محاضرة بعنوان (تفسير القرآن الكريم بين العقل والنقل) لأبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,322
مستوى التفاعل
131
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
يسر مركز الملك فيصل للبحوث والدارسات الاسلامية بالرياض دعوتكم لحضور محاضرة بعنوان:
[align=center]تفسير القرآن الكريم بين العقل والنقل[/align]
[align=center]لفضيلة الشيخ / ابي عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
رئيس معهد الدراسات الأفريقية بأكاديمية العلوم الروسية[/align]
وذلك في الساعة الثامنة والنصف مساء يوم الاثنين
25/02/1426هـ الموافق 04/04/2005م
في قاعة المحاضرات التابعة للمركز بمبنى مؤسسة الملك فيصل الخيرية. والدعوة عامة

المصدر
 
شكراً لكم على هذا التنبيه . لكن هل المحاضر هو نفسه صاحب برنامج تفسير التفاسير الذي كان يبث في إذاعة الرياض أو إذاعة القرآن لست أذكر. وأذكر أنه كان يطيل جداً في التفسير ، حتى سمعته مرة يقول : الوقفة العشرين بعد المائة في سورة الفاتحة . وهكذا ولست أدري هل انتهى من الفاتحة أم لا فعهدي به قديم ولم أعد أسمع بتفسيره عذا في الإذاعة ، فهل انقطع أم أنا الذي انقطعت.
وإن كان هو صاحب البرنامج فما معنى (رئيس معهد الدراسات الأفريقية بأكاديمية العلوم الروسية ؟) وهو يسكن في الرياض حسب علمي .
 
نعم أخي فهد هو نفسه . ولا أدري عن البرنامج هل لا زال مستمراً أم لا ، وأما المنصب الذي يشغله حالياً فلا أعلم عنه شيئاً ، لكن لعل علاقته بالدراسات الإفريقية نابع من ظاهريته وعنايته بكتب ابن حزم الأندلسي .
 
شيء مما دار في المحاضرة ..

شيء مما دار في المحاضرة ..

كانت محاضرة قيمةً ، قدمها الشيخ محمد بن عمر بن عقيل العقيل المعروف بأبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري ، وقد قدم له الدكتور ناصر الرشيد ، وذكر تعريفاً موجزاً به ، وذكر أن للشيخ 200 مؤلف ما بين تأليف وتحقيق .
وأما المحاضرة فقد ارتجلها المحاضر وفقه الله ، وقسم فيها مدارس التفسير تقسيماً موضوعياً بحسب اتجاهات المفسرين إلى :
1- المدرسة النقلية ، التي تعتمد على نقل التفسير دون تعليق أوتعقيب . وذكر أن هذه المدرسة قد تورد بعض الأحاديث الواهية والموضوعة فراراً من تبعة القول في التفسير ، دون تمحيص الأسانيد.

2- المدرسة النقلية العقلية ، وهي التي يمثلها أئمة التفسير من ابن عباس وتلاميذه ، ومن المفسرين ابن جرير الطبري وابن عطية والقرطبي وابن كثير وغيرهم . ممن فسروا القرآن بما صح من تفاسير الصحابة والتابعين والسلف ، مع إعمال العقل في الترجيح والاستنباط ، والتمكن من العلوم التي لا بد للمفسر منها. وهؤلاء هم الذين يصح أن يوصفوا بالعقلانيين الذين وضعوا العقل في موضعه الصحيح ، ولم يجاوزوا به مكانه ووظيفته.

3-المدرسة العقلية (ادعاءً) . وهي تلك المدرسة التي اشتغلت بالكلام والفلسفة ، ثم أرادت أن تعمل عقولها بغير هدى من الله في تفسير القرآن الكريم .فضلت وأضلت ، وجعلت العقل في غير مكانه ، وجاوزت به حدوده ، فأوردهم ومن سار على نهجهم المهالك . وأعجبني لفته النظر إلى دراسة سير أئمة هؤلاء من المعتزلة والمتكلمين من أمثال إبراهيم بن سيار النظام والعلاف والجبائي وأمثالهم وما فيها من الفسق والتهتك ، ورقة الدين ، مما يجعل الاقتداء بهم ، والسير في ركابهم حماقة قبل أن يكون خروجاً عن الهدى والصراط المستقيم ، بخلاف أئمة الإسلام الذين عرف عنهم الزهد والعبادة الصادقة ، والورع وطلب العلم وتبليغه لله وفي الله ، مما يجعل الاقتداء بهم والسير في ركابهم بركة وتوفيق وحكمة. هذا فضلاً عن النظر في علم الفريقين ، وما على علم الفريق الأول من الظلمة والغبش ، وما فيه من الغموض ، وما له من الوحشة ، فكلامهم (منزوع الدسم) كحال كلام تلاميذهم من أهل الكلام المعاصرين ، وما على علم الفريق الثاني من النور ، وما له من القبول والبركة في نفوس طلاب الحق.

4- المدرسة الباطنية . التي تفسر القرآن بغير ما يحتمله النص من المعنى ، ولا يفهم من ألفاظ اللغة العربية ، ادعاءً لعلوم باطنية من أئمتهم المعصومين ، ورثوها عبر العصور ، ومثل لهذه المدرسة بالشيعة وفرق الباطنية .

5- المدرسة الصوفية . التي تفعل فعل المدرسة الباطنية من تفسير القرآن بما لا يدل عليه نصه ولا سياقه ولا قرائنه ، ادعاء لكشفٍ ، وأوهام لا حقيقة لها .
6- المدرسة التحريفية التعمدية . وهم طرائق وفئات كثيرة ، قديماً وحديثاً ، همهم تفسير القرآن بما لا يدل عليه ، وضرب آياته بعضها ببعض رغبة في إضلال المسلمين عن دينهم ، وصرفهم عن فهم القرآن ، ويدخل في هذه المدرسة كل من حاول وقام بتحريف القرآن قديماً كأفراد من اليهود والنصارى ، وضرب مثلاً بإسماعيل بن النغرلة اليهودي المعروف الذي رد عليه ابن حزم ، وابن كمونة وغيرهم. وحديثاً بما صنعه بعض المستشرقين الذين قاموا بالعمل نفسه بطريقة أو بأخرى.

ملحوظات خاصة :
- كان الوقت ضيقاُ ، والموضوع واسعاً ، فلم يتمكن المحاضر من الإجابة إلا عن سؤالين استهلكا الوقت وأطال فيهما ، سألهما أحد الحضور من غير المتخصصين في التفسير فأعاد المحاضر توضيح بعض المسائل.
- غلب على المحاضرة الجانب العقلي لإجادة المحاضر لمنهج المناطقة وكلامهم عن العقل والحدود المنطقية ونحوها ، فخف جانب التفسير الحقيقي في المحاضرة .
- قلت أو انعدمت الأمثلة التي اختلف فيها أهل المنهجين مما يوضح للمستمعين وهم عدد غير قليل المقصود بالموضوع بشكل أكبر.
- حضر عدد جيد من الأساتذة المتخصصين في الدراسات القرآنية ، ولم تتح لهم الفرصة للمداخلة لضيق الوقت ، ولا لأسئلتهم بالجواب للسبب نفسه ، مما يمكن أن يستفاد منه مستقبلاً في أن تنظيم الندوات واللقاءات العلمية يحتاج قبل أي شيء إلى الوقت الكافي لإعطاء الموضوع حقه ، وأما التعب والإنفاق وتكلف الحضور ثم لا يعطى الموضوع إلا ساعة أو ساعة ونصف فلا أرى هذا مناسباً ، إلا إذا نضب ما عند المحاضر ولا أظنه فهذا أمر آخر.
- كنت أود من المحاضر أن يقف مع تفسير الرازي في بعض المواضع التي غلب فيها المنهج الكلامي ، وكيف يفهم القارئ كلامه ومصطلحاته والكتب التي تعين على هذا.
- ذكر المحاضر تفريقاً دقيقاً بين منهج العلماء من أهل العقل والنقل ، وأصحاب المنهج الذي يسمى العقلي . وهو أن العلماء من أهل النقل والعقل يقدمون المثال على القاعدة ، بخلاف العقلانيين الذين يقدمون القاعدة على المثال . والذي فهمته منها أنه يعني أن العلماء كانوا يعملون عقولهم فيما جاء به الشرع من النصوص والأمثلة ويجتهدون في ضوئها ، فيعطون للعقل دوره الحقيقي في فهم النصوص الشرعية.
بخلاف العقلانيين الذي يقعدون القواعد على ما توحي به عقولهم ثم يريدون حمل نصوص الشرع وأمثلته وجزئياته على مقتضى قواعدهم التي قعدوها هم . وهذا فرق جيد عند دراسة كتب هؤلاء وهؤلاء.
هذا ما علق بالذاكرة ، من نقاط علقتها في قصاصةٍ فقدتها حيث كتبتها ، وقدحضر عدد من الزملاء الكرام هذه المحاضرة ، وحضر الدكتور محمد الشايع والدكتور فهد الرومي ، وكنت أتوقع تعقيبه لتعلق الموضوع ببحوثه ولا سيما (منهج المدرسة العقلية في التفسير) ولكن ضاق الوقت على الجميع فلم يتيسر شيء من ذلك. فلعلهم يكملون ما سهوت عنه من الفوائد ، ويقومون ما فهمته على غير وجهه منها وجزاهم الله خيراً.
 
جزاك الله خيراً

ما قصرت
 
جزاك الله كل خير شيخنا عبدالرحمن على هذا الملخص ..

لكن، هل هناك من تسجيل للمحاضرة ؟
 
بارك الله فيك ألا يوجد لديكم تسجيل للمحاضرة جزاكم الله خيرا
 
بارك الله فيكم لكن الرابط لم يشتغل عند تحميله و لا أدري ما السبب
 
السلام عليكم
تظل المحاضرات والكتابات فى التصنيف وماشابه
ولانرى تفسيرا حقيقيا
نحن فى هذا المنتدى منا من ينتمى للمدرسة الأولى ومنا من ينتمى للمدرسة الثانية -النقلية والنقلية العقلية -؛
ونرفض المدارس الرابعة والخامسة والسادسة
أما الثالثة فلا أتصور وجودها عند المسلمين ،بل أرى أنهاجزء من الثانية مع اختلاف حدود المقبول من النقل ؛ فهناك من يرى أن المنقول يجب ألا يكون إلا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ...وهناك من يرى أن أي نقل عن السلف فهو ملزم ، ويعرف السلف أنه إلى عهد بن القيم رحمه الله .
-
ذكر المحاضر تفريقاً دقيقاً بين منهج العلماء من أهل العقل والنقل ، وأصحاب المنهج الذي يسمى العقلي . وهو أن العلماء من أهل النقل والعقل يقدمون المثال على القاعدة ، بخلاف العقلانيين الذين يقدمون القاعدة على المثال . والذي فهمته منها أنه يعني أن العلماء كانوا يعملون عقولهم فيما جاء به الشرع من النصوص والأمثلة ويجتهدون في ضوئها ، فيعطون للعقل دوره الحقيقي في فهم النصوص الشرعية.
التفسير هو اعمال العقل فيما جاء به الشرع من النصوص والأمثلة ويجتهد فى ضوئها لفهمها ولتفسير المزيد من النصوص ؛
وتقديم المثال على القاعدة ضرورى عند كل مسلم لأن المثال نص واجب الايمان به والقاعدة أمر بشرى توافقى فلا يقدم أبدا على نص القرآن
بل أزيد أن أهل المدرستين الأولى والثانية قد قعدوا قواعد وقدموها على المثال
كأن يقولوا القرآن جاء على لغة العرب ويقولون بالمجاز والترادف ...
 
حياكم الله.
الرابط لم يعد يفتح المادة.
قرأت تعليقات الشيخ الدكتور العزيز الشهري. إستفدت كثيرا ولكن هذه القضية في علاقة العلم بالوحي أو علاقة النقل بالعقل لا يمكن معالجتها بهذه السهولة إذ أن هذا الجدل نشأ نتيجة عوامل متعددة منها ما أدى إلى قضية علاقة النقل بالنقل و علاقة العلم بالعلم، وقد يتوسع مثل هذا الجدل وهذا حدث فعلا ليتطور إلى قضايا أخرى كعلاقة النقل بالعرفان وعلاقة النقل بالتصوف وعلاقة النقل بالادب وبالفن وبالثقافة وقس امثلة على ذلك.

قرأت مؤخرا ورقة تحت عنوان كيف نفكر في الصلة بين العلم والدين؟ للأستاذ طه عبد الرحمن:

لقد فكَّر غيرُنا طويلا في الصلة بين العلم والدين، حتى أضحى هذا التفكير سبيلهم إلى صنع تاريخ لهم جديد، تاريخ أضفوا عليه من جميل الأوصاف ما أضفوا؛ فهل فكَّرنا نحن من جانبنا في هذه الصلة كما فكَّروا، وطوّلنا في هذا التفكير كما طوّلوا، وخرجنا منه بما خرجوا؟ كان يصح الجواب بـ"نعم" لو أننا أبدعنا في تفكيرنا كما أبدعوا، إذ لا تفكير بحق إلا مع وجود الإبداع؛ والواقع أن تفكيرنا في هذه الصلة الخفية خلا من أسباب الإبداع، إذ اكتفينا بترديد ما قاله غيرنا في وجوه هذه الصلة.
وقد انقسم هؤلاء بشأنها إلى فرق ثلاث:

1-أن بين العلم والدين تناقضًا صريحا

فقد ادعت فرقة أولى منهم أن بين العلم والدين تناقضًا صريحا،(1) وبالغت في التمسك بهذا التناقض، ولم تَرَ مخرجا منه لا بترجيح ولا بتفريق، بل جعلت العلم حربا على الدين وجعلت الدين حربا على العلم، ورأت أنه لا مخرج من هذه الحرب إلا بانتصار العلم وانهزام الدين؛ فانتصر العلم لديها وانهزم الدين.(2)
ووُجدت منا نحن كذلك طائفة تدَّعي ما ادعاه هؤلاء، لا حجة لها إلا أن سوانا تقدموا ونحن تأخرنا، فلْنحتذ حذوهم حتى نتقدم؛ وما درت هذه الطائفة منا أن أسباب النـزاع بين العلم والدين عند غيرنا لا وجود لها ألبتة عندنا مهما تكلفت من أسباب المشابهة بيننا وبينهم، ومهما لفَّقت من تُهم لتاريخنا حتى يكون بسوء تاريخ غيرنا، طامعة في أن يُقبل موقفها كما قُبِل موقف غيرها، وهيهات أن يُقبل! فالفجوة بيننا وبين سوانا في هذا الأمر لا هي حفرة تُردم ولا هي هوة تُعبر.

2- أن بين العلم والدين تمايزا لا تناقضا

وادعت فرقة ثانية من غيرنا أن بين العلم والدين تمايزا،(3) لا تناقضا؛ فليس أحدهما يَثبُت حيث ينتفي الثاني، فيكون بينهما تناقض كما عند الفرقة الأولى، وإنما يختص بما لا يختص به هذا الثاني؛(4) فما يشتغل به العلم لا يشتغل به الدين، وما يشتغل به الدين لا يشتغل به العلم؛ فالعلم عند أفراد هذه الفرقة الثانية موضوعه المعرفة والحقيقة، بينما الدين موضوعه الشعور والحدس؛ وضوابط المعرفة والحقيقة لا تنطبق على مجال الشعور والحدس، وقواعد الشعور والحدس لا تنطبق على مجال المعرفة والحقيقة. وعلى هذا، فلا النقد العلمي بمقدوره أن ينال من الدين، ولا السلطة الدينية بمقدورها أن تنال من العلم.
ووُجدت منا نحن أيضا طائفة أخرى ادعت ما ادعاه هؤلاء، حجتها في ذلك أن العلمَ مبني على التدليل العقلي والدينَ مبني على التسليم القلبي، ولا مطمع في التقدم والتحضر مثلما تقدَّم وتحضَّر سوانا إلا باعتماد طريق العقل على شرطهم؛ ولكَمْ كان فخرها كبيرا أن تجد بين أسلافنا من أشبهَ قولُه قول غيرنا، فراحت تشدد على اتباعه، وما ذاك إلا ابن رشد الذي قرَّر وجوب الفصل بين العلم والدين بدعوى أن العلم طريقُه البرهان الذي يناسب العلماء وأن الدينَ طريقُه الإيمان الذي يناسب العوام! وما دَرَت هذه الطائفة الثانية منا أن البرهان لا يستقل بنفسه ولا يغني عن الإيمان كما أن الإيمان لا يستقل بنفسه ولا يغني عن البرهان!

3- أن بين العلم والدين تباينا لا تناقضا

وادَّعت فرقة ثالثة من غيرنا أن بين العلم والدين تباينا،(5) لا تناقضا ولا تمايزا؛ فليس أحدهما يَثبت حيث ينتفي الثاني، فيكونَ بينهما تناقض كما عند الفرقة الأولى، ولا أنه يختص بما لا يختص به، فيكون بينهما تمايز كما عند الفرقة الثانية، وإنما الواحد منهما يتناول ما يتناوله الآخر، لكن بغير الوجه الذي يتناوله به، فمُتعلَّقهما واحد ووجه تعلُّقهما مختلف؛(6) فالاعتقاد في العلم غير الاعتقاد في الدين والمعرفة في هذا غير المعرفة في ذاك والفعل هنا غير الفعل هناك، فيكون العلم والدين بمنـزلة شكلَين متباينين من أشكال الحياة، بل بمنـزلة عالمين اثنين لا مجال للمقارنة بينهما ولا لمقايسة أحدهما بالآخر؛ ومادام العلم والدين بهذا التباين البالغ، فلا يُعقل أن نصرف الدين بحجة أنه معرفة لا تقوى على النهوض بموجبات العلم، كما لا يُعقل أن نسعى إلى تقويته بأن نخلع عليه حلية العلم.
ووُجدت منا نحن كذلك طائفة ثالثة ادعت ما ادعاه هؤلاء، مسترجعة بهذا الصدد ما قاله بعض أسلافنا من كون الدين يُعبّر عن الأشياء بلغة المجاز والإشارة، في حين أن العلم يُعبّر عن هذه الأشياء بلغة الحقيقة والعبارة؛ لذا لا يجوز أن نحكم على الإشارة بما يجب في حق العبارة، وإلا صارت قولا كاذبا، ولا أن نحكم على العبارة بما يجب في حق الإشارة، وإلا صارت قولا لا يقبل التحقيق ولا التدليل؛ فيتباين الدين والعلم عند أفراد هذه الطائفة منا كما تتباين لغة الشعر ولغة المنطق؛ وما دَرى هؤلاء أن الإشارة ليست درجة واحدة، وإنما درجات كثيرة، وأن العبارةَ –هي الأخرى- ليست درجة واحدة، وإنما درجات مختلفة! وحينئذ لا مفر من أن يتعذر عليهم الفصل في الأقوال التي تنـزل الدرجات الوسطى هل وردت على وجه الإشارة أم على وجه العبارة.
فهذه مواقف ثلاثة من الصلة بين العلم والدين وقفها غيرنا، فقلّدناهم فيها على غير بصيرة من أسبابها الحقيقية في مجالها الأصلي؛ أولها التناقض، وهو يفضي إلى صرف الدين؛ والثاني التمايز، وهو يفضي إلى تقديم العلم على الدين؛ والثالث التباين، وهو يفضي إلى جعل العلم في رتبة الدين.

ما السبيل للخروج من هذا التقليد؟

فإذن هل من سبيل إلى الخروج من هذا التقليد الذي لا يوضح ما استشكل علينا من أمر العلاقة بين العلم والدين ولا يرفع ما استغلق علينا بصددها، بل ينقل إلينا ما يزيد هذا الأمر استشكالا واستغلاقا، حتى صرنا لا نتعرف على هذه العلاقة في صورتها الأولى عندنا كما كنا قبل التعاطي لهذا التقليد؟ ولكي ينفتح لنا باب التجديد في النظر إلى الصلة بين العلم والدين، فلا بد من صرف الاستغلاق الزائد الذي دخل عليها بسبب التقليد.
يأتي هذا الاستغلاق من تَصوُّرين منقولين عن غيرنا كلاهما مردود، أحدهما "اختزال العلم في علوم الطبيعة"؛ والثاني "اختزال الدين في أحوال الإيمان".

لا يمكن اختزال العلم في علوم الطبيعة

فلا يمكن أن نختزل العلم في علوم الطبيعة لوجود مبدأين يمنعان هذا الاختزال:
أولهما "مبدأ مراتب العقل"؛ وبيانه أن السؤال الذي يجيب عنه العلم هو بالذات "ماذا أعقل؟"، فيكون الأصل في العلم هو العقل الصحيح؛(7) غير أن العقل الصحيح ليس –كما شاع وذاع- رتبة واحدة، وإنما هو –على الحقيقة- رتب متعددة؛ وحيثما وُجدت رتبة من هذه الرتب العقلية فثمّة علم على قدرها؛ وعلى هذا، يكون العلم فوق العلم الطبيعي متى كانت رتبة العقل الذي يتعلق به تعلو على رتبة العقل الذي يتعلق بالعلم الطبيعي، كما يكون العلم دون العلم الطبيعي متى كان العقل المتعلق به ينـزل عن رتبة العقل المتعلق بالعلم الطبيعي؛ وهكذا، فالعلم أوسع من أن يستوعبه العلم الطبيعي وحده.
والمبدأ الثاني هو "مبدأ استكمال العلم"؛ وتوضيحه أن الأصل في كل علم من العلوم أن يطلب كمالَه، ولا يُحَصِّل هذا الكمال إلا بالالتجاء إلى العلم الذي يعلوه؛ ذلك أن كل علم تكون به آفات وله حدود، ولا يمكن أن يُزيل هذه الآفات ويَرفع هذه الحدود إلا علمٌ أرقى منه، فلا بد إذن لكل علم من أن يظل موصولا بالعلم الذي فوقه، حتى تزول عنه آفاته وترتفع عنه حدوده؛ وهكذا فالعلم الطبيعي لا تذهب عنه مناقصه ويكتمل حقا إلا بعلم غير طبيعي يسمو عليه.

لا يمكن اختزال الدين في أحوال الإيمان

كما أنه لا يمكن أن نختزل الدين في أحوال الإيمان لوجود مبدأين يمنعان هذا الاختزال:
أولهما "مبدأ تعدد شعب الحياة"؛ وبيانه أن السؤال الذي يجيب عنه الدين هو بالذات: "كيف أحيا؟"؛ فيكون الأصل في الدين هو الحياة الطيبة،(8) غير أن الحياة الطيبة ليست شعبة واحدة، وإنما شعب متعددة؛ وقد نُجمل هذه الشعب في ثلاث كبرى، وهي "شعبة الإيمان"، وتدخل فيها كل الاعتقادات؛ ثم "شعبة العلم"، وتدخل فيها كل المعارف؛ فـ"شعبة العمل"، وتدخل فيها كل الأفعال؛ ولا حياة طيبة إلا بتكامل هذه الشعب الثلاث فيما بينها، فالفرد لا يحيا بشعبة واحدة منها، إن إيمانا وحده أو علما وحده أو عملا وحده، ولا بشعبتين منها، إن إيمانا وعلما معا أو إيمانا وعملا معا أو علما وعملا معا، وإنما يحيا بها جميعا على قدر نصيبه من كل شعبة منها؛ وهكذا، فالدين أوسع من أن تستوعبه حال الإيمان وحدها.
والمبدأ الثاني هو "مبدأ استكمال الشعبة"؛ وتوضيحه أن الأصل في كل شعبة من شعب الحياة الطيبة أن تطلب كمالَها، ولا تُحَصِّل هذا الكمال إلا بالتداخل مع الشعبتين الأخريين، ذلك أن كل شعبة تكون بها حاجات ولها تعلُّقات، ولا يمكن أن تُلبي هذه الحاجات وتُرضي هذه التعلقات إلا هذه أو تلك من الشعبتين الأخريين أو هما معا؛ فلا بد إذن لكل شعبة من أن تظل موصولة بغيرها من شعب الحياة؛ وهكذا، فالشعبة الواحدة لا تبلغ غاياتها وتكتمل حقا إلا بباقي الشعب.

معالم الصلة بين العلم والدين عندنا

بناء على هذا الذي ذكرناه في سياق إبطالنا للاختزالين المنقولين، تتضح معالم الصلة بين العلم والدين التي قد نكون بها مجدِّدين غير مقلدين، ومنتِجين غير مستهلكين؛ وهذه المعالم المبدعة هي:
أ- أن مفهوم "العلم" يصبح –بمقتضى "مبدإ مراتب العقل"- أوسع من المفهوم المتداول "للعلم"، كما أن كل علم يصبح -بمقتضى "مبدإ استكمال العلم"- محتاجا إلى ما فوقه من العلوم؛ وفي هذا تجديد يخالف ما تقرر عند غيرنا.
بـ- أن مفهوم "الدين" يغدو –بمقتضى "مبدإ تعدد شعب الحياة"- أوسع من المفهوم المتداول "للدين"، كما أن كل شعبة تغدو -بمقتضى "مبدإ استكمال الشعبة"- محتاجة إلى ما يناظرها من الشعب؛ وفي هذا تجديد يخالف ما تقرر عند غيرنا.
تترتب على هذا الاتساع في مفهوم "العلم" ومفهوم "الدين" نتائج أساسية:
أولاها: أن العلم لا يقابِل الدين مقابلة تناقض، ولا مقابلة تمايز، ولا مقابلة تباين، وإنما مقابلة تداخل،(9) إذ يكون العلم جزءً واحدا من أجزاء الدين كما يكون الإيمان جزءً ثانيا والعمل جزءً ثالثا من هذه الأجزاء.
والثانية: أن العلم -خلافا للقائلين بالتناقض- لا يمتنع أن يَرِد في ترتيب واحد مع الدين، وأنه –خلافا للقائلين بالتمايز- لا ينـزل رتبة أعلى من الدين، وأخيرا أنه -خلافا للقائلين بالتباين- لا ينـزل نفس الرتبة التي ينـزلها الدين، وإنما ينـزل رتبة أدنى منه كما يكون الجزء أدنى من الكل، إذ إن العلم يدخل في الدين دخول الإيمان والعمل فيه.
والثالثة: أن العلوم التي تكون جزءً من الدين لا تقتصر على ما اختص باسم "علوم الدين"، وإنما تشمل أيضا ما اختص باسم "علوم الدنيا"، سواء كانت علوم رياضة أو علوم طبيعة أو علوم حياة أو علوم إنسان؛ فكل علم منضبطٍ بالمبدأين المذكورين: "مبدأ مراتب العقل" و"مبدأ استكمال العلم" يصح أن يُتعبد ويُتقرَّب به، أي يُتديَّن به؛ وقد ذكرنا أن المبدأ الأول يقضي بأن تتنوع العلوم بتنوع رتب العقل، أعلاها ما تعلق بما فوق الطبيعة؛ وأن المبدأ الثاني يقضي بأن يكون كل علم موصولا بما فوقه، حتى يتمكن من صرف النقص الذي يلحقه.
والرابعة: أن تطوُّر العلوم –على خلاف ما يَظُن غيرنا- لا يُضيّق من رقعة الدين، بل يزيدها توسعا، ولا ينقص من تأثيره، بل يزيده قوة، ذلك أن العلوم، لما كانت جزءً داخلا في بنية الدين نفسها، كانت الأطوار التي تتقلب فيها والتي يَفضُل لاحقُها سابقَها، تفتح في الدين آفاقا معرفية غير مسبوقة وترقى بفهمنا له درجات على قدر هذه الأطوار، بل إنها تتعدى ذلك إلى كونها تُجدِّد قدرتنا على التديّن وتُنوِّع سُبلَ تحقُّقه لدينا.
والقول الجامع أن صلة العلم بالدين، من منظور الإسلام، هي صلة تداخل يكون فيها العلم جزءا من الدين، فيلزم بحسب هذا المنظور أن نُقدِّم الدين على العلم، لا تقديم الفاضل على المفضول، وإنما تقديم الكل على الجزء كما يلزم بحسبه أن نُدخل في الدين كل العلوم، لا دخول التابع في المتبوع، وإنما دخول العنصر في المجموع، ألا ترى كيف أن مكتشفات العلوم وحقائقها –وهي تشهد بصدقِ أخبار الدين وصحة أحكامه- نزداد بها افتكارا واعتبارا، حتى إنها تُقوِّي صلتنا بخالقنا كما يقويها دائم صلواتنا!

فوجدت أن (غيرنا) ليست في الحقيقة (غيرنا) من وجهة نظر تاريخية لأن التمايز و التباين و التناقض مواقف موجودة عند المسلمين، فلماذا؟ لأن المفاهيم غير المعاني و الألفاظ. المفهوم يأخذ محتواه ضد أرضية معينة فإذا تغيرت تغير المفهوم، وما قد يؤدي إلى تغيير المفهوم هو الإلتقاء أو الصراع أو التمايز بين ثقافتين.. ..ولهذا كثير من الغربيين يتحدث عن تحرر emancipation المرأة المسلمة لأنه يحمل فكرة عن مفهوم صورته متماثلة لكن محتواه يتغير من ثقافة لأخرى.. إجتهاد الأستاذ في توصيل فكرة التداخل إجتهاد يطرح أسئلة، و الجدل الحالي حول توسيع فكرة (إعجاز القرآن) ليدخل فيها العلم و العدد و القانون أدى أيضا إلى طرح أسئلة جديدة.
 
عودة
أعلى