قال ابن جرير رحمه الله تعالى:
"يُبَصَّرُونَهُمْ"
وَقَوْله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَوْا بِالْهَاءِ وَالْمِيم فِي قَوْله { يُبَصَّرُونَهُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْأَقْرِبَاء أَنَّهُمْ يُعَرَّفُونَ أَقْرِبَائِهِمْ , وَيُعَرَّف كُلّ إِنْسَان قَرِيبه , فَذَلِكَ تَبْصِير اللَّه إِيَّاهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 27043 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } قَالَ : يَعْرِف بَعْضهمْ بَعْضًا , وَيَتَعَارَفُونَ بَيْنهمْ , ثُمَّ يَفِرّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , يَقُول : { لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه } . 80 37 27044 -حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { يُبَصَّرُونَهُمْ } يُعَرَّفُونَهُمْ يَعْلَمُونَ , وَاللَّه لِيَعْرِفْنَ قَوْم قَوْمًا , وَأُنَاس أُنَاسًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّهُمْ يُبَصِّرُونَ الْكُفَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 27045 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } الْمُؤْمِنُونَ يُبَصِّرُونَ الْكَافِرِينَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْكُفَّار الَّذِينَ كَانُوا أَتْبَاعًا لِآخَرِينَ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْكُفْر , أَنَّهُمْ يُعَرِّفُونَ الْمَتْبُوعِينَ فِي النَّار. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 27046 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } قَالَ : يُبَصِّرُونَ الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ فِي الدُّنْيَا فِي النَّار . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا يَسْأَل حَمِيم حَمِيمًا عَنْ شَأْنه , وَلَكِنَّهُمْ يُبَصَّرُونَهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ , ثُمَّ يَفِرّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَوْم يَفِرّ الْمَرْء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّه وَأَبِيهِ وَصَاحِبَته وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه } . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَشْبَههَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } تَلَا قَوْله : { وَلَا يَسْأَل حَمِيم حَمِيمًا } فَلَأَنْ تَكُون الْهَاء وَالْمِيم مِنْ ذِكْرهمْ أَشْبَه مِنْهَا بِأَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر غَيْرهمْ . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَا يَسْأَل } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاءِ الْأَمْصَار سِوَى أَبِي جَعْفَر الْقَارِئ وَشَيْبَة بِفَتْحِ الْيَاء ; وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة : " وَلَا يُسْأَل " بِضَمِّ الْيَاء , يَعْنِي : لَا يُقَال لِحَمِيمٍ أَيْنَ حَمِيمك ؟ وَلَا يُطْلَب بَعْضهمْ مِنْ بَعْض . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة عِنْدنَا فَتْح الْيَاء , بِمَعْنَى : لَا يَسْأَل النَّاس بَعْضهمْ بَعْضًا عَنْ شَأْنه ; لِصِحَّةِ مَعْنَى ذَلِكَ ; وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ ."