الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , وبعد:
فقد اطلعتُ على سؤال الأخ أبي سعد وإجابات الإخوة الواضحة عليه وتفاجأتُ من الإعجاز الذي يزعمهُ البعضُ في إعراب (
ما) موصولةً مع أن هذا الوجه الإعرابي تقييدٌ وتضييقٌ للمعنى وهو لا يتناسبُ مع دلالة الإعجاز بوجه, وتذكرت أثناء ذلك قاعدة استقر عليها عمل أئمة التفسير والوقف وهيَ: (
إذا تردد الأمر بين الحمل على الحذف والزيادة حُمِل على الحذف) , لأنه لا وجه للزيادة على اللفظ القرآني عند التفسير ما دام المعنى يتأدى بدونها , والأصل في الكلام عدم التقدير لأن التقدير طارئٌ.
ومن الناحية التطبيقية لهذه القاعدة نجد حمل (
ما) على أنها موصولة سيضطرنا إلى إعادة ترتيب الكلام ليستقيم لنا هذا الحمْلُ , خلافاً لإبقائها نافيةً على الأصل.
وجعلُ (
ما) موصولةً سيترتبُ عليه زيادةٌ في معمول الفعل (
يَتَلَقى) وتخصيصه بما يلفظه المكلفُ , ومن قواعد التفسير أيضا (
أن تُحمل أخبارُ القرآن على العموم حتى يردَ التخصيصُ لها) , ولا مُخصص للمُتَلَقى في هذه الآية إلا التقديرُ والظن المرجوحُ.
وهذا الأخير هو ما جعل أخانا أبا سعد يفترضُ الاتفاقَ على أن (
ما) موصولةٌ ليستشكلَ فيقول:
هل الذي يتلقاه المتلقيان أقوال الإنسان فقط ؟
ماذا عن أفعال الإنسان: النظر ، اللمس ، البطش ، أفعال القلوب ..؟
وإذا كانت كلها تكتب ـ وأظنه الراجح ـ لماذا خص القول هنا دون غيره؟
ولو بقينا على الأصل وعملنا في تحديد نوع (
ما) بقواعد المفسرين وحملنها على العموم المطلق الذي لا يتقيد بالملفوظ دون المفعول لاتسعت لذلك دلالة الآية الكامنةُ في أن ما نافيةٌ لا موصولةٌ , ولما احتجنا إلى هذا الاستشكال وتكلف الإجابة عليه.
أضف إلى ذلك أن
من شأن العرب في كلامها أن تحذف منهُ ما يدل عليه الظاهرُ من الخطاب , وهذا أفصحُ وأبلغُ من التنصيص عليه مع بيانه واتضاحه , ولا يتأتى ذلك في آيتنا إلا بحمل (
ما) على أنها نافيةٌ , فشمول تلقي الملكين للفظ واضحٌ من ظاهر الخطاب وجعل الآية الأخرى نصا عليه أبعد في الفصاحة من الإطلاق الذي يشمله وغيره , والله تعالى أعلم.