الخطاب الآن موجه إلى عقلاء المدرسة السلفية
أخي أبا عبد الله الشافعي، لقد وجهت الخطاب إلى عقلاء المدرسة السلفية، وما أتيت أنت به يخجل المرء العاقل منه فضلا عن عقلاء المدرسة السلفية، ليتك راعيت من تخاطبك رحمني الله تعالى وإياك، فأنت لا تخاطب أناسا لا يحسنون كتابة أسمائهم حتى تغالطهم بأبشع الكذب وأفضحه على الأشعرية. ومع ذلك لا ألومك فلعل ذلك مبلغ علمك.
قال الشيخ السنوسي أحد أئمة أهل الحق أهل السنة والجماعة في شرحه على مقدماته وعند ذلك لصفة الكلام الذي يتصف به الله تعالى:
(وَالكَلاَمُ الأَزَلِيُّ: هُوَ المَعْنَى القَائِمُ بِالذَّاتِ، المُعَبَّرُ عَنْهُ بِالعِبَارَاتِ المُخْتَلِفَاتِ، المُبَايِنُ لِجِنْسِ الحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ، المُنَزَّهُ عَنِ البَعْضِ وَالكُلِّ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالسُّكُوتِ وَالتَّجَدُّدِ وَاللَّحْنِ وَالإِعْرَابِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ التَّغَيُّرَاتِ، المُتَعَلِّقُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ العِلْمُ مِنَ المُتَعَلَّقَاتِ.)
ش: لاَ شَكَّ أَنَّ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالإِجْمَاعَ مُصَرِّحَةٌ بِإِثْبَاتِ الكَلاَمِ لِمَوْلاَنَا ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ وَتَبْشِيرٍ وَتَحْذِيرٍ وَإِخْبَارٍ.
وَدَلِيلُ العَقْلِ أَيْضًا يَدُلُّ بِالطَرِيقِ القَطْعِيِّ أَنَّ كُلَّ عَالِمٍ بِأَمْرٍ يَصِحُّ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، وَمَوْلاَنَا ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ عَالِمٌ بِجَمِيعِ المَعْلُومَاتِ الَّتِي لاَ نِهَايَةَ لَهَا، فَصَحَّ أَنَّ لَهُ كَلَامًا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَكُلُّ مَا صَحَّ أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ ـ جَلَّ وَعَلاَ ـ وَجَبَ لَهُ؛ لِاسْتِحَالَةِ اتِّصَافِهِ تَعَالَى بِصِفَةٍ جَائِزَةٍ، فَالكَلاَمُ إِذًا وَاجِبٌ لَهُ تَعَالَى.
ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ بَعْدَ هَذَا عَلَى فِرَقٍ؛ فَذَهَبَ الحَشْوِيَّةُ إِلَى أَنَّ هَذَا الكَلاَمَ الَّذِي يَتَّصِفُ بِهِ مَوْلاَنَا ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ عَلَى حَسَبِ مَا ثَبَتَ فِي الكَلاَمِ اللِّسَانِيِّ فِي الشَّاهِدِ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ حُرُوفًا وَأَصْوَاتًا قَدِيمٌ، بَلْ زَعَمُوا أَنَّ المِدَادَ حَادِثٌ فَإِذَا كُتِبَ بِهِ القُرْآنُ صَارَ بِعَيْنِهِ قَدِيمًا. وَهَذَا المَذْهَبُ وَاضِحُ الفَسَادِ؛ إِذْ مِنَ المَعْلُومِ أَنَّ الحُرُوفَ وَالأَصْوَاتَ لاَ تُعْقَلُ إِلاَّ حَادِثَةً؛ لِتَجَدُّدِهَا بَعْدَ عَدَمٍ وَعَدَمِهَا بَعْدَ تَجَدُّدٍ، فَالعَدَمُ يَكْتَنِفُهَا سَابِقًا وَلاَحِقًا، وَالقَدِيمُ لاَ يَقْبَلُ العَدَمَ، لاَ سَابِقًا وَلاَ لاَحِقًا.
وَذَهَبَ المُعْتَزِلَةُ إِلَى أَنَّ كَلَامَهُ تَعَالَى حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ كَمَا قَالَتِ الحَشْوِيَّةُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ خَالَفُوهُمْ بِأَنْ قَالُوا: إِنَّ كَلاَمَهُ تَعَالَى فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ، كَرَزْقِهِ وَإِعْطَائِهِ، فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَقُومَ بِذَاتِهِ؛ لِاسْتِحَالَةِ قِيَامِ الحَوَادِثِ بِهِ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ ـ تَعَالَى ـ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الكَلاَمِ خَلَقَ ذَلِكَ فِي جِرْمٍ مِنَ الأَجْرَامِ، وَأَسْمَعَ ذَلِكَ مَنْ شَاءَ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ.
وَهَذَا المَذْهَبُ أَيْضًا وَاضِحُ الفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اِمْتِنَاعَ مَا عُلِمَتْ صِحَّتُهُ مِنَ الكَلاَمِ فِي حَقِّ العَالِمِ، وَأَيْضًا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الذَّاتِ العَلِيَّةِ أَمْرٌ وَلاَ نَهْيٌ وَلَا وَعْدٌ وَلَا وَعِيدٌ، وَإِنَّمَا هِي مَوْجُودَةٌ فِي الأَجْرَامِ الحَادِثَةِ، فَالمُكَلَّفُونَ إِذًا عَابِدُونَ لِتِلْكَ الأَجْرَامِ؛ إِذْ هِيَ الآمِرَةُ النَّاهِيَةُ.
فَإِنْ قَالُوا: إِنَّ مَا خَلَقَ الله فِيهَا دَالٌّ عَلَى مَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنَ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالوَعْدِ وَالوَعِيدِ، فَهِيَ كَالمُبَلِّغَةِ عَنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
فَالجَوَابُ: أَنَّ الذَّاتَ العَلِيَّةَ عِنْدَهُمْ عَارِيَةٌ عَنِ الكَلاَمِ أَصْلًا، فَلاَ أَمْرَ فِيهَا وَلاَ نَهْيَ وَلاَ خَبَرَ وَلاَ وَعْدَ وَلاَ وَعِيدَ، وَمِنْ شَرْطِ تَبْلِيغِ هَذِهِ الحَقَائِقِ أَنْ يَتَّصِفَ بِهَا المُبَلَّغُ عَنْهُ أَوَّلاً ثُمَّ تُبَلَّغُ عَنْهُ.
وَمَذْهَبُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الحَقَائِقَ إِنَّمَا وُجِدَتْ اِبْتِدَاءً فِي تِلْكَ الأَجْرَامِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وُجُودٌ أَصْلاً فِي ذَاتِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَلَيْسَ إِذًا عِنْدَهُ حُكْمٌ وَلاَ خَبَرٌ يُبَلَّغَانِ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالنَّاسُ إِذًا عَابِدُونَ لِتِلْكَ الأَجْرَامِ الَّتِي سُمِعَ مِنْهَا الأَمْرُ وَالنَّهْيُ.
وَلاَ يُخَلِّصُهُمْ مَا زَعَمُوهُ أَنَّ لِلهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِرَادَةٌ لِلْخَيْرِ فَهِيَ الَّتِي تُمْتَثَلُ، وَهِيَ الَّتِي بَلَّغَتْهَا الأَجْرَامُ عَنْهُ بِصِيغَةِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالوَعْدِ وَالوَعِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي تَخَيَّلُوهُ بَاطِلٌ؛ لِمَا ثَبَتَ بِالْبُرْهَانِ القَطْعِيِّ أَنَّ إِرَادَةَ اللهِ تَعَالَى عَامَّةٌ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالطَّاعَةِ وَالمَعْصِيَةِ وَالكُفْرِ وَالإِيمَانِ، فَيَلْزَمُ إِذًا أَنْ لاَ مَعْصِيَةَ أَصْلاً؛ لِأَنَّ الخَلْقَ كُلَّهُمْ مُتَصَرِّفُونَ عَلَى وِفْقِ إِرَادَتِهِ تَعَالَى.
وَالحَامِلُ لِهَؤُلاَءِ المُبْتَدِعَةِ عَلَى هَذِهِ الأَقْوَالِ الفَاسِدَةِ: إِنْكَارُهُمْ كَلاَمًا مِنْ غَيْرِ حَرْفٍ وَلاَ صَوْتٍ، وَقَدْ نَقَضَ عَلَيْهِمْ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِمَا نَجِدُهُ فِي أَنْفُسِنَا مِنَ الكَلاَمِ الدَّالِّ عَلَى المَعَانِي؛ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ مُغَايِرٌ لِمَا فِي النَّفْسِ مِنَ العُلُومِ وَالإِرَادَةِ وَالظُّنُونِ وَالشُّكُوكِ وَالأَوْهَامِ، وَإِذَا ثَبَتَ فِي الشَّاهِدِ كَلاَمٌ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلاَ صَوْتٍ بَطَلَ مَا عَوَّلُوا عَلَيْهِ مِنْ حَصْرِ الكَلاَمِ فِي الحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ، وَاتَّضَحَ أَنَّ الحَقََّ: مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ ثُبُوتِ كَلاَمٍ للمَوْلَى ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ، مُنَزَّهًا عَنِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالجُزْءِ وَالكُلِّ وَاللَّحْنِ وَالإِعْرَابِ وَالسُّكُوتِ وَنَحْوِهَا مِنْ خَوَاصِّ كَلاَمِنَا الحَادِثِ، لِسَانِيًّا كَانَ أَوْ نَفْسِيًّا ؛ لِاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ كُلِّهِ النَّقْصَ وَالبَكَمَ وَالحُدُوثَ، وَإِنَّمَا كَلاَمُهُ ـ جَلَّ وَعَلاَ ـ صِفَةٌ وَاجِبَةُ القِدَمِ وَالبَقَاءِ، مُتَعَلِّقَةٌ بِجَمِيعِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ عِلْمُهُ، وَكُنْهُهُ مَحْجُوبٌ عَنِ العَقْلِ؛ إِذْ لاَ مِثْلَ لَهُ، لاَ عَقْلِيًّا وَلاَ وَهْمِيًّا وَلاَ خَيَالِيًّا وَلاَ مَوْجُودًا وَلاَ مُقَدَّرًا، وَذَلِكَ كَذَاتِهِ العَلِيَّةِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ.
وَإِذَا عَرَفْتَ مَذْهَبَ أَهْلِ الحَقِّ فِي كَلاَمِ اللهِ تَعَالَى، عَرَفْتَ أَنَّ إِطْلَاقَ السَّلَفِ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ـ عَلَى كَلاَمِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ، مَقْرُوءٌ بِالأَلْسِنَةِ، مَكْتُوبٌ فِي المَصَاحِفِ، هُوَ بِطَرِيقِ الحَقِيقَةِ لاَ بِطَرِيقِ المَجَازِ، وَلَيْسَ يَعْنُونَ بِذَلِكَ حُلُولَ كَلَامَ اللهِ ـ تَعَالَى ـ القَدِيمِ فِي هَذِهِ الأَجْرَامِ، تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنَّ كَلاَمَهُ ـ جَلَّ وَعَلاَ ـ مَذْكُورٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِتِلَاوَةِ اللِّسَانِ وَكَلاَمِ الجَنَانِ وَكَتَابَةِ البَنَانِ، فَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهَا فَهْمًا وَعِلْمًا، لاَ حُلُولًا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَهُ وُجُودَاتٌ أَرْبَعٌ:
• وُجُودٌ فِي الأَعْيَانِ.
• وَوُجُودٌ فِي الأَذْهَانِ.
• وَوُجُودٌ فِي اللِّسَانِ.
• وَوُجُودٌ فِي البَنَانِ، أَيْ بِالكِتَابَةِ بِالأَصَابِعِ.
فَالوُجُودُ الأَوَّلُ: هُوَ الوُجُودُ الذَّاتِيُّ الحَقِيقِيُّ، وَسَائِرُ الوُجُودَاتِ إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ الدِّلَالَةِ وَالفَهْمِ. وَبِهَذَا تَعْرِفُ أَنَّ التِّلاَوَةَ غَيْرُ المَتْلُوِّ، وَالقِرَاءَةَ غَيْرُ المَقْرُوءِ، وَالكِتَابَةَ غَيْرُ المَكْتُوبِ؛ لِأَنَّ الأَوَّلَ مِنْ كُلِّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْسَامِ حَادِثٌ، وَالثَّانِي مِنْهُمَا قَدِيمٌ لاَ نِهَايَةَ لَهُ، وَبِاللهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . انتهى
وقال أيضا بعض علماء أهل السنة والجماعة الأشعرية:
اعلموا وفقني الله وإياكم أن كلام الله والقرآن اسمان تسمى بهما ستة أشياء:
• فيطلق كل واحد منهما على الصفة الأزلية القائمة بالذات العلية، كقولنا: القرآن صفة الله، والكلام صفة من صفات الله.
• ويطلق أيضا على المعاني التي دلت عليها الصفات الأزلية القائمة بالذات العلية، كقولنا: القرآن ينقسم إلى أمر ونهي ووعد ووعيد وقصص وأخبار ونحو ذلك، وكذلك أيضا في كلامه، يقال: ينقسم إلى أمر ونهي ووعد ووعيد ونحو ذلك، فالمراد هنا مدلولات الكلام، لا صفة الكلام.
• ويطلق أيضا على الأدلة الأربعة التي نستدل بها نحن الآن على المعاني المدلولة لصفة الكلام، وهي أدلة تكتب في المصاحف والألواح فيطلق عليها كلام الله، كقولنا: ما بين دفتي المصحف كلام الله، وكتبت كلام الله، فالمراد بكلام الله والقرآن هذه الحروف، إذ لا نكتب إلا الحروف ولم يكن بين دفتي المصحف إلا الحروف.
• وأدلة تقرأ، وهي اللفظ المعجز الذي أعجز الله العربَ بأقصر سورة منه، فيطلق عليه كلام الله كقولنا: قرأت كلام الله، وتلوت كلام الله، فالمراد بكلام الله الألفاظ؛ إذ لا يقرأ ولا يتلى إلا الألفاظ.
• وأدلة تسمع، وهي صوت القارئ، فإذا قلت: سمعت كلام الله، فالمراد بكلام الله تعالى صوت القارئ؛ إذ لا يسمع لنا عادة إلا الأصوات.
• وأدلة تحفظ، وهي النور الذي يخلق الله تعالى في قلب الحافظ مع الدرس غالبا، فيحرك الحافظ بخلق الله مع تلك الحركة فهمًا للمعاني المدلولة لصفة الكلام.
فإذا فهمت هذا وعلمت أن كلام الله اسم لهذه الستة، فلتعلم أن الصفة القائمة بذات الله تبارك وتعالى من صفات المعاني السبعة التي تسمى بالكلام على جهة الحقيقة في هذا الفن الذي هو فن التوحيد، وهي التي عرفوها أهل الفن بقولهم: صفة أزلية قائمة بالذات العلية، يعبر عنها بأنواع العبارات المختلفة، المباينة لجنس الحروف والأصوات، المنزهة عن الكل والبعض والتقدم والتأخر واللحن والإعراب وسائر أنواع التغيرات، المتعلق بجميع الواجبات والمستحيلات والممكنات، فيعنون بذلك أن الصفة القائمة بذاته تبارك وتعالى الأزلية يعبر عنها بأنواع العبارات المختلفة، اي تسمى بأسماء عديدة مختلفة كالقرآن والفرقان والتوراة والانجيل ونحو ذلك، أسماء عديدة ومسماها واحد.
وقولهم: المباين لجنس الحروف والصوات، يعني المخالف لجنس الكلام المشتمل على الحروف والأصوات، يعني أن كلامه تبارك وتعالى صفة من صفاته الوجودية، لا هواء ولا صوت خارج من الفم متركب من الحروف والأصوات، تعالى الله أن تكون صفاته كصفات الحوادث.
وقولهم: المنزهة عن الكل والبعض الخ يعني أن صفته تبارك وتعالى التي تسمى بصفة الكلام منزهة عن الاتصاف بالكلية والبعضية لأنه لا يتصف بالكلية والبعضية إلا من له أجزاء ومتركب من أبعاض كلأجسام، وصفة الله تعالى ليست كذلك. ولا يتصف بالتقدم والتأخر إلا من كان حادثا فانيا، وكلام الله تبارك وتعالى ليس بلفظ. وقولهم: وسائر أنواع التغيرات، أي كالسكون والتحول والنسخ والنسيان والنزول وغير ذلك، فإن كلام الله منزه عنها.
فإن قلت: كيف نفهم تنزه كلام الله عن النزول، مع قولهم جبريل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن وسائر الكتب المنزلة.
قلت: لا إشكال ولا معارضة عند من فهم ما قدمته أوّلا من أن القرآن والكلام اسمان لستة اشياء، وقد تقدمت، فالمراد بالمنزل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الألفاظ الدالة على المعاني المدلولة لصفة الكلام، لا صفة الكلام نفسها، تعالى الله أن تكون الصفة القائمة بذاته تتحول أو تنزل.