مباحث في النسخ

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع أم معتز
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

أم معتز

New member
إنضم
13/02/2016
المشاركات
4
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
السعودية
بسم1​
تمهيد

يختلف مراد العلماء المتقدمين في عدد من المصطلحات عن مراد المتأخرين منه , ومن تلك المصطلحات مصطلح النسخ , فالمتقدمين - من السلف - لهم اصطلاح خاص في مسألة النسخ ، فمفهوم النسخ عندهم أعم من مفهومه عند الأصوليين والفقهاء والمحدثين , فهو يقوم على أساس المعنى اللغوي , وهو الإزالة ليشتمل النسخ على كل تغيير في أوصاف ظاهر الآية , وقد بين ذلك الشاطبي بقوله: " الذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين: فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخاً، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخاً، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخاً، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخاً".[SUP][SUP][1][/SUP][/SUP],فيتبين لنا أنهم يطلقون النسخ على مطلق التغيير, لذا كانت الآيات المنسوخة على مفهوم الصدر الأول كثيرة جداً
مثال ذلك ما جاء عن ابن عباسt قال: (( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا )),كان هذا عاما في جميع البيوت ثم نسخ من هذا واستثنى فقال تعالى:(( ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم )),[2] ففي هذا المثال اطلق ابن عباس النسخ على تخصيص العام [SUP][SUP][3][/SUP][/SUP]
((وَ الشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغَاوَنَ* أَلَمْ تَرَ أَنّهُمْ فِيْ كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ* إِلاّ الذِيْنَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ ...)) , قال ابن عباس : آخر الآية ناسخ لأولها – يريد بالنسخ الاستثناء - .
ومما سبق يتبين لنا سبب خطأ الكثيرين في نسبة نسخ كثير من الآيات للصحابة؛وأن ذلك يعود لجهله بمراد السلف من النسخ , لذا جدير بطالب العلم العناية بمعرفة مصطلحاتالسلف ؛ ليكون عارفاً بمرادهم ولكي لا يقع في محاكمة كلامهم على اصطلاحٍ حادث بعدهم .[SUP][SUP][4][/SUP][/SUP]

- النسخ لغة:
النون والسين والخاء أصلٌ واحد , والنسخ مصدر من نَسَخَ يَنْسَخُ .
والنسخ في كلام العرب يطلق, على معاني , اشهرها : الإزالة والنقل .[5]
- والنسخ بمعنى الإزالة – وهو المراد في موضوعنا - يطلق على معنيين :
أ- نسخ إلى بدل: نحو قولهم: نسخ الشيب الشباب ،و نسخت الشمس الظل، أي: أذهبته وحلت محله , ونحو قوله تعالى : ((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ))[6].
ب- ونسخ إلى غير بدل: وهو رفع الحكم وإبطاله من غير أن يقيم له بدلا، يقال: نسخت الريح الآثار، أي: أبطلتها وأزالتها. ونحو قوله تعالى: )فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ( [7] , أي يزيل ويعدم وساوس الشيطان وتزييفه.
- والنسخ بمعنى النقل , له حالتان :
أ- نقل الشيء مع بقائه في المحل الأول ,كقولك : نسخت الكتاب أي نقلت ما فيه إلى كتاب آخر مع بقاء الأصل.
ب- نقل الشيء من مكان إلى آخر مع عدم بقائه في المحل الأول , وهذا يوافق قول السجستانيّ[8] حيث قال: " النَّسْخ: أن تحوّل ما في الخليَّة من العَسَل والنَّحْل في أُخرى " أي : دون بقائه في المحل الأول . [9]

· النسخ اصطلاحاً:
اختلف مؤلفو علوم القرآن وعلم الأصول – على مر القرون - في تعريف النسخ على أقوال , نورد بعضاً منها فيما يلي:
عرفه الإسفرايني بقوله :النسخ هو بيان انتهاء حكم شرعي بطريق شرعي متراخ عنه [10]
وقال الغزالي : النسخ هو : الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم , على وجه لولاه لكان ثابتاً مع تراخيه عنه .[SUP][SUP][11][/SUP][/SUP]
وقال ابن الجوزي : النسخ هو رفع الحكم الذي ثبت تكليفه للعباد إما بإسقاطه إلى غير بدل أو إلى بدل .[SUP][SUP][12][/SUP][/SUP]
و عرفه ابن الحاجب بقوله هو : رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر .[SUP][SUP][13][/SUP][/SUP]
وعرفه ابن عثيمين فقال: رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب والسنة.[14]
وقد رجح د. محمد الشايع تعريف الشيخ ابن عثيمين , مع زيادة ( أو كلاهما ) ؛ ليشمل أنواع النسخ , فيكون التعريف : (رفع حكم دليل شرعي أو لفظه أو كلاهما , بدليل من الكتاب والسنة) وسبب ترجيحه لهذا التعريف ؛وضوحه وبساطته , وسلامته عن الإعتراضات القادحة, وكونه جامعاً مانعاً , يتبين لنا ذلك من خلال شرح التعريف .

· شرح التعريف :( رفع حكم دليل شرعي أو لفظه أو كلاهما , بدليل من الكتاب والسنة)

- ( رفع ) : الرفع إزالة الشيء على وجه لولاه لبقي ثابتا , و(رفع الحكم) أي: تغييره من إيجاب إلى إباحة، أو من إباحة إلى تحريم مثلاً , فخرج بذلك تخلف الحكم لفوات شرط أو وجود مانع، مثل أن يرتفع وجوب الزكاة لنقص النصاب، أو وجوب الصلاة لوجود الحيض؛ فلا يسمى ذلك نسخاً.
- ( حكم ) : قوله (الحكم) يخرج الأخبار المحضة , و آيات الوعد والوعيد , وكل مافي القرآن غير الأحكام الشرعية.
- ( دليل الشرعي ) :
وتخصيص الحكم (بالدليل الشرعي) يُخرج الحكم بالبراءة الأصلية – وهي الحالة التي يكون عليها الناس قبل نزول الأحكام الشرعية - .
- ( أو لفظه أو كلاهما): (أو لفظه) أي لفظ الدليل الشرعي دون حكمه , وقوله (كلاهما) أي نسخ الحكم واللفظ معاً ؛ وقد نص عليهما ؛ ليشمل أنواع النسخ ,لأن النسخ إما أن يكون للحكم دون اللفظ أو بالعكس أو لهما جميعاً.
- ( بدليل ) : يُخرج زوال الحكم لعوارض شخصية ,كموت وجنون ونوم فليس بنسخ .
- (من الكتاب والسنة ): يخرج ما عداهما من الأدلة كدعوى الإجماع والقياس فلا ينسخ بهما.[15]


[1] الموافقات: ( 3 / 344) .

[2] اخرجه الطبري في تفسيره , ج19 ,ص 147 .

[3] ينظر : الناسخ والمنسوخ , للنحاس , 1\586 .

[4] ينظر: النسخ في القرآن العظيم , ص6 .

[5] انظر مادة (نسخ) في كلِ من : مقاييس اللغة 5\424 , الصحاح في اللغة 1\ 134, لسان العرب 3\61,

[6] من الآية رقم: (106) , سورة البقرة .

[7] من الآية رقم: (52) , سورة الحج.

[8] الإمام العلامة أبو حاتم ، سهل بن محمد بن عثمان ، السجستاني ثم البصري ، المقرئ النحوي اللغوي , تصدر للإقراء والحديث والعربية , وله باع طويل في اللغات والشعر ، والعروض ، عاش ثلاثا وثمانين سنة , صاحب التصانيف , وله كتاب " إعراب القرآن " ، وكتاب " ما يلحن فيه العامة ", مات سنة خمسين , ( سير أعلام النبلاء ).

[9] ينظر: الإعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار , 1\6 , النسخ في القرآن الكريم \55 ,النسخ في القرآن العظيم ,ص5 , النسخ في دراسات الأصوليين \19 .

[10] و هو القول المختار عند البيضاوي .

[11] (المستصفى,1|86) , واختاره الشيرازي , والآمدي ,وابن الأنباري .

[12] ( نواسخ القرآن , 1\127).

[13] وقد اختاره كثير من المتقدمين والمتأخرين كتاج الدين السبكي والفتوحي وغيرهم .

[14] الأصول من علم الأصول .

[15] ينظر : الأصول من علم الأصول .
 
· - هل النسخ رفع أم بيان ؟

- القول الأول : أن النسخ رفع :
أي أن النسخ :إزالة الحكم على وجه لولا هذا الرفع لبقي الحكم ثابتاً على ماكان عليه .
قياساًعلى رفع حكم الإجارة بالفسخ,فإن ذلك يفارق زوال حكمها بانقضاء مدتها .
قال به جمع من العلماء منهم : الغزالي ,وأبو بكر الباقلاني ,والآمدي .


- القول الثاني : أن النسخ بيان انتهاء مدة الحكم الأول :
والمراد بكون النسخ بيان لمدة الحكم الأول , أي أن الحكم المنسوخ له غاية ينتهي إليها ,وله مدة محددة معلومة ,فإذا جاءت تلك الغاية انتهى العمل به , والنسخ كشف هذا الانتهاء .

وذهب إلى هذا القول جمع من العلماء منهم : أبو اسحاق الأسفراييني ,والرازي ,والقرافي ,وجماعة من المعتزلة .

· اعتراض أصحاب القول الثاني على من قال بأن النسخ رفع :

قالوا : تحديد النسخ بالرفع لايصح ؛لخمسة أوجه :

- أولاً :
أن الحكم قبل النسخ لايخلوا إما أن يكون ثابتاً أو ليس بثابت ,فإن كان ثابتاً فلا يقوى الناسخ - الحكم الطارئ - على رفعه , وإن كان ليس بثابت فلا يحتاج لرفع ؛لأنه مرتفع بنفسه أصلاً .

- الجواب عنه :
إن قولكم ظاهر الفساد ,بل إن النسخ رفع لحكم ثابت لولا هذا الرافع لاستمر وبقي في الثبوت ,وارتفاع الحكم الثابت غير ممتنع قطعاً ؛قياساً على الفسخ في العقود ,فإن الفسخ قطع حكم العقد - الذي ورد عليه فاسخ – لولاه لدام هذا العقد .

- ثانياً :
أن خطاب الله عز وجل قديم ,والقديم لايصلح رفعه ؛لأن الرفع نقل وإزالة وتغيير ,وكل ذلك محال على القديم .

- الجواب عنه :
ليس معنى النسخ رفع الخطاب نفسه بل رفع تعلق الخطاب بالمكلف ,والخطاب نفسه لايتغير , قياساً على رفع الخطاب على من مات أو جُنَّ .

- ثالثاً :
أن الحكم المنسوخ إنما أثبته الله عز وجل لحسنه وصلاحيته للمكلفين فيمتنع رفعه ؛لأن رفعه – بالنهي عنه – يلزم منه أن ينقلب الحسن قبيحاً ,وهذا قلب للحقائق وهو محال .

- الجواب عنه :
إن هذا القول مبني على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين ,وهذا باطل عندنا ؛لأن العقل لا مدخل له في الشريعة ,وإنما الشارع هو الله عز وجل فما أمر به فهو حسن ,ومانهى عنه فهو قبيح .

- رابعاً:
أن تحديد النسخ بالرفع يلزم منه أن يكون الحكم الواحد مراداً وغير مراد ,حيث إنه من جهة إثبات الحكم فإنه قد أمر به وأراد وجوده ,ومن جهة رفعه قد نهى عنه ولم يرد وجوده وهذا تناقض .

- الجواب عنه :
إن هذا القول مبني على أن الأمر مشروط بالإرادة وهذا باطل ,لأن الله سبحانه قد يأمر بالشيء ولايريد وقوعه , ويدل على ذلك أن الله عز وجلأمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده ولم يرده منه ,وأمر إبليس بالسجود ولم يرده منه ,ولو أراد ذلك لوقع ,فلا تناقض إذاً بين الأمر بالشيء وكونه غير مراد الوقوع .


- خامساً :
أن النسخ بمعنى الرفع يدل على البداء ,أي أن يظهر ويبدو له –فيما بعد – أن ماأمر به خطأ فيندم عليه ,ثم يرفع ذلك الأمر بغيره , وهذا جائز في حق المخلوقين , ولكنه لايجوز في حق الخالق .

- الجواب عنه :
نحن لانقول : إن الله تعالى كان قد خفي عليه شيء في الأول وظهر له في الثاني ,وإنما نقول : إنه خاطب بهذا الخطاب وهو يعلم بأنه يسقطه عنه بعد زمان , وهذا ليس ببداء .

وبعد ذكر اعتراضات القول الثاني وتفنيدها يتبين لنا أن الصحيح أن النسخ رفع , وليس بيان لانتهاء مدة الحكم الأول . [1]


[1] انظر : المستصفى (87) , مختصر شرح الروضة (2\261) ,إتحاف ذوي البصائر (2\673) , المهذب في علم أصول (2\536) , المعتمد في أصول الفقه (1\371) , الإحكام في أصول الأحكام ,لابن حزم(4\471) .
 
· شروط النسخ :

[SUP]- [/SUP]أولاً : الشروط المتفق عليها بين العلماء :

1- أن يكون بين الدليلين تعارض حقيقي , يمنع الجمع بينهما بترجيح أو توجيه .
2- أن يكون الحكم المنسوخ قد ثبت بخطاب شرعي متقدم ,لأن الحكم الثابت بالبراءة الأصلية لا يعد نسخا .
3- أن يكون الحكم المنسوخ مطلقاً لم يحدد بوصف أو مدة معلومة ينتهي بانتهائها , مثاله : (( ثم أتموا الصيام إلى الليل )) فالصوم واجب إلى مجيء الليل , فإذا جاء الليل ارتفع الصوم به ؛ لأن الليل غاية الصوم ونهايته ولا يعد نسخاً .
4- أن يكون الناسخ خطابا شرعياً، فإن ارتفع الحكم عن المكلَّف لعذر كموت أو جنون، فلا يعد نسخاً .
5- أن يكون الخطاب الناسخ متأخراً عن المنسوخ , غير مقترناً به فإن كان مقترناً به فليس بنسخ ,بل يعد تخصيصا .
6- أن يكون الناسخ والمنسوخ حكمين عمليين جزئيين ,لا خبراً محضاً , ولا حكماً كلياً – كالقواعد الكلية "لاضرر ولاضرار " - فلا يرد عليها النسخ .
7- ألا يكون المدعى عليه النسخ حكماً عقدياً ؛ لأن العقائد لايدخلها النسخ . [SUP][1][/SUP]


- ثانياً: الشروط المختلف فيها بين العلماء :

1- ألا ينسخ القرآن إلا بالقرآن , ولا تُنسخ السنة إلا بالسنة .
ذهب إلى ذلك الإمامان أحمد والشافعي وبعض الأصوليين , خلافاً للجمهور .
2- أن يكون النسخ ببدل , وهو قول الشافعية, وبعض الفقهاء ,وجماهير المعتزلة , خلافاً للجمهور الذين جوزوا النسخ بلا بدل .
و التحقيق أن الخلاف هنا إنما هو في مفهوم البدل لا في اشتراطه , فمن اعتبر رد الحكم إلى ما كان قبل النسخ بدلاً , اشترط البدل في النسخ .
ومن قصر البدل على شرع حكم جديد محل الحكم المنسوخ , لم يشترط البدل .
3- أن يكون النسخ ببدل مساوٍ أو مما هو أخف منه ,لابأشق منه .
و هو قول أبو داود الظاهري وغيره , أما الجمهور فعلى جواز النسخ بالأشق ,كنسخ التخيير بين الصوم والفدية بفرضية الصوم , وكنسخ النهي عن قتال الكفار في أول الإسلام بفرضية الجهاد بعده , والراجح قول الجمهور ؛لجوازه عقلاً ووقوعه شرعاً .
4- أن يكون الخطاب الناسخ قد ورد بعد دخول وقت التمكن من الامتثال .
وهذا قول المعتزلة وأكثر الحنفية , خلافاً للجمهور الذين جوزوا النسخ قبل التمكن من العمل , والقول الأول هو الراجح , فالمتأمل في خطابات النسخ يجد أن النسخ إنما ورد بعد دخول وقت التمكن من الامتثال.
5- ألا يكون المدعى عليه النسخ مؤبداً , كقولهسبحانه وتعالى : { ولاتقبلوا لهم شهادةً أبدا ...} [SUP][SUP][2][/SUP][/SUP]


[1] ينظر : الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه , ص107 , الاعتبار في الناسخ والمنسوخ , 1\6 ,الإحكام في أصول الأحكام (3\114) , , الناسخ والمنسوخ لابن حزم , 1\7 , نواسخ القرآن لابن الجوزي , 1\135, المستصفى ,1|97 تيسير الأصول (210) ,المعتمد في أصول الفقه (1\369), المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل (1\108), النسخ في القرآن الكريم , 182, نسخ القرآن العظيم ،ص 15, فتح المنان في نسخ القرآن |57, الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم,( 166 – 189) .

[2] ينظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه , ص109 , المستصفى ( 1\98) ,المعتمد (369\1) , إتحاف ذوي البصائر (2\671) , المعتمد في أصول الفقه (1\386) , الإحكام في أصول الأحكام (3\150) , المسودة (1\186) ,تيسير الأصول (212), الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (4\617) , النسخ في القرآن الكريم, (175- 198) , فتح المنان في نسخ القرآن|57 , نسخ القرآن العظيم ،ص 16.
 
· ما يتناوله النسخ :

يفيد تعريف النسخ بأنه (رفع حكم دليل شرعي ...) أن النسخ لا يكون إلا في الأحكام المتضمنه لفروع العبادات والمعاملات , أما العقائد فلا يقع فيها النسخ.
وذلك لأن العقائد المتعلقة بالله وصفاته وأسمائه وملائكته وجنته وناره والبعث والحشر والحساب حقائق ثابتة لا تقبل التغيير , ولذا اتفقت كل الديانات عليها .

وكذلك لا يقع النسخ في الأحكام التي تكون مصلحة في كل زمان ومكان ,كأصول الإيمان وأصول العبادات ومكارم الأخلاق من الصدق والعفاف، والكرم ونحو ذلك؛ فلا يمكن نسخ الأمر بها، وكذلك لا يمكن نسخ النهي عما هو قبيح في كل زمان ومكان ,كالشرك والكفر ومساوئ الأخلاق من الكذب والفجور ونحو ذلك، إذ الشرائع كلها لمصالح العباد ودفع المفاسد عنهم.

وكذا يمتنع نسخ الأخبار المحضة ؛لأن نسخ أحد الخبرين يستلزم أن يكون أحدهما كذباً، والكذب مستحيل في أخبار الله ورسوله .
أما إن كان ظاهره الخبر وحقيقته الأمر أو النهي ، فلا يمتنع نسخه كقوله تعالى: ()إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ.. )) [1], فهذا خبر بمعنى الأمر ,فهو أمر بوقوف الواحد من المسلمين مقابل العشرة من الكفار , وكقوله تعالى : ((الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ )) [SUP][SUP][2][/SUP][/SUP] ,في الآية خبر بمعنى النهي عن نكاح الزاني لغير الزانية والمشركة .[SUP] [SUP][3][/SUP][/SUP]

· العلاقة بين النسخ والتخصيص :
يلتبس على الكثير النسخ بالتخصيص - قصر العام على بعض مسمياته- مع ما بينهما من الفوارق , ومنشأ هذا الإلتباس أن في النسخ مايشبه تخصيص الحكم ببعض الأزمان , وفي التخصيص مايشبه رفع الحكم عن بعض الأفراد .

غير أنهما يفترقان من عدة أوجه ,منها :
1) أن ما خرج بالتخصيص لم يكن مراداٌ أصلاً , بخلاف ماخرج بالنسخ فإنه كان مراداً ومشمولاً بالحكم المنسوخ .
2) أن النسخ يشترط تراخيه ,بخلاف التخصيص فيجوز أن يكون متقدماً أو مقترناً أو متأخراً .
3) أَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِخِطَابٍ مِنَ الشَّارِعِ، بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْقِيَاسِ وَبِغَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ.
4) أن النسخ يجوز دخوله في الأمر بمأمور واحد ,بخلاف التخصيص فلابد أن يكون للمأمور أفراد حتى يمكن قصره على بعضها.
5) أن النسخ يختص بالأحكام ولا يصح في الأخبار والتخصيص يجوز فيهما .
6) أن النسخ يبطل حجية المنسوخ , بخلاف التخصيص فإنه لايبطل حجية العام .[4]

· والخلاف في كون الشيء نسخ أو تخصيص , له أثر في الفروع , مثاله :
الخلاف في آية اللعان هل هي ناسخة لآية القذف بالنسبة للزوج أم مخصصة ؟
( آية القذف متقدمة عن آية اللعان)
فعند الأحناف : آية اللعان متأخرة لذا هي ناسخة لآية القذف في حق الزوج , فيلزم الزوج اللعان إذا قذف زوجته , وإن امتنع فلا يُحد بل يحبس حتى يلاعن .
أما الجمهور فقالوا : آية اللعان مخصصة للزوج , فكل من قذف محصنة فعلية الرجم , إلا الزوج فله الملاعنة فإن امتنع فيقام عليه حد القذف .

*حكم النسخ عند جمهور المسلمين :
ذهب جمهور علماء المسلمين إلى أن النسخ و جائز عقلاً , و واقع شرعاً.
وثبوته في الكتاب والسنة من الأمور المجمع عليها بين أصحاب النبي ﷺ ومن سار على نهجهم من جمهور العلماء من السلف والخلف ؛ وذلك لتضافر الأدلة من الكتاب والسنة التي تدل على اشتمال القرآن الكريم و السنة النبوية على الناسخ والمنسوخ .[SUP][SUP][5][/SUP][/SUP]
قال ابن الجوزي في حديثه عن ثبوت النسخ :
"انعقد اجماع العلماء على هذا إلا أنَّه قد شذ من لا يلتفت إليه[SUP][SUP][6][/SUP][/SUP] "[SUP][SUP][7][/SUP][/SUP] .
وقال أبو جعفر النحاس: "من المتأخرين من قال: ليس في كتاب الله U ناسخ ولا منسوخ وكابر العيان, واتبع غير سبيل المؤمنين ". [8]


*أدلة ثبـــــــــوت النسخ :
تضافرت الأدلة من العقل والنقل على جواز النَّسخ وثبوته ,نورد منها مايلي:
.
* الأدلة النقلية :
- قال تعالى : ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[9] .
قال الإمام أحمد رحمه الله في قوله تعالى: (ما نَنْسَخْ منْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأهَا) أن ذلك لجواز النسخ، وأن الله تعالى أخبر أنه إذا شاء نسخ من كتابه ما أحب.
- وقال تعالى : ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ .
ووجه الدلالة في هذه الآية أن التبديل رفع للأصل وإثبات لبدله وذلك هو النسخ سواء أكان المرفوع تلاوة أم حكما.[10]
- وقال تعالى : ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾[11]
عن ابن عباس قال:( (يمحو الله ما يشاء) من القرآن , يقول: يبدل الله ما يشاء فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا يبدله ,(وعنده أم الكتاب) ، يقول: وجملة ذلك عنده في أمّ الكتاب، الناسخ والمنسوخ، وما يبدل وما يثبت، كلُّ ذلك في كتاب)[SUP][SUP][12][/SUP][/SUP] . [SUP][SUP][13][/SUP][/SUP]


*الأدلة العقلية :
- أن الشرع تراعى فيه مصالح العباد، وهذه المصالح تتغير بتغيُّر الأوقات والظروف، فوجب تغيُّر الأحكام تبعاً لها، إن قلنا بإتباع المصالح، وإلا فلله أن يفعل ما يشاء، ويحكم بما يريد، لا يسأل عما يفعل وهم يُسألون .
- أن النَّسخ لا محظور فيه عقلاً، وكل ما كان كذلك جاز عقلاً ... [SUP][SUP][14][/SUP][/SUP]


[1] (الأنفال: الآية65).

[2] ( النور : الآية 3 ).

[3] قواطع الأدلة في الأصول ,1|423 , الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص 66,مناهل العرفان , 2, 211 , الأصول من علم الأصول .
انظر : الإحكام في أصول الأحكام (3\113) ,العدة في أصول الفقه (3\779) , روضة الناظر وجنة المناظر(1\289) , قواطع الأدلة في الأصول (1\458) , الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي (16\84) ,تيسير الأصول ( 216) , المستصفى (1\113), الإبهاج في شرح المنهاج (2\119) .
[4]



[5] المحصول للرازي 3|294 , المسودة في أصول الفقه ,1|195 , الإبهاج في شرح المنهاج ,2|227 , روضة الناظر , 1|292.

[6] والمقصود أبو مسلم الأصفهاني ، فإنه أنكر جواز النسخ شرعًا، لا عقلًا, وسيأتي تفصيل القول عنه في المباحث القادمة – إن شاء الله - .

[7] نواسخ القرآن لابن جوزي , 1|119 ,

[8] الناسخ والمنسوخ للنحاس ,ص40.

[9] سورة البقرة , 106.

[10] مناهل العرفان ,2\ 193.

[11] سورة الرعد , 39 .

[12] اخرجه الطبري في تفسيره , ج16 , ص 485 .

[13] ينظر: الإحكام في أصول الأحكام , 3 |115,روضة الناظر وجنة المناظر , 1| 228, العدة في أصول الفقه , 3| 770 , مناهل العرفان ,2\189.

[14] ينظر : الإبهاج شرح المنهاج , 2|228 , الإحكام في أصول الأحكام ,3|115, روضة الناظر وجنة المناظر , 1|228 , الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ,ص (60 -64) .
 
مشكور يا صاحب الموضوع مع انك اتعبت نفسك وكان يكفي ان تعمل قص ولصق من كتاب مناهل العرفان للزرقاني ففيه كل ما ذكرت وزيادة وهو منتشر على النت بصيغة وورد. فكنت اتمنى اذا كان تعبك لابد منه ان يكون في تحقيق لبعض مسائل النسخ لكان اولى اما نقل مبحث النسخ كما هو فلا داعي له. وعلى العموم شكرا على المشاركة.
 
عودة
أعلى