ما معنى يبصّرونهم ولماذا لم تكن يبصِرونهم؟

منيب عرابي

New member
إنضم
07/06/2010
المشاركات
143
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
وَلا يَسأَلُ حَميمٌ حَميمًا ﴿١٠﴾
يُبَصَّرونَهُم يَوَدُّ المُجرِمُ لَو يَفتَدي مِن عَذابِ يَومِئِذٍ بِبَنيهِ ﴿١١﴾

ما معنى يبَصّرونهم في الآية ؟ ولماذا ليست يبْصِرونهم ؟
 
قال الطاهر بن عاشور:
"وموقع { يبصّرونهم } الاستئناف البياني لدفع احتمال أن يقع في نفس السامع أن الأحِمَّاء لا يرى بعضهم بعضاً يومئذٍ لأن كل أحد في شاغل ، فأجيب بأنهم يكشف لهم عنهم ليروا ما هم فيه من العذاب فيزدادوا عذاباً فوق العذاب ."
ونفهم من كلامه أن الأمر قسري وليس باختيارهم زيادة في النكاية بهم .
ونعوذ بنور وجه الله من حالهم.​
 
قال ابن جرير رحمه الله تعالى:
"يُبَصَّرُونَهُمْ"

وَقَوْله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَوْا بِالْهَاءِ وَالْمِيم فِي قَوْله { يُبَصَّرُونَهُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْأَقْرِبَاء أَنَّهُمْ يُعَرَّفُونَ أَقْرِبَائِهِمْ , وَيُعَرَّف كُلّ إِنْسَان قَرِيبه , فَذَلِكَ تَبْصِير اللَّه إِيَّاهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 27043 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } قَالَ : يَعْرِف بَعْضهمْ بَعْضًا , وَيَتَعَارَفُونَ بَيْنهمْ , ثُمَّ يَفِرّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , يَقُول : { لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه } . 80 37 27044 -حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { يُبَصَّرُونَهُمْ } يُعَرَّفُونَهُمْ يَعْلَمُونَ , وَاللَّه لِيَعْرِفْنَ قَوْم قَوْمًا , وَأُنَاس أُنَاسًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّهُمْ يُبَصِّرُونَ الْكُفَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 27045 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } الْمُؤْمِنُونَ يُبَصِّرُونَ الْكَافِرِينَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْكُفَّار الَّذِينَ كَانُوا أَتْبَاعًا لِآخَرِينَ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْكُفْر , أَنَّهُمْ يُعَرِّفُونَ الْمَتْبُوعِينَ فِي النَّار. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 27046 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } قَالَ : يُبَصِّرُونَ الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ فِي الدُّنْيَا فِي النَّار . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا يَسْأَل حَمِيم حَمِيمًا عَنْ شَأْنه , وَلَكِنَّهُمْ يُبَصَّرُونَهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ , ثُمَّ يَفِرّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَوْم يَفِرّ الْمَرْء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّه وَأَبِيهِ وَصَاحِبَته وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه } . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَشْبَههَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } تَلَا قَوْله : { وَلَا يَسْأَل حَمِيم حَمِيمًا } فَلَأَنْ تَكُون الْهَاء وَالْمِيم مِنْ ذِكْرهمْ أَشْبَه مِنْهَا بِأَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر غَيْرهمْ . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَا يَسْأَل } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاءِ الْأَمْصَار سِوَى أَبِي جَعْفَر الْقَارِئ وَشَيْبَة بِفَتْحِ الْيَاء ; وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة : " وَلَا يُسْأَل " بِضَمِّ الْيَاء , يَعْنِي : لَا يُقَال لِحَمِيمٍ أَيْنَ حَمِيمك ؟ وَلَا يُطْلَب بَعْضهمْ مِنْ بَعْض . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة عِنْدنَا فَتْح الْيَاء , بِمَعْنَى : لَا يَسْأَل النَّاس بَعْضهمْ بَعْضًا عَنْ شَأْنه ; لِصِحَّةِ مَعْنَى ذَلِكَ ; وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ ."
 
نحتاج إلى تخليص المعنى من بين هذه النقول المهمة للإمامين الطبري وابن عاشور رحمهما الله.
فالخلاصة أن معنى يُبَصَّرونّهُم أي : يُبَصِّرُ اللهُ الناسَ في عَرصَاتِ يومَ القيامة بأَقَاربِهِم وأصدقائِهِم مِمَّن كانوا يعرفونَهم في الدنيا، أَي يُعرِّفُ بعضَهم ببعضٍ فَيَرونَهم ويُبصرونَهم تَمامَ البَصَرِ فيعرفونَهم تَمامَ المعرفةِ، وبعد ذلك يفر بعضهم من بعضٍ خوفاً على نفسهِ ونَجاةً بِها من طلب العون والمساعدة من صديقه أو قريبه، بدليل قوله في سورة عبس مصوراً تلك الحال للناس يوم القيامة : (يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه* لكل امرئ منهم يومئذٍ شأنٌ يُغنيه) ، فيكون فرارهم بعد المعرفة التامة، والإبصار المتثبت من شدة هول الموقِفْ .
 
ألا يحتمل المعنى أن الإبصار كان رغماً عنهم أي أنهم لو كان الأمر لهم لما أبصروهم من هول الموقف ولكن (يبصّرونهم) كأن الفعل فيه إرغام على الإبصار؟ فقال يبصّرونهم ولم يقل يُبصِرونهم بإرادتهم هم؟
 
ألا يحتمل المعنى أن الإبصار كان رغماً عنهم أي أنهم لو كان الأمر لهم لما أبصروهم من هول الموقف ولكن (يبصّرونهم) كأن الفعل فيه إرغام على الإبصار؟ فقال يبصّرونهم ولم يقل يُبصِرونهم بإرادتهم هم؟
والله هذا معنى دقيق ورائع ولا يتنافى مع بقيّة ما تفضل به الأخوة . وأضيف له : أن تبصيرهم لأولئك بسبب هذا الهول الذي لا يجعل الإنسان أصلاً في حالة إبصار كاملة لشدة الموقف وصعوبته . ألا ترى لو أن الانسان ابتلي في الدنيا بمصيبة عظيمة أصابت أحد أبنائه مثلاً . وأثناء ذهابه الى المستشفى ليطّلِع على الخبر رأى أحد أبناء عمومته مجروحاً أو متألماً أو صارخاً . هل تظن أنه سيوقف سيارته ليطلع على خبر ابن عمه ويترك مصيبته في ولده؟ وكذلك يوم القيامه يفر الإنسان من الجميع ومع ذلك فإن الله تعالى يبصّر الناس ذويهم وأبنائهم ومع ذلك فكأنهم لم يروهم . فلا يأبه أحد إلا بنفسه ولا ينظر إلا لنجاة روحه.
 
عودة
أعلى