني من أن أصحاب ابنها من الجيران والزملاء لا يلتزمون بالأخلاق التي ربته عليها، مما تسبب له في إحباط وعدم ثقة في تلك الأخلاقº لأنه لا يريد أن يشذ عن أصدقائه وزملائه، فقررت الأم أن تدعو مجموعة من هؤلاء الأصحاب في الإجازة الصيفية ليلعبوا معه بمختلف الألعاب التي لديه، وفي نهاية الجلسة كانت تقدم لهم بعض الفطائر والعصائر أو المرطبات وتجلس معهم لتحكي قصصاً عن خلق معين من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم مع توضيح فائدة الالتزام بهذا الخلق، وكانوا يقاطعونها أحياناً ليكملوا حديثها، فكانت تتركهم يتكلمون- لأن ذلك يسعدهم – ثم تكمل حديثهاº وكانت تكتفي بالحديث عن خلق واحد في كل مرة.. حتى شعرت في نهاية الإجازة بتطور ملحوظ في سلوكياتهم جميعاً، وفي طريقة حديثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكانت أم ثالثة تحكي لأطفالها عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وطباعه، وكيف كان يفكر، وكيف كان يحل شتى أنواع المشكلات، حتى اطمأنت إلى أنهم قد فهموا ذلك جيداً، فصارت بعد ذلك كلما مر أحدهم بمشكلة جمعتهم وسألت: " تُرى كيف كان سيحلها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!".
ثم تكافئ من يقدّم الحل الصحيح.. فكانت بذلك تعلمهم كيف يطبقون هديه صلى الله عليه وسلم في حياتهم بطريقة عملية متجددة، حتى يعتادوا ذلك في الكبر، ويعتادوا أيضاً مشاركة بعضهم بعضاً في حل مشكلاتهم.
حكى الأصمعي- رحمه الله- أنَّ أعرابيًّا قال لابنه: "يا بُني.. العقل بلا أدبٍ كالشجر العاقر، ومع الأدب دعامةٌ أيد الله بها الألباب، وحليةٌ زيَّن الله بها عواطلَ الأحساب، فالعاقل لا يستغني- وإن صحت غريزته- عن الأدب المخرج زهرته، كما لا تستغني الأرض وإن عذبت تربتُها عن الماء المخرج ثمرتها".
وقال بعض الحكماء: "الأدب صورة العقل فصوِّر عقلَك كيف شئت".
وقال آخر: "العقل بلا أدب كالشجر العاقر، ومع الأدب كالشجر المثمر".
وقال بعض البلغاء: "الفضل بالعقل والأدب، لا بالأصل والحسبº لأن مَن ساء أدبُه ضاع نسبُه، ومَن قلَّ عقله ضلَّ أصلُه".
وقال بعضُ الأدباء: "ذكِّ قلبَك بالأدب كما تذكي النارَ بالحطب، واتخِذ الأدب مغنمًا، والحرصَ عليه حظًّا، يرتجيك راغب، ويخاف صولتَك راهب، ويؤمَّل نفعك، ويُرجى عدلك".
وقال بعض العلماء: "الأدب وسيلة إلى كل فضيلة، وذريعة إلى كل شريعة".
وقال بعض الفصحاء: "الأدب يستر قبيح النسب".
وقال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: "إنَّ الله تعالى جعل مكارمَ الأخلاقِ ومحاسنَها وصلاً بينه وبينكم، فحسب الرجل أن يتصل من الله تعالى بخلق منها".
وقال ابن المقفع: "ما نحن إلى ما نتقوى به على حواسنا من المطعمِ والمشربِ بأحوجِ منا إلى الأدبِ الذي هو لِقاح عقولنا، فإنَّ الحبة المدفونة في الثرى لا تقدر أن تطلع زهرتها ونضارتها إلا بالماءِ الذي يعود إليها من مستودعها".
وقال أردشير بن بابك: "من فضيلة الأدب أنه ممدوح بكلِّ لسان، ومتزيّن به في كل مكان، وباقٍ ذكرُه على أيام الزمان".
هذا شيءٌ يسيرٌ مما قاله الأولون في الأدب، بيانًا لأهميته، وتأكيدًا على مكانته، وتعظيمًا لدوره، فالأدب عنوانٌ يدل على صاحبه، يرفع قدرَه، ويُعلي شأنَه".
وإن فقِد فقِد عنوانه، وخرب بنيانه، وساء مكانه وإن ملك عقلاً وعلمًا، فلا خيرَ في علمٍ لا يُزينه أدب، ولا في عقلٍ يخلو من الأدبº إذ العقل بلا أدب لا صورةَ له.
كثيرًا ما ينفضُّ الناسُ عن ذوي المكانات، وأصحاب الشهادات، ومالكي الأموال، وذوي الجاه والمناصب بسبب غياب الأدب في تفاصيل علاقاتهم، وخصوصيات حياتهم.
حين يغيب عنك الأدب- وإن حضر غيره- غدوت صورةً لا روحَ فيها، وجسدًا لا حياةَ فيه، وبيتًا دبَّ الخراب في أركانه، وأرضًا مجدبةً، وشمسًا حارقةً.. لا يُطيقه أحدٌ، ولا يرضاه أحدٌ من الناس يعرفه، صاحبًا في سفر، أو جارًا في سكن، أو أنيسًا في مجلس، أو شريكًا في عمل.. إلخ.
من فقد الأدب فقَدَ كلَّ شيء ولو بعد حين، فاعلم أن الأدبَ أساسُ الخير، وخيرُ الأساس، فاحرص على نوالِهِ، واجتهِد في طلبه، وكنْ من ذويه وأصحابه
* عن موقع الإصلاح نت
(تقبل الله طاعتنا وطاعتكم ، وعفا عنا وعنكم ، وغفرلنا ولكم ، وعقبى للأمة توحدا واجتماعا ونصرا . ولخصوم الحق عودا إليه حميدا ،أو هزيمة إلى الأبد واندحارا . وكل عام والجميع بخير .)
مختارات 104( أنظمة وحقوق في خطبة عرفة )
9/1/2006
النبي الذي أذّن بحقوق الإنسان على عرفة.. لتعرف له البشرية حقه - زين العابدين الركابي*
متابعات(الصحوة ):
في مثل هذه الايام، قبل أكثر من 1400 سنة، وقف معلم البشرية والحق والجمال والرحمة والكمال.. وقف نبي الاسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ بـ(عرفة) يؤذن في الناس بما يسمى اليوم بـ(حقوق الانسان): يؤذن بكرامة الانسان، وحرمة الدماء والعرض والمال.. يؤذن بالمساواة ـ بالمساواة امام الشريعة او القانون.. ويؤذن بالسلام العام.. ويؤذن بالنظام.. ويؤذن باحترام المرأة وتقديرها.. الى غير ذلك من المفاهيم والقيم التي صدح وصدع بها وهو يودع الناس في ذلك المشهد العظيم الذي احتشد فيه معظم المسلمين في ذلك العصر (حج مع النبي مئة الف مسلم).
وهذا تمام مهيب بديع لما عمل له النبي قريبا من ربع قرن (23 سنة).. وما عمل له عبر هذه المدة ـ القصيرة جدا في عمر النهضات والحضارات ـ هو: تأسيس (النهضة التنويرية الأكبر والأعمق) في تاريخ البشرية كله.. وهذه جملة تحتاج الى تفصيل:
ولندع نخبة من غير المسلمين من عقلاء البشر تتحدث عن هذه النهضة السعيدة المشرقة الواعدة:
1 ـ كتب المؤرخ البريطاني الشهير (ارنولد توينبي) في كتابه (تاريخ البشرية) كتب يقول: «كان لعبقرية النبي محمد اثر كبير في نقل رسالة ربه الى قومه، وقد كان تاريخ الجزيرة العربية مرتبطا بذلك. وفي سنة 622 م تبدل الوضع تماما لمصلحة محمد ورسالته. فقد جاءه مجموعة من الواحة الزراعية، أي يثرب او المدينة، يطلبون اليه ان ينتقل اليهم، ويتولى امورهم. وبعد ذلك انتشر الاسلام في العالم واثر فيه بعمق».
2 ـ وكتب الفيزيائي الايرلندي النابه جون ديزموند برنال في كتابه الموسوعي (العلم في التاريخ) كتب يقول: «سرعان ما اضيف الى تلك العوامل السلبية، ومنها الفراغ الذي يعيشه العالم: عامل ايجابي وهو ظهور دين عالمي جديد وانتشاره بسرعة. فالحواجز اللغوية والدينية والحكومية التي كانت حتى القرن السابع الميلادي: تعزل كل ثقافة داخل محيط اقليمها. هذه الحواجز قد زالت فجأة في كل الارجاء تقريبا ما بين المحيطين: الهندي والاطلسي، وقد اشاع الاسلام المحبة الاخوية بين كل الاجناس، وحدد لتابعيه شعائر دقيقة، وكانت فلسفته قائمة على التوحيد. لقد كان دينا راسخ الأسس في قلوب الناس».
3 ـ وكتب الزعيم الهندي المعروف (جواهر لال نهرو) في كتابه (لمحات من تاريخ العالم).. كتب يقول: «والمدهش حقا ان نلاحظ ان هذا الشعب العربي الذي ظل منسيا اجيالا عديدة : بعيدا عما يجري حوله، قد استيقظ فجأة، ووثب بنشاط فائق ادهش العالم وقلبه رأسا على عقب. ان قصة انتشار العرب في آسيا واوربا وافريقيا والحضارة الراقية، والمدنية الزاهرة التي قدموها للعالم هي اعجوبة من اعجوبات التاريخ. والاسلام هو الباعث لهذه اليقظة بما بثه من ثقافة وثقة ونشاط».
وهذا ذاته شيء من التفصيل يحتاج الى مزيد من التفصيل.
فمن نماذج النهضة التنويرية الكبرى التي قادها نبي الاسلام:
اولا: نهضة التنوير العقلانية، وهي البداية الحقة، إذ لا نهضة حقيقية في أي حقل، في غياب العقل، او في حال تحجره وجموده. لذا نستطيع ان نقرر ـ بهدوء وثقة ويقين ـ : ان النهضة التنويرية العظمى على يد نبي الاسلام، كان (العقل) مفتاحها ونافذتها وآليتها ومدخلها.
وهذا هو التعليل العقلي والمنهجي لهذه الحقيقة.. لقد كانت الجزيرة العربية، وكان العالم كله في (غيبوبة عقلية)، وكان (الجمود الفكري) هو: العملة الرائجة والعرف الضاغط السائد الطاغي.. ويستحيل ـ باطلاق ـ : ان يحصل تقدم ونهوض وتحرير وتنوير بينما العقل (غائب) والفكر (متحجر).. ومن هنا: فقد كانت الاسبقية المنهجية والتطبيقية هي: (استحضار العقل الغائب)، وتحريك الفكر الجامد وتشغيله بأعلى معدلات طاقته.
ولقد تبدت هذه الأسبقية المنهجية في سياقات متنوعة منها:
أ ـ سياق (الامر الحصري) في البدء، او الامر بمطلوب واحد وحيد وهو (التفكير).. «قل إنما أعظكم بواحدة ان تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا».. واحدة فحسب وهي: ان تكون حرية التفكير وحركته بديلا لحالة الجمود الفكري. فما تفهم الرسالة ـ قط ـ والحالة هذه. وانما نزلت الرسالة لتفهم.. ولا يتجادل العقلاء في ان المقدمة الاولى للفهم هي: ان تكون اداة الفهم: حية لا ميتة.. متقدة لا منطفئة.. منفتحة غير منغلقة.. متحركة غير هامدة ولا جامدة.
ب ـ سياق التحريض على التفكير عن طريق النظرة الذكية المحدّقة في النفس والكون: «او لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بحق وأجل مسمى».
ج ـ وسياق الصعق بالمقارنات القياسية: «قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر أولوا الأسباب».
د ـ وسياق الحملة الطويلة الملتهبة المركزة على التقليد الغبي الغرير على ما كان دون عقل ولا تفكير ولا حجة ولا برهان: «وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون».
ثانيا: النموذج الثاني من النهضة التنويرية الكبرى التي قادها نبي الاسلام، انما هو نموذج أثمرته النهضة العقلانية الفكرية القوية اللماحة. فقد اثمر تفجير طاقة العقل والتفكير: منهجا علميا موضوعيا في التعامل مع الكون بعلم، ومن هنا بدأت المسيرة البشرية الصحيحة في العلم بـ(الكونيات) والتعامل الممتاز معها.
ولندع ـ ها هنا ايضا ـ نخبة من غير المسلمين من عقلاء البشر: تتحدث ـ بعلم وامانة ـ عن هذه القضية : قضية (أسس النهضة العلمية):
1 ـ يقول جون برنال ـ في كتابه السابق الذي اشرنا اليه آنفا ـ : «صعد الاسلام صعودا فجائيا. وكان الاثر المباشر لذلك هو التنشيط الكبير للثقافة والعلوم. وقد اصبح الاسلام نقطة التجمع للمعارف الآسيوية والاوربية، ومن ثم تدفقت في هذا المجرى المشترك سلسلة من المخترعات لم تكن معروفة ولا متاحة للتكنولوجيا اليونانية والرومانية».
2 ـ العالم المؤرخ الثاني الذي يوثق هذه الحقيقة هو (هربرت ولز). فقد سجل في كتابه (موجز تاريخ العالم) هذه الشهادة إذ قا ل: «لقد تمت للعرب في حقول العلوم الرياضية والطبية والطبيعية ضروب كثيرة من التقدم. ولا شك انهم وفقوا الى مستنبطات هائلة في المعادن، وفي التطبيق الغني لها. ولهذه التطبيقات قيمة قصوى، واثر عميق في نهضة العلوم الطبيعية في أوربا».
3 ـ اما المؤرخ العالم الثالث فهو (بول كندي) الذي جهر بهذه الحقيقة ـ العلمية في كتابه (نشوء القوى العظمى وسقوطها) فقال: «ان قسطا كبيرا من الموروث الثقافي والعلمي الاوربي هو في حقيقة الامر (استعارة) من الاسلام والمسلمين».
ثالثا: النموذج الثالث من هذه النهضة التنويرية التي قادها نبي الاسلام هو: (نموذج التسامي الانساني والديني).. ولنكتف بمثالين فحسب في هذا المجال:
أ ـ استشهد دوغلاس ريد ـ في كتابه: جدل حول صهيون ـ بمقولة واضحة وأمينة لأوغسطين. وهذه الكلمة هي: «ان الاسلام اجاز لغير المؤمنين به الحرية الاقتصادية، وادارة شؤونهم الخاصة، وكان الاسلام متسامحا مع اتباع الديانات الاخرى. وان ما حققه الدين اليهودي من ازدهار بحرية في ظل الاسلام، ما كان بالامكان تحقيقه في بداية انتشار الديانة المسيحية».
ب ـ المثل الثاني: ما قاله المفكر اليهودي المشهور (اسرائيل شاحاك) في كتابه (الديانة اليهودية)، اذ قال: «ثمة حقيقة مهمة وهي: ان طرد اليهود لم يكن معروفا عمليا في بلاد المسلمين، لان هذا الطرد يتناقض مع الشريعة الاسلامية».
رابعا: النموذج الرابع من هذه النهضة التنويرية الانسانية العالمية، التي قادها نبي الاسلام هو (اعلان وحدة الاسرة البشرية) في ذلك الزمن القصي الذي كانت تسوده العصبيات العرقية والقومية والقبلية والعشائرية، بل كانت تسود التعصبات فيما بين ابناء القبيلة الواحدة.. ومن مبادئ الاعلان وحدة الاسرة البشرية: قول الله تعالى في كتابه المجيد:
أ ـ «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة».
ب ـ «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم».
هذا هو نبي الاسلام الذي وقف بعرفة قبل أكثر من 1400 سنة ليؤذن في العالمين بحقوق الانسان، وليتولى قيادة النهضة ـ التنوير الكبرى في التاريخ الانساني كله.
ونبي هذا شأنه، وهذا عمله الجليل في الكفاح من اجل تقدم البشرية وإسعادها، ينبغي ان تعرف البشرية له حقه العظيم، وان توفيه اياه.. اما وفاء المؤمنين به فهو اتباعه والتزام منهجه.. واما وفاء غير المؤمنين فهو تقديره واحترامه وتوقيره من حيث انه رائد انساني عظيم قدم للانسانية الكثير.. الكثير من العلوم والمعارف والقيم والاخلاق وعلمها: كيف تكون علاقتها بربها ؟ وكيف تكون علاقة الانسان بالانسان؟ وكيف تكون علاقة الانسان بالكون؟ ومن هنا، فان الاساءة الدانماركية لنبي الاسلام: ليس عصبية دينية كريهة فحسب، بل هي ـ كذلك ـ سقوط انساني واخلاقي وحضاري. والغريب المريب: ان الحكومة الدانماركية لم تفعل شيئا جادا ونبيلا تجاه تلك الاساءة على الرغم من احتجاجات العالم الاسلامي !!
___________________________
(*) صحيفة الشرق الأوسط