الوحي في اللغة : الإشارة ، والكتابة ، والإلهام ، والكلام الخفي ، وكل ما ألقيته إلى غيرك .[ لسان العرب لابن منظور 15/239 - 240 ، مادة ( وحي ) ]
وأصل الوحي : الإشارة السريعة كما في مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ص 858 ، وقال بعضهم : أصله في اللغة إعلامٌ في خفاء كما في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي 4/335 .
وأمَّا تعريف الوحي في الاصطلاح الشرعي ، فقد اختلفت عبارات العلماء في تعريفه ، فمنهم من أوجز فقال : ( هو الإعلام بالشرع ، وقد يطلق الوحي ويراد به اسم المفعول منه ، أي الموحى ، وهو كلام الله المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم) [فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر 1/14 – 15] .
ومنهم من أسهب فقال : ( الوحي معناه في الشرع أن يُعلم الله تعالى من اصطفاه من عباده كلّ ما أراد إطلاعه إليه من ألوان الهداية والعلم ، ولكن بطريقة سرية خفية غير معتادة للبشر ) [مناهل العرفان لمحمد عبدالعظيم الزرقاني 1/64] .
ومنهم من أراد أن يأتي بما لم يأت به السابقون فقال : ( وقد عرفوه شرعاً : بأنه إعلام الله تعالى لنبي من أنبيائه بحكم شرعي ونحوه ، أمَّا نحن فنعرفه على شرطنا بأنه عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قبل الله بواسطة أو بغير واسطة ، والأول بصوت يتمثل لسمعه أو بغيرصوت ، ويفرق بينه وبين الإلهام بأن الإلهام وجدان تستيقنه النفس وتنساق إلى ما يطلب من غير شعور منها من أين أتى ، وهو أشبه بوجدان الجوع والعطش والحزن والسرور ) [هذا تعريف محمد عبده للوحي في رسالة التوحيد كما نقله عنه تلميذه محمد رشيد رضا في كتاب الوحي المحمدي ص 44 ، 45 ، ونقله غيره من العلماء الذين ألّفوا في علوم القرآن . وانظر نقد هذا التعريف وبيان المآخذ عليه كتاب منهج المدرسة العقليَّة الحديثة في التفسير للدكتور فهد ابن عبدالرحمن الرومي 2/486 ومابعدها .]
وكل التعريفات السابقة لم تخل من مقال ونقد .
ولعل الأقرب في بيان معنى الوحي في الشرع أن يقال : هو إعلام الله تعالى لمن اصطفاه من عباده بطريق خفية سريعة . [من كتاب علوم القرآن الكريم للدكتور نور الدين عتر ص 15 .]
وهذا التعريف عندما يطلق الوحي ويراد به المصدر .
وأمَّا إذا أطلق وأريد به اسم المفعول ( الموحَى ) فإنه يقال في تعريفه : هو ما أنزله الله على أنبيائه وعرّفهم به من أنباء الغيب والشرائع والحكم . [من كتاب الوحي المحمدي لمحمد رشيد رضا ص 44 ].
ولمزيد من الإيضاح والبيان لمعنى الوحي الاصطلاحي الشرعي يُقال : ( ينقسم الوحي بمعناه الاصطلاحي إلى قسمين أساسين :
1 - وحي الله إلى ملائكته .
2 - وحي الله إلى رسوله من البشر .
وبيان ذلك : أنه قد جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يبين أن الله يكلم الملائكة ويوحي إليهم ، كما قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ... } الآيات [ البقرة : 30 ] ، وقال تعالى : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا" } الآية [ الأنفال : 12 ] .
والمذهب الصحيح الذي عليه أهل السنة والجماعة في كيفية وحي الله إلى جبريل بالقرآن أن جبريل - عليه السلام - قد سمع القرآن الكريم من الله تعالى بكلامه المخصوص وبالكيفية التي يعلمها الله تعالى وحده .
ويؤيد هذا ويدل عليه ماجاء في الحديث الشريف عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة ، أو قال : رعدة شديدة خوفاً من الله عزوجل ، فإذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا وخرّوا لله سجداً ، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل - عليه السلام - فيكلمه الله من وحيه بما أراد ، ثُمَّ يمر جبريل على الملائكة كلما مرّ بسماء سأله ملائكتها : ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول جبريل : ( قال الحق وهو العلي الكبير ) فيقولون كلهم مثلما قال جبريل ، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عزوجل } . [هذا الحديث أخرجه الطبري في تفسيره 10/373 ، والبيهقي في الأسماء والصفات 1/511 - 512 رقم [435] وقال محققه : إسناده ضعيف . وأخرجه أيضاً البغوي في تفسيره 6/398 ، وذكره ابن كثير في تفسيره 3/516 وعزاه لابن أبي حاتم ثُمَّ قال : ( وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي يقول : ليس هذا الحديث بالتام عن الوليد بن مسلم - رحمه الله - ) .
والحديث ضعفه الألباني في ظلال الجَنَّة 1/227 .
والحديث ثابت بلفظ قريب من هذا ، وهو : ( إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجرس السلسلة على الصفا ، فيصعقون ، فلايزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل ، حتى إذا جاءهم جبريل فزّع عن قلوبهم ، قال : فيقولون : يا جبريل ! ماذا قال ربك ؟ فيقول : الحق ، فيقولون : الحق الحق ) . فقد ذكره الألباني بهذا اللفظ في الصحيحة برقم [1293] ثُمَّ قال : ( أخرجه أبو داود 2/536 - 537 الحلبي ) وابن خزيمة في التوحيد ص 95 - 96 ، والبيهقي في الأسماء والصفات ص 200 عن أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عبدالله قال : قال رسول الله r فذكره . قلتُ : وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ... ) السلسلة الصحيحة 3/282 - 283 . وانظر أيضاً في تخريجه : كتاب شرح لمعة الاعتقاد للشيخ محمد بن عثيمين ، بتحقيق أشرف بن عبدالمقصود ص 76 ، 77 - حاشية ) .]
وأمَّا وحي الله إلى رسله من البشر فهو على نوعين :
النوع الأول : الوحي بغير واسطة وهو قسمان :
أولهما : الرؤيا الصالحة في النوم .
ثانيهما : الكلام الإلهي من وراء حجاب بدون واسطة في اليقظة لا في المنام .
النوع الثاني : الوحي إلى الرسل بواسطة الملك ، وهو الذي نزل به القرآن ، وله كيفيات متنوعة ، وآثار كثيرة سيأتي بيانها - إن شاء الله - ) . [ما بين القوسين مأخوذ باختصار شديد وبتصرف يسير من كتابي : مباحث في علوم القرآن للقطان ص 34 - 39 ، وبحوث منهجية في علوم القرآن الكريم لموسى إبراهيم الإبراهيم ص 17 - 19 . ]
صور وكيفيات نزول الوحي
أشار ابن عبدالبر - رحمه الله - إلى أن لنزول الوحي صوراً وضروباً كثيرة ، وقد ذكر منها الصور التالية :
1 - أن يأتي الوحي في مثل صلصلة الجرس - أي في مثل صوت الجرس - ، وقد كان الوحي يأتي النبي r بهذه الصورة فيفصم عنه وقد وعى ما قال .
وهذه الصورة أشد الصور على النبي صلى الله عليهوسلم ، وفيها يأتيه جبريل على صورته الملكية ولكنه لايراه ، ويعرف مجيئه بهذا الصوت الذي يشبه صوت الجرس ، أو يكون له دوي كدوي النحل كما في بعض الأحاديث .
وقد دلّ على هذه الصورة حديث عائشة الذي سأل الحارث ابن هشام فيه النبي صلى الله عليه وسلم : كيف يأتيك الوحي ؟ قال : { أحياناً يأتيني في مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده عليّ ، فيفصم عني وقد وعيت ما قال ... } الحديث .
وعن عبدالرحمن بن عبدٍ القاريِّ( 1) قال : سمعتُ عمر بن الخطاب يقول : كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي نسمع عند وجهه كدويّ النحل( 2) ، فمكثنا ساعة ، فاستقبل ورفع يديه ، فقال : { اللهم زدنا ولاتنقصنا ، وأكرمنا ولاتهنّا ، وأعطنا ولاتحرمنا ، وآثرنا ولاتؤثر علينا ، وارضنا وارض عنا ، ثُمَّ قال : { أنزل عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة } ثُمَّ قرأ : { قَدْ أَفْلَحَ ا؟لْمُؤْمِنُونَ } [ المؤمنون : 1 ] حتى ختم عشر آيات( 3) .
ولاتعارض بين كون الوحي يأتيه على مثل صلصلة الجرس ، وكونه يُسمع له صوت كدوي النحل ؛ لأن سماع الدوي بالنسبة للحاضرين - كما في حديث عمر - حيث قال : يُسمع عند وجهه كدوي النحل ، والصلصلة بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فشبهه عمر بدوي النحل بالنسبة إلى السامعين ، وشبهه هو صلى الله عليه وسلم بصلصلة الجرس بالنسبة إلى مقامه ، أفاد ذلك ابن حجر( 4) .
2 - أن يتمثل الملك رجلاً ، فيكلم النبي صلى الله عليه وسلم فيعي ما يقول : وهذه الصورة أهون الصور على النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء ، ذلك في رواية عند أبي عوانة في صحيحه ، حيث زاد في آخر حديث عائشة السابق { وهو أهونه عليّ }( 5) .
وقد أشار ابن عبدالبر إلى هذه الصورة بقوله : ( وأحياناً يأتيه جبريل في هيئة إنسان فيكلمه مشافهة كما يكلم المرء أخاه ، وذلك بيّن في حديث عمر بن الخطاب وعبدالله بن عمر في الإيمان والإسلام ، وحديثه حين جاءه جبريل في صفة دحية الكلبي )(6 ) ا هـ .
فهذه الصورة يأتي فيها جبريل في صورة رجل ، يراه الحاضرون ويسمعون قوله ولايعرفون حقيقته ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم علم اليقين أنه جبريل ، ويعي ما يقول .
وهي أخف من سابقتها ، حيث يكون التناسب بين المتكلم والسامع ويأنس رسول النبوة عند سماعه من رسول الوحي ، ويطمئن إليه اطمئنان الإنسان لأخيه الإنسان( 7) .
وقد دلّ على هذه الصورة أحاديث كثيرة :
منها حديث عائشة السابق ، وفي آخره : { وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعى ما يقول }( ) .
ومنها حديث عمر بن الخطاب الذي رواه عنه ابنه عبدالله ، حيث قال عمر في أول الحديث : بينما نحن جلوس عند النبي r ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لايُرى عليه أثر السفر ، ولايعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي r ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ... الحديث وفيه سؤال ذلك السائل النبي r عن الإسلام والإيمان والإحسان ، وسؤاله عن الساعة وأماراتها ، وفي آخره : أن النبي r قال لعمر : { يا عمر ، أتدري من السائل ؟ } قلتُ : الله ورسوله أعلم ، قال : { فإنه جبريل آتاكم يعلمكم دينكم } أخرجه مسلم( ) .
وفي رواية للإمام أحمد عن ابن عمر قال : وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي r في صورة دحية الكلبي( ) .
وفي صحيح البخاري عن أبي عثمان( 8) قال : أنبئت أن جبريل أتى النبي rوعنده أم سلمة ، فجعل يتحدث ، فقال النبي r لأم سلمة : مَن هذا ؟ أو كمال قال ، قالت : هذا دحية ، فلما قام قالت : والله ما حسبته إلاَّ إياه ، حتى سمعت خطبة النبي r يخبر خبر جبريل ، أو كما قال(9 ) .
قال ابن حجر( 10) : ( وكان جبريل يأتي النبي r غالباً على صورته )( 11) .
3 - أن يأتي جبريل في صورته التي خلقه الله عليها : وهذه الصورة نادرة ، وقد ورد عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرَ جبريل على هذه الحالة إلاَّ مرتين ، مرة في الأرض وهو نازل من غار حراء ، ومرة أخرى في السماء عند سدرة المنتهى ليلة المعراج - كما سيأتي في كلام ابن القيم - رحمه الله - .
وهذه الصورة أشار إليها ابن عبدالبر بقوله : ( وقد كان صلى الله عليه وسلم يُبَدّى له جبريل بين السماء والأرض ، وذلك بيّن في حديث جابر بن عبدالله ) ا هـ .
وحديث جابر هذا رواه البخاري في كتاب بدء الوحي ، ولفظه : ( قال ابن شهاب : وأخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن( 12) أن جابر بن عبدالله الأنصاري قال - وهو يحدث عن فترة الوحي - فقال في حديثه : { بينا أنا أمشي ، إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسٌ على كرسي بين السماء والأرض ، فرُعبت منه ، فرجعت فقلت : زملوني ، فأنزل الله تعالى : { يَــأَيُّـــهَا الْمُدَّثِّرُ . قُمْ فَأَنذِرْ } إلى قوله :{ وَا؟لرُّجْزَ فَا؟هْجُرْ } [ المدثر : 1 - 5 ] فحمي الوحي وتتابع } ) .
وأمَّا المرة الثانية التي رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيها جبريل على صورته فكانت في السماء ، عند سدرة المنتهى ، كما قال تعالى : { وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى .عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى } [ النجم : 13 ، 14 ] .
قال البغوي( 13) - رحمه الله - في تفسيره : ( { وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى } يعني : رأى جبريل في صورته التي خلق عليها نازلاً من السماء نزلة أخرى ، وذلك أنه رآه في صورته مرتين ، مرة في الأرض ، ومرة في السماء )( 14) .
قال ابن القيم - رحمه الله - : ( وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن المراد بقوله تعالى : { وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى .عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى } [ النجم : 13 ، 14 ] جبريل عليه الصلاة والسلام ، رآه على صورته التي خلق عليها مرتين ... في صحيح مسلم عن أبي هريرة { وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى = 13 } قال : رأى جبريل عليه السلام(15 ) .
وفي صحيحه أيضاً عن مسروق( 16) قال : كنت متكئاً عند عائشة فقالت : ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية ، قلتُ : ما هنّ ؟ قالت : من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية . قال : وكنت متكئاً فجلست ، فقلت : يا أم المؤمنين أنظريني ولاتعجليني ؛ ألم يقل الله عزوجل : { وَلَقَدْ رَءَاهُ بِالأُفُقِ الْمُبِيـنِ} [ التكوير : 23 ] { وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى } [ النجم : 13 ] ؟ فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله r فقال : { إنَّما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين ، رأيته منهبطاً من السماء سادّاً عظم خلقه ما بين السماء والأرض } فقالت : أولم تسمع أن الله عزوجل يقول : { لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [ الأنعام : 103 ] أولم تسمع أن الله عزوجل يقول : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ" إِنَّهُ , عَلِيٌّ حَكِيمٌ = 51 } [ الشورى : 51 ] الحديث(17 ) .
والمقصود أن المخبر عنه بالرؤية في سورة النجم هو جبريل )( 18) ا هـ .
الحوشي السفلية
( 1) هو : عبدالرحمن بن عبدٍ القارىّ المدني ، ولد في أيام النبوة ، وهو من جلة تابعي المدينة وعلمائها ، توفي إحدى وثمانين ، وقيل : ثمانين وله ثمان وسبعون سنة . انظر : الاستيعاب لابن عبدالبر 2/381 ، 382 .
( 2) دوي النحل هو ما يُسمع منه إذا تجمع . انظر : معجم مقاييس اللغة لابن فارس 2/309 .
( 3) أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/255 ، 256 رقم [223] بتحقيق أحمد شاكر وقال : إسناده صحيح ، ورواه الترمذي في تفسير القرآن ، باب : ومن سورة المؤمنين 5/305 رقم [3073] ، ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، ورواه البغوي في شرح السنة وقال : هذا حديث حسن 5/177 ، وفي صحة الحديث اختلاف بين المحدثين ذكره أحمد شاكر في تحقيقه على المسند 1/255 ، 256 ، وانظر : ضعيف الجامع الصغير وزيادته للألباني رقم [1208] .
( 4) انظر : فتح الباري شرح صحيح البخاري 1/27 .
( 5) أشار إلى هذه الرواية ابن حجر في الفتح 1/29 .
( 6) الاستذكار 8/65 ، 66 .
( 7) انظر : مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص 39 .
( 8) هو : أبو عثمان النهدي ، الإمام الحجة ، عبدالرحمن بن مِـُلّ - وقيل : ابن مَلي - البصري ، مخضرم معمر ، أدرك الجاهليَّة والإسلام ، وغزا في خلافة عمر ، روى عن كبار الصحابة وهو أكبر من صغارهم ، كان كثير الصلاة والعبادة ، يقوم الليل ويصوم النهار ، ويصلي حتى يُغشى عليه ، مات سنة مائة . انظر : السير 4/175 - 178 .
( 9) صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن ، باب : كيف نزل الوحي وأول ما نزل رقم [4980] 8/619 مع الفتح .
( 10) هو : أحمد بن عليّ بن محمد الكناني العسقلاني ، أبو الفضل ، شهاب الدين ، من أئمة العلم والتاريخ ، وأمير المؤمنين في الحديث ، علت شهرته فقصده الناس للأخذ عنه وأصبح حافظ الإسلام في عصره ، قال السخاوي : انتشرت مصنفاته في حياته وتهادتها الملوك وكتبها الأكابر ، تصانيفه كثيرة جداً ، وهي مشهورة متداولة بين أهل العلم ، ولد سنة 773 هـ ، ومات سنة 852 هـ . انظر : الأعلام للزركلي 1/178 ، 179 .
( 11) فتح الباري 8/621 .
( 12) هو : أبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف ، الحافظ ، أحد الأعلام بالمدينة ، كان طلاّبة للعلم فقيهاً ، مجتهداً كبير القدر ، حجة ، كثير الحديث ، توفي سنة 94 بالمدينة وهو ابن 72 سنة . انظر : السير 4/287 - 292 .
( 13) هو : الشيخ الإمام ، العلامة القدوة الحافظ ، محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود بن الفراء ، البغوي الشافعي ، المفسّر المحدث ، صاحب التصانيف النافعة كشرح السنة ، ومعالم التنزيل والمصابيح وغيرها ، وقد بورك له فيها ، ورزق فيها القبول ، كان زاهداً قانعاً باليسير ، توفي سنة 516 هـ بمرو . انظر : السير 19/439 - 443 .
( 14) تفسير البغوي 7/404 .
( 15) رواه مسلم في كتاب الإيمان ، باب : معنى قول الله عزوجل : { وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى } وهل رأى النبي e ربّه ليلة الإسراء رقم [175] .
( 16) هو : مسروق بن الأجدع ، أبو عائشة الهمداني ، الكوفي ، الفقيه ، أحد الأعلام ، من أصحاب عبدالله بن مسعود ، قال ابن المديني : ما أقدم على مسروق أحداً من أصحاب عبدالله ، وقد صلى خلف أبي بكر الصديق ، توفي سنة 63 - رحمه الله - . انظر : طبقات علماء الحديث 1/102 ، 103 ، سير أعلام النبلاء 4/63 ، 69 .
( 17) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب : معنى قول الله عزوجل : { وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى } وهل رأى النبي e ربه ليلة الإسراء رقم [177] ص 97 ( ط : بيت الأفكار الدولية ) .
( 18) بتصرف واختصار من كتاب بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية 4/282 - 284 .
4-- الرؤيا الصادقة في المنام : وكانت مبدأ الوحي إلى النبي r كما في صحيح البخاري عن عائشة قالت : أول ما بدئ به رسول الله r من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لايرى رؤيا إلاَّ جاءت مثل فلق الصبح ....
قال ابن عبدالبر - رحمه الله - : ( ولا خلاف بين العلماء أن رؤيا الأنبياء وحي بدليل قوله عزوجل حاكياً عن إبراهيم وابنه صلوات الله عليها : { إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ } [ الصافات : 102 ] يعني ما أمرك الله به في منامك . وهذا واضح ، والحمد لله كثيراً )( 1) ا هـ .
فرؤيا الأنبياء وحيٌ بلاشك ، ومِمَّا يدل على ذلك أيضاً ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : رؤيا الأنبياء وحي( 2) .
وأمَّا رؤيا غير الأنبياء فقد أخبر النبي r أن الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزاءً من النبوة( 3) .
ووجه كون الرؤيا الحسنة جزءاً من النبوة محتمل لأمور ذكرها ابن حجر - رحمه الله - وهي باختصار :
الأول : أن الرؤيا إن وقعت من نبي فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة ، وإن وقعت من غير النبي فهي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز .
الثاني : أن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة لا أنها جزء باق من النبوة .
الثالث : أنها جزء من عِلْمِ النبوة ؛ لأن النبوة وإن انقطعت فعلمها باق( 4) .
وأمَّا ابن عبدالبر فقال في وجه كون الرؤيا الحسنة جزءاً من النبوة : ( وقد يحتمل أن تكون الرؤيا جزءاً من النبوة لأن فيها ما يعجز ويمتنع كالطيران ، وقلب الأعيان ، ولها التأويل الحسن ، ورُبَّما أغنى بعضها عن التأويل )( 5) .
وهذه الأقوال كلها محتملة ، ولا تعارض بينها ، فهي متوافقة غير متدافعة ولا متعارضة . ولايلزم منها أن تكون النبوة باقية لبقاء جزء منها ، وذلك لأن جزء الشيء إذا ثبت فلايلزم من ذلك كون الشيء ثابتاً موجوداً ، كمن قال : أشهد أن لا إله إلاَّ الله رافعاً صوته لايسمى مؤذناً ، ولايُقال إنه أذن ، وإن كانت جزءاً من الأذان ، وكذا لو قرأ شيئاً من القرآن وهو قائم لايسمى مصلياً وإن كانت القراءة جزءاً من الصلاة( 6) .
وإذا كانت الرؤيا الحسنة الصادقة من الرجل الصالح الصادق جزءاً من النبوة ، فهل تعتبر وحياً يترتب عليه ما يترتب على وحي الأنبياء من تشريع الأحكام ، والعمل بمقتضاها كما في رؤيا إبراهيم عندما رأى أنه يذبح ابنه إسماعيل ؟ .
قال ابن عبدالبر - رحمه الله - عند شرحه لحديث عبدالله بن زيد ، الذي رأى فيه أنه رأى رجلاً في المنام فعلمه صفة الأذان ، فلما أخبر بها النبي r قال : إنها لرؤيا حق - إن شاء الله - ، قال : ( وفي ذلك أوضح الدلائل على أن الرؤيا من الوحي والنبوة ، وحسبك بذلك فضلاً لها وشرفاً ، ولولم تكن من الوحي ما جعلها عليه السلام شرعة ومنهاجاً لدينه ، والله أعلم )(7 ) ا هـ .
وهذا الذي ذكره ابن عبدالبر يُفهم منه أن مشروعية الأذان كانت بناءً على هذه الرؤيا ، وهذا المفهوم مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة من الإجماع على أنه لايترتب على رؤيا غير الأنبياء تشريع حكم شرعي ، وإنَّما تكون تأنيساً للرائي أو تبشيراً له أو إنذاراً(8 ) .
قال المحقق الشاطبي( 9) في كتاب الاعتصام وهو يبين مآخذ أهل البدع : ( وأضعف هؤلاء احتجاجاً قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المقامات وأقبلوا وأعرضوا بسببها ، فيقولون : رأينا فلاناً الرجل الصالح ، فقال لنا : اتركوا هذا ، واعملوا كذا ، ويتفق مثل هذا كثيراً للمتمرسين برسم التصوف ، ورُبَّما قال بعضهم : رأيت النبي r في النوم ، فقال لي كذا ، وأمرني بكذا ، فيعمل بها ويترك بها معرضاً عن الحدود الموضوعة في الشريعة ، وهو خطأ ؛ لأن الرؤيا من غير الأنبياء لايحكم بها شرعاً على حال إلاَّ أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية ، فإن سوغتها عمل بمقتضاها وإلاَّ وجب تركها والإعراض عنها ، وإنَّما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة ، وأمَّا استفادة الأحكام فلا ...
ولايُقال : إن الرؤيا من أجزاء النبوة فلاينبغي أن تهمل ، وأيضاً : إن المخبِر في المنام قد يكون النبي r وهو قد قال : { من رآني في النوم فقد رآني حقاً ، فإن الشيطان لايتمثل بي }( 10) وإذا كان كذلك فإخباره في النوم كإخباره في اليقظة ؛ لأنا نقول : إن كانت الرؤيا من أجزاء النبوة ، فليست إلينا من كمال الوحي ، بل جزء من أجزائه ، والجزء لايقوم مقام الكل في جميع الوجوه ، بل إنَّما يقوم مقامه في بعض الوجوه ، وقد صرفت إلى جهة البشارة والنذارة ، وفيها كفاية .
وأيضاً فإن الرؤيا التي هي جزء من أجزاء النبوة من شرطها أن تكون صالحة من الرجل الصالح ، وحصول الشرط مِمَّا يُنظر فيه ، فقد تتوفر وقد لاتتوفر .
وأيضاً فهي منقسمة إلى الحلم ، وهو من الشيطان وإلى حديث النفس ، وقد تكون [ سبب ]( 11) هيجان بعض أخلاط ، فمتى تتعين الصالحة التي يحكم بها وتترك غير الصالحة ؟ .
ويلزم أيضاً على ذلك أن يكون تجديد وحي يحكم به بعد النبي r وهو منهي عنه بالإجماع ... .
وأمَّا الرؤيا التي يخبر فيها رسول الله r الرائي بالحكم فلابد من النظر فيها أيضاً ، لأنه إذا أخبر بحكم موافق لشريعته فالحكم بما استقر ، وإن أخبر بمخالف فمحال ؛ لأنه r لاينسخ بعد موته شريعته المستقرة في حياته ؛ لأن الدين لايتوقف استقراره بعد موته على حصول المرائي النومية ؛ لأن ذلك باطل بالإجماع ، فمن رأى شيئاً من ذلك فلا عمل عليه ، وعند ذلك نقول : إن رؤياه غير صحيحة ، إذ لو رآه حقاً لم يخبره بما يخالف الشرع )( 12) ا هـ .
وعلى هذا فما ذكره ابن عبدالبر في شرحه لحديث عبدالله بن زيد من كون الرؤيا هي الأصل في مشروعية الأذان غير مسلّم ، وإنَّما الذي يؤخذ من الحديث ومن قول النبي r فيه : { إنها لرؤيا حق - إن شاء الله - فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت }( ) أن النبي r رضى هذه الرؤيا واستبشر بها ، وأقره على ماجاء فيها( 13) .
قال النووي( 14) - رحمه الله - في شرحه لصحيح مسلم : ( رأى عبدالله بن زيد الأذان فشرعه النبي r بعد ذلك إمَّا بوحي وإمَّا باجتهاده r على مذهب الجمهور في جواز الاجتهاد له r . وليس هو عملاً بمجرد المنام ، هذا ما لايشك فيه بلا خلاف )( 15) .
5- أن يأتي الملَكُ فيلقي في روع النبي r وقلبه من غير أن يراه ، مع تيقنه أن ما ألقى إليه من قبل الله ، وهذا النوع قليل ، ومنه ماجاء في الحديث أن النبي r قال : { إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولايحملنكم استبطاء الرزق على أن تبطلوه بمعصية الله ، فإن ما عند الله لاينال إلاَّ بطاعته } .
ولم يبق من الصور المشهورة إلاَّ صورة واحدة ، وهي :
6 - الكلام من وراء حجاب : أي كلام الله للرسول مباشرة بغير واسطة من وراء حجاب ، وهذه الصورة ثابتة لموسى عليه السلام كما قال الله تعالى : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } [ النساء : 164 ] ، وقال تعالى :{وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ , رَبُّهُ , قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ... } [ الأعراف : 143 ] .
وهذه الصورة أو المرتبة ثابتة لنبينا محمد r أيضاً ، وذلك ليلة الإسراء والمعراج كما صحت بذلك الأحاديث . [انظر : مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص 38 ، وانظر ذكر هذه الأحاديث في صحيحي البخاري ومسلم . انظر : صحيح البخاري كتاب الصلاة ، باب : كيف فرضت الصلاة في الإسراء رقم [349] ص 90 ، 91 ( ط : بيت الأفكار الدولية . وانظر : صحيح مسلم كتاب الإيمان ، باب : الإسراء بالرسول e إلى السماوات وفرض الصلوات رقم [163] ص 91 ، 92 ( ط : بيت الأفكار الدولية ) . ]
الحواشي السفلية :
( 1) الاستذكار 27/120 .
( 2) المعجم الكبير للطبراني 12/6 رقم [12302] وأخرجه الطبري في تفسيره بلفظ : { كانت رؤيا الأنبياء وحياً } 15/554 بتحقيق أحمد شاكر ، وذكره ابن كثير عن ابن عباس بلفظ : { رؤيا الأنبياء في المنام وحي } وقال بعده : ليس هو في شيء من الكتب التسعة من هذا الوجه .
وفي صحيح البخاري في كتاب الوضوء ، باب : التخفيف في الوضوء عن عبيد بن عمير قال : رؤيا الأنبياء وحي ، ثُمَّ قرأ { إِنِّي% أَرَى فِي ا؟لْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } ص 52 ، 53 حديث رقم [138] ( ط : بيت الأفكار الدولية ) .
(3 ) الحديث أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الرؤيا ، باب : ماجاء في الرؤيا عن أنس بن مالك أن رسول الله e قال : { الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة } ص 278 ، وأخرجه البخاري في التعبير ، باب : رؤيا الصالحين رقم [6582] .
وللحديث روايات أخرى كثيرة فيها غير هذا العدد ، ففي رواية أخرجها مسلم في صحيحه رقم [2263] من حديث أبي هريرة : { ... جزء من خمسة وأربعين جزءاً من النبوة } وفي أخرى عند مسلم أيضاً رقم [2265] من حديث ابن عمر : { جزء من سبعين جزءاً من النبوة } . وانظر في التوفيق بين هذه الروايات : التمهيد لابن عبدالبر 1/283 ، وفتح الباري لابن حجر 12/380 - 385 .
( 4) انظر : فتح الباري لابن حجر 12/380 .
( 5) التمهيد 1/285 .
( 6) انظر : فتح الباري لابن حجر 12/392 .
( 7) الاستذكار 4/10 ومثله في التمهيد 24/27 .
( 8) انظر : كتاب الرؤى والأحلام في النصوص الشرعية لأسامة الريّس ص 210 .
(9 ) هو : إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي ، الشهير بالشاطبي ، أصولي حافظ ، صاحب : { الموافقات في أصول الشريعة } و { الاعتصام } ، توفي سنة 790 هـ . انظر : الأعلام للزركلي 1/75 .
( 10) في صحيح البخاري في كتاب التعبير ، باب : من رآى النبي e في المنام يمن أنس رضي الله عنه قال : قال النبي e : { من رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لايتمثل بي ، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة } 12/399 - 400 مع الفتح .
وقال أبو قتادة : قال رسول الله e : { من رآني فقد رأى الحق } 12/400 . وانظر : شرح السنة للبغوي 12/225 - 228 .
( 11) لعله : بسبب .
( 12) من كتاب الاعتصام للشاطبي ص 189 ، 191 باختصار وتصرف يسير .
( 13) انظر : كتاب الرؤى والأحلام في النصوص الشرعية لأسامة الريّس ص 78 .
( 14) هو : الإمام الفقيه الحافظ ، محيي الدين ، أبو زكريا ، يحيى بن شرف النووي أو النواوي ، الشافعي ، صاحب التصانيف المشهورة ، مثل : رياض الصالحين ، والمجموع شرح المهذب ، وكتاب الأذكار ، والأربعون النووية ، وغير ذلك من المصنفات الحافلة النافعة ، وكان شديد الورع والزهد ، معرضاً عن الدنيا وملاذها ، مات سنة 676 هـ . انظر : طبقات علماء الحديث 4/254 - 275 .
( 15) شرح صحيح مسلم للنووي 4/318 ، وانظر : فتح الباري لابن حجر 2/98 .
مسألة : بأي صورة من صور الوحي نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
مسألة : بأي صورة من صور الوحي نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
.
إن الناظر في الأدلة الواردة في بيان صور ومراتب الوحي ، وفي كيفية نزول القرآن يدرك من خلالها أن القرآن الكريم إنَّما نزل بواسطة جبريل عليه السلام ، كما قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِيـنَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِيـنُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} [ الشعراء : 192 - 194 ] فالروح الأمين هنا هو جبريل بإجماع .[ انظر : تفسير ابن عطية 12/79 . ]
وظاهر الآيات يقتضي أن جميع القرآن نزل به الروح الأمين على قلب النبي صلى الله عليه وسلم . [ انظر : تفسير روح المعاني للألوسي 10/124 .]
وهذا لاينافي ماجاء في صحيح مسلم عن ابن عباس قال : بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه ، فقال : هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلاَّ اليوم ، فنزل منه ملك ، فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلاَّ اليوم ، فسلّم وقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلاَّ أعطيته . [أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافر وقصرها ، باب : فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة 6/339 رقم [806] . ]
لأن الحديث لايدل على أن هذا الملك هو الذي نزل بفاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة ، وإنَّما فيه ما يدل على أنه بشّر النبي r بها ، وهو قد أوتيها ونزل بها جبريل عليه السلام من قبل .
ولاينافي كذلك ما ثبت في صحيح مسلم أيضاً من حديث ابن مسعود قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى ... الحديث .
وفيه : فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً : أعطى الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ، وغُفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئاً المُقْحِمَات . [ أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب ذكر سدرة المنتهى 3/5 النووي رقم [173] . والمُقْحِمَات : الذنوب العظام التي تقحم أصحابها النَّار : أي تلقيهم فيها . انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 4/19 ، مادة ( قحم ) . ] ؛ لأن هذا ليس فيه تصريح بأن جبريل عليه السلام لم ينزل بها ، فيجوز أن يكون جبريل نزل بها تأكيداً وتقريراً ، أو نحو ذلك ، وقد ثبت نزوله عليه السلام بالآية الواحدة مرتين . [ انظر : روح المعاني للألوسي 10/124 ، وانظر : النوع الحادي عشر في الإتقان للسيوطي وهو ما تكرر نزوله 1/113 ، وانظر : تهذيب وترتيب الإتقان في علوم القرآن لمحمد عمر بازمول ص 147 . ]
وأمَّا كيف كان جبريل ينزل بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ .
فالجواب ذكره الرسول r عندما قال في حديث عائشة : { أحياناً يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليّ ، فيفصم عني وقد وعيت ما قال ، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول } .
وبهذا يتضح لنا معنى قول ابن عبدالبر في شرحه لهذا الحديث : ( ... ولكنه أراد بهذا الحديث نزول ما يُتلى - والله أعلم - ) وقوله : ( ولكن المقصد بهذا الحديث إلى نزول القرآن - والله أعلم - ) .
ولعل ما ذكره ابن عبدالبر هنا أولى من قول الحافظ ابن حجر : ( وأُورد على ما اقتضاه الحديث - وهو أن الوحي منحصر في الحالتين - حالات أخرى : إمَّا في صفة الوحي كمجيئه كدوي النحل ، والنفث في الروع ، والإلهام ، والرؤيا الصالحة ، والتكليم ليلة الإسراء بلا واسطة ، وإمَّا في صفة حامل الوحي كمجيئه في صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح ، ورؤيته على كرسي بين السماء والأرض وقد سدّ الأفق .
والجواب : منع الحصر في الحالتين المقدم ذكرهما ، وحملهما على الغالب ، أو حمل ما يغايرهما على أنه وقع بعد السؤال ، أو لم يتعرض لصفتي الملك المذكورتين لندورهما فقد ثبت عن عائشة أنه لم يره كذلك إلاَّ مرتين ، أو لم يأته في تلك الحالة بوحي ، أو أتاه به فكان على مثل صلصلة الجرس فإنه بيّن بها صفة الوحي لا صفة حامله )(فتح الباري لابن حجر 1/27 . ) ا هـ .
فحملُ الحالتين المذكورتين في الحديث على نزول القرآن خاصة ، وحمل بقية الحالات التي وردت بها الأحاديث والآثار الأخرى على ما سوى القرآن يزيل الإشكال ، ويرد على الإيراد الذي أورده ابن حجر وذكر وجوهاً متعددة في الجواب عليه .
ولايعني هذا أن غير القرآن لاينزل بالحالات المذكورة في حديث عائشة ، بل هو ينزل بها وبغيرها ، قال الحافظ ابن حجر : ( والظاهر أن نزول الوحي بهذه الكيفية لايختص بالقرآن كما يدل على ذلك حديث يعلى بن أمية في قصة لابس الجبة المتضمخ بالطيب في الحج ، فإن فيه أنه رآه صلى الله عليهوسلم حال نزول الوحي عليه وإنه ليغط )(من فتح الباري لابن حجر 1/28 بتصرف واختصار ) ا هـ .
ومِمَّا يقوي ما ذهب إليه ابن عبدالبر - من حمل حديث عائشة على نزول القرآن - ويرجحه أنه لم يرد في الأحاديث والآثار التي ذكر فيها حالات أخرى غير الحالتين المذكورتين في الحديث السابق - ما يدل على أن شيئاً من القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بها ، وإنَّما غاية ما تدل عليه أن الوحي نزل على النبي r فيها ، ومعلومٌ أن من الوحي ما هو قرآن ومنه ما ليس بقرآن كما سيأتي بيانه - إن شاء الله - في أقسام الوحي .
وبهذا نعلم ( أن وحي القرآن الكريم من قبيل الوحي الجليّ - وهو ما كان عن طريق إرسال أمين الوحي جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم ليوحي إليه قرآناً عربياً في اليقظة لا في المنام ، بالكلام لا بالإلهام - .
وهذا النوع هو أشهر أنواع الوحي وأكثرها وقوعاً كما قال تعالى :{ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِيـن ُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ا؟لْمُنذِرِينَ } [ الشعراء : 193 - 194 ] .
وقد نفى كثير من العلماء الأجلاء أن يكون في القرآن الكريم شيء من غير هذا الطريق ( طريق الوحي الجلي ) كالوحي عن طريق الإلهام أو المنام ، أو التكليم المباشر .
ومن هؤلاء العلماء الإمام السيوطي ، فعند حديثه عن الكيفية الخامسة للوحي وهي أن يكلمه الله إمَّا في اليقظة ، كما في ليلة الإسراء أو في المنام كما في حديث معاذ { أتاني ربي فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى ... }[ حديث اختصام الملأ الأعلى أخرجه الترمذي رقم [3233] في تفسير سورة ص% ، وأحمد في المسند 5/243 ، من حديث معاذ بن جبل ، وقال الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال : حسن صحيح . ] الحديث قال : ( وليس في القرآن من هذا النوع شيء فيما أعلم )( انظر : الإتقان 1/142 ، 143 . ) . )[ من كتاب القرآن المبين وكيف نزل به الروح الأمين للدكتور محمد بحيرى إبراهيم ص 40 ، 41 بتصرف . ] ا هـ .
والذي تدل عليه الأدلة أيضاً أن القرآن الكريم كله نزل في الحالة الأولى وهي الحالة التي يكون فيها جبريل على ملكيته ، ويأتي الوحي فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مثل صلصلة الجرس .
وهذا ما رجحه الشيخ المحقق محمد أبو شهبة - رحمه الله - حيث قال : ( والذي نقطع به - والله أعلم - أن القرآن الكريم كله نزل في الحالة الأولى ، وهي الحالة التي يكون فيها جبريل على ملكيته ، وتحول النبي r من البشرية إلى الملائكية ، وهذا هو الذي يليق بالقرآن الكريم ، ونفى أي احتمال أو تلبيس في تلقيه .
ولم أقف على رواية تفيد نزول شيء من القرآن عن طريق جبريل وهو في صورة رجل ، وكل ما جاء من ذلك في الأحاديث الصحاح كحديث جبريل المشهور وسؤاله النبي r عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها ، فإنَّما هو في وحي السنة لا في وحي القرآن ... .
وأيضاً فلو أنزل شيء من القرآن في الحالة الثانية وهي مجيء جبريل في صورة رجل لكان هذا مثاراً للشك والتلبيس على ضعفاء الإيمان ، ولكان فيه مستند للمشركين في قولهم :{ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [ النحل : 103 ]( المدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد أبي شهبة ص 60 - 61 باختصار . ) .
الوحي - بمعنى اسم المفعول - وهو ما أنزله الله على أنبيائه وعرّفهم به من أنباء الغيب والشرائع والحكم - ينقسم إلى قسمين كما يفهم ذلك من كلام ابن عبدالبر :
أحدهما : ما يُتلى ، وهو القرآن .
والثاني : ما لايُتلى ، وهو السنة .
قال ابن عبد البر- رحمه الله - : ( وفي قوله - عليه السلام - : { كذلك قال لي جبريل } دليلٌ على أن من الوحي ما يُتلى وما لايُتلى ، وما هو قرآن ، وما ليس بقرآن ) .
ومن هنا نعلم أن الذين عرّفوا الوحي - عندما يطلق ويراد به الموحَى - بأنه كلام الله المنزل على نبي من أنبيائه . [ انظر : مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص 33 ] ، قد قصروا الوحي على أحد القسمين ، وهو كلام الله الذي يُتلى ، وهذا نقص في التعريف ؛ ولذلك فإن التعريف المختار للوحي في الشرع - عندما يطلق ويراد به اسم المفعول ( الموحى ) - هو أنه ما أنزله على أنبيائه وعرّفهم به من أنباء الغيب والشرائع والحكم . [ المدخل لدراسة القرآن الكريم للشيخ محمد أبو شهبة ص 79 .]
وهذا التعريف بلا شك يشمل القسمين ما يُتلى ، وما لايتلى .
وأوضح دليل على أن ما نطق به النبي صلى الله عليه وسلم مِمَّا ليس بقرآن يعتبر وحياً قوله تعالى : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } [ النجم : 3 ، 4 ] .
قال القرطبي : ( وفيها أيضاً دلالة على أن السنة كالوحي المنزل في العمل ، وقد تقدّم في مقدمة الكتاب حديث المقداد بن معدي كرب في ذلك والحمد لله ) . [ تفسير القرطبي 17/15 .]
وحديث المقداد هذا ذكره في مقدمة تفسيره تحت باب : تبيين الكتاب بالسنة وما جاء في ذلك ، فقال : ( وروى أبو داود عن المقداد بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ألا وإني قد أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، ألا لايحل لكم الحمار الأهليّ ولا كل ذي ناب من السباع ولا لقطة معاهد إلاَّ أن يستغني عنها صاحبها ومَن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه } . [ رواه أبو داود في كتاب السنة ، بابٌ في لزوم السنة 5/10 - 12 رقم [4604] ، وأخرجه الترمذي في العلم حديث [2666] باب : ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبي e ، وقال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، وقال الألباني : صحيح كما في صحيح سنن أبي داود 3/871 رقم [3848] .]
قال الخطابي : قوله : { أوتيت القرآن ومثله معه } يحتمل وجهين من التأويل :
أحدهما : أن معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو ، مثل ما أعطى من الظاهر المتلو .
والثاني : أنه أوتي الكتاب وحياً يُتلى ، وأوتي من البيان مثله ، أي أذن له أن يبين ما في الكتاب فيعم ويخص [ ويزيد عليه ويشرع ما ليس له في الكتاب ذكر ، فيكون وجوب العمل به ولزوم قبوله كالظاهر المتلو من القرآن ] ) ا هـ .[ تفسير القرطبي 1/37 ، 38 . وفي نقله عن الخطابي نقص وخلل أكملته وضبطت نصه من معالم السنن للخطابي بحاشية سنن أبي داود 5/10 .]
وقال ابن القيم - رحمه الله - في تفسير آيتي سورة النجم : ( ثُمَّ قال : { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } [ النجم : 4 ] فأعاد الضمير على المصدر المفهوم من الفعل ، أي ما نطقه إلاَّ وحي يوحى ، وهذا أحسن من قول من جعل الضمير عائداً إلى القرآن ، فإنه يعم نطقه بالقرآن والسنة وأن كليهما وحي يوحى ، وقد احتج الشافعي لذلك فقال : لعل من حجة من قال بهذا قوله : { وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْـكِـتابَ وَالْحِكْمَةَ } [ النساء : 113 ] قال : ولعل من حجته أن يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى الزاني بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم : { والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله : الغنم والخادم ردٌّ عليك ... } [الحديث رواه البخاري في كتاب المحاربين ، باب : الاعتراف بالزنا 6/2502 رقم [6440] ورواه مسلم أيضاً في الحدود رقم [1697 ، 1698] ورواه أيضاً غيرهما .]
وقد صح عنه أنه قال : { ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه } .
وهذا هو السنة بلاشك ، وقد قال تعالى :{ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْـكِـتَابَ وَالْحِكْمَةَ } [ النساء : 113 ] وهما القرآن والسنة ، وبالله التوفيق ) ا هـ . [ من كتاب بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية جمع يسرى السيد محمد 4/276 - 278 باختصار .
وماجاء في الكلام السابق من الاستدلال بحديث { لأقضين بينكما بكتاب الله } قد أشار إليه ابن عبدالبر - رحمه الله - عندما شرح هذا الحديث فقال : ( والقول الآخر أن معنى قوله عليه السلام : { لأقضين بينكما بكتاب الله عزوجل } أي لأحكمن بينكما بحكم الله ، ولأقضين بينكما بقضاء الله ، وهذا جائز في اللغة ، قال الله عزوجل : { كِتَــابَ ا؟للَّهِ عَلَيْكُمْ } [ النساء : 24 ] أي حكمه فيكم وقضاؤه عليكم . على أن كل ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حكم الله ، قال الله عزوجل : { مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } [ النساء : 80 ] وقال : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [ النجم : 3 ، 4 ] وقد ذكرنا قبل أن من الوحي قرآناً وغير قرآن ) ا هـ . [ التمهيد 9/78 . ]
وقد ذكر ابن كثير - رحمه الله - عند تفسيره لقوله تعالى : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } ما رواه أحمد عن عبدالله بن عمرو قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه ، فنهتني قريش فقالوا : إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب ، فأمسكت عن الكتاب ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلاَّ الحق } ورواه أبو داود.[ رواه أبو داود في كتاب العلم ، باب : في كتاب العلم 4/60 رقم [3646] ورواه أيضاً الإمام أحمد 2/162 ، 192 ، والحاكم 1/105 - 106 ، وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح الجامع رقم [1196] وانظر : السلسلة الصحيحة للألباني [1532] 4/45 ، 46 .]
وذكر أيضاً ما رواه أحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا أقول إلاَّ حقاً } قال بعض أصحابه : فإنك تداعبنا يا رسول الله ؟ قال :{ إني لا أقول إلاَّ حقاً } [ رواه الترمذي في كتاب البر والصلة ، باب : ماجاء في المزاح 4/314 رقم [1990] وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وأخرجه أحمد 2/340 و 360 وسنده حسن . وانظر : شرح السنة للبغوي 13/179 .]
وقد استدل ابن عبدالبر أيضاً على أن السنة وحي بما قاله طائفة من أهل العلم بالقرآن في قوله تعالى : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } [ الأحزاب : 34 ] قالوا : القرآن : آيات الله ، والحكمة : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لاينطق عن الهوى .
وممن قال بهذا قتادة - رحمه الله - كما رواه ابن جرير في تفسيره حيث قال : ( ويعني بالحكمة : ما أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحكام دين الله ، ولم ينزل به قرآن ، وذلك السنة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ) . [تفسير الطبري 10/299 .]
ثُمَّ ذكر بسنده عن قتادة في قوله : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَـاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } أي السنة ، قال : يمتن عليهم بذلك. ا هـ .
( واعلم أن الحكمة في القرآن نوعان : مفردة ، ومقترنة بالكتاب ، فالمفردة فسرت بالنبوة ، وفسرت بعلم القرآن ، وأمَّا الحكمة المقرونة بالكتاب فهي السنة ، كذلك قال الشافعي وغيره من الأئمة . وقيل : هي القضاء بالوحي ، وتفسيرها بالسنة أعم وأشهر ). [ من كتاب بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم 2/76 ، 77 باختصار .]