أبومجاهدالعبيدي1
New member
- إنضم
- 02/04/2003
- المشاركات
- 1,760
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
- الإقامة
- السعودية
- الموقع الالكتروني
- www.tafsir.org
بسم الله الرحمن الرحيم
لفت انتباهي وأنا أقرأ في التحرير والتنوير لابن عاشور اهتمامه بالتنبيه على ما يسميه : مبتكرات القرآن . والمراد بهذا النوع : ما استعمله القرآن من الألفاظ والأساليب والتراكيب مما لم يرد في كلام العرب قبله .
وقد بنى ابن عاشور على هذه المبتكرات بعض النتائج العلمية ، وخاصة في مجال عزو الأبيات الشعرية إلى قائليها .
وهذا النوع يصلح أن يكون بحثاً علمياً ماتعاً . فهل من مشمر .
وقد جمعت له ما يقارب ستة وعشرين مثالاً من تفسيره ، وهذه أهمهما أوردها بعد ذكر الآية التي أردها عند تفسيره لها :
{ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }(آل عمران: من الآية73) قال ابن عاشور : (وأحسب أنّ وصف الله بصفة واسع في العربية من مبتكرات القرآن. )
{ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }(لأنفال: من الآية1)
قال : (وأعلم أني لم أقف على استعمال (ذاتَ بين) في كلام العرب فأحسب أنها من مبتكرات القرآن. )
{ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ }(ابراهيم: من الآية9)
قال : (وهذا التركيب لا أعهد سبق مثله في كلام العرب فلعله من مبتكرات القرآن. )
{ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }(الانبياء: من الآية33)
قال : ( ومن بدائع الإعجاز في هذه الآية أن قوله تعالى: {كُلٌّ فِى فَلَكٍ} فيه محسّن بديعي فإن حروفه تُقرأ من آخرها على الترتيب كما تُقرأ من أولها مع خفة التركيب ووفرة الفائدة وجريانه مجرى المثل من غير تنافر ولا غرابة، ومثله قوله تعالى: {ربك فكبِّر} (المدّثر: 3) بطرح واو العطف، وكلتا الآيتين بني على سبعة أحرف، وهذا النوع سمّاه السكاكي «المقلوبَ المستوي» وجعله من أصناف نوع سمّاه القَلب. وخص هذا الصنف بما يتأتى القلب في حروف كلماته. وسمّاه الحريري في «المقامات» «ما لا يستحيل بالانعكاس» وبنَى عليه المقامة السادسة عشَرة ووضح أمثلة نثراً ونظماً، وفي معظم ما وضعه من الأمثلة تكلف وتنافر وغرابة، وكذلك ما وضعه غيره على تفاوتها في ذلك والشواهد مذكورة في كتب البديع فعليك بتتبعها، وكلما زادت طولاً زادت ثقلاً.
قال العلامة الشيرازي في «شرح المفتاح»: وهو نوع صعب المسلك قليل الاستعمال. قلت: ولم يذكروا منه شيئاً وقع في كلام العرب فهو من مبتكرات القرآن.)
{ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا }(المؤمنون: من الآية100)
قال : (وقوله: {إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا} تركيب يجري مجرى المثل وهو من مبتكرات القرآن.)
{حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا }(محمد: من الآية4)
قال : ( والأوزار: الأثقال، ووضع الأوزار تمثيل لانتهاء العمل فشبهت حالة انتهاء القتال بحالة وضع الحمّال أو المسافر أثقاله، وهذا من مبتكرات القرآن.)
{ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } (الحاقة:46) قال : (ولم أقف على أن العرب كانوا يكنّون عن الإِهلاك بقطع الوتين، فهذا من مبتكرات القرآن.)
{ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } (النبأ:16) قال : ( فوصف الجنات بألفَاف مبنيّ على المجاز العقلي لأن الالتفاف في أشجارها ولكن لما كانت الأشجار لا يَلتفّ بعضها على بعض في الغالب إلا إذا جمعتها جنة أسند ألفاف إلى جنات بطريق الوصف. ولعله من مبتكرات القرآن إذ لم أر شاهداً عليه من كلام العرب قبل القرآن. )
{كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (الشورى:3) قال ( وإذ لم يتقدم في الكلام ما يحتمل أن يكون مشاراً إليه بــ {كَذَٰلِكَ} عُلم أن المشار إليه مقدر معلوم من الفعل الذي بعد اسم الإشارة وهو المصدر المأخوذ من الفعل، أي كذلك الإيحاء يوحي إليك الله. وهذا استعمال متّبع في نظائر هذا التركيب كما تقدم في قوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} في سورة البقرة . وأحسب أنّه من مبتكرات القرآن إذ لم أقف على مثله في كلام العرب قبل القرآن. وما ذكره الخفاجي في سورة البقرة من تنظيره بقول زهير:
كذلك خِيمهم ولكلِّ قوم إذا مسَّتهم الضّراء خِيم
لا يصحّ لأن بيْت زهير مسبوق بما يصلح أن يكون مشاراً إليه، وقد فاتني التنبيه على ذلك فيما تقدم من الآيات فعليك بضم ما هنا إلى ما هنالك. )
{ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً } (الفجر:19) قال : ( والأكل: مستعار للانتفاع بالشيء انتفاعاً لا يُبقي منه شيئاً. وأحسب أن هذه الاستعارة من مبتكرات القرآن إذ لم أقف على مثلها في كلام العرب.)
{ عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً } (الانسان:18) قال : ( و(سلسبيل): وصف قيل مشتق من السلاسة وهي السهولة واللين فيقال: ماء سلسل، أي عذب بارد. قيل: زيدت فيه الباء والياء (أي زيدتا في أصل الوضع على غير قياس).
قال التبريزي في «شرح الحماسة» في قول البعيث بن حُرَيْث:
خَيالٌ لأمِّ السَّلْسبيل ودُونَها مسيرة شهر للبريد المذبذب
قال أبو العلاء: السلسبيل الماء السهل المَساغ. وعندي أن هذا الوصف ركب من مادتي السلاسة والسَّبَالة، يقال: سبلت السماء، إذا أمطرت، فسبيل فعيل بمعنى مفعول، رُكب من كلمتي السلاسة والسبيل لإِرادة سهولة شربه ووفرة جريه. وهذا من الاشتقاق الأكبر وليس باشتقاق تصريفي.
فهذا وصف من لغة العرب عند محققي أهل اللغة. وقال ابن الأعرابي: لم أسمع هذه اللفظة إلاّ في القرآن، فهو عنده من مبتكرات القرآن الجارية على أساليب الكلام العربي، وفي «حاشية الهمذاني على الكشاف» نسبة بيت البعيث المذكور آنفاً مع بيتين بعده إلى أمية بن أبي الصلت وهو عزو غريب لم يقله غيره. )
وقال عند تفسيره لقول الله تعالى : { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ }(يوسف: من الآية23) : (أي راودته مباعدة له عن نفسه، أي بأن يجعل نفسه لها. والظاهر أن هذا التركيب من مبتكرات القرآن، فالنفس هنا كناية عن غرض المواقعة، قاله ابن عطية، أي فالنفس أريد بها عفافه وتمكينها منه لما تريد، فكأنها تراوده عن أن يسلم إليها إرادته وحكمه في نفسه. )
وقال في بيان المثل في قول الله تعالى : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ } (لأعراف: من الآية176) : ( وهذا التمثيل من مبتكرات القرآن فإن اللهث حالة تؤذن بحرج الكلب من جراء عسر تنفسه عن اضطراب باطنه وإن لم يكن لاضطراب باطنه، سبب آت من غيره فمعنى {إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ} إن تُطارده وتُهاجمه. مشتق من الحَمل الذي هو الهجوم على أحد لقتاله، يقال حمل فلانٌ على القوم حملة شعواء أو حملة منكرة. وقد أغفل المفسرون توضيحه، وأغفل الراغب في «مفردات القرآن» هذا المعنى لهذا الفعل.)
وكذلك حكم على المثل الذكور في قول الله عز وجل :{ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً} (العنكبوت: من الآية41) بقوله : (وهو تمثيل بديع من مبتكرات القرآن .)
وقال عن وصف المسجد بالأقصى في صدر سورة الإسراء : ( وأحسب أن هذا العلم له من مبتكرات القرآن فلم يكن العرب يصفونه بهذا الوصف ولكنهم لما سمعوا هذه الآية فهموا المراد منه أنه مسجد إيلياء. ولم يكن مسجد لدين إلهي غيرهما يومئذٍ. )
قال : (ووصف اليوم بأنه {يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَٰنَ شِيباً} وصف له باعتبار ما يقع فيه من الأهوال والأحزان، لأنه شاع أن الهم مما يسرع به الشيب فلما أريد وصف همّ ذلك اليوم بالشدة البالغة أقواها أسند إليه يشيب الولدان الذين شعرهم في أول سواده. وهذه مبالغة عجيبة وهي من مبتكرات القرآن فيما أحسب، لأني لم أر هذا المعنى في كلام العرب وأما البيت الذي يذكر في شواهد النحو وهو:
إذن والله نَرميهم بحرب تُشيب الطفل من قبل المشيب
فلا ثبوت لنسبته إلى من كانوا قبل نزول القرآن ولا يعرف قائله، ونسبه بعض المؤلفين إلى حسان بن ثابت. وقال العيني: لم أجده في ديوانه. وقد أخذ المعنى الصمّة ابن عبد الله القشيري في قوله:
دَعانيَ من نجدٍ فإن سنينه لَعِبْنَ بنا شِيباً وشيبننا مردا
وهو من شعراء الدولة الأموية.)
وقال مبيناً معاني الحسوم المذكورة في قول الله تعالى : { وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً }(الحاقة: من الآية7) : ( وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابي:
ففرَّق بينَ بينِهمُ زمانٌ تتابع فيه أعوام حُسُومٌ
قيل: والحسوم مشتق من حسْم الداءِ بالمكواة إذ يكوى ويُتابع الكي أيّاماً، فيكون إطلاقه استعارة، ولعلها من مبتكرات القرآن، وبيت عبد العزيز الكلابي من الشعر الإِسلامي فهو متابع لاستعمال القرآن. )
{ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ }(آل عمران: من الآية154)
قال : (وأحسب أن لفظ الجاهلية من مبتكرات القرآن، وصف به أهل الشرك تنفيراً من الجهل، وترغيباً في العلم، ولذلك يذكره القرآن في مقامات الذمّ في نحو قوله: {أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (المائدة: 50) {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلاٍّولَىٰ} (الأحزاب: 33) {إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ} (الفتح: 26). وقال ابن عبَّاس: سمعت أبي في الجاهلية يقول: اسقنا كأساً دِهاقاً، وفي حديث حكيم بن حِزام: أنَّه سأل النَّبيء صلى الله عليه وسلم عن أشياء كان يتحنّث بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة رحم. وقالوا: شعر الجاهلية، وأيَّامُ الجاهلية. ولم يسمع ذلك كُلّه إلاّ بعد نزول القرآن وفي كلام المسلمين. )
{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ }(آل عمران: من الآية128)
قال : (وهذه الجملة تجري مجرى المثل إذ ركبت تركيباً وجيزاً محذوفاً منه بعض الكلمات، ولم أظفر، فيما حفظت من غير القرآن، بأنَّها كانت مستعملة عند العرب، فلعلّها من مبتكرات القرآن، وقريب منها قوله: {وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ} (الممتحنة: 4) وسيجيء قريب منها في قوله الآتي: {يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأٌّمْرِ مِن شَىْءٍ} (آل عمران: 154) و {يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا}(آل عمران: 154) فإن كانت حكاية قولهم بلفظه، فقد دلّ على أنّ هذه الكلمة مستعملة عند العرب، وإن كان حكاية بالمعنى فلا. )
{ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ } (التكوير:26) قال : ( واعلم أن جملة أين تذهبون قد أرسلت مثلاً، ولعله من مبتكرات القرآن.)
{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } (لأعراف:199) قال : ( والأخذ حقيقته تناول شيء للانتفاع به أو لإضراره، كما يقال: أخذت العدو من تلابيبه، ولذلك يقال في الأسير أخيذ، ويقال للقوم إذا أسروا أخذوا واستعمل هنا مجازاً فاستعير للتلبس بالوصف والفعل من بين أفعال لو شاء لتلبس بها، فيُشبّه ذلك التلبسُ واختيارهُ على تلبس آخر بأخذ شيء من بين عدة أشياء، فمعنى (خذ العفو): عَامِل به واجْعله وصفاً ولا تتلبس بضده. وأحسب استعارة الأخذ للعرف من مبتكرات القرآن ولذلك ارجع أن البيت المشهور وهو:
خُذي العفوَ مني تَستديمي مَوَدتي ولا تَنْطِقي في سَوْرَتي حين أغْضَبُ
هو لأبي الأسود الدؤلي، وأنه اتبع استعمال القرآن، وأن نسبته إلى أسماء بن خارجة الفزاري أو إلى حاتم الطائي غير صحيحة.)
لفت انتباهي وأنا أقرأ في التحرير والتنوير لابن عاشور اهتمامه بالتنبيه على ما يسميه : مبتكرات القرآن . والمراد بهذا النوع : ما استعمله القرآن من الألفاظ والأساليب والتراكيب مما لم يرد في كلام العرب قبله .
وقد بنى ابن عاشور على هذه المبتكرات بعض النتائج العلمية ، وخاصة في مجال عزو الأبيات الشعرية إلى قائليها .
وهذا النوع يصلح أن يكون بحثاً علمياً ماتعاً . فهل من مشمر .
وقد جمعت له ما يقارب ستة وعشرين مثالاً من تفسيره ، وهذه أهمهما أوردها بعد ذكر الآية التي أردها عند تفسيره لها :
{ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }(آل عمران: من الآية73) قال ابن عاشور : (وأحسب أنّ وصف الله بصفة واسع في العربية من مبتكرات القرآن. )
{ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }(لأنفال: من الآية1)
قال : (وأعلم أني لم أقف على استعمال (ذاتَ بين) في كلام العرب فأحسب أنها من مبتكرات القرآن. )
{ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ }(ابراهيم: من الآية9)
قال : (وهذا التركيب لا أعهد سبق مثله في كلام العرب فلعله من مبتكرات القرآن. )
{ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }(الانبياء: من الآية33)
قال : ( ومن بدائع الإعجاز في هذه الآية أن قوله تعالى: {كُلٌّ فِى فَلَكٍ} فيه محسّن بديعي فإن حروفه تُقرأ من آخرها على الترتيب كما تُقرأ من أولها مع خفة التركيب ووفرة الفائدة وجريانه مجرى المثل من غير تنافر ولا غرابة، ومثله قوله تعالى: {ربك فكبِّر} (المدّثر: 3) بطرح واو العطف، وكلتا الآيتين بني على سبعة أحرف، وهذا النوع سمّاه السكاكي «المقلوبَ المستوي» وجعله من أصناف نوع سمّاه القَلب. وخص هذا الصنف بما يتأتى القلب في حروف كلماته. وسمّاه الحريري في «المقامات» «ما لا يستحيل بالانعكاس» وبنَى عليه المقامة السادسة عشَرة ووضح أمثلة نثراً ونظماً، وفي معظم ما وضعه من الأمثلة تكلف وتنافر وغرابة، وكذلك ما وضعه غيره على تفاوتها في ذلك والشواهد مذكورة في كتب البديع فعليك بتتبعها، وكلما زادت طولاً زادت ثقلاً.
قال العلامة الشيرازي في «شرح المفتاح»: وهو نوع صعب المسلك قليل الاستعمال. قلت: ولم يذكروا منه شيئاً وقع في كلام العرب فهو من مبتكرات القرآن.)
{ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا }(المؤمنون: من الآية100)
قال : (وقوله: {إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا} تركيب يجري مجرى المثل وهو من مبتكرات القرآن.)
{حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا }(محمد: من الآية4)
قال : ( والأوزار: الأثقال، ووضع الأوزار تمثيل لانتهاء العمل فشبهت حالة انتهاء القتال بحالة وضع الحمّال أو المسافر أثقاله، وهذا من مبتكرات القرآن.)
{ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } (الحاقة:46) قال : (ولم أقف على أن العرب كانوا يكنّون عن الإِهلاك بقطع الوتين، فهذا من مبتكرات القرآن.)
{ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } (النبأ:16) قال : ( فوصف الجنات بألفَاف مبنيّ على المجاز العقلي لأن الالتفاف في أشجارها ولكن لما كانت الأشجار لا يَلتفّ بعضها على بعض في الغالب إلا إذا جمعتها جنة أسند ألفاف إلى جنات بطريق الوصف. ولعله من مبتكرات القرآن إذ لم أر شاهداً عليه من كلام العرب قبل القرآن. )
{كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (الشورى:3) قال ( وإذ لم يتقدم في الكلام ما يحتمل أن يكون مشاراً إليه بــ {كَذَٰلِكَ} عُلم أن المشار إليه مقدر معلوم من الفعل الذي بعد اسم الإشارة وهو المصدر المأخوذ من الفعل، أي كذلك الإيحاء يوحي إليك الله. وهذا استعمال متّبع في نظائر هذا التركيب كما تقدم في قوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} في سورة البقرة . وأحسب أنّه من مبتكرات القرآن إذ لم أقف على مثله في كلام العرب قبل القرآن. وما ذكره الخفاجي في سورة البقرة من تنظيره بقول زهير:
كذلك خِيمهم ولكلِّ قوم إذا مسَّتهم الضّراء خِيم
لا يصحّ لأن بيْت زهير مسبوق بما يصلح أن يكون مشاراً إليه، وقد فاتني التنبيه على ذلك فيما تقدم من الآيات فعليك بضم ما هنا إلى ما هنالك. )
{ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً } (الفجر:19) قال : ( والأكل: مستعار للانتفاع بالشيء انتفاعاً لا يُبقي منه شيئاً. وأحسب أن هذه الاستعارة من مبتكرات القرآن إذ لم أقف على مثلها في كلام العرب.)
{ عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً } (الانسان:18) قال : ( و(سلسبيل): وصف قيل مشتق من السلاسة وهي السهولة واللين فيقال: ماء سلسل، أي عذب بارد. قيل: زيدت فيه الباء والياء (أي زيدتا في أصل الوضع على غير قياس).
قال التبريزي في «شرح الحماسة» في قول البعيث بن حُرَيْث:
خَيالٌ لأمِّ السَّلْسبيل ودُونَها مسيرة شهر للبريد المذبذب
قال أبو العلاء: السلسبيل الماء السهل المَساغ. وعندي أن هذا الوصف ركب من مادتي السلاسة والسَّبَالة، يقال: سبلت السماء، إذا أمطرت، فسبيل فعيل بمعنى مفعول، رُكب من كلمتي السلاسة والسبيل لإِرادة سهولة شربه ووفرة جريه. وهذا من الاشتقاق الأكبر وليس باشتقاق تصريفي.
فهذا وصف من لغة العرب عند محققي أهل اللغة. وقال ابن الأعرابي: لم أسمع هذه اللفظة إلاّ في القرآن، فهو عنده من مبتكرات القرآن الجارية على أساليب الكلام العربي، وفي «حاشية الهمذاني على الكشاف» نسبة بيت البعيث المذكور آنفاً مع بيتين بعده إلى أمية بن أبي الصلت وهو عزو غريب لم يقله غيره. )
وقال عند تفسيره لقول الله تعالى : { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ }(يوسف: من الآية23) : (أي راودته مباعدة له عن نفسه، أي بأن يجعل نفسه لها. والظاهر أن هذا التركيب من مبتكرات القرآن، فالنفس هنا كناية عن غرض المواقعة، قاله ابن عطية، أي فالنفس أريد بها عفافه وتمكينها منه لما تريد، فكأنها تراوده عن أن يسلم إليها إرادته وحكمه في نفسه. )
وقال في بيان المثل في قول الله تعالى : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ } (لأعراف: من الآية176) : ( وهذا التمثيل من مبتكرات القرآن فإن اللهث حالة تؤذن بحرج الكلب من جراء عسر تنفسه عن اضطراب باطنه وإن لم يكن لاضطراب باطنه، سبب آت من غيره فمعنى {إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ} إن تُطارده وتُهاجمه. مشتق من الحَمل الذي هو الهجوم على أحد لقتاله، يقال حمل فلانٌ على القوم حملة شعواء أو حملة منكرة. وقد أغفل المفسرون توضيحه، وأغفل الراغب في «مفردات القرآن» هذا المعنى لهذا الفعل.)
وكذلك حكم على المثل الذكور في قول الله عز وجل :{ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً} (العنكبوت: من الآية41) بقوله : (وهو تمثيل بديع من مبتكرات القرآن .)
وقال عن وصف المسجد بالأقصى في صدر سورة الإسراء : ( وأحسب أن هذا العلم له من مبتكرات القرآن فلم يكن العرب يصفونه بهذا الوصف ولكنهم لما سمعوا هذه الآية فهموا المراد منه أنه مسجد إيلياء. ولم يكن مسجد لدين إلهي غيرهما يومئذٍ. )
قال : (ووصف اليوم بأنه {يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَٰنَ شِيباً} وصف له باعتبار ما يقع فيه من الأهوال والأحزان، لأنه شاع أن الهم مما يسرع به الشيب فلما أريد وصف همّ ذلك اليوم بالشدة البالغة أقواها أسند إليه يشيب الولدان الذين شعرهم في أول سواده. وهذه مبالغة عجيبة وهي من مبتكرات القرآن فيما أحسب، لأني لم أر هذا المعنى في كلام العرب وأما البيت الذي يذكر في شواهد النحو وهو:
إذن والله نَرميهم بحرب تُشيب الطفل من قبل المشيب
فلا ثبوت لنسبته إلى من كانوا قبل نزول القرآن ولا يعرف قائله، ونسبه بعض المؤلفين إلى حسان بن ثابت. وقال العيني: لم أجده في ديوانه. وقد أخذ المعنى الصمّة ابن عبد الله القشيري في قوله:
دَعانيَ من نجدٍ فإن سنينه لَعِبْنَ بنا شِيباً وشيبننا مردا
وهو من شعراء الدولة الأموية.)
وقال مبيناً معاني الحسوم المذكورة في قول الله تعالى : { وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً }(الحاقة: من الآية7) : ( وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابي:
ففرَّق بينَ بينِهمُ زمانٌ تتابع فيه أعوام حُسُومٌ
قيل: والحسوم مشتق من حسْم الداءِ بالمكواة إذ يكوى ويُتابع الكي أيّاماً، فيكون إطلاقه استعارة، ولعلها من مبتكرات القرآن، وبيت عبد العزيز الكلابي من الشعر الإِسلامي فهو متابع لاستعمال القرآن. )
{ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ }(آل عمران: من الآية154)
قال : (وأحسب أن لفظ الجاهلية من مبتكرات القرآن، وصف به أهل الشرك تنفيراً من الجهل، وترغيباً في العلم، ولذلك يذكره القرآن في مقامات الذمّ في نحو قوله: {أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (المائدة: 50) {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلاٍّولَىٰ} (الأحزاب: 33) {إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ} (الفتح: 26). وقال ابن عبَّاس: سمعت أبي في الجاهلية يقول: اسقنا كأساً دِهاقاً، وفي حديث حكيم بن حِزام: أنَّه سأل النَّبيء صلى الله عليه وسلم عن أشياء كان يتحنّث بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة رحم. وقالوا: شعر الجاهلية، وأيَّامُ الجاهلية. ولم يسمع ذلك كُلّه إلاّ بعد نزول القرآن وفي كلام المسلمين. )
{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ }(آل عمران: من الآية128)
قال : (وهذه الجملة تجري مجرى المثل إذ ركبت تركيباً وجيزاً محذوفاً منه بعض الكلمات، ولم أظفر، فيما حفظت من غير القرآن، بأنَّها كانت مستعملة عند العرب، فلعلّها من مبتكرات القرآن، وقريب منها قوله: {وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ} (الممتحنة: 4) وسيجيء قريب منها في قوله الآتي: {يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأٌّمْرِ مِن شَىْءٍ} (آل عمران: 154) و {يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا}(آل عمران: 154) فإن كانت حكاية قولهم بلفظه، فقد دلّ على أنّ هذه الكلمة مستعملة عند العرب، وإن كان حكاية بالمعنى فلا. )
{ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ } (التكوير:26) قال : ( واعلم أن جملة أين تذهبون قد أرسلت مثلاً، ولعله من مبتكرات القرآن.)
{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } (لأعراف:199) قال : ( والأخذ حقيقته تناول شيء للانتفاع به أو لإضراره، كما يقال: أخذت العدو من تلابيبه، ولذلك يقال في الأسير أخيذ، ويقال للقوم إذا أسروا أخذوا واستعمل هنا مجازاً فاستعير للتلبس بالوصف والفعل من بين أفعال لو شاء لتلبس بها، فيُشبّه ذلك التلبسُ واختيارهُ على تلبس آخر بأخذ شيء من بين عدة أشياء، فمعنى (خذ العفو): عَامِل به واجْعله وصفاً ولا تتلبس بضده. وأحسب استعارة الأخذ للعرف من مبتكرات القرآن ولذلك ارجع أن البيت المشهور وهو:
خُذي العفوَ مني تَستديمي مَوَدتي ولا تَنْطِقي في سَوْرَتي حين أغْضَبُ
هو لأبي الأسود الدؤلي، وأنه اتبع استعمال القرآن، وأن نسبته إلى أسماء بن خارجة الفزاري أو إلى حاتم الطائي غير صحيحة.)