مجالس في دراسة بعض موضوعات علوم القرآن (المجلس الأول : مقدمات )

إنضم
2 أبريل 2003
المشاركات
1,760
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
السعودية
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وأفضل المرسلين محمد بن عبدالله ، وعلى آله الطيبين ،وأصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فهذه بداية مشاركاتي في هذا المنتدى الطيب المبارك - إن شاء الله - وستكون مرتبطة بالقرآن الكريم من خلال دراسة موضوعات علوم القرآن دراسة تأصيلية نقدية .
عسى الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته ، كما أسأله سبحانه أن يجعلنا داخلين فيمن قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم :( خيركم من تعلم القرآن وتعلمه ) رواه البخاري من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه .

وبهذه المناسبة ؛ فإني أرحب بمشاركات الأعضاء الجادة والمفيدة ، وتسرني تعليقاتهم وملاحظاتهم البناءة ، وأرحب باستفساراتهم وأسئلتهم في هذا الموضوع .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى . آمين
 
المجلس الأول : تنبيهات تتعلق بدراسة علم علوم القرآن :

المجلس الأول : تنبيهات تتعلق بدراسة علم علوم القرآن :

من المهم أن نعلم أن علم علوم القرآن مِمَّا ينبغي الحرص عليه والاهتمام به ؛ لارتباطه الوثيق بالأصل الأول من أصول العلم - الذي هو القرآن الكريم - .
فعلوم القرآن علمٌ يعين على فهم القرآن ، ولاشك أن فهم القرآن مِمَّا يتعين على كل مسلم يريد العلم بما في القرآن ، فكيف بطالب العلم الذي يريد أن يكون عالماً فقيهاً مُعَلِّماً ناصباً نفسه للعلم .
وأودُّ التأكيد هنا على أهمية تأصيل مباحث وموضوعات علوم القرآن ، وذلك بالرجوع إلى أصول العلم بدلاً من الرجوع إلى آراء الرجال وما كتبوه من مؤلفات ، وقبولِ أقوالهم وأخذها على أنها من المسلّمات .
ولو أننا نظرنا نظرة فاحصة في مؤلفات علوم القرآن - وخاصة المتأخرة - لوجدنا أنّ أكثرها ترجع في الغالب إلى ما كتبه كل من الزركشي في ( البرهان في علوم القرآن ) والسيوطي في ( الإتقان في علوم القرآن ) دون الرجوع إلى المصادر التي اعتمدوا عليها ورجعوا إليها .
ومن أهم الأصول التي لابُدّ من الرجوع إليها ونحن نبحث في موضوعات علوم القرآن ، كتب السنة ، ولو أن العلماء وطلبة العلم جَرَدُوا كتب السنة واستخرجوا ما فيها من أحاديث تتعلق بموضوعات ومباحث ومسائل علوم القرآن لوجدوا علماً طيباً مباركاً ، يغنيهم عن كثير من الأقوال والآراء التي لا مستند لها من نقل صحيح ، وقد تخالف في كثير من الأحيان ما تدل عليه النصوص الصحيحة الثابتة .
وهذا يقودنا إلى الحديث عن أمر مهم يتفرع عن أهمية الاعتماد والرجوع إلى أصول العلم المعتبرة وهو : وجوب ردّ الأقوال المخالفة لهذه الأصول ، فإذا ورد قول في مسألة من مسائل علوم القرآن أو في أي علم آخر ، وهذا القول يخالف مخالفة صريحة كتاب الله تعالى وسنة نبيه r وما أجمع عليه سلف هذه الأمة الصالح من الصحابة والتابعين ومَن تبعهم بإحسان من الأئمة المهديين - فإنه يجب رده ، ولايُلتفت إليه ؛ بل لايُعدُّ قولاً من الأقوال - ولا كرامة - .
قال ابن عبدالبر - رحمه الله - : ( قال أبو عمر : ماجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من نقل الثقات ، وجاء عن الصحابة ، وصح عنهم فهو علمٌ يدان به ، وما أحدث بعدهم ولم يكن له أصل فيما جاء عنهم فبدعة وضلالة ) [ من كتاب جامع بيان العلم وفضله 2/946].
ومن أمثلة الأقوال التي ذكرت في كتب علوم القرآن واشتهرت مع مخالفتها لنصوص القرآن الكريم الصريحة ، قولهم : إن القرآن له نزولان :
الأول : نزول من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا .
الثاني : نزوله من السماء الدنيا على النبي صلى الله عليه وسلم .[ هكذا قال مؤلف كتاب المدخل لدراسة القرآن الكريم الدكتور محمد أبو شهبة ص46 ]
فهذا القول بعضه صحيح وبعضه ضعيف مردود ، فالصحيح هو أن القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ؛ لثبوت ذلك في آثار صحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره ، كما سيأتي - إن شاء الله - ، والضعيف المردود هو قولهم : إن القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من السماء الدنيا .
فهذا قول يخالف مخالفة صريحة ما جاء في آيات كثيرة من أن القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من الله مباشرة بواسطة جبريل عليه السلام ، كما قال سبحانه وتعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِيـنَ .نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِيـنُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ )[ الشعراء : 192 - 194 ] ، وقوله جلَّ وعلا :( وَالَّذِينَ ءَاتَيْناَهُمُ الْـكِـتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مّـِن رَبِّكَ بِالْحَقِّ )[ الأنعام : 114 ] ، وقوله تعالى :( يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) [ المائدة : 67 ] .
فهذه الآيات - وغيرها كثير - تدل بوضوح أن القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من ربه جلّ وعلا ، لا من السماء الدنيا ولا من اللوح المحفوظ ولا من غير ذلك .
وسيأتي تقرير ذلك في الكلام عن كيفية نزول القرآن إن شاء الله.
ثُمَّ إن ذكر مثل هذه الأقوال المخالفة للأصول المعتبرة فيه تكثير للأقوال ، وتسويدٌ للصفحات بدون فائدة تذكر ، وأقرب مثال على ذلك ما ورد من أقوال في معنى نزول القرآن على سبعة أحرف حتى أوصلها بعضهم إلى أكثر من خمسة وثلاثين قولاً ، وأكثرها أقوال مبنية على اجتهادات عقلية لايدلّ عليها دليل ، بل كثير منها يخالف مخالفةً صريحة دلالة الأحاديث الصحيحة كقول من قال : إن العدد { سبعة } لا مفهوم له وإنَّما يراد به التكثير والمبالغة من غير حصر .
فهذا قول ضعيف مردود - وإن كان له مستند في اللغة - لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة التي دلت على أن العدد سبعة الذي بعد الستة وقبل الثمانية هو المراد .
وهنا أمرٌ آخر مهم في التعامل مع القول المخالف للأصول الصحيحة المعتبرة عند أهل العلم ، وهو أنه لاينبغي اعتماد هذه الأقوال أصلاً ، ولا ذكرها على أنها أقوال في المسألة إلاَّ في أضيق الحدود وعند الحاجة إلى ذلك .
ومن باب أولى لاينبغي الاشتغال بالرد عليها ؛ لأنها لاتستحق ذلك .
وقد أشار ابن عبد البر - رحمه الله - إلى أن القول المخالف لما جاء في القرآن ، ولما ثبت في السنة ، ولما أجمع عليه علماء الأمة لاينبغي الاشتغال به وبالرد عليه .
قال - رحمه الله - وهو يقرر ثبوت النسخ في أحكام الله : ( وفيه أيضاً دليلٌ على أن في أحكام الله - عزوجل - ناسخاً ومنسوخاً على حسب ما ذكر الله في كتابه ، وعلى لسان رسوله ، واجتمعت على ذلك أمته r فلا وجه للقول في ذلك ) ا هـ . [التمهيد 17/47-48]
وقال في موضع آخر : ( وفي ذلك دليلٌ على أن في أحكام الله تعالى ناسخاً ومنسوخاً وهو ما لا اختلاف فيه بين العلماء الذين هم الحجة على مَن خالفهم ) ا هـ . [الاستذكار 7/204]
فقوله هذا يدل على أن المسائل الواضحة الثبوت ، الظاهرة الاستدلال لاتحتاج إلى إطالة القول فيها ، ولا إلى كثرة الاستدلال على تقريرها .
ومِن هنا نعلم أن الذين ألفوا في علوم القرآن وأكثروا من إيراد الشبه المخالفة للصواب وتوسعوا في الرد عليها لم يوفقوا للمنهج السديد الذي كان ينبغي أن يسلكوه ويسيروا عليه ، وهو عدم التعرض لهذه الشبه أصلاً وعدم إيرادها فضلاً عن الاشتغال بالرد عليها .
وهل من الحكمة أن نشتغل بالرد على كل قولٍ فاسدٍ معلومِ البطلان ؟ ! .
لو فعلنا ذلك لضاعت أوقاتنا في الرد على هذه الأباطيل ولتركنا ما أوجب الله علينا من الاشتغال بما ينفعنا في ديننا ودنيانا ، بل إن في إيراد بعض الشبه تعريفاً للجاهل بها ، ونشراً لها ، واهتماماً بها .
ويزداد الأمر سوءاً عندما يذكر من أورد هذه الشبه حجج القائلين بها ، ويكثر من ذلك ثُمَّ إذا وصل إلى الرد عليها وإذا بها قد تقررت ورسخت في قلوب بعض من لا علم عنده ولا بصيرة ، فيقع فيما كان يفر منه ويحذر من الوقوع فيه .
وينبغي أن نعلم أن عرض الشبه والأقوال الباطلة المخالفة لنصوص الكتاب والسنة منهجٌ مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة ، الذين كانوا ينهون عن عرض الشبه ، وعن سماعها ، ويمنعون من مناظرة أصحابها والرد عليهم إلاَّ في بعض الحالات القليلة. [ ينظر تقرير ذلك وضرب الأمثلة عليه في كتاب مناهل العرفان – دراسة وتقويم للشيخ خالد السبت 1/138-148 ، وقد ذكر الكيفية الصحيحة لمعالجة الشبه . ولمعرفة المنهج الصحيحة في معالجة الشبه ينظر ما كتبه محمد قطب في كتابه واقعنا المعاصر ص510-516 ] .
ولايعني هذا أن نترك إقامة الحجة على أهل الباطل ، ومجادلتهم بالتي هي أحسن وتوضيح ما اشتبه عليهم من أمور الدين .
بل إقامة الحجة على أهل الباطل مِمَّا أوجبه الله عزوجل على أهل العلم ، وإيضاح الحق لهم عند الحاجة أمـرٌ متعين ، ولايجوز لمن كان عنده علم أن يكتمه إذا وجدت الحاجة إليه .
.قال العلامة السعدي في تفسيره تعليقاً على قوله تعالى :(الحق من ربك فلا تكن من الممترين )[آل عمران : 60] : ( وفي هذه الآية قاعدة وما بعدها دليل على قاعدة شريفة ، وهو أن ما قامت الأدلة على أنه حق ، وجزم به العبد من مسائل الإعتقاد وغيرها فإنه يجب أن يجزم بأن كل ما عارضه فهو باطل ، وكل شبهة تورد عليه فهي فاسدة سواء قدر العبد على حلها أم لا ، فلا يوجب له عجزه عن حلها القدح فيما علمه قال تعالى : ( فماذا بعد الحق إلا الضلال ) وبهذه القاعدة الشرعية تنحل عن الإنسان إشكالات كثيرة يوردها المتكلمون ويرتبها المنطقيون ، إن حلها الإنسان فهو تبرع منه ، وإلا فوظيفته أن يبين الحق بأدلته ويدعو إليه . ) انتهى كلامه رحمه الله .
 
التعديل الأخير:
المجلس الثاني :

المجلس الثاني :

بسم الله الرحمن الرحيم

يمكن تقسيم موضوعات علوم القرآن إلى قسمين :
أحدهما : موضوعات لابُدّ من تعلّمها وإتقانها لمن أراد دراسة القرآن الكريم ومعرفة أحكامه .
ومن هذه الموضوعات علم الناسخ والمنسوخ ، وقد ذكر ابن عبد البر في باب ( معرفة أصول العلم وحقيقته ، وما الذي يقع عليه اسم الفقه والعلم مطلقاً ) قولاً ليحيى ابن أكثم ، قال فيه : ليس من المعلوم كلها علم هو أوجب على العلماء ، وعلى المتعلمين ، وكافة المسلمين على العلماء وعلى المتعلمين ، وكافة المسلمين من علم ناسخ القرآن ومنسوخه ؛ لأن الأخذ بناسخه واجب فرضاً ، والعلم به لازم ديانة ، والمنسوخ لايُعمل به ، ولاينتهي إليه ، فالواجب على كل عالم علمُ ذلك لئلا يوجب على نفسه أو على عباد الله أمراً لم يوجبه الله عزوجل ، أو يضع عنه فرضاً أوجبه الله عزوجل ) ا هـ . [جامع بيان العلم وفضله 1/767 ]
فهذا يبيّن أن علم الناسخ والمنسوخ لابُدّ من تعلمه ومعرفته وإتقانه ، لأهميته في فهم القرآن الكريم ، والعمل بأحكامه .
ومِمَّا يعين على معرفة الناسخ والمنسوخ معرفة زمن النزول ، وأين نزل ، وفيمن نزل ، ومعرفة المكي والمدني ، ومعرفة السيرة والتاريخ ، ولذلك كانت هذه من العلوم التي ينبغي الوقوف عليها والعناية بها والميل بالهمة إليها كما قال ابن عبدالبر - رحمه الله تعالى - .
والقسم الثاني : موضوعات يحسن تعلمها ومعرفتها ، لما لها من أثر محمود على مَن علمها وأتقنها .
ومن ذلك معرفة فضائل الآيات والسور وأي ذلك أفضل وأعظم عند الله .
أخرج مسلم في صحيحه ، عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يا أبا المنذر ! أتدري أيّ آية في كتاب الله معك أعظم ؟ } قال : قلتُ : الله ورسوله أعلم ، قال : { يا أبا المنذر ! أتدري أيّ آية في كتاب الله معك أعظم ؟ } قال : قلتُ : { ا؟للَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَالْحَيُّ الْقَيُّومُ" } [ البقرة : 255 ] قال : فضرب في صدري ، وقال : { والله ! ليَهْنِكَ العلمُ أبا المنذر }أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين ، باب : فضل سورة الكهف ، وآية الكرسي رقم [810] ص 316 ( ط : بيت الأفكار الدولية ) .
ذكر ابن عبد البر هذا الحديث في كتابه جامع بيان العلم وفضله ، باب : معرفة أصول العلم وحقيقته ... مستدلاً به على أن معرفة فضائل الآيات مِمَّا يطلق عليه اسم العلم ، ومهما يُهنّأ مَن علمه على علمه به ، ويستحق المدح والثناء على هذا العلم .


__________________
 
التعديل الأخير:
بسم الله

هذا الدرس في تعريف مصطلح علوم القرآن :

علوم القرآن مركب إضافي ، يتضح معناه ببيان معنى جزأيه ، وهما "علوم" و "قرآن" .
ف"علوم" جمع علم ، والعلم في اللغة : مصدر بمعنى الفهم والمعرفة ، يُقال علمت الشيء أعلمه علماً :عرفته ) كما في لسان العرب . والعلم ضد الجهل .

وأما في الإصطلاح ؛ فقد اختلفت في تعريفه عبارات العلماء باختلاف الإعتبارات .

فعلماء الشريعة يعرفونه بتعريف ، وأهل الكلام يعرفونه بتعريف آخر ،وله عند الفلاسفة والحكماء تعريف ثالث .
وليس شيء من تعريفات هؤلاء بمراد هنا ؛ وإنما المراد : العلم في اصطلاح أهل التدوين ، فهم يطلقونه على مجموعة مسائل وأصول كلية تجمعها جهة واحدة ، كعلم التفسير ، وعلم الفقه ، وعلم الطب .....، وهكذا ، وجمعه :علوم . فعلوم العربية : العلوم المتعلقة باللغة العربية ، كالنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والشعر والخطابة وغيرها . هذا ما يتعلق بلفظ "علوم" .

وأما لفظ " القرآن" فقد اختلفوا فيه ، فقيل : إنه اسم غير مشتق ، وقيل : إنه مشتق ، والقائلون باشتقاقه اختلفوا أيضاً ، فمنهم من قال : إنه مهموز مشتق من "قرأ" ، ومنهم من قال : إنه غير مهموز مشتق من "القَري" ، أو من "قرن" على خلاف بينهم ليس هذا محل تفصيله .

ولعل أرجح الأقوال وأقواها في معنى القرآن في اللغة : أنه مصدر مشتق مهموز من قرأ يقرأ قراءة وقرآناً ، فهو مصدر من قول القائل : قرأت ، كالغفران من "غفر الله لك" ، والكفران من "كفرتك" ، والفرقان من "فرّق الله بين الحق والباطل" .
وأما تعريف القرآن في الإصطلاح فهو : كلام الله تعالى ، المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم ، المتعبد بتلاوته

وأما تعريف " علوم القرآن" كمركب إضافي ، فله معنيان :

أحدهما : لغوي يُفهم من هذا التركيب الإضافي بين "علوم" و "القرآن" وهو أنها العلوم والمعارف المتصلة بالقرآن الكريم ، سواء كانت خادمة للقرآن بمسائلها أو أحكامها أو مفرداتها ، أو أن القرآن دل على مسائلها ، أو أرشد إلى أحكامها .
فالمعنى اللغوي لعلوم القرآن يشمل كل علم خدم القرآن ، أو أُخذ من القرآن ، كعلم التفسير ، وعلم التجويد ، وعلم الناسخ والمنسوخ ، وعلم الفقه ، وعلم التوحيد ، وعلم الفرائض ، وعلم اللغة وغير ذلك .

والثاني : اصطلاحي خاص بعلم مدون ؛ ويُعرّف "علوم القرآن" عَلَماً على علم مدون بأنه : علم يضم أبحاثاً كليةً هامةً ، تتصل بالقرآن العظيم من نواحٍ شتى ، يمكن اعتبار كل منها علماً متميزاً .
وهذا التعريف _في نظري _ أجود تعريف لعلوم القرآن من بين التعاريف الأخرى التي ذكرها من عرف هذا العلم . والله الموفق والهادي إلى سواء سبيل .

من المراجع التي أفدت منها فيما ذكرته سابقاً :
1-كتاب : المدخل لدراسة القرآن الكريم للشيخ المحقق محمد محمد أبو شهبة .
2-كتاب :دراسات في علوم القرآن للدكتور فهد الرومي .
3- كتاب :القراءات وأثرها في التفسير والأحكام للشيخ محمد بن عمر بازمول .
4- مذكرة علوم القرآن لطلاب الدراسات العليا بقسم القرآن وعلومه في كلية أصول الدين في الرياض للشيخ مناع القطان .
وغير ذلك من مراجع علوم القرآن المعروفة .
 
ظهور اصطلاح علوم القرآن ، وأشهر المصنفات فيه

ظهور اصطلاح علوم القرآن ، وأشهر المصنفات فيه

لم تكن علوم القرآن بخافية على العلماء المبرزين قبل التدوين بل كانت مجموعة في صدورهم إلا أن اصطلاح (علوم القرآن) لم يظهر إلا في فترة متأخرة ، حيث ظهر هذا الاصطلاح في أول ما ظهر في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجري حين ألف محمد بن خلف بن المرزبان (ت309هـ) كتابه (الحاوي في علوم القرآن) .
واعتقد بعض الباحثين أن أول عهد لظهور اصطلاح (علوم القرآن) هو بداية القرن الخامس حين ألف علي بن إبراهيم الحوفي (ت430هـ) كتابه (البرهان في علوم القرآن) وهذا غير صحيح ؛ لأن اسم كتاب الحوفي (البرهان في تفسير القرآن) ؛ ولأنه ظهرت كتب في القرن الذي قبله تناولت علوم القرآن بمعناها المدون وأسبقها ما ذكرت لابن المزربان وغيره .

أهم المؤلفات في علوم القرآن (كفن مدوّن) قديماً :

ظهرت مؤلفات كثيرة بعد ذلك في علوم القرآن كفن مدون ففي القرن الرابع الهجري . ألف أبو الحسن الأشعري (ت324هـ) كتابه (المختزن في علوم القرآن) ، وألف محمد بن علي الأدفوي (ت388هـ) كتابه (الاستغناء في علوم القرآن) .
وفي القرن السادس الهجري ألف ابن الجوزي (ت597هـ) كتابه (فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن) و(المجتبى في علوم القرآن) و(المجتنى من المجتبى) .
وفي القرن السابع الهجري ألف القزويني (ت625هـ) كتابه (الجامع الحريز الحاوي لعلوم كتاب الله العزيز) وألف أبو شامة المقدسي (ت665هـ) كتابه (المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز) ، وألف ابن تيميه (ت827هـ) كتابه (مقدمة في أصول التفسير) وهي مع إيجازها قيمة جداً وطبعت مراراً .
وفي القرن الثامن الهجري ألف بدر الدين الزركشي (ت794هـ) كتابه (البرهان في علوم القرآن) وطبع في أربعة مجلدات بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم ، وهو من أفضل المؤلفات في علوم القرآن الكريم ومن أحسنها تنظيماً وتبويباً وأسلوباً.
وفي القرن التاسع الهجري ألّف جلال الدين السيوطي (ت911هـ) كتابه (التحبير في علوم التفسير) ذكر فيه 102 نوعاً من علوم القرآن ، ثم ألف كتابه القيم (الإتقان في علوم القرآن) ذكر فيه ثمانين نوعاً من أنواع علوم القرآن على سبيل الإجمال والدمج ، ثم قال بعد سردها (ولو نوعت باعتبار ما أدمجته في ضمنها لزادت على الثلاث مائة) ، وقد طبع الكتاب عدة مرات وصدر أخيراً في أربعة مجلدات بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم ، ويعد هذا الكتاب أصل من الأصول المؤلفة في هذا العلم ولئن قيل أن المفسرين عيال على تفسير الطبري، فإن علماء علم القرآن عيال على الإتقان .
فترت همة التأليف بعد ذلك بل قال بعض العلماء أن التأليف تلك الفترة توقف أو كاد وظهرت مؤلفاته معدودة مثل (الفوز الكبير في أصول التفسير) تأليف ولي الله الدهلوي (ت1176هـ) ، وألف ابن عقيله (ت1150هـ) كتابه (الزيادة والإحسان في علوم القرآن) .

المؤلفات في علوم القرآن بمعناه المدون في العصر الحديث :

وقد نشط التأليف في العصر ا لحديث فصدرت مؤلفات كثيرة وأبحاث عديدة ليس المقام مقام إيرادها ولا حصرها ولعل من أشهرها :
1. "مناهل العرفان في علوم القرآن" : للشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني ، وطبع في مجلدين وهو بحق من أ فضل المؤلفات في هذا العلم ، فهو إضافة إلى اشتماله على كثير من علوم القرآن ، فقد اعتنى صاحبه بالرد على الشبهات الواردة في كل علم قديماً أو حديثاً وهو حين يوردها يسوق حججها وبراهينها ثم يكر عليها فلا يبقى لها أثراً ، وإضافة إلى هذا فإنه يقدم هذه العلوم بأسلوب أدبي يشدك إليه شداً حتى لتحسب نفسك ، وأنت تخوض عويص القضايا تقرأ قطعة أدبية ولست أعنى بها سلامته من كل عيب ففيه هنات لا تكاد تذكر .
2. "المدخل لدراسة القرآن الكريم" : للدكتور محمد محمد أبو شهبه ألفه لطلبة الدراسات العليا في الجامعة الأزهرية ، ويقع في مجلد تبلغ صفحاته نحو خمس مائة صفحة .
3. "مباحث في علوم القرآن" : للدكتور صبحي الصالح ألفه لطلبة كلية الآداب بجامعة دمشق ويقع في نحو ثلائمائة صفحة .
4. "مباحث في علوم القرآن" : للشيخ مناع القطان ويقع في نحو ثلاثمائة صفحة وقال في مقدمته : كانت طبعته الأولى استجابة لرغبة بعض إخواننا في تقديم أبحاث مختصرة عن أهم مباحث علوم القرآن يستطيع شبابنا المسلم الذي لا يتيسَّر له التعمق في الدراسات الإسلامية أن يجد فيها من الثقافة اللازمة له ما يكفيه مئونة البحث في مراجع هذا العلم ، ويجنَّبَه عناء فهم أساليبها ، وقد أصاب وفقه الله فقد سد كتابه هذا ثغرة في حاجة طلبة العلم.

5. "التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريقة الإتقان" : تأليف الشيخ طاهر الجزائري ، وهي مباحث انتخبها الجزائري انتخاب العالم الذواق والمحقق المتقن ، اعتنى بنشرها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة .

6. "لمحات في علوم القرآن" : تأليف الشيخ محمد الصباغ وهي محاضرات ألقاها على طلاب كليتي الآداب والتربية في جامعة الرياض .

7. "علوم القرآن الكريم" : للدكتور عدنان زرزور وهي محاضرات ألقاها على طلابه ويقع في مجلد تبلغ صفحاته 460 صفحة .

8. "المنار في علوم القرآن" : للدكتور محمد علي الحسن وهي محاضرات ألقاها على طلابه في كلية التربية بجامعة الرياض .

9. "مدخل إلى علوم القرآن والتفسير" : للدكتور فارق حماده وهو أيضاً محاضرات ألقاها على طلاب كلية اللغة العربية بمراكش .

10. "علوم القرآن والحديث" : للشيخ محمد على داود وهي محاضرات ألقاها على طلبة دائرة اللغة العربية في جامعة اليرموك.

11. "من علوم القرآن" : للدكتور فؤاد علي رضا ويقع في نحو 240 صفحة .

12. "التبيان في علوم القرآن" : للدكتور القصيبي محمود زلط تجاوزت صفحات المائتين .

13. "دراسات في علوم القرآن" : للدكتور أمير عبد العزيز وتبلغ صفحاته نحو الثلاثمائة صفحة .

هذه بعض المؤلفات في العصر الحديث في علوم القرآن كفن مدوَّن والمؤلفات غيرها كثيرة ، ولعلك تلاحظ أن أغلبها قد ألفها أصحابها لطلابهم ، وأحسب أن هذا يؤدي إلى الإجمال في الحديث وتيسير المادة وعدم الخوض في دقائق المسائل ووعر المسالك ، واختيار السبيل الأسهل والأيسر ، وهذا المنهج يحرم الباحثين المتخصصين من نيل مرادهم والحصول على بغيتهم ، كما يحرم المؤلفين من الإبداع في القول ، ومن إعمال الذهن والتجديد في الآراء ، بل أدى بهم إلى التسليم في كثير من المسائل والقضايا ونقلها كما هي من غير تمحيص خشية من الدخول في تفاصيل تخرج به عن هدفه من التأليف .
والحق أن كثيراً من المباحث في علوم القرآن لا تزال بحاجة إلى النظر في مسائلها وإعادة الكتابة فيها ، وعدم الاكتفاء والتسليم بما قاله فلان وفلان من غير دليل ، وعلوم القرآن أوسع من أن يحيط بها أبناء جيل أو أجيال من البشر .
ومما لا شك فيه أن التاريخ كله لا يعرف كتاباً درسه الدارسون وألف في علومه المؤلفون وصنف فيه المصنفون مثل القرآن الكريم ، ولا تزال المؤلفات تدون ولا يزال العلماء يبحثون ويتدبرون ، ولا يزال القرآن نقياً لم تكدره الدلاء وفائضاً لم تنقصه كثرة الواردين ، وسيظل نوراً يستضيء به طلاب الحقيقة ، وهدي يُهتدى به الناس إلى يوم القيامة .


منقول من هـــــــــنــــــــــا
 
جزاكم الله خير ا شيخنا الكريم وإن شاء الله تتواصل هذه المجالس المباركة
 
بلرك الله فيك أخي في الله.

وانتظروا موضوعي الجديد في الأحرف السبعة, فهو مهم جدا.
 
هل علم الناسخ والمنسوخ من المباحث المتعلقة بعلوم القرآن كعلما على فن معين مثل أسباب النزول والمكي والمدني ؟
أم أنها علما مستقلا بذاته كالتجويد والتفسير وغيرها ؟

وجزاكم الله خيرا
 
[align=center]
أبومجاهدالعبيدي قال:
ويُعرّف "علوم القرآن" عَلَماً على علم مدون بأنه : علم يضم أبحاثاً كليةً هامةً ، تتصل بالقرآن العظيم من نواحٍ شتى ، يمكن اعتبار كل منها علماً متميزاً .

لعل في هذا التعريف جواباً لسؤال الأخ سلسبيل ...

فعلم الناسخ والمنسوخ من حيث العموم يبحث في علم أصول الفقه ...

ثم منه ما يتعلق بالقرآن الكريم ، وهو علم : ناسخ القرآن ومنسوخه

ومنه ما يتعلق بالسنة النبوية ، وهو علم : ناسخ الحديث ومنسوخه .

وقد أفرد بالتصنيف من هذه الجهات الثلاث .
[/align]
 
هل هناك كتاب يمكن اعتباره موسوعة في هذا العلم بحيث يغني عن غيره من الكتب؟
 
جزاكم الله خير ا ياشيخ محمد ونفع بكم ...
وإن شاء الله تتواصل هذه المجالس المباركة ..
 
عودة
أعلى