مجالس في دراسة بعض موضوعات علوم القرآن(المجلس الرابع : في الأحرف السبعة )

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,760
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
السعودية
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
بسم الله :

لابد قبل الخوض في تفصيلات هذا الموضوع المهم من موضوعات علوم القرآن من التعريف بمفردات عنوانه ، وهي : نزول ، وقرآن ، وسبعة ، وأحرف .
وقد سبق التعريف بكلمتي نزول ، وقرآن ، وذكر معنى كل كلمة في اللغة وفي الشرع ، وأمَّا ما يتعلق بتعريف كلمتي : سبعة ، وأحرف ، فهذا ما أريد توضيحه - إن شاء الله - في السطور التالية :
فسبعة وسبع : العدد المعروف بين الستة والثمانية ، تقول : سبع نسوة ، وسبعة رجال ، وقد تكرر ذكر السبعة والسبع والسبعين والسبعمائة في القرآن ، وفي الحديث .
والعرب تضعها موضع التضعيف والتكثير ، كقوله تعالى : { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِيـنَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } [ التوبة : 80 ] فهذا من باب التكثير والتضعيف ، لا من باب حصر العدد ، ولم يرد الله جل ثناؤه أنه عليه الصلاة والسلام إن زاد على السبعين غفر لهم ، ولكن المعنى إن استكثرت من الدعاء والاستغفار لم يغفر الله لهم . [انظر : تهذيب اللغة للأزهري 2/115 - 119 ، ولسان العرب لابن منظور 6/156 ، وانظر : عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي 2/192 . ]

وأمَّا المراد بسبعة في حديث { أنزل القرآن على سبعة أحرف } فهو حقيقة العدد على الصحيح الذي لاينبغي التعويل على خلافه كما سيتضح ذلك - إن شاء الله - عند سياق الأحاديث في هذا الباب .
وأمَّا أحرف : فهي جمع حرف ، وهو في الأصل : الطرف والجانب والحدّ ، فحرف الشيء طرفه ، ومنه حرف الجبل ، والسيف والسفينة لأطرافها ، وحروف الهجاء : أطراف الكلمة ، والحروف العوامل في النحو : أطراف الكلمات الرابطة لبعضها ببعض . [ انظر : تهذيب اللغة للأزهري 5/12 ، 13 ، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس 2/42 ، ولسان العرب لابن منظور 3/127 ، 128 ، وانظر كذلك : مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ص 228 ، وعمدة الحفاظ للسمين الحلبي 1/453 .]

وأمَّا كلمة حرف في الاصطلاح فلها عدة إطلاقات :
فهي تطلق على حرف الهجاء في اصطلاح الكاتبين والقارئين ، وتطلق على الكلمة غير المستقلة بالمعنى التي تربط بين الاسم والفعل أو بين الاسم والاسم في اصطلاح النحويين ، مثل على وعن ونحوهما ، وتطلق على كل كلمة تقرأ على وجوه متعددة من القرآن في اصطلاح علماء القراءات ، تقول : هذا في حرف ابن مسعود أي في قراءة ابن مسعود .[ انظر : تهذيب اللغة ولسان العرب في المواضع السابقة ، وانظر : كتاب الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها للدكتور حسن ضياء الدين عتر ص 120 . ]

وأمَّا معنى الحرف في اصطلاح الشارع فهو الكلمة لا حرف الهجاء ، ولذلك فإن لفظة { حرف } من الألفاظ التي شاع لها معنى غير المعنى المراد بها شرعاً .[ انظر : كتاب الحقيقة الشرعية في تفسير القرآن العظيم والسنة النبوية لمحمد عمر بازمول ص 78 . ]

فالمشهور الشائع عند أكثر الناس عندما يسمعون - مثلاً - حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : { من قرأ القرآن ، فله بكل حرف عشر حسنات ، أما إني لا أقول ( الم ) حرف ، لكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف } [ أخرجه الترمذي في كتاب فضائل القرآن ، باب : ماجاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن ماله من الأجر رقم [2910] 5/161 من حديث عبدالله بن مسعود ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم [2327] 3/9 : صحيح . وفي الحديث خلاف طويل في صحته وفي رفعه ووقفه ] . أن معنى الحرف هنا حرف الهجاء ، ويبنون على هذا الفهم أن قراءة كلمة ( الحمد ) مثلاً يحصل القارئ لها على خمسين حسنة لأن له بكل حرف عشر حسنات ، وهذا فهم خاطيء وإن كان هو المشهور عند أكثر الناس .

والصحيح أن معنى { الحرف } في هذا الحديث هو { الكلمة } .
قال ابن الجزري - رحمه الله - : ( وقد سألت شيخنا شيخ الإسلام ابن كثير - رحمه الله تعالى - : ما المراد بالحرف في الحديث ؟ فقال : الكلمة ، لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : { من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات ، لا أقول ( الم ) حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف } .
وهذا الذي ذكره هو الصحيح ، إذ لو كان المراد بالحرف حرف الهجاء لكان ألف بثلاثة أحرف ، ولام بثلاثة ، وميم بثلاثة ، وقد يَعْسُر على فهم بعض الناس فينبغي أن يتفطن له ، فكثير من الناس لايعرفه )
ا هـ . [ النشر في القراءات العشر لابن الجزري 2/453 - 454 ، وانظر : تقرير ذلك في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 12/103 - 113 . ]

وأمَّا معنى نزول القرآن على سبعة أحرف فسوف يأتي تفصيله - إن شاء الله - في درس قادم ...

والله الموفق
 
معنى الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن :

معنى الأحرف السبعة مسألة كبيرة ، وقع فيها اختلاف كثير بين العلماء حيث تعددت الأقوال فيها حتى أوصلها بعضهم إلى خمسة وثلاثين قولاً ، وذكر السيوطي أنه اختُلف في معنى هذا الحديث على نحو أربعين قولاً ، ذكر منها خمسة وثلاثين قولاً ، ثُمَّ قال : ( قال ابن حبان : فهذه خمسة وثلاثون قولاً لأهل العلم واللغة في معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف ، وهي أقاويل يشبه بعضها بعضاً ، وكلها محتملة ، ويحتمل غيرها ) . [انظر : ( الإتقان ) 1/145 ، 156]
وكثرة الأقاويل في هذه المسألة يدل على اهتمام العلماء بها ، وهذا الاهتمام له أسباب ، أهمها :
1 - صلة هذه المسألة بالقرآن الكريم ، الذي هو أساس الدين ومصدر التشريع ، وكلام الله الذي { لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّـِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : 42 ] .
2 - أن الأحاديث الواردة في نزول القرآن على سبعة أحرف - مع كثرتها ، وتعدد رواياتها - جاءت مجملة ، لاتكشف عن حقيقة المراد بهذه الأحرف ، ولم يأت نص صحيح صريح يبينها ، فكان الاجتهاد في تحديد المراد بها مدعاة للاختلاف .
3 - أن تخاصم الصحابة في هذا الأمر ، وتحاكمهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء الجواب عنه برد كل واحد منهم إلى ما قرأ ، وتصويبه . ولم تبين الأحاديث حقيقة الاختلاف الذي كان بين كل قراءة وأخرى ، وهذا يدل على أن الأمر صار معروفاً لدى الصحابة - رضي الله عنهم - فلم يحتاجوا إلى بيان ، ولو خفي عليهم لسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يبين لهم ، فينبغي البحث لمعرفة ذلك .
وهذا الذي حدا العلماء على التعمق في دراسة أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف ، رغبةً في إدراك المراد بهذه الأحرف . [ صدر قبل سنوات بحث بعنوان : ( حديث الأحرف السبعة دراسة لإسناده ومتنه ، واختلاف العلماء في معناه ، وصلته بالقراءات القرآنية ) للدكتور عبدالعزيز بن عبدالفتاح القارئ ، الأستاذ المشارك بالجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنورة .
وممن سرد الأحاديث الواردة في نزول القرآن على سبعة أحرف أبو شامة المقدسي ، حيث عقد فصلاً كاملاً عند كلامه عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : { نزل القرآن على سبعة أحرف } سرد فيه الأحاديث من ص 219 - 239 .
وأمَّا المرجع الذي اعتمد عليه أكثر من اهتم بجمع أحاديث هذا الباب فهو تفسير ابن جرير الطبري ، حيث سرد الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب بأسانيدها في مقدمة تفسيره في باب : القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب من ص 21 - 67 . ]

كما أن الروايات الواردة في مجموعها يشوبها بعض الغموض والإبهام فليس فيها ما يبين بجلاء نص الآية أو الكلمة التي وقع الاختلاف في قراءتها ، ولا نوع الخلاف في تلك القراءات ، أكان خلافاً صوتياً يُمكن أن يعزى إلى تباين اللهجات في النطق وطريقة الأداء مع وحدة اللفظ ، أم كان اختلافاً في اللفظ مع وحدة المعنى ؟! . [هذه الأسباب مأخوذة بشيء من التصرف من كتاب : نزول القرآن على سبعة أحرف للشيخ مناع القطان ص 33 ، 34 .]

وبسبب هذا الغموض والإبهام الذي شاب الروايات الواردة في هذه المسالة - وهي نزول القرآن على سبعة أحرف - فقد كثرت أقوال العلماء في معنى هذه الأحرف .
والذي يمعن النظر في تلك الأقوال والآراء التي وردت في كتب العلماء يجد أن بعضها غير معزو لقائله ، وبعضها الآخر استنباطاً بعيد المأخذ ، ومنها آراء كثيرة ذات مضمون واحد أو متقارب وإن اختلف التعبير ؛ ولذلك فإن حاصل هذه الأقوال والآراء ، وما له بال منها يرجع إلى ستة أقوال ، هي التي ذكرها ابن عبدالبر - رحمه الله - في كلامه السابق ، وهي :
القول الأول : أن معنى { سبعة أحرف } سبع قراءات ، والحرف ههنا القراءة ، وهو قول الخليل بن أحمد .
القول الثاني : أنها سبعة أنحاء ، كل نحو منها جزء من أجزاء القرآن خلافاً للأنحاء الأخرى .
ومعنى الحرف عند أصحاب هذا القول : صنف من الأصناف ، نحو قول الله عزوجل :{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ } [ الحج : 11 ] فذهب هؤلاء في قول رسول الله: { أنزل القرآن على سبعة أحرف } إلى أنها سبعة أنحاء وأصناف ، فمنها زاجر ، ومنها آمر ، ومنها حلال ، ومنها حرام ، ومنها محكم ، ومنها متشابه ، ومنها أمثال .
القول الثالث : أنها سبع لغات ، في القرآن مفترقات ، على لغات العرب كلها يمنها ونزارها ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهل شيئاً منها ، وكان قد أوتي جوامع الكلم .
القول الرابع : مثل الثالث ، ولكن اللغات السبع كلها إنَّما تكون في مضر فجائز أن يكون منها لقريش ، ومنها لكنانة ، ومنها لأسد ، ومنها لهذيل ، ومنها لتميم ، ومنها لقبة ، ومنها لقيس ، فهذه قبائل مضر ، تستوعب سبع لغات على هذه المراتب .
القول الخامس : أن معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة ، نحو : أقبل ، وتعال ، وهلم ، وعلى هذا أكثر أهل العلم .
القول السادس : أن المراد بالأحرف السبعة وجوه التغاير السبعة التي وقع فيها الاختلاف ، والتي هي :
1 - ما يتغير حركته ولايزول معناه ولا صورته .
2 - ما يتغير معناه ويزول بالإعراب ولاتتغير صورته .
3 - ما يتغير معناه بالحروف واختلافها بالإعراب ولاتتغير صورته .
4 - ما تتغير صورته ، ولايتغير معناه .
5 - ما تتغير صورته ومعناه .
6 - التقديم والتأخير .
7 - الزيادة والنقصان .
وسيأتي - إن شاء الله - زيادة توضيح لهذه الأوجه عند مناقشة هذه الأقوال .
وأمَّا القول الأقوى والأشهر فهو أن معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة ، نحو : أقبل ، وتعال ، وهلم .
وهذا القول هو الذي عليه أكثر أهل العلم ، وإليه ذهب سفيان بن عيينة ، وعبدالله بن وهب ، وابن جرير الطبري والطحاوي ، وغيرهم من أهل العلم ، واختاره ابن عبدالبر كذلك .
فالأحرف السبعة على هذا القول سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد ، نحو : أقبل ، وتعال ، وهلم ، وعجل ، وأسرع ، فهي ألفاظ مختلفة لمعنى واحد .
وقد بين ابن عبدالبر - رحمه الله - سبب اختياره لهذا القول ، حيث ذكر أن هذا القول هو أولى الأقوال بالصواب لأمور منها :
[1] - دلالة الأحاديث المرفوعة على ذلك ، ومن الأحاديث التي ذكرها ، وذكر أنها تدل على صحة هذا القول :
أ ) - حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اقرأ على حرف ، قال : فقال ميكائيل : استزده ، فقال : اقرأ على حرفين ، فقال ميكائيل : استزده ، حتى بلغ إلى سبعة أحرف ، فقال : اقرأه فكل شاف كاف ، إلاَّ أن تخلط آية رحمة بآية عذاب ، أو آية عذاب بآية رحمة ، على نحو هلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل .
ب) - حديث سليمان بن صرد ، قال : قرأ أبيٌّ آية ، وقرأ ابن مسعود آية خلافها ، وقرأ رجل آخر خلافهما ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبيّ : ألم تقرأ آية كذا وكذا كذا وكذا ؟ وقال ابن مسعود : ألم تقرأ آية كذا وكذا كذا وكذا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { كلكم محسن مجمل } . قال - أي أبيّ - قلتُ : ما كلنا أحسن ولا أجمل . قال : فضرب صدري ، وقال : { يا أبيّ ، إني أُقرئت القرآن ، فقلتُ : على حرف أو حرفين ، فقال لي الملك الذي عندي : على حرفين ، فقلتُ : على حرفين أو ثلاثة ، فقال الملك الذي معي : على ثلاثة ، فقلتُ : على ثلاثة ، هكذا حتى بلغ سبعة أحرف ، ليس منها إلاَّ شاف كاف ، قلتُ : غفوراً رحيماً أو قلتُ : سميعاً حكيماً ، أو قلتُ : عليماً حكيماً ، أو عزيزاً حكيماً ، أي ذلك قلت فإنه كما قلت . وزاد بعضهم في هذا الحديث : ما لم تختم عذاباً برحمة ، أو رحمة بعذاب } .
قال ابن عبدالبر بعد هذا الحديث : ( قال أبو عمر : أمَّا قوله في هذا الحديث : قلتُ : سميعاً عليماً ، وغفوراً رحيماً ، وعليماً حكيماً ، ونحو ذلك ، فإنَّما أراد به ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها ، أنها معان متفق مفهومها مختلف مسموعها لايكون في شيء منها معنى وضده ، ولا وجه يخالف وجهاً خلافاً ينفيه أو يضاده كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده ، وما أشبه ذلك .
وهذا كله يعضد قول من قال : إن معنى السبعة الأحرف المذكورة في الحديث : سبعة أوجه من الكلام المتفق معناه المختلف لفظه نحو : هلم ، وتعال ، وعجل ، وأسرع ، وانظر ، وأخر ، ونحو ذلك ) ا هـ .
جـ) - عن أبيّ بن كعب قال : أتى جبريلُ النبيَّ - عليهما السلام - وهو بأضاة بني غفار ، فقال : { إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تقرئ أمتك على حرف واحد ، قال : اسأل الله مغفرته ومعافاته ، أو قال : معافاته ومغفرته سل لهم التخفيف فإنهم لايطيقون ذلك ، فانطلق ثُمَّ رجع ، فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين ، قال : اسأل الله مغفرته ومعافاته ، أو قال : معافاته ومغفرته ، إنهم لايطيقون ذلك ، فاسأل لهم التخفيف ، فانطلق ثُمَّ رجع ، فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف ، قال : اسأل الله مغفرته ومعافاته ، أو معافاته ومغفرته ، إنهم لايطيقون ذلك ، فسل لهم التخفيف ، فانطلق ثُمَّ رجع ، فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ القرآن على سبعة أحرف ، فمن قرأ منها حرفاً فهو كما قرأ } .
د ) - حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { هذا القرآن انزل على سبعة أحرف ، فاقرأوا ولا حرج ، ولكن لاتختموا ذكر آية رحمة بعذاب ، ولا ذكر عذاب برحمة } .
فهذه الأحاديث التي ذكرها ابن عبدالبر ، وغيرها تدل على أن القول الذي اختاره هو الصواب - إن شاء الله - .
[2] - دلالة الآثار وأقوال علماء الأمصار في هذا الباب على أن هذا القول هو الصواب ، وأنه أصح وأقوى من الأقوال الأخرى .
ومن هذه الآثار :
أ - ما رواه الأعمش ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود قال : إني سمعت القراءة فرأيتهم متقاربين ، فاقرأوا كما علمتم ، وإياكم والتنطع والاختلاف ، فإنَّما هو كقول أحدكم : هلم ، وتعال .
ب - وعن ابن عباس ، عن أبيّ بن كعب أنه كان يقرأ : { لِلَّذِينَ ءَامَنُوا انظُرُونَا } [ الحديد : 13 ] : للذين ءامنوا امهلونا ، للذين ءامنوا أخرونا ، للذين ءامنوا ارقبونا .
وكذلك روى عنه أنه كان يقرأ : { كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ } [ البقرة : 20 ] : مروا فيه ، سعوا فيه .
قال ابن عبدالبر بعد هذا الأثر عن أبيّ بن كعب : ( كل هذه الأحرف كان يقرؤها أبيّ بن كعب ، فهذا معنى الحروف المراد بهذا الحديث - والله أعلم - ) . [ التمهيد 8/291 . ]

جـ) - قال ابن شهاب الزهري : إنَّما هذه الأحرف في الأمر الواحد ليس تختلف في حلال ولا حرام .
وقال أيضاً في الأحرف السبعة : هي في الأمر الواحد الذي لا اختلاف فيه .
د ) - وسئل سفيان بن عيينة عن اختلاف قراءة المدنيين والعراقيين هل تدخل في السبعة الأحرف ؟ فقال : لا ، وإنَّما السبعة الأحرف كقولهم : هلم ، أقبل ، تعال ، أي ذلك قلت : أجزأك قال أبو بكر محمد بن عبدالله الأصبهاني المقرئ : ومعنى قول سفيان هذا أن اختلاف العراقيين والمدنيين راجع إلى حرف واحد من الأحرف السبعة .
وهذا الذي ذكره الأصبهاني هـو ما ذهب إليه ابن جرير الطبري وأبو جعفر الطحاوي ، كما سيأتي - إن شاء الله - .

وللحديث بقية إن شاء الله
 
بسم الله

بعد بيان القول الراجح - حسب ما توصلت إليه - أذكر ما ذكره أهل العلم من ردود على الأقوال الأخرى في هذه المسألة :

القول الأول : وهو أن معنى { سبعة أحرف } سبع قراءات ، والحرف بمعنى القراءة ، وهو منسوب إلى الخليل بن أحمد ، لا يلتفت إليه ، فهو قول مردود .
قال الزركشي في أثناء ذكره لأقوال العلماء في بيان معنى الأحرف السبعة : ( الثاني - وهو أضعفها - أن المراد سبع قراءات ، وحكى عن الخليل بن أحمد ، والحرف هاهنا القراءة ) . [البرهان في علوم القرآن للزركشي 1/305 .]

وقال ابن الجزري في النشر في أثناء كلام له عن أول من جمع القراءات في كتاب ، وعن عدد القراء الذين تنسب إليهم القراءات ، قال : ( وإنَّما أطلنا في هذا الفصل لما بلغنا عن بعض من لا علم له أن القراءات الصحيحة هي التي عن هؤلاء السبعة ، أو أن الأحرف السبعة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم هي قراءة هؤلاء السبعة ، بل غلب على كثير من الجهال أن القراءات الصحيحة هي التي في الشاطبية والتيسير ، وأنها هي المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم : { أنزل القرآن على سبعة أحرف } ... وإنَّما أوقع هؤلاء في الشبهة كونهم سمعوا { أنزل القرآن على سبعة أحرف } وسمعوا قراءات السبعة ، فظنوا أن هذه السبعة هي تلك المشار إليها ؛ ولذلك كره كثير من الأئمة المتقدمين اقتصار ابن مجاهد على سبعة من القراء ، وخطّأوه في ذلك ، وقالوا : ألا اقتصر على دون هذا العدد ، أو زاده ، أو بيّن مراده ليخلص من لايعلم من هذه الشبهة ...
وكان من جواب الشيخ الإمام مجتهد ذلك العصر أبي العباس أحمد ابن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية - رحمه الله - : لانزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن أنزل عليها ليست قراءات القراء السبعة المشهورة ) . [ النشر لابن الجزري 1/36 - 39 باختصار . وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك في مجموع الفتاوى 13/395 .]

وبهذا نعلم أن هذا القول من أضعف الأقوال ، وأرى أن في نسبته للخليل لبن أحمد نظراً ؛ فهو أجل من أن يخفى عليه ضعف هذا القول وبطلانه ، ولعله يقصد بالقراءة معنى آخر غير المعنى الذي فهم عنه .
وأمَّا القول الثاني ، وهو أن معنى الأحرف السبعة سبعة أنحاء ، كل نحو منها جزء من أجزاء القرآن خلاف الانحاء غيره ، ومعنى الحرف عند أصحاب هذا القول : صنف من الأصناف .
فالقرآن نزل على سبعة أنحاء وأصناف ، فمنها زاجر ، ومنها آمر ، ومنها حلال ، ومنها حرام ، ومنها محكم ، ومنها متشابه ، ومنها أمثال .
واحتجوا بحديث سلمة بن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبيه ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على وجه واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أوجه زاجر ، وآمر ، وحلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال ، فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واعتبروا بأمثاله ، وآمنوا بمتشابه ، وقولوا آمنا به كل من عند ربنا } .
فقد رده ابن عبدالبر بقوله : ( وهذا الحديث عند أهل العلم لايثبت ، لأنه يرويه حيوة عن عقيل عن سلمة هكذا ، ويرويه الليث عن عقيل عن ابن شهاب ، عن سلمة ابن أبي سلمة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ، وأبو سلمة لم يلق ابن مسعود ، وابنه سلمه ، ليس ممن يحتج به .
وهذا الحديث مجتمع على ضعفه من جهة إسناده ، وقد رده قوم من أهل النظر ، منهم أحمد بن أبي عمران ، قال : مَن قال في تأويل السبعة الأحرف هذا القول فتأويله فاسد ، محال أن يكون الحرف منها حراماً لا ما سواه ، أو يكون حلالاً لا ما سواه ؛ لأنه لايجوز أن يكون القرآن يقرأ على أنه حلال كله ، أو حرام كله أو أمثال كله .
ذكره الطحاوي عن أحمد بن أبي عمران سمعه منه ، وقال : وهو كما قال ابن أبي عمران ) ا هـ .
وهذا الحديث إن صح فمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم هنا { سبعة أحرف } أي سبعة أوجه كما فسرت في الحديث ، وليس المراد الأحرف السبعة التي تقدم ذكرها في الأحاديث الأخرى ، لأن سياق تلك الأحاديث يأبى حملها على هذا .
وبيان ذلك : أن ظاهر الأحاديث يدل على أن المراد بالأحرف السبعة أن الكلمة تقرأ على وجهين أو ثلاثة ، إلى سبعة توسعة للأمة ، والشيء الواحد لايكون حلالاً وحراماً في آية واحدة ، والتوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا تحليل حرام ، ولا في تغيير شيء من الوجوه والمعاني المذكورة . [فتح الباري 8/646] .
( والذي ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الصحابة الذين اختلفوا في القراءات احتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستقرأ كل رجل منهم ، ثُمَّ صوّب جميعهم في قراءاتهم على اختلافها ، حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم ، فقال صلى الله عليه وسلم للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم : { إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف } .
ومعلومٌ أن تماريهم فيما تماروا فيه من ذلك ، لو كان تمارياً واختلافاً فيما دلت عليه تلاواتهم من التحليل والتحريم ، والوعد والوعيد ، وما أشبه ذلك لكان مستحيلاً أن يصوب جميعهم ويأمر كل قارئ منهم أن يلزم قراءته في ذلك على النحو الذي هو عليه ؛ لأن ذلك لو جاز أن يكون صحيحاً وجب أن يكون الله جل ثناؤه قد أمر بفعل شيء بعينه وفرضه في تلاوة من دلت تلاوته على فرضه ، ونهى عن فعل ذلك الشيء بعينه وزجر عنه في تلاوة الذي دلت تلاوته على النهي والزجر عنه ، وأباح وأطلق فعل ذلك الشيء بعينه ، وجعل لمن شاء من عباده أن يفعله فِعْلَه ، ولمن شاء منهم أن يتركه تَرْكَه ، في تلاوة من دلت تلاوته على التخيير ؛ وذلك من قائله - إن قاله - إثبات ما قد نفى الله جل ثناؤه عن تنزيله بقوله : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [ النساء : 82 ] .
وفي نفي الله جل ثناؤه ذلك عن محكم كتابه أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلاَّ بحكم واحد متفق في جميع خلقه لا بأحكام فيهم مختلفة ) ا هـ . [من تفسير الطبري 1/48 ، 49 بتصرف يسير جداً ، وانظر : نزول القرآن على سبعة أحرف لمناع القطان ص 82 ، 83 . ]

وبهذا نعلم أن هذا القول مردود من جهة الرواية والدراية والعقل . [ انظر : المدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد محمد أبو شهبة ص 178 . ]

وأمَّا القول الثالث ويدخل فيه القول الرابع ، وهما أن معنى السبعة الأحرف سبع لغات من لغات العرب ، سواء كان على لغات العرب كلها - كما في القول الثالث - أم على لغات مضر خاصة - كما في القول الرابع - فهما مردودان أيضاً وإن قال بهما جماعة من العلماء ، منهم أبو عبيد القاسم بن سلام ، وثعلب ، وأبو حاتم السجستاني ، واختاره ابن عطية كما اختاره قبله الأزهري في تهذيب اللغة .
قال ابن عبدالبر - رحمه الله - : ( وأنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم : { أنزل القرآن على سبعة أحرف } سبع لغات وقالوا : هذا لا معنى له ؛ لأنه لو كان ذلك لم ينكر القوم في أول الأمر بعضهم على بعض ؛ لأنه من كانت لغته شيئاً قد جبل وطبع عليه وفطر به لم ينكر عليه .
وفي حديث مالك عن ابن شهاب المذكور في هذا الباب رد قول من قال : سبع لغات ؛ لأن عمر بن الخطاب قرشي عدوي ، وهشام بن حكيم بن حزام قرشي أسدي ، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته ، كما محال أن يقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً منهما بغير ما يعرفه من لغته ، والأحاديث الصحاح المرفوعة كلها تدل على نحو ما يدل عليه حديث عمر هذا ) .
وقال أيضاً مرجحاً القول الذي اختاره ومبيناً السبب في ذلك : ( وسنورد من الآثار وأقوال علماء الأمصار في هذا الباب ما يتبين لك به أن ما اخترناه هو الصواب فيه - إن شاء الله - ، فإنه أصح من قول من قال : سبع لغات مفترقات لما قدمنا ذكره ، ولما هو موجود في القرآن بإجماع من كثرة اللغات المفترقات فيه حتى لو تقصيت لكثر عددها ، وللعلماء في لغات القرآن مؤلفات تشهد لما قلنا ، وبالله التوفيق ) .
ويُمكن أن نجمل الردود على هذا القول بما يلي :
1. أن هذا القول بعيد غاية البعد عن الروايات التي جاءت في هذا الباب ، كما أنه لايتفق مع الحكمة التي نزل القرآن على سبعة أحرف من أجلها ؛ لأنه يقتضي أن القرآن أبعاض ، كل بعض بلغة ، وهذا لايتأتى فيه رفعُ الحرج والمشقة ، والتيسيرُ والتسهيلُ ، إذ كل قبيلة مكلفة شرعاً بقراءة القرآن جميعه وفهمه والعمل به ، فهذا القول لايحقق الغرض الذي لأجله نزل القرآن على سبعة أحرف . [ المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة ص 170 . ]

2. أن في القرآن الكريم ألفاظاً كثيرة من لغات قبائل أخرى غير السبعة التي عدّوها ، حتى عدّ بعضهم لغات العرب التي جاءت في القرآن ، وأوصلها إلى أربعين لغة . [ انظر : مناهل العرفان للزرقاني 1/182 ، 183 ، فقد ذكر بعض الأمثلة لألفاظ جاءت في القرآن من لغات غير التي ذكروها ، وذكر مَن قال بأن في القرآن أربعين لغة عربية . ]
3. أن أصحاب هذا القول اختلفوا في تعيين تلك اللغات وحصرها ، فلو كان المراد بالأحرف السبعة ما قالوه لما خفي على الصحابة تعيين تلك اللغات ، ولما خفيت علينا أيضاً . [انظر : كتاب : حديث الأحرف السبعة للدكتور عبدالعزيز بن عبدالفتاح القاري ص 72 ، 73 . ]
4. أن الآثار التي استدلوا بها على قولهم آثار ضعيفة لاتقوم بها حجة . [ انظر الذين قالوا به في كتاب مناهل العرفان للزرقاني 1/159 - 160 . ]

وأمَّا القول السادس الذي ذكره ابن عبدالبر ، وهو أن المراد بالأحرف السبعة وجوه التغاير السبعة التي وقع الاختلاف فيها ، وهو ما أشار إليه ابن عبدالبر بقوله : ( وقال بعض المتأخرين من أهل العلم بالقرآن : تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة ... ) إلخ .
فقد تعقبه ابن عبدالبر بقوله : ( وهذا وجه حسن من وجوه معنى الحديث ، وفي كل وجه منها حروف كثيرة لاتحصى عدداً ) ا هـ .
ومفهوم كلام ابن عبدالبر هذا يدل على أن هذا القول ليس هو معنى الأحرف السبعة الواردة في الأحاديث ، وإنَّما هو وجه من وجوه معنى الحديث ؛ وذلك لأن هذا القول يعني أن الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن موجودة في المصحف الذي يقرأ فيه الناس اليوم كما يقول أصحاب هذا القول وابنُ عبدالبر لايرى هذا كما سيأتي - إن شاء الله - .
ولذلك قال بعد أن ذكر بعض الأمثلة للوجوه التي ذكرها أصحاب هذا القول : ( وهذا يدلك على قول العلماء أن ليس بأيدي الناس من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن إلاَّ حرف واحد ، وهو صورة مصحف عثمان ، وما دخل فيه مِمَّا يوافق صورته من الحركات واختلاف النقط من سائر الحروف ) ا هـ .
وهذا القول الذي ذكر ابن عبدالبر أنه وجه حسن من وجوه معنى الحديث قال به جماعة من العلماء ، ورجحه كثير من المتأخرين . [ انظر الذين قالوا به في كتاب مناهل العرفان للزرقاني 1/159 - 160 . ]

وقد ورد في بيان أوجه التغاير هذه آراء متقاربة لثلاثة من العلماء ، وبين هذه الآراء روابط قوية .
أمَّا الأول منها فهو لابن قتيبة في كتابه : تأويل مشكل القرآن حيث قال : ( وقد تدبرتُ وجوه الخلاف في القراءات فوجدتها سبعة أوجه :
أولها : الاختلاف في إعراب الكلمة ، أو في حركة بنائها بما لايزيلها عن صورتها في الكتاب ، ولايغيّر معناها ، نحو قوله تعالى : { هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } و { أطهرَ لكم } [ هود : 78 ] { وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ } و { هل يُجازى إلاَّ الكفور } [ سبأ : 17 ] ، { وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } و { بالبَخَلِ } [ النساء : 37 ، الحديد : 24 ] ، { فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } و { مَيْسُرَة } [ البقرة : 280 ] .
والوجه الثاني : أن يكون الاختلاف في إعراب الكلمة وحركات بنائها ، بما يغير معناها ، ولايزيلها عن صورتها في الكتاب ، نحو قوله تعالى :{ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا }[ سبأ : 19 ] و{ باعَدَ بين أسفارنا } ، و { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } و { تَلِقُونه } [ النور : 15 ] ، { وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } و { بعد أَمَهٍ } [ يوسف : 45 ] .
والوجه الثالث : أن يكون الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها ، بما يغيّر معناها ولايزيد صورتها ، نحو قوله : { وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا } و { ننشرها } [ البقرة : 259 ] ، ونحو قوله : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } و { فُرِّغَ } [ سبأ : 23 ] .
والوجه الرابع : أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يُغيّر صورتها في الكتاب ولايغير معناها ، نحو قوله : { إن كانت إلاَّ زقية } و { صَيْحَةً } [ يس : 29 ] و { كالصوف المنفوش } و { كَالْعِهْنِ } [ القارعة : 5 ] .
والوجه الخامس : أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يزيل صورتها ومعناها نحو قوله : { وطلع منضود } في موضع { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } [ الواقعة : 29 ] .
والوجه السادس : أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير ، نحو قوله : { وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } [ ق : 19 ] وفي موضع آخر : { وجاءت سكرة الحق بالموت } .
والوجه السابع : أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان ، نحو قوله تعالى : { وما عملت أيديهم } و { وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ } [ يس : 35 ] ، ونحو قوله : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } و { إن الغني الحميد } [ لقمان : 26 ] . [هكذا في الكتاب المطبوع ، ولعلها : { إن الله الغني الحميد } .]

وقرأ بعض السلف : { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة أنثى } [ ص 23 ] و { إن الساعة آتية أكاد أخفيها من نفسي فكيف أظهركم عليها } [ طه : 15 ] ) .[ من تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 36 - 38 . ]

وأمَّا الثاني فهو لأبي الفضل الرازي ، حيث ذكر في كتابه اللوامح - كما نقله عنه السيوطي في الإتقان - أن الكلام لايخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف :
الأول : اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع ، وتذكير وتأنيث .
الثاني : اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر .
الثالث : وجوه الإعراب .
الرابع : النقص والزيادة .
الخامس : التقديم والتأخير .
السادس : الإبدال .
السابع : اختلاف اللغات ، كالفتح والإمالة ، والترقيق ، والتفخيم ، والإدغام ، والإظهار ، ونحو ذلك . [انظر : الإتقان للسيوطي 1/147 . وانظر الأمثلة على هذه الأوجه في كتاب الوافي في شرح الشاطبية للشيخ عبدالفتاح القاضي ص 5 - 7 . ]

وأمَّا الثالث فهو لابن الجزري ، حيث قال : ( ولازلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة ، حتى فتح الله عليّ بما يُمكن أن يكون صواباً - إن شاء الله - ، وذلك أني تتبعتُ القراءات صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها ، فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لايخرج عنها ، وذلك : إمَّا في الحركات بلا تغيّر في المعنى والصورة ، نحو { البُخْل } [ النساء : 37 ] بأربعة و { يحسب } [ الهمزة : 3 ] بوجهين .
أو بتغيّر في المعنى فقط ، نحو : { فتلقى آدمَُ من ربه كلماتٌٍ } [ البقرة : 37 ] ، { وادّكر بعد أمة } [ يوسف : 45 ] وأمَهٍ .
وإمَّا في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو { تبلوا } و { تتلوا } [ يونس : 30 ] و { نُنَجِّيك ببدنك لتكون لمن خلفك } و { ننجِّيك ببدنك } [ يونس : 92 ] أو عكس ذلك نحو { بصطة } و { بسطة } [ الأعراف : 69 ] و { الصراط } و { السراط } أو بتغيرهما نحو { أشد منكم ، ومنهم } [ التوبة 69 ، الزخرف : 43 ] و { يأتل } و { يتأل } [ النور : 22 ] و { فامضوا إلى ذكر الله } و { فاسعوا } [ الجمعة : 9 ] .
وإمَّا في التقديم والتأخير ، نحو { فيُقتلون ويُـَقتلون } [ التوبة : 111 ] و { جاءت سكرت الحق بالموت } [ ق : 19 ] .
أو في الزيادة والنقصان نحو { وأوصى ، ووصى } [ البقرة : 132 ] و { الذكر والأنثى } [ الليل : 3 ] .
فهذه سبعة أوجه لايخرج الاختلاف عنها ، وأمَّا نحو اختلاف الإظهار والإدغام ، والروم والإشمام ، والتفخيم والترقيق ، والمد والقصر والإمالة ، والفتح ، والتحقيق والتسهيل ، والإبدال والنقل ، مِمَّا يعبّر عنه بالأصول ؛ فهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ والمعنى ؛ لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لاتخرجه عن أن يكون لفظاً واحداً ، ولئن فرض فيكون من الأول ) ا هـ . [ النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/26 ، 27 . ]

فهذه أشهر آراء العلماء في هذا القول ، وهي وإن كانت مقبولة ، إلاَّ أن جعلها هي المراد بالأحرف السبعة لايُسلَّم ، ولايَسْلم من اعتراضات وردود ، أبرزها :
1) - أنها أقوال واجتهادات ليس عليها دليل ، فلم يذكر القائلون بهذا القول دليلاً واحداً مأثوراً يدل على أن المراد بالأحرف السبعة هو ما ذهبوا إليه من هذه الوجوه إلاَّ التتبع الذي ذكره كل واحد منهم .
وهذا التتبع لايصلح أن يكون دليلاً على أن المراد بالأحرف السبعة هو الوجوه التي يرجع إليها اختلاف القراءات ؛ لأنه تتبع مبني على استقراء ناقص ، بدليل أن تتبعهم لهذه الوجوه التي ذكروها مختلف غير متفق ، فمثلاً الوجه السابع الذي ذكره الرازي لم يذكره ابن قتيبة ولا ابن الجزري ، بل إن ابن الجزري برّر إهماله مِمَّا يدل على أنه يُمكن الزيادة على سبعة .
وكذلك الوجه الأول عند الرازي ، والثاني والسادس ترجع ثلاثتها إلى الوجه الخامس عند ابن الجزري ؛ مِمَّا يدل على أن هذه الوجوه يُمكن أن يتداخل بعضها في بعض ، وأن تعيينها إنَّما هو بطريق الاتفاق ، لا الاستقراء الصحيح .
وعلى هذا يكون الحصر في الوجوه السبعة غير مجزوم به ، ولا متعين ، فهو مبني على الظن والتخمين .
2) - أن الغرض من إنزال القرآن على سبعة أحرف إنَّما هو رفع الحرج والمشقة ، والتيسير والتسهيل على الأمة ؛ والمشقّةُ غير ظاهرة في إبدال الفعل المبني للمعلوم بالفعل المبني للمجهول ، أو العكس ، ولا في إبدال فتحة بضمة ، أو حرف بآخر ، أو تقديم كلمة أو تأخيرها ، أو زيادة كلمة ونقصان أخرى ، فإن القراءة بإحداهما دون الأخرى لاتوجب مشقة يَسألُ النبي صلى الله عليه وسلم منها المعافاة ، ويبيّن أن أمته لاتطيق ذلك ، ويراجع لأجل رفعها جبريل مراراً ، ويطلب التيسير ، فيجاب بإبدال حركة بأخرى ، أو تقديم كلمة وتأخير أخرى .
فالحق أنه مستبعد أن يكون هذا هو المراد بالأحرف السبعة .
وبعد هذا كله يتبيّن أن الرأي الذي اختاره ابن عبدالبر - رحمه الله - هو أقوى الآراء وأولاها بالصواب - إن شاء الله - وهو القول الذي رجحه إمام المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله - ، واختاره أكثر أهل العلم كما قال ذلك غير واحد من العلماء ، منهم القرطبي ، وابن كثير - رحمهما الله - فقد ذكر القرطبي في مقدمة تفسيره خمسة أقوال ، فجعل القول الأول منها هذا القول الذي اختاره ابن عبدالبر ، وقال : ( وهو الذي عليه أكثر أهل العلم ، كسفيان بن عيينة وعبد الله بن وهب والطبري والطحاوي ، وغيرهم ) . [انظر : مقدمة تفسير القرطبي 1/42 .]

ونقل كلامه هذا ابن كثير في كتاب فضائل القرآن . [كتاب فضائل القرآن لابن كثير ص 133 . ]

وقد اختاره من المتأخرين كل من الدكتور محمد محمد أبو شهبة في كتابه المدخل ، والشيخ مناع القطان في كتابه نزول القرآن على سبعة أحرف ، وأطالا في الاستدلال لصحته ، ورد الاعتراضات الواردة عليه ، وأكثر كلامهما في هذا مأخوذ من كلام الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله - في مقدمة تفسيره . [ انظر : تفسير الطبري 1/21 - 67 . ]
 
وهذه تتمة لوضوع نزول القرآن على سبعة أحرف :

من المسائل الكبيرة التي اختلف فيها العلماء مسألة صلة المصاحف العثمانية بالأحرف السبعة ، هل هذه المصاحف مشتملة على جميع الأحرف السبعة ؟ .
في هذه المسألة ثلاثة أقوال للعلماء :

الأول : ما ذهب إليه الطبري ، ومن وافقه على رأيه في الأحرف السبعة من أن المصاحف العثمانية تشتمل على حرف واحد منها ، وهو حرف قريش ، الذي جمع عثمان عليه المصاحف .
الثاني : ما ذهب إليه جماعات من الفقهاء والقراء والمتكلمين من أن المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة .
وبنوا قولهم هذا على أنه لايجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الحروف السبعة التي نزل القرآن عليها ، ولايجوز أن ينهى الصحابة - بعد جمعهم للقرآن في مصحف عثمان - عن القراءة ببعض الأحرف السبعة ، ولا أن يجمعوا على ترك شيء من القرآن .
الثالث : ما ذهب إليه جماعة من السلف والخلف من أنها مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط .
وهذا القول نسبه ابن الجزري لجماهير العلماء من السلف والخلف ، وقال : ( وهذا القول هو الذي يظهر صوابه ؛ لأن الأحاديث الصحيحة ، والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه وتشهد له ) ا هـ . [ النشر في القراءات العشر لابن الجزري 2/31 .]

وقد أسهب ابن جرير الطبري في تقرير القول الأول ، وكذلك أبو جعفر الطحاوي ، وذكرا أن إنزال القرآن على سبعة أحرف كان لحكمة التيسير والتسهيل على الناس في بداية الأمر ؛ إذ كانوا أميين لايكتبون ، إلاَّ القليل منهم ، فكان يشق على كل ذي لغة منهم أن يتحول إلى غيرها من اللغات ، ولو رام ذلك لم يتهيأ له إلاَّ بمشقة عظيمة ؛ فوسع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقاً ، فكانوا كذلك حتى كثر من يكتب منهم ، وحتى عادت لغاتهم إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبان بذلك أن تلك السبعة الأحرف إنَّما كانت في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك ، ثُمَّ ارتفعت تلك الضرورة فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف ، وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد . [ انظر : تفسير الطبري 1/58 - 67 ، وانظر : كتاب الطحاوي شرح مشكل الآثار 8/125 - 130 .]
واختيار الصحابة لحرف واحد من الأحرف السبعة ليس فيه محذور ، ولايترتب عليه ما يخل بحفظ القرآن الكريم ؛ لأن القراءة بأي حرف من الأحرف السبعة جائزة ، وكل حرف من هذه الأحرف كاف شاف كما جاء ذلك في الأحاديث ، والقارئ مخيرٌ بالقراءة بأي حرف منها ، كما أن الذي عليه كفارة يمين مخير بأن يكفر بأي نوع من أنواع الكفارات ، فإذا كفر بواحد منها فقد أدى ما عليه ، ولم يقع في محذور ، وكذلك من قرأ بحرف واحد من الأحرف السبعة فقد أدى ما عليه ولم يقع في محذور ، وقد كان سبب اقتصارهم على حرف واحد من هذه الأحرف السبعة هو خوفُ الوقوع في المراء في القرآن الذي هو كفر ، وخوفُ الاختلاف والتنازع كما هو واضح من حديث أنس في قصة حذيفة مع عثمان - رضي الله عنهم أجمعين - .
قال ابن عبدالبر - رحمه الله - : ( وإذا أبيح لنا قراءته على كل ما أنزل فجائز الاختيار فيما أنزل عندي - والله أعلم - ) ا هـ . [ التمهيد 8/279 .]

وبهذا يتبين رجحان القول الأول ، وإن كان القول الثالث - الذي اختاره ابن الجزري - وهو أن المصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة صحيحاً أيضاً ؛ إذ لا تعارض بينه وبين القول الأول في الحقيقة .
وهذا ما قرّره ابن عبد البر- رحمه الله - بقوله : ( وهذا يدلك على قول العلماء أن ليس بأيدي الناس من الحروف السبعة التي نزل القرآن عليها إلاَّ حرف واحد ، وهو صورة مصحف عثمان ، وما دخل فيه مِمَّا يوافق صورته من الحركات واختلاف النقط من سائر الحروف ) ا هـ . [التمهيد 8/296 . ]

ونظراً لتداخل هذين القولين فإن ابن الجزري - رحمه الله - لم يذكر القول الأول في كتابه النشر عندما عرض أقوال العلماء في هذه المسألة ، وإنَّما اكتفى بذكر القولين الثاني والثالث ، ورجح الثالث .
فالقول الثالث في الحقيقة مشتمل على القول الأول ؛ لأنه إن لم يبق من الأحرف السبعة إلاَّ حرف واحد ، كما هو مذهب الطبري والطحاوي وابن عبدالبر وغيرهم فالمصاحف مشتملة عليه ، وهو الذي عليه جمهور العلماء من السلف والأئمة ، والأحاديث والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه - كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله - . [ انظر : مجموع الفتاوى 13/395 . ]

وإن فرض أنه بقى أكثر من حرف واحد ، واشتملت عليها المصاحف العثمانية فليس في هذا ما يناقض ما سبق .
قال ابن حجر في الفتح : ( والحق أن الذي جُمِعَ في المصحف هو المتفق على إنزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وفيه بعض ما اختلف فيه [ من ] الأحرف السبعة لا جميعها ، كما وقع في المصحف المكي : { تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ } [ التوبة : 100 ] في آخر براءة ، وفي غيره بحذف { مِنْ } ، وكذا ما وقع من اختلاف مصاحف الأمصار من عدة واوات ثابتة في بعضها دون بعض ، وعدة هاآت وعدة لامات ونحو ذلك ، وهو محمول على أنه نزل بالأمرين معاً ، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته لشخصين ، أو أعلم بذلك شخصاً واحداً وأمره بإثباتهما على الوجهين .
وما عدا ذلك من القراءات مِمَّا لايوافق الرسم فهو مِمَّا كانت القراءة جوزت به توسعة على الناس وتسهيلاً ، فلما آل الحال إلى ما وقع من الاختلاف في زمن عثمان ، وكفر بعضهم بعضاً اختاروا الاقتصار على اللفظ المأذون في كتابته وتركوا الباقي ) ا هـ [فتح الباري لابن حجر 8/646 ، 647 .]

ولعل ما ذكره الإمام أبو العباس المهدوي في شرح الهداية يعتبر خلاصة ما سبق وهو الذي ينبغي الاعتماد عليه ، وتقريره في هذه المسألة ، حيث قال : ( وأصح ما عليه الحذاق من أهل النظر في معنى ذلك - إن شاء الله - : أن ما نحن عليه في وقتنا هذا من هذه القراءات هو بعض الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن .
وتفسير ذلك : أن الحروف السبعة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن أنزل عليها تجري على ضربين :
أحدهما : زيادة كلمة ونقص أخرى ، وإبدال كلمة مكان أخرى ، وتقدمة كلمة على أخرى ، وذلك نحو ما روي عن بعضهم : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج } [ البقرة : 195 ] ... ورُوي عن بعضهم : { وجاء سكرة الحق بالموت } [ ق : 18 ] ، فهذا الضرب وما أشبهه متروك لاتجوز القراءة به ، ومن قرأ بشيء منه غير معاند ولا مجادل عليه وجب على الإمام أن يأخذه بالأدب بالضرب والسجن على ما يظهر له من الاجتهاد ، فإن قرأ به وجادل عليه ودعا الناس إليه وجب عليه القتل ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { المراء في القرآن كفر } ولإجماع الأمة على اتباع المصحف المرسوم .
والضرب الثاني : ما اختلف فيه القراء من إظهار وإدغام وروم وإشمام وقصر ومدّ ، وتخفيف وشدّ ، وإبدال حركة بأخرى ، وياء بتاء وواو بفاء وما أشبه ذلك من الاختلاف المتقارب ، فهذا الضرب هو المستعمل في زماننا هذا ، وهو الذي عليه خط مصاحف الأمصار ، سوى ما وقع فيه من اختلاف في حروف يسيرة .
فثبت بهذا أن هذه القراءات التي نقرؤها هي بعض من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن استعملت لموافقتها المصحف الذي اجتمعت عليه الأمة ، وتُرك ما سواها من الحروف السبعة لمخالفته لمرسوم المصحف ، إذ ليس بواجب علينا القراءة بجميع الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن ، وإذ قد أباح النبي عليه السلام لنا القراءة ببعضها دون بعض لقوله عزوجل : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ } [ المزمل : 20 ] فصارت هذه القراءات المستعملة في وقتنا هذا هي التي تيسرت لنا بسبب ما رآه سلف الأمة من جمع الناس على هذا المصحف ؛ لقطع ما وقع بين الناس من الاختلاف وتكفير بعضهم لبعض ، فهذا أصح ما قال العلماء في معنى هذا الحديث ، وما أشبهه من الأحاديث المأثورة عن النبي عليه السلام ) ا هـ .[ شرح الهداية للإمام أبي العباس المهدوي 1/5 - 7 باختصار يسير . ]
 
الأخ الفاضل أبو مجاهد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد أحسنت فعلاً بفصل هذه الموضوعات على هذا الشكل الحالي ، ولك جزيل الشكر بما تمتع به هذا الملتقى بهذه البحوث التافعة ، وأرجو أن أجد الوقت للمشاركة معكم في هذه الموضوعات .
محبكم : أبو عبد الملك
 
الأخ الفاضل أبو مجاهد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فصلك لهذه الموضوعات أتاح لنا فرصة الاستفادة مما كتبت وأرجو ان يكون هذا منهج الملتقى في الموضوعات الطويلة بحيث تقسم إلى مجالس ويحال عليها , وفي نهايتها توضع على ملف مضغوط في مكتبة الملتقى لمن أراد تحميلها .
 
بارك الله فيك أخي في الله على هذا الطرح العميق.

وأرجوا أن تقرأ مشاركتي الجديدة في هذا الموضوع, موضوع الأحرف السبعة.
 
تعليق على القول الأقوى والأشهر في المراد بالأحرف السبعة

تعليق على القول الأقوى والأشهر في المراد بالأحرف السبعة

بارك الله في الإخوة الأفاضل على التوضيحات المهمة بخصوص الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

وأمَّا القول الأقوى والأشهر فهو أن معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة ، نحو: أقبل ، وتعال، وهلم .
وهذا القول هو الذي عليه أكثر أهل العلم ، وإليه ذهب سفيان بن عيينة ، وعبدالله بن وهب ، وابن جرير الطبري والطحاوي ، وغيرهم من أهل العلم ، واختاره ابن عبدالبر كذلك .
فالأحرف السبعة على هذا القول سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد ، نحو : أقبل ، وتعال ، وهلم ، وعجل ، وأسرع ، فهي ألفاظ مختلفة لمعنى واحد .
إن هذا القول معارض بما تواتر من القراءات التي وردت فيها بعض الألفاظ التي تختلف معانيها باختلاف قراءاتها.. مثل قوله تعالى:
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ﴾ [الحجرات: 6] وفي قراءة ابن مسعود وحمزة والكسائي: «فتثبتوا»، ولا يجوز ترك التبين ولا التثبت، بل كلاهما واجب.
 
بسم الله الرحمن الرحيم

لعل مراد الأخت أم عاصم القراءات المشهورة المعروفة هي الأحرف السبعة

وهذا القول قاله أبو بكر بن الطيب رحمه الله فقد ذهب إلى أن المراد بالاحرف السبعة القراءات السبع
وهذا القول لم يقل به أحد من أهل العلم المحققين

ويبقى الراجح من قول النبي صلى الله عليه وسلم :" أنزل القرآن على سبعة أحرف " هو ما تتميز به كل قبيلة عن أختها من اختلاف في المفردات وتميز في الاصوات ففي لغة قريش مفردات لا توجد في لغة هذيل والعكس
فأذن الله تعالى لكل قبيلة أن تنطق بما يتناسب مع لسانها
والقرآن نزل بلسان قريش وقرأه جبريل عليه السلام بلسان قريش وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قرأه بلسان قريش ثم أذن لكل قبيلة أن تنطق بما يتناسب مع لسانها
فيكون معنى الأحرف السبعة الاذن بقراءته بأن تقراء كل قبيلة بلسانها

إن شاء الله يكون هذا هو المطلوب توضيحه يا أم عاصم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم: ابن العربي وفقه الله.
إن القراءات المقطوع بصحتها هي من الأحرف السبعة.. لكن ليس المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع!!
وأنا لم أذكر القول الذي يترجح عندي (من أقوال العلماء) في المراد بالأحرف السبعة، وإنما ذكرت اعتراضا على القول الذي أورده بعض الإخوة من أقوال العلماء ووصفه بالأقوى والأشهر.
إن القول بأن الأحرف السبعة هي سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد ، نحو : أقبل ، وتعال ، وهلم ، وعجل ، وأسرع ، فهي ألفاظ مختلفة لمعنى واحد، يعارضه ورود ألفاظ في قراءات متواترة يؤدي اختلاف قراءاتها إلى اختلاف المعاني. والأمثلة متعددة على ذلك، من بينها قوله تعالى: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ﴾ [الحجرات: 6] ففي قراءة ابن مسعود وحمزة والكسائي: «فتثبتوا»، والتبين هو البيان والتعرف، أما فتثبتوا فهو طلب الثبات والتأني حتى يتضح الحال (روح المعاني للآلوسي).
إن القائلين بهذا القول قد احتجوا بما جاء في حديث أبي بكرة «كلها شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب، نحو قولك: تعال وأقبل وهلم واذهب وأسرع واعجل».
وما جاء في حديث أبيّ بن كعب أنه كان يقرأ: ﴿لِلَّذِينَ ءَامَنُوا انظُرُونَا﴾ [ الحديد : 13]: للذين ءامنوا امهلونا ، للذين ءامنوا أخرونا ، للذين ءامنوا ارقبونا .
وكذلك روى عنه أنه كان يقرأ: ﴿كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ﴾ [ البقرة : 20] : مروا فيه ، سعوا فيه .

إن ما ذكر في هذه الأحاديث ليس من قبيل حصر الأحرف السبعة فيها وفي نوعها وحده حتى يصح الاستدلال بها على ما ذهبوا إليه، بل هو -كما قال ابن عبد البر- من قبيل ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها، وأنها معان متفق مفهومها، مختلف مسموعها، لا يكون في شيء منها معنى وضده.
وما ذكروه من الأحرف ليس خارجا عنها لكنه أخص والأحرف السبعة أعم (وانظر مناهل العرفان للزرقاني 1/168 وما قاله: د.حسن ضياء الدين عتر -في رده لهذا القول- في كتابه: الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها ص: 173).
أرجو أن يكون وجه التعارض قد تبين للأخ الفاضل: أبي مجاهد العبيدي. وأنتظر تعليقاتكم التي لا نعدم منها الفائدة.
 
القائلون بأن معنى الأحرف السبعة : سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد ، نحو : أقبل ، وتعال ، وهلم ، وعجل ، وأسرع ، فهي ألفاظ مختلفة لمعنى واحد = يرون أنه لم يبق من هذه الأحرف إلا حرف واحد ، وهو الذي يقرأ به الآن - ويدخل فيه جميع القراءات الصحيحة - ، وعلى هذا القول مع نتيجته لا يكون المثال الذي أوردته الأخت أم عاصم داخلاً في تعريف الأحرف السبعة . ثم إنه أيضاً ليس مطابقاً للتعريف ؛ لأن " تثبتوا " ليست بمعنى " تبينوا " ، فهاتان كلمتان مختلفتا المعنى ، والتعريف يقولون فيه : المعنى واحد .
 
الأخ المشرف: أبو مجاهد العبيدي وفقه الله.
إن لفظ " تثبتوا " ليس بمعنى " تبينوا "، وقد وردا في قراءتين متواترتين.
وهذا المثال لا يدخل في تعريف القائلين بأن معنى الأحرف السبعة : سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد..
فإذا كان كذلك، فأين يمكن إدراجه؟
لذلك يمكن الاعتراض على هذا التعريف -القول- بأنه ليس عامّا.
ومن الاعتراضات أيضا:
- نفى الطبري -وهو من القائلين بهذا القول- أن يكون اختلاف حركات الإعراب داخلا في الأحرف السبعة، وكذلك إبدال حرف تهج بآخر فقال:
"وأما ما كان من اختلاف القراءة في رفع حرف وجرّه ونصبه، وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة، فمن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : "أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف" بمعزل.." (مقدمة تفسير الطبري).
مع أن اختلاف حركات الإعراب وإبدال حرف تهج بآخر مما تتميز به بعض اللغات عن بعض.
ومراعاة ذلك يجلب التيسير في قراءة القرآن وتعلمه. والتيسير حكمة من الحكم المقصودة من الأحرف السبعة.
ذكر ابن قتيبة أن من تيسيره سبحانه على عباده أمره -عليه الصلاة والسلام- بأن يُقرئ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم: فالهذليّ يقرأ (عَتَّـى حِينٍ) يريد ﴿حَتَّـى حِينٍ﴾ [المومنون: 54]؛ لأنه هكذا يلفظ بها ويستعملها. والأسديّ يقرأ: تِعْلمون وتِعْلم و(تِسْوَدُّ وُجُوهٌ) و(أَلَمْ إعْهَدْ إِلَيْكُمْ).. (انظر تأويل مشكل القرآن ص: 39).
- يرى أصحاب هذا القول أن الأحرف الستة قد اندثرت بعد النسخ العثماني ولم يبق إلا حرف واحد من الأحرف السبعة. وهذا يعوزه الدليل الشرعي.(انظر مناهل العرفان 1/168 وما بعدها في رد هذا القول).
إن ما يمكن استخلاصه من قول الطبري وأصحابه في المراد بالأحرف السبعة أنه محاولة لتوضيح أمور تتعلق بهذه الأحرف، لكنه ترك ثغرات تحتاج إلى سدها.
 
الأخت الكريمة أم عاصم

المثال الذي ذكرتيه ليس له صلة بتعريف الأحرف السبعة ؛ فهو عنها بمعزل ....

لذلك لا تعارض بين القراءتين ، وبين تعريف الأحرف السبعة الذي اعتمده الطبري وغيره ....

أرجو ألا تخلطي بين القراءات السبع ، والأحرف السبعة ....

أما قولك الأخير : ( لكنه ترك ثغرات تحتاج إلى سدها ) فأوافقك عليه ، وهو ما يحاول الباحثون فعله عندما يبحثون في هذه المسألة ...
 
بحث ممتع بارك الله فيكم

لكن ترجيح قول ابن عبد البر واالطبري على اجتهاد ابن الجزري ومن نحى منحاهم عارضه ترجيحكم بقاء بعض الأحرف مما ذكرته وأيدته من كلام المهدوي وغيره

أبومجاهدالعبيدي قال:
ولعل ما ذكره الإمام أبو العباس المهدوي في شرح الهداية يعتبر خلاصة ما سبق وهو الذي ينبغي الاعتماد عليه ، وتقريره في هذه المسألة ، حيث قال : ( وأصح ما عليه الحذاق من أهل النظر في معنى ذلك - إن شاء الله - : أن ما نحن عليه في وقتنا هذا من هذه القراءات هو بعض الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن .
......
إلخ
.[ شرح الهداية للإمام أبي العباس المهدوي 1/5 - 7 باختصار يسير . ]

فهذا القول لا يتماشى مع الترجيح السابق بل لا يصلح له إلا مثل اجتهاد ابن الجزري في معنى الأحرف السبعة

ثم أن الأحاديث التي ذكرت فيها نحو أقبل وهلم وتعال لم تحقق على وجهها المطلوب
وأوهم كلام ابن عبد البر من حديث أبي بكرة أنها مرفوعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمشهور أنها صحت من روايات موقوفة على الصحابة كأمثال ابن مسعود رضي الله عنه، فمثل هذا يحتاج إلى مزيد تحقيق وبيان المدرج منها. فهل صح فيها حديث صحيح مرفوع؟
 
ثم وجدت حديث أبي بكرة رضي الله عنه عند الإمام أحمد في مسنده والبزار كذلك والطحاوي في مشكل الآثار وابن أبي شيبة في مصنفه والطبري في تفسيره كلهم من طرق عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن جبريل عليه السلام ، قال : اقرأ القرآن على حرف فاستزاده ، فقال : على حرفين فاستزاده حتى بلغ سبعة أحرف كل شاف كاف كقولك هلم وأقبل "

ومداره على علي بن زيد بن جدعان وحاله لا يخفى فمثل حديثه لا يصحح.

فبقي المعول في فهم الحرف على قول نحو هلم وأقبل على غير المرفوع والله أعلم

علما بأن هذا مثل به للتقريب لا للحصر، ونحو اجتهاد ابن الجزري المبني على تتبع كل ما تواتر وصح وشذ وضعف هو الرأي الأشمل والقول بالمترادفات يدخل فيه، علما بأن هناك من القراءات المتواترة مما ليس من المترادفات بل وقولك سميعا حكيما ليس كفولك غفورا رحيما
فليس هذا مترادفا

ولمستم ليس كلامستم

وتبينوا ليست كتثبتوا

ومالك ليست كملك

ويعملون ليست مرادفة لتعملون

والله أعلم
 
تتمة

تتمة

قال ابن جرير :

( وأما ما كان من اختلاف القراءة ، في رفع حرف وجرّه ونصبه ،

وتسكين حرف وتحريكه

ونقل حرف الى آخر، مع اتفاق الصورة،

فمن معنى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: ( اُمِرْتُ أنْ أقْرَأ القُرآنَ على سَبْعَةِ أحْرُفٍ ) بِمَعْزِلٍ ؛ لأنه معلوم أنه لا حرف من حروف القرآن -مما اختلفت القراءة في قراءته بهذا المعنى - يوجب المراء به كفرَ الممارى به في قول أحد من علماء الأمة.
وقد أوجب عليه الصلاة والسلام بالمراء فيه الكفر من الوجه الذي تنازع فيه المتنازعون إليه ، وتظاهرت عنه بذلك الرواية )
انتهى 1/65 تحقيق محمود شاكر
 
أم عاصم قال:
ومن الاعتراضات أيضا:
- نفى الطبري -وهو من القائلين بهذا القول- أن يكون اختلاف حركات الإعراب داخلا في الأحرف السبعة، وكذلك إبدال حرف تهج بآخر فقال:
"وأما ما كان من اختلاف القراءة في رفع حرف وجرّه ونصبه، وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة، فمن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : "أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف" بمعزل.." (مقدمة تفسير الطبري).
مع أن اختلاف حركات الإعراب وإبدال حرف تهج بآخر مما تتميز به بعض اللغات عن بعض.
ومراعاة ذلك يجلب التيسير في قراءة القرآن وتعلمه. والتيسير حكمة من الحكم المقصودة من الأحرف السبعة.
ذكر ابن قتيبة أن من تيسيره سبحانه على عباده أمره -عليه الصلاة والسلام- بأن يُقرئ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم: فالهذليّ يقرأ (عَتَّـى حِينٍ) يريد ﴿حَتَّـى حِينٍ﴾ [المومنون: 54]؛ لأنه هكذا يلفظ بها ويستعملها. والأسديّ يقرأ: تِعْلمون وتِعْلم و(تِسْوَدُّ وُجُوهٌ) و(أَلَمْ إعْهَدْ إِلَيْكُمْ).. (انظر تأويل مشكل القرآن ص: 39).
.......
 
أبومجاهدالعبيدي قال:
أرجو ألا تخلطي بين القراءات السبع ، والأحرف السبعة .

أخي الكريم لم أخلط بين القراءات السبع والأحرف السبعة. وإذا بدا لك الخلط فأعتقد أنه راجع إلى:
أن من بين الاعتراضات على القول الذي توصلتَ إلى أنه الراجح في المراد بالأحرف السبعة (وهو أنها سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد ، نحو : أقبل، وتعال، وهلم، وعجل، وأسرع، فهي ألفاظ مختلفة لمعنى واحد)، وجود قراءات متواترة لا يشملها هذا القول.
فذهب أصحاب هذا القول إلى أن هذه القراءات ليست من الأحرف السبعة.
بينما اعتمدت على القول الذي يرى بأن الأحرف السبعة هي مصدر القراءات المقطوع بصحتها، لا مصدر سواها.
وبالتالي فهذه القراءات هي من الأحرف السبعة. وبين الأحرف والقراءات عموم وخصوص.
وبناء على ذلك قلتُ بأن هذا القول ليس عاما..
قال أبو العباس أحمد بن يوسف الكواشي في أول تفسيره التبصرة: وكل ما صح سنده واستقام وجهه في العربية ووافق لفظه خط المصحف الإمام فهو من السبعة المنصوص عليها ولو رواه سبعون ألفا مجتمعين أو متفرقين.. (النشر في القراءات العشر 1/44).
وهذا ما خلصتَ إليه أيضا حين قلتَ:
ولعل ما ذكره الإمام أبو العباس المهدوي في شرح الهداية يعتبر خلاصة ما سبق وهو الذي ينبغي الاعتماد عليه ، وتقريره في هذه المسألة ، حيث قال : ( وأصح ما عليه الحذاق من أهل النظر في معنى ذلك - إن شاء الله - : أن ما نحن عليه في وقتنا هذا من هذه القراءات هو بعض الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن . .
فثبت بهذا أن هذه القراءات التي نقرؤها هي بعض من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن استعملت لموافقتها المصحف الذي اجتمعت عليه الأمة ، وتُرك ما سواها من الحروف السبعة لمخالفته لمرسوم المصحف ، إذ ليس بواجب علينا القراءة بجميع الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن.. [ شرح الهداية للإمام أبي العباس المهدوي 1/5 - 7 باختصار يسير].
وقال الطبري في كتاب "القراءات":
"كل ما صح عندنا من القراءات أنه عَلَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته من الأحرف السبعة التي أذن الله له، ولهم أن يقرأوا بها القرآن. فليس لنا أن نخطئ من قرأ إذا كان ذلك به موافقا لخط المصحف"(ذكره صاحب كتاب الإبانة).
 
أبومجاهدالعبيدي قال:
قال ابن جرير :

( وأما ما كان من اختلاف القراءة ، في رفع حرف وجرّه ونصبه ،

وتسكين حرف وتحريكه

ونقل حرف الى آخر، مع اتفاق الصورة،

فمن معنى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: ( اُمِرْتُ أنْ أقْرَأ القُرآنَ على سَبْعَةِ أحْرُفٍ ) بِمَعْزِلٍ ؛ لأنه معلوم أنه لا حرف من حروف القرآن -مما اختلفت القراءة في قراءته بهذا المعنى - يوجب المراء به كفرَ الممارى به في قول أحد من علماء الأمة.
وقد أوجب عليه الصلاة والسلام بالمراء فيه الكفر من الوجه الذي تنازع فيه المتنازعون إليه ، وتظاهرت عنه بذلك الرواية )
انتهى 1/65 تحقيق محمود شاكر

هذه غريبة من الإمام الطبري والواقع يخالفها، فلو وجد من ينكر قراءة مالك أو فتثبتوا ويماري في ذلك فقد كفر بالإجماع،
فائدة:
تظاهر الرواية الذي أشار إليه الإمام الطبري إنما يفهم من فعل سيدنا عثمان رضي الله عنه أما التصريح بما تنازع فيه المتنازعون فما وقفت بعد التتبع إلى على رواية واحدة عند ابن أبي داود في المصاحف أنهم اختلفوا يومئذ في قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله
وقال الآخر وأتموا الحج والعمرة للبيت

لكن هذا لا ينفي البتة كون إنكار قراءة الآية بما صح عن رسول الله ليس كفرا فلذا جاء في الأثر أن سيدنا عثمان بعث مع كل مصحف قارئ يقرئ الناس بما صح عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وابن جرير كما لا يخفى له زلات في مسألة القراءات ردها عليه جمهور العلماء بغض النظر عن الأعذار التي التمست له وقد بحث بعضها هنا في الملتقى



والله أعلم
 
عودة
أعلى