محاولة لفهم موضوع سورة الشورى

إنضم
29/05/2010
المشاركات
16
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
السعودية-جدة
الموقع الالكتروني
www.facebook.com
محاولة لفهم موضوع سورة الشورى
يُعتبر علم موضوعات السور من العلوم الجليلة التي تفتح على قارئ القرآن فتوحات تدبرية عميقة , وتكشف له من الأسرار ما لاينكشف له بدونها..
وفي رمضان هذا العام خاصة , أتحفنا برنامج التفسير المباشر بالجديد والمفيد في هذا الباب , وفتح شهيتنا ودفع بنا إلى المحاولة والاجتهاد والتدبر في مواضيع السور , وهذا ما بذلت له شيئاً من جهدي في ختمتي في العشر الأخير لرمضان هذا العام , وكانت بحمد الله تعالى ختمة متميزة عن كل سابقاتها في ظل التدبر في مواضيع السور القرآنية الجليلة..
ويكفي من حسنات الاهتمام بمثل هذا الأمر أني ربما سمعت أو قرأت السورة كاملة من أولها إلى آخرها , وذلك دون شرود أو انقطاع أو خروج عن جو السورة , خاصة مع اجتماع شرف الزمان والمكان , حيث جاورت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهذا من عظيم فضل الله تعالى الذي لا يعد ولا يحصى ,, فلله الحمد أولا وآخرا , ونسأله تعالى الإخلاص والقبول.
وفي هذه الورقة سجلت بعض ملا حظاتي التي خرجت بها , في محاولة مني لفهم موضوع سورة الشورى , أضعها بين يدي مشايخي , وأساتذتي وإخواني , أرجو أن لايحرموني من تصويبهم ونصحهم وتعقيبهم , خاصة وأن الحديث في مثل هذا الأمر عده بعض أهل العلم من التقول على الله تعالى , لكن إنما هو اجتهاد طالب بين يدي أساتذته.

موضوع السورة واسمها:
اقترحت عنوانا لموضوع لهذه السورة : دعوة إلى جمع الكلمة , أو دعوة إلى ترك الإختلاف المذموم , حيث تحدثت هذه السورة عن الاختلاف بنوعيه الشرعي والكوني ,وأنه سنة ماضية , وذكرت حكم الاختلاف الشرعي (أي الأختلاف في الأحكام) ودعت إلى ترك الخلاف ونبذه , وذكرت بعض أسبابه , و كيفية معالجته , و ذكرت جزاء المختلفين من الطرفين .
وبهذا يظهر لي والعلم عند الله ربط اسم السورة بهذا الموضوع حيث أن الشورى والمشورة من أفضل الوسائل و أنفعها في اجتماع الكلمة ودفع الاختلاف كما لايخفى .
فاتحة السورة وخاتمتها :
افتتحت السورة بذكر القرآن: كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ واختتمت به : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا وكأنها اشارة الى أهمية القرآن ومحوريته في دفع الاختلاف بل جاء الأمر صريحا في ثنايا السورة بالرجوع الى كتاب الله وحكمه عند الاختلاف: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) .
وتوسطت السورة ذكر القرآن وعربيته ووضوحه والحكمة من إنزاله: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)
وتوسطت السورة كذلك ذكر انزال القرآن بالحق وأنه الميزان العدل عند الاختلاف: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) { اللهُ الذي أنزل الكتابَ } يعني القرآن { بالحق } أي : لم ينزله لغير شيء " زاد المسير.
وقال الشوكاني:"والمراد ب { الميزان } : العدل ، كذا قال أكثر المفسرين وقيل : الميزان ما بيِّن في الكتب المنزّلة مما يجب على كل إنسان أن يعمل به . وقيل : هو : الجزاء على الطاعة بالثواب ، وعلى المعصية بالعقاب . وقيل : إنه الميزان نفسه أنزله الله من السماء ، وعلم العباد الوزن به لئلا يكون بينهم تظالم ، وقيل : هو محمد صلى الله عليه وسلم".

الاختلاف سنة كونية:
تكررت في ثنايا السورة بعض المشاهد الكونية التي ترسخ في نفس قارئها أن الاختلاف سنة كونية , وكأن الآيات تريد أن تعبر بنا من خلال هذه المسلمات الكونية الى أن الاختلاف لابد وأنه واقع كذلك في الأمور الشرعية , بل إن حكمته سبحانه اقتضت أن يختلف الناس حتى يحصل الابتلاء و التكليف وعلى هذا قامت الدعوات والرسالات: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)
ومن تلك المشاهد الكونية التي جاءت في السورة : فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
وقال سبحانه: وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ(29)
وقال : لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)
وهذا الأسلوب تكرر في القرآن وجاءت آيات صريحة في سورة الليل تدل على هذا قال تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فكما يختلف الليل والنهار والذكر والأنثى , تختلف كذلك مشارب الناس وأهواءهم ومقاصدهم ...

أسباب الاختلاف:
السورة في مجملها واضحة في دعوتها إلى التوحيد وترك الشرك , و لا شك أن التوحيد والإيمان هو سبب كل الفة ووحدة , وأن الشرك هو من أعظم أسباب الإختلاف والتفرق لذلك ناقشت السورة هاتين القضيتين ودعت إلى توحيد الله تعالى : اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ(15) كما حذرت من الشرك : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ (21).
أشارت السورة كذلك إلى بعض أسباب الاختلاف والتفرق الذي حصل بالأمم السابقة وأنه البغي والعناد والتكبر على الحق : وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ(14)" أي: إنما كان مخالفتهم للحق بعد بلوغه إليهم، وقيام الحجة عليهم، وما حملهم على ذلك إلا البغيُ والعنادُ والمشاقة" ابن كثير.
حصل ذلك منهم مع أن الله أوصاهم وأوصى أنبياءه- وخص منهم في هذه السورة أولو العزم من الرسل- أوصاهم بإقامة الدين وعدم التفرق فيه : أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (13) قال البغوي "بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة".
ومن أسباب الاختلاف المذكورة في السورة إرادة الانسان بعمله الدنيا والرياء بالعمل ونسيان الآخرة : مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)
ومنها القول على الله بغير علم : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)
ومنها الاقتتال على الدنيا ومافيها , وكم فرقت الدنيا بأموالها وزينتها وزخرفها بين المجتمعين لذلك بين الله قانونه السماوي في مسألة الأرزاق و بين حكمته من ذلك : وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)
ومنها الذنوب والمعاصي : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)

العلاج والتوصيات لحل الخلاف:
ذكرت السورة وصايا خاصة وعامة لجمع الكلمة والصف وحل الخلافات , منها ما جاء صراحة كالرجوع الى حكم الله وكتابه وسنة نبيه وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) وقوله: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
ومن الوصايا الصريحة أيضا: الدعوة الى ما وصى الله به ألو العزم من الرسل , أن نجتمع ولانتفرق , والاستقامة على أمر الله , والتحاكم إلى الشريعة لا إلى الهوى , والإيمان بالكتاب , والعدل , والتوحيد... وكل هذه الوصايا جاءت في قوله : فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) ولا يخفى أثر هذه الأمور جميعها في جمع الكلمة و نبذ الاختلاف.
ومن الوسائل أيضا في العلاج والتي جاءت الوصية بها في السورة :عدم الاختلاف على الدنيا وأنها متاع و التذكير بزوالها وأن ماعند الله خير: فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)
ومن الوصايا كذلك:العفو والصبر عند الغضب والمقدرة خاصة ,إلا أن يصيبنا بغي وجور وقد تكررت الوصية بذلك في السورة :وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
وقال: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)
وقال: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)
ومنها القيام بأمر الله تعالى وأداء الفرائض من الصلاة والزكاة وخص التذكير بأهمية الشورى ولا تخفى جوهريتها في حل الخلاف والتنازع وما ضيع هذه الأمة مثل الاستبداد والدكتاتوريات ؟؟ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38).

الجزاء والثمرة:
ذكرت السورة سبب كل عقوبة ومصيبة تحل بالعبد في الدنيا وهي عقيدة مضطردة عند أهل السنة أنه لا تحل مصيبة إلا بسبب ذنب العبد ومعصيته ولا شك أن الاختلاف على حكم الله وشرعه كبيرة ومعصية يستحق صاحبها العقوبة عليها قال تعالى: : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)
كما جاء في ثنايا السورة ذكر جزاء الظالمين في الآخرة , وفي المقابل جزاء المؤمنين : تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)
وقال تعالى: وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)
وذكّر هنا بالخسارة الحقيقية : إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وليست هي خسارة الدنيا ومتاعها الذي اختلفتم من أجله ... جعلنا الله من الناجين والفائزين المفلحين في الدنيا والآخرة , و هدانا جميعا صراطه المستقيم .
كانت هذه محاولة مني لفهم سورة الشورى ترددت في كتابتها ونشرها كثيرا , خوفا من أن أكون قلت في كتاب الله برأي ليس لي فيه من الله برهان , أو حمّلت كلامه مالا يحتمل , لكن أرجو أن يكون لي في هذا شفيعا أني ما كتبت إلا ما أرى أنه من التدبر الذي حثنا عليه ربنا في كتابه , طالبا كذلك التصويب والنصيحة من أهل العلم والجتهاد ,وأستغفر الله من الزلل والجهل , و الحمد لله رب العالمين .
 
أخي الكريم الدكتور عمر : أسأل الله أن يوفقنا وإياك لفهم كتابه وتدبره والعمل به على الوجه الذي يرضيه سبحانه وتعالى ، وأسأل الله لكم القبول والتوفيق.
قرأت ما كتبتموه عدة مرات بعد طباعته ، ثم قرأت سورة الشورى عدة مرات للتأمل في صحة النتائج التي توصلتم إليها في تدبركم المبارك، ولي مع مقالتكم وقفات من باب المشاركة معكم في التأمل في هذه السورة العظيمة:

الوقفة الأولى : أشكرك على سلوك هذا المنهج في التدبر، وأرجو أن يفتح الله عليك من العلم بكتابه بسلوك هذا المنهج مع كل سورة من السور ، والمدراسة مع الزملاء في الملتقى هنا ستكون عوناً لك على الاستمرار ، ونحن نستفيد من ذلك أكثر منك، والغاية هي العلم والتعلم نسأل الله الإخلاص .

الوقفة الثانية : لم أراجع أي مؤلف سابق في سورة الشورى، وبودي لو تكرمت بمراجعة ما كتبه مؤلفو (موسوعة التفسير الموضوعي لسور القرآن) في السورة ، وكذلك ما كتبه البقاعي في (مصاعد النظر) ، وما كتبه ابن عاشور في (التحرير والتنوير)، وما كتبه الدكتور عبدالله شحاته في (مقاصد سور القرآن) وغيرهم، وهناك مؤلفات مفردة في سورة الشورى لعدد من الباحثين لعلك تراجعها أو أراجعها لاحقاً ، حيث إن التفرد في مثل هذه المسائل موحشٌ، والاعتضاد بعقول الباحثين الذين بحثوا هذه السورة وخصصوها بالنظر من قبل مزيد طمأنينة لا بد من الحرص عليها دوماً في النظر في كتاب الله، وليس هذا بمانعٍ من الاجتهاد والإضافة بالطبع، وإنما هو الاسترشاد بعقول العلماء والباحثين .

الوقفة الثالثة : يبدو لي أن الموضوع الرئيس للسورة هو ما تفضلتم به مع تعديل يسير ليكون الموضوع هو (الاجتماع على الدين الحق ونبذ الفرقة) ، وتكون الآية المحورية في السورة هي قوله تعالى في الآية رقم 13 :
[FONT=QCF_BSML]ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P484]ﭹ[/FONT][FONT=QCF_P484] ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ[/FONT][FONT=QCF_P484]ﮋ[/FONT][FONT=QCF_P484] ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ[/FONT][FONT=QCF_P484]ﮒ[/FONT][FONT=QCF_P484] ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ[/FONT][FONT=QCF_P484]ﮙ[/FONT][FONT=QCF_P484] ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT]
وأنا أُفَضِّلُ في تَحديد عمود السورة حشدَ كلِّ الأدلة من السورة على تأكيد هذا العمود والمحور بقدر ما يسعف الفهم، وقد فعلتم جزءاً من ذلك مشكورين . ولو تم صنع ذلك في جدول من عمودين : الأول فيه الآية ، والثاني : فيه وجه دلالتها على المقصد لكان أفضل .

والآية رقم 15 جديرة بوقفة أطول مما فعلتم في تأكيد موضوع السورة، وهي آية عظيمة يشبهها البعض بآية الكرسي في معانيها وسعتها .
وهناك بعض الملحوظات اليسيرة والإضافات التي قد تؤكد ما تفضلتم به لعلي ألحقها في وقت أوسع بإذن الله، ولعلنا نراجع معاً ما ذكرت لكم من المؤلفات ونرى ما ذهب إليه السابقون في الأمر مما قد يؤكد هذا الفهم الذي هديتم إليه أو يدل على معنى آخر.
أكرر شكري وتقديري لهذا المجهود الذي تفضلتم به جعله الله في موازين حسناتكم .
 
شكر الله لك فضيلة الشيخ عبدالرحمن على ماتفضلت به , و ما اقترحت من عنوان لموضوع السورة هو الأشمل و الأفضل فأحسن الله إليك ..
وقد راجعت ما كـُتب في موسوعة التفسير الموضوعي عن سورة الشورى , وكان الموضوع مغايرا أو أنه أشمل وأوسع مما ذكرنا على ما يظهر
فقد ذكروا أن موضوع السورة هو نفس موضوعات السور المكية التي تعالج أمور العقيدة :الوحدانية , الرسالة , البعث والجزاء والمحور الذي تدور عليه السورة هو الوحي والرسالة .
وإلى قريب من هذا ذهب سيد قطب في مقدمته على سورة الشورى.
ولم يذكر ابن عاشور شيئا في موضوع السورة على ما ظهر لي في المكتبة الشاملة إلا أن تكون المكتبة الشاملة لم تحوي مقدمات السور
وشكر الله لك مرة أخرى على ما تبذل من وقت لنا , وأعانك علينا وزادك صبرا واحتسابا
 
شكرا للأخ عمر النشيواتي هذه المحاولة الممتازة وقد استفدت منها ومن جواب شيخنا عبدالرحمن بارك الله فيه .
وأشكره على برنامج التفسير المباشر الذي تابعت معظم حلقاته في رمضان ولم يفتني منها إلا خمس حلقات فقط لعلي أشاهدها على اليوتيوب .
وأتمنى أن يستمر بعد رمضان ولو في الأسبوع مرة أو في الشهر مرة .​
 
جزاك الله خيراً أخي عمر، وأضيف أن الشيخ سعيد حوى في تفسيره الأساس أشارإلى قريب مما ذكرتَه لكنه أعم منه حيث قال: " السورة تتحدث عن صفات جماعة المسلمين" 9/5062، وقد اشار إلى ما أشرت إليه من مسألة التفرق،ويحسن أن ترجع إلى كلامه فهو طويل متفرق في ثنايا تفسيره للسورة ، بل ويحسن أن ترجع إلى كلامه في كل سورة من سور القرآن فقد اعتنى بموضوع السورة أيما عناية بل أثبت الدكتور: أحمد بن محمد الشروقاوي ضمن رسالته للماجستير أن سعيد حوى - رحمه الله- هو صاحب أول نظرية متكاملة في الوحدة الموضوعية ، لا في السورة الواحدة فحسب بل على مستوى القرآن ، وجزء من بحث الدكتور الشرقاوي موجود في موقع [صيد الفوائد] بعنوان : "نظرية الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم من خلال كتاب الأساس في التفسير للشيخ سعيد حوى - رحمه الله - "، أما العلامة ابن عاشور فقد أسقطت المكتبة الشاملة - في بعض إصداراتها- مقدماته قبل كل سورة، ومما جاء في مقدمته لسورة الشورى رحمه الله: "...نزلت بعد سورة الكهف وقبل سورة إبراهيم وعدت التاسعة والستين في ترتيب نزول السور عند الجعبري المروي عن جابر بن زيد. وإذا صح أن آية {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: 28] نزلت في انحباس المطر عن أهل مكة كما قال مقاتل تكون السورة نزلت في حدود سنة ثمان بعد البعثة، ولعل نزولها استمر إلى سنة تسع بعد أن آمن نقباء الأنصار ليلة العقبة فقد قيل: إن قوله {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] أريد به الأنصار قبل الهجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. " ، وما أشار إليه ابن عاشور يحتاج إلى مزيد نظر وتحرير لكنه ابتداء متناسب مع موضوع السورة عندك وعند سعيد حوى فالوقت كان وقت تهيئة للجماعة المسلمة لإقامة الدولة إبان بيعة العقبة
فهو وقت يحتاج فيه المسلمون إلى مواصفات الجماعة المسلمة ومن أخطر ما يواجه هذه الجماعة التفرق الذي أشرتم إليه، وأخيراً أقول : سبحان من هذا كلامه .
 
شكر الله لك أخي محمد نصيف على مشاركتك واضافتك , وقد سبق لي الاطلاع على كتاب الأساس في التفسير لسعيد حوى وهو كتاب جدير بالرجوع اليه في مواضيع السور ولكنه ليس بحوزتي حاليا وغير مضاف في المكتبة الشاملة , كما أرجو ان تسنح لي الفرصة للاطلاع على بحث الدكتور الشرقاوي الذي اشرت اليه
وشكرا لك على نقل ما كتب ابن عاشور في موضوع السورة , وآمل ان لاتحرمنا دائما من اضافاتك ومشاركاتك .. وتحية طيبة لك
 
أشكر أخي الحبيب الدكتور عمر على هذه المشاركة القيمة ، وهذا الاجتهاد الموفق ، كما أشكر الإخوة الذين أفادوا في الموضوع .
والملاحظ ـ من حيث العموم ـ أن سور الحواميم تحدث عن القرآن من جهات متعددة :( المرسِل ، والمُرسَل ، والمنزل عليه ، والوحي النازل ) ، ثم بعد ذلك تنطلق إلى موضوعات تفصيلية متعلقة بهذا الوحي العظيم .
 
ما هي الأسماء الواردة فيها ؟اشتهرت تسميتها عند السلف حم عسق، وكذلك ترجمها البخاري في كتاب التفسير والترمذي في «جامعه» ، وكذلك سميت في عدة من كتب التفسير وكثير من المصاحف.وتسمى «سورة الشورى» بالألف واللام كما قالوا «سورة المؤمن» ، وبذلك سميت في كثير من المصاحف والتفاسير، وربما قالوا «سورة شورى» بدون ألف ولام حكاية للفظ القرآن.وتسمى «سورة عسق» بدون لفظ حم لقصد الاختصار. ولم يعدها في «الإتقان» في عداد السور ذات الاسمين فأكثر. ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في تسميتها.ويبقى السؤال في كون اسم الشورى من الأسماء التوقيفية أم مما اشتهر لاحقا والله أعلم.وعلى كل حال فإن كلمة شورى لم تذكر إلا في هذه السورة.مكان نزولها؟مكية بالاتفاقكم عدد آياتها ؟وعدت آيها عند أهل المدينة وأهل مكة ثلاثا وخمسين، وعند أهل الشام والبصرة اثنتين وخمسين، وعند أهل الكوفة أربعا وخمسين.هل ثبت شيء في فضلها ؟ورد في فضلها بخصوصها أو في الحواميم أحاديث لكن لا يصح فيها شيء.ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك؟
المتأمل في السورة يجد أنها تحدثت كثيرا عن ( الوحي )، والآيات فيها توجه أمرا مباشرة لجماعة المسلمين بأن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه، ويبدو أن هذا هو المقصد الأساسي للسورة، أقصد ( الاجتماع على الدين ) وهذا المعنى أي الاجتماع وعدم التفرق معنى مناسب جدا لاسم ( الشورى ) لأن المقصد من التشاور إنما هو الحفاظ على جماعة المسلمين كتلة واحدة، وبذلك يكون المطلوب من جماعة المسلمين:التعبد لله بالاجتماع على الدين والتمسك به لتبقى جماعة المسلمين كتلة واحدة متماسكة.ما هو الرابط بين المقصد وبين الاسم؟ليس هذا فحسب بل التعبد لله بكل ما يحفظ هذا الاجتماع ويبقي عليه، وهذا لا يكون إلا بأن يكون أمرهم ( شورى ) بينهم والذي يظهر أن هذا هو الرابط بين اسم السورة ومقصدها.وبدلا من المطولات والكلام الكثير في أهمية الشورى في الشريعة والدين ومكانتها في حياة جماعة المسلمين، اختار الله تعالى لعبارة ( وأمرهم شورى بينهم ) موضعا بين أهم ركنين لم يكادا يتفرقان على امتداد القرآن من أوله إلى آخره ألا وهما الصلاة والزكاة، وهذا هو الموضع الوحيد الذي يفصل به بين هاتين الفريضتين، وهذا مما يؤيد ما ذهبنا إليه في التعبد لله بالشورى، واختيار الله لهذا الموضع رسالة مفادها: صحيح أنه ليس هناك تشريعات خاصة بالشورى في شؤون المسلمين، إلا أنها أمانة في أعناقكم كما هي الصلاة والزكاة، وتعبد محض لله كما هي الصلاة والزكاة، وهي ليست مقيدة بأشكال معينة، وإنما هي روح تسري في جماعة المسلمين نتيجة لاستقرار حقيقة الإيمان في قلوبهم وتكيف الشعور والسلوك بهذه الحقيقة، فالصدارة في النظم الإسلامية للجاهر لا للماهر وللحقيقة الإيمانية الكامنة وراءها لا للقوالب والواجهات.اللافت للنظر في الموضوع أن كل هذه التعليمات جاءت في مكة أيام ضعف المسلمين وأيام لم يكن لهم جماعة ولا دولة، وما ذلك إلا لتبشرهم بأن سيكون لهم شوكة وجماعة، ولتستقر مثل هذه المعاني في نفوسهم قبل أن تنشأ تلك الدولة المباركة في المدينة فيقبلوا على هذه الحمل مستعدين له متزودين بالمعارف اللازمة للمضي به نحو القوة والمنعة.ومن أهم الأحكام التي تؤخذ من اسم السورة وما فيها من مواضيع اعتبار أن
( الشورى ركن أساسي من أركان تحكيم الشريعة )
وهذا أمر لطالما غفل عنه الناس والقادة والمربون وأصحاب الشأن في حياة المسلمين، فمهما طبقنا من حدود وعقوبات وأظهرت الدولة مظاهر تطبيق الشريعة لا بد لها من الشورى حتى يكتمل هذا التطبيق.وفي السورة أيضا ضرورة ( سيادة الجماعة المسلمة على نفسها ) فلا يجوز لأحد أن يصادر أمرها ولا يجوز لها أن تترك أمرها يصادره أفراد منها بل إن الأمر يبقى أمر المسلمين والشأن شأنهم ( وأمرهم ).أما العدل باعتباره معنى بارزا من معاني السورة أيضا فهو إشارة أيضا إلى أن
( العدل ركن أساسي من أركان تحكيم الشريعة )
وهذا أيضا أمر لطالما غاب عن أذهان المسلمين ووعيهم فلا يتصور مسلم بحال أن الجماعة قد تحاكمت للشريعة وقد غاب عنها العدل وفشا فيها الظلم، بل ينبغي لها أن تسعى لدفع الظلم عنها بالطرق المشروعة وبالحكمة وألا تغفل عن ذلك حتى يكون أمرها فرطا.كل هذا جاء مغلفا بتعظيم الله وتعظيم وحيه الذي ابتدأت السورة وانتهت بالحديث عنه، وجاء مطعماً بإيثار حرث الآخرة ومعرفة حقيقة الدنيا، واليقين برزق الله عز وجل وأن الرزق من شأنه وحده جل وعلا، مع دعوة تداخل فيها ترغيب وترهيب.ومن الميزات المهمة التي انطبعت بها هذا السورة فيما خبرته فيها، صعوبة تقسيمها إلى مقاطع متميزة عن بعضها بل إن الكلام فيها ينتقل ويقطع الكلام السابق ويستأنف وهو مع هذا كله امتداد ظاهر للكلام الذي سبقه ومن تمام معناه والكلام فيها ينمو كما ينمو الكائن الحي من غير أن ترى مقاطع تحدد مراحل نموه وإنما تراه خارجا بعضه من بعض.



للاطلاع على الموضوع كاملا حول مباحث سورة الشورى يرجى زيارة الرابط في الموقع

موقع حصاد - فأتوا بسورةٍ مثله
 
عودة
أعلى