محراب داود وأوريا الحثي

عدنان الغامدي

Well-known member
إنضم
10/05/2012
المشاركات
1,366
مستوى التفاعل
49
النقاط
48
الإقامة
جدة
الموقع الالكتروني
tafaser.com
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

حُمّلت التوراة والإنجيل أو ما يسمى اليوم (العهد القديم والعهد الجديد) بالكثير من الأباطيل والأكاذيب وزيد فيها وأُنقص ، وكان من أسوأ ما اشتملت عليه من تزييف ما تعلق بالإساءة لأنبياء الله ورسله ممن أرسلوا إلى بني إسرائيل ، فنسب السحر لسليمان ، والفحش لإبراهيم ولوط وأهل بيتهما ، ومن بين الإساءات الشهيرة التي ترتبط باسم نبي الله داود هي اسطورة أوريا الحثي ، فصار اسم داود عليه السلام مرتبطاً ارتباطاً ذهنيا وثيقاً عند اليهود والنصارى مع اسطورة أوريا الحثي المكذوبة فما هي وهل تمت الإشارة إليها في القرآن الكريم؟.

ورد ذكر قصة أوريا الحثي في عدة مواضع : "وكانت زوجة لأوريا الحثي أحد أبطال داود، وكانت " جميلة المنظر جداً "، رآها داود من على السطح وهي تستحم، فأرسل داود " وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها " ( 2 صم 11 : 2 – 4 ) واحتال داود على قتل زوجها ( 2صم 11 : 6 – 17 ). وبعد مقتل أوريا أرسل داود وضمها إلى بيته وصارت له امراة تعيش معه في قصره ( 2 صم 11 : 17 )، وقد ولد منها أربعة بنين ( 2 صم 5 : 14، 1 أ خ 3 : 5 ) بعد موت الولد الأول الذي حبلت به من داود قبل زواجه منها ( 2 صم 12 : 14 ــ 24) وقد نجحت بثشبع بمعاونة النبي ناثان في منع أدونيا من اغتصاب عرش أبيه، وضمنت العرش لابنها سليمان ( 1 مل 1 : 11 – 46 ). وحاول أدونيا بعد ذلك أن يخدع بثشبع لتعاونه في أخذ أبيشج الشونمية زوجة له، ولكن سليمان كشف خداعه وأرسل بيد بنا ياهو بن يهوياداع فبطش به فمات ( 1 مل 2 : 13 – 25 )."

فالقصة باختصار أن داود أحب أن يتزوج من امرأة أوريا الحثي فأرسله لمعركة وأمر بجعله في مقدمة الجيش حتى يقتل فيتحقق له الزواج من المرأة، واتهم بأنه أنجب منها سفاحاً حاشاه عليه السلام من ذلك كله.

ولكن هل برأ الله تعالى نبيه داود من هذه الفرية الشنيعة ؟ ، نعم وأوضح جل وعلا تفاصيل هذه الفرية وحقيقتها بدقة .

يقول تعالى :

)اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ( ص:17

لقد استهل ربنا جل وعلا براءة داود عليه السلام في هذه الآية بأن أمر نبيه ﷺ بالصبر على الإيذاء بالقول ، والافتراء كما صبر داوود عليه السلام ، ولم يسجل التاريخ فرية قيلت بحق داوود كفرية أوريا الحثي واتهام نبي الله بالفحشاء ولا تزال هذه الفرية العظيمة مسطرة في كتابهم المقدس شاهدة على قول السوء في حقه ، فاراد ربنا جل وعلا أن يسلي نبيه عما يقال فيه بما قيل من زور في حق من سبقه من الأنبياء وهنا اختار داوود لذلك المثل.

ثم قال جل جلاله:

إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ 18 وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ 19 وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ 20

وأعقب ذكره لصبر داوود عليه السلام بخبر ما آتاه الله جل جلاله من قدرة وملك وقوة وبلاغة وحكمة ولذلك غرض وهدف يتجلى فيما يليها من آيات.

وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ 21 إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ 22

فإن كان داوود عليه السلام يملك هذه القوة والمنعة والحكم العظيم والقدرة الفائقة التي آتاه الله فكيف يتمكن هذين الرجلين من الوصول لأخص مكان وهو هذا المحراب الحصين ، فحق له أن يفزع لوجود هذين فكيف يجرؤان على تجاوز الاسوار واقتحام خلوته ؟ وقد كان خوفه بادياً ولاحظاه فسارعا على تهدئته وأنهما خصمان يبحثان عن القضاء فيما وقع بينهما.

إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ 23 قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ 24

لقد ارسل الله تعالى لنبيه داود ملكين يسردان عليه خلافاً هو في حقيقته أمر وقع من داود نفسه وهو أن داود سال أحد أصحابه أن ويضم هذه الجارية التي أعجبته إلى جواريه ولم يكن لدى هذا الرجل جارية سواها ، وكان لدى داود 99 جارية، وقد كنى الخصم عن الجارية بالنعجة ، وصور تودد داوود وحسن خطابه (لاحظ قوله تعالى "آتيناه الحكمة وفصل الخطاب" وقوله على لسان الخصم "وعزني في الخطاب") فانتبه داوود عليه السلام أن هذين رسولان من ربه ليريه كيف يكون الحكم في فعله إن هو حكم على نفسه فسيحكم بذا الحكم فكلا محلي القضاء من ملك اليمين (ولم تكن زوجة) فينطبق الحكم على الوجهين.

وعندما أدرك داوود عليه السلام ما بدر منه استغفر ربه وخرَّ راكعاً وأناب ، فتحققت المغفرة له من الله على ما كان منه ، وتحققت تبرئته مما قيل فيه من بهتان ، فمن المؤكد أنه عليه السلام لم يمض فيما حدث صاحبه بشأن الجارية ، أو أنه تراجع عما كان منه وأعاد الجارية لمالكها.

وبذلك يتضح لنا بأن ارسال الملائكة أسلوب رباني مع أنبياءه وقومهم، فها هو يرسل الخضر ليعلم موسى ، ويرسل هاروت وماروت ليعلمان الناس السحر ويحذرانهم من إتيانه ، ويرسل الملائكة لإبراهيم بالبشرى وللوط بخبر العذاب على قومه ونجاته، ويرسل جبريل لنبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليعلمهم أمر دينهم ، يرسلهم رجالاً على هيئة قوم النبي ، وكذلك وقع مع داود عليه السلام والله تعالى أعلى وعلم وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
جيد أن طلب داود للمرأة من صاحبها أصبح مقبولا كرأي تفسيري في العصر الحديث كما كان مقبولا قديما. قبل سنوات على الإنترنت كان الربط بين قصة النعاج وقصة امرأة الجندي أمرا مثيرا للجدل.

ملاحظة: الخضر ليس من الملائكة. الخلاف هو حول ولايته أو نبوته. وقد استطعم أهل القرية كما فعل موسى عليه السلام.
 
السلام عليكم
قصة طلب النعجة تتطلب فهماً أعمق للقصة ، وفي رأيي أنهما رجلان من الإنس وليسا ملكين وصاحب الحق فيها هو مالك الـ 99 نعجة
 
عودة
أعلى