وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
بدايةً، النظر في كتب المتقدمين يخلع على الناظر من ثياب الفقه والعلم والبركة ما لا يعلمه إلا من ذاق أشباهه، سواء كان ذلك في التفسير أو في غيره من علوم الشرع.
وعامة تفاسير المتقدمين غايةٌ في الوضوح والبيان، وإنما ضُرب بيننا وبينها بسورٍ من العُجمة وضعف الفهم، له بابٌ من العلم وإدامة النظر والصبر على المطالعة.
والمرءُ لا يستطيع أن يزرع ثَمَرًا أو يحصده بغير امتلاكه آلة الزرع أو الحصاد، كذلك الناظر في كتب التفاسير يعجز عن حصاد قطافها بغير تحصيل لمسالك الفهم والنظر.
ولعل من هذه الآلات:
أولًا: إخلاص النية، وصدق العزيمة، وإطالة العبادة والتضرع، فإن في هذا من مسالك الفهم ومدارج العلم ما لا تجده في كِتَاب ولا تحصّله في كُتّاب.
ثانيًا: البداءة بمطالعة كتب المتأخرين الميسّرة؛ فإن ذلك يُقرّب إلى الناظر مسالك المفسرّين، وطريقة تناولهم للآيات، كما يمكّنه من تحصيل صلب المعنى الذي تدور حوله كتب المتقدمين، حتى إذا قرأها لم يضع تماسك المعنى المقصود بين الفوائد والتقريرات المتلاطمة.
ثالثًا: البداءة بمطالعة الأيسر والأسهل من تصانيف المتقدمين، كتسهيل ابن جُزيّ، ووجيز الواحديّ، ومعالم البغوي، وتفسير ابن كثير (لكن ليس من أولّه)، ونكت الماوردي، وزاد ابن الجوزي، بل حتى أنوار البيضاوي.
رابعًا: معرفة مناهج المفسرين وطرائقهم ومسالكهم، فإن ذلك يختصر على القارئ مسافاتٍ كثيرة، ومن ذلك البداءة بالنظر في بعض كتب أصول التفسير وعلوم القرآن، فيفهم طبائع الاختلاف، ومدارس التفسير وطرائقه وأساليبه، ويفرّق بين المقبول والمردود، والصحيح والأصحّ، ويعرف الناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، والإجمال والتبيين، وأشباه ذلك.
خامسًا: الفهم الدقيق لعقائد المنتصرين لأصولهم من المفسرين على غير طريقة أهل السنة والجماعة؛ وذلك حتى يستطيع فك تراكيب الكلام المستبطنة لأصولهم وعقائدهم، وحتى يقي الناظر نفسه سبل الزلل والردى، وكشّاف الزمخشري مثالٌ جيد على هذا.
سادسًا: تحسين اللسان العربي، وتدريب العين على مطالعة الفصيح من الكلام؛ فإن ذلك يرقى بالمُستشكِل إلى منازل الفهم، ثم يرقى بالفاهم إلى منازل الطرب والاستمتاع!
سابعًا: العناية بالكتب المشروحة، وتقديمها على ما سواها؛ فإن سماعك للشارح المتقن لا يمكنك فقط من فهم المعنى وفك المستغلق، وإنما يُعلمك من أين تؤكل الكتف.
وفقني الله وإياك لمراتب الفضلاء والشرفاء، أهل فقه التأويل وسبر نور التنزيل.