ما معنى قوله تعالى (إلا أن تتقوا منهم تقاة)

إنضم
10/06/2003
المشاركات
16
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها المشائخ الفضلاء
ما معنى قوله تعالى (إلا أن تتقوا منهم تقاة) ؟
 
الأخ أبا عبد الله : هاك نقلاً من بعض التفاسير
من ( الجامع ) للقرطبي
قال معاذ بن جبل ومجاهد‏:‏ كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين؛ فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام أن يتقوا من عدوهم‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا يقتل ولا يأتي مأثما‏.‏ وقال الحسن‏:‏ التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة، ولا تقية في القتل‏.‏ وقرأ جابر بن زيد ومجاهد والضحاك‏{‏إلا أن تتقوا منهم تقية‏{‏ وقيل‏:‏ إن المؤمن إذا كان قائما بين الكفار فله أن يداريهم باللسان إذا كان خائفا على نفسه وقلبه مطمئن بالإيمان والتقية لا تحل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم‏.‏ ومن أكره على الكفر فالصحيح أن له أن يتصلب ولا يجيب إلى التلفظ بكلمة الكفر؛ بل يجوز له ذلك على ما يأتي بيانه في ‏{‏النحل‏{‏ إن شاء الله تعالى‏.‏
------------------------------------------------------------------------------------
وفي ( الجامع ) للطبري
إلا أن تكونوا فـي سلطانهم، فتـخافوهم علـى أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم علـى ما هم علـيه من الكفر، ولا تعينوهم علـى مسلـم بفعل. كما: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ، عن ابن عبـاس قوله: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} قال: نهى الله سبحانه الـمؤمنـين أن يلاطفوا الكفـار، أو يتـخذوهم ولـيجة من دون الـمؤمنـين، إلا أن يكون الكفـار علـيهم ظاهرين، فـيظهرون لهم اللطف، ويخالفونهم فـي الدين. وذلك قوله: {إِلا أن تتقوا منهم تقاة }.
------------------------------------------------------------------------------------
وفي تفسير ابن كثير
إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره، لا بباطنه ونيته، كما قال البخاري عن أبي الدرداء: أنه قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم. وقال الثوري: قال ابن عباس: ليس التقية بالعمل، إنما التقية باللسان، وكذا رواه العوفي عن ابن عباس: إنما التقية باللسان، وكذا قال أبو العالية وأبو الشعثاء والضحاك والربيع بن أنس. ويؤيد ما قالوه قول الله تعالى:
{من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره}
(النحل: 106) الآية. وقال البخاري: قال الحسن: التقية إلى يوم القيامة،
------------------------------------------------------------------------------------
وفي ( فتح ) الشوكاني
{إِلا أَن تَتقوا منهم تقاة} على صيغة الخطاب بطريق الالتفات، أي: إلا أن تخافوا منهم أمراً يجب اتقاؤه، وهو: استثناء مفرغ من أعم الأحوال. وتقاة مصدر واقع موقع المفعول، وأصلها وقية على وزن فعلة قلبت الواو تاء، والياء ألفاً، وقرأ رجاء، وقتادة تقية. وفي ذلك دليل على جواز الموالاة لهم مع الخوف منهم، ولكنها تكون ظاهراً لا باطناً. وخالف في ذلك قوم من السلف، فقالوا: لا تقية بعد أن أعز الله الإسلام.
وقال :
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، من طرق عنه قال: نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار، ويتخذوهم، وليجة من دون المؤمنين، إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين، فيظهرون لهم اللطف، ويخالفونهم في الدين، وذلك قوله تعالى: {إِلا أَن تَتقوا منهم تقاة}. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السدي: {وَمَن يفعل ذلك فليس من الله في شيء } فقد بريء الله منه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، من طريق العوفي، عن ابن عباس في قوله: {إِلا أَن تَتقوا منهم تقاة} قال: التقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به، وهو معصية الله، فيتكلم به مخافة الناس، وقلبه مطمئن بالإيمان، فإن ذلك لا يضره، إنما التقية باللسان. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في سننه عنه في الآية قال: التقاة التكلم باللسان، والقلب مطمئن بالإيمان، ولا يبسط يده، فيقتل، ولا إلى إثم، فإنه لا عذر له. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن أبي العالية في الآية قال: التقية باللسان، وليس بالعمل. وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة {إِلا أَن تَتقوا منهم تقاة} قال إلا أن يكون بينك، وبينه قرابة، فتصله لذلك. وأخرج عبد بن حميد، والبخاري، عن الحسن قال: التقية جائزة إلى يوم القيامة. وحكى البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: إنا نبش في وجوه أقوام، وقلوبنا تلعنهم، ويدل على جواز التقية، قوله تعالى:
{إِلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمانِ ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}
(النحل: 106). ومن القائلين بجواز التقية باللسان أبو الشعثاء، والضحاك، والربيع بن أنس.
------------------------------------------------------------------------------------
وفي ( أنوار التنزيل ) للبيضاوي
إلا أن تخافوا من جهتهم ما يجب اتقاؤه، أو اتقاء. والفعل معدى بمن لأنه في معنى تحذروا وتخافوا. وقرأ يعقوب «تقية». منع عن موالاتهم ظاهراً وباطناً في الأوقات كلها إلا وقت المخافة، فإن إظهار الموالاة حينئذ جائز كما قال عيسى عليه السلام: كن وسطاً وامش جانباً.
 
بسم الله

ومن باب الفائدة ، هذه إجابة للشيخ عبدالرحمن المحمود وفقه الله للسؤال المذكور أعلاه :

ما المراد بالتقاة في قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)؟ وما حكم بداءة اليهود والنصارى بالسلام؟ وما حكم مصافحتهم؟


--------------------------------------------------------------------------------



جـ/ الحمد لله وحده، وبعد:
فسياق الآية (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) الآية. حيث اشتملت على وعيد شديد لمن يوالي الكافرين، ثم قال: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) فاستثنى هذه الحالة التي يغلب فيها العدو فيخاف منه بحيث يتقيه المؤمنون بأمور مادية ظاهرة لا بأمور باطنة، ولذا ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن التقية باللسان لا بالعمل، وهذه من أحوال المدافعة للعدو، أما معاونة العدو الكافر على المسلمين ومناصرته عليهم فغير داخلة، وحكمها معلوم والله المستعان.
أما بدء اليهود والنصارى بالسلام فلا يجوز للحديث الصحيح الوارد في ذلك بالنهي عن بدئهم بالسلام، ومن باب أولى المصافحة. والله أعلم، وصلى الله على محمد.

المرجع
هنا
 
معنى قوله تعالى : (لَّا يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِى شَىْءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُوا۟ مِنْهُمْ تُقَىٰةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُۥ ۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ )
أي :
لايوالي المؤمنون الكافرين بإعانتهم ونصرهم على المؤمنين ، ومن يفعل ذلك منكم فإن الله بريء منه - فقلب المؤمن لا تجتمع فيه ولاية الله وولاية أعدائه - إلا أن تخشوا على أنفسكم من الكافرين هلاكا ، فتقولون لهم بألسنتكم ما ينجيكم منهم - دون إلحاق أذى بمؤمن - وقلوبكم مطمئنة بالإيمان ، ويخوفكم الله أن تعصوه وتوالوا أعدائه ، فتستحقوا عذابه إذا صرتم إليه في الآخرة .
والله تعالى أعلم بمراده
 
تعليق

تعليق

أما بدء اليهود والنصارى بالسلام فلا يجوز أن يفتى بظاهر الحديث حتى يعلم سياقه وقرينته، فهو ينافي حسن خلق الإسلام من جهة ومن جهة فقه الدعوة إلى الله ثانيا، ولما كانت الرواية قاصرة عن بيان قصد النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث فقد انتقلت من كونها نصا إلى كونها مجملا، ومعلوم أن المجمل لا حكم له بل واجب الفقيه التحري عن القرينة التي تنقل المجمل إلى الظاهر الراجح أو المحتمل المرجوح. فالفتوى مردودة.
وأما تَقيّة وتقاة فهي حكم شرعي ينبغي تفصيل القول فيه واستعراض أقوال الفقهاء بعد أن أوردت أقوال المفسرين والله أعلم.
 
مقال لفضيلة الوالد محمد عناية الله سبحاني حول الموضوع

مقال لفضيلة الوالد محمد عناية الله سبحاني حول الموضوع

قال ربنا سبحانه وتعالى في سورة آل عمران:
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)

تأويل الآية عند المفسرين:
قال ابن جرير في تأويل هذه الآية:
"هذا نهيٌ من الله عز وجل المؤمنين أن يتخذوا الكفارَ أعوانًا وأنصارًا وظهورًا، ولذلك كسر"يتخذِ"، لأنه في موضع جزم بالنهي، ولكنه كسر"الذال" منه، للساكن الذي لقيه وهي ساكنة.
ومعنى ذلك: لا تتخذوا، أيها المؤمنون، الكفارَ ظهرًا وأنصارًا توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلُّونهم على عوراتهم، فإنه مَنْ يفعل ذلك "فليس من الله في شيء"، يعني بذلك: فقد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر "إلا أن تتقوا منهم تقاة"، إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مُسلم بفعل."(أبو جعفر الطبري- جامع البيان في تأويل القرآن)
وقال البغوي:
ومعنى الآية: أن الله تعالى نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين، أو يكون المؤمن في قوم كفار يخافهم فيداريهم باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان دفعا عن نفسه من غير أن يستحل دما حراما أو مالا حراما، أو يظهر الكفار على عورة المسلمين، والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل وسلامة النية، قال الله تعالى: " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان "( 106 -النحل ) ثم هذا رخصة، فلو صبر حتى قتل فله أجر عظيم وأنكر قوم التقية اليوم قال معاذ بن جبل ومجاهد: كانت التقية في بُدُوِّ الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين، وأما اليوم فقد أعز الله الإسلام فليس ينبغي لأهل الإسلام أن يتقوا من عدوهم.
(معالم التنزيل- سورةآل عمران: 2/26-دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة الرابعة ، 1417 هـ)
وقال صاحب مدارك التنزيل:
{لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَاءَ} نهوا أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو لصداقة قبل الإسلام أو غير ذلك ، وقد كرر ذلك في القرآن والمحبة في الله والبغض في الله باب عظيم في الإيمان. {مِن دُونِ المؤمنين} يعني أن لكم في موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين فلا تؤثروهم عليهم {وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ} أي ومن يوال الكفرة فليس من ولاية الله في شيء لأن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان {إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تقاة} إلا أن تخافوا من جهتهم أمراً يجب اتقاؤه أي إلا أن يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك ومالك فحينئذ يجوز لك إظهار الموالاة وإبطان المعاداة { وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ } أي ذاته فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه وهذا وعيد شديد { وإلى الله المصير} أي مصيركم إليه والعذاب معدّ لديه وهو وعيد آخر.
( أبو البركات عبد الله النسفي- مدارك التنزيل وحقائق التأويل:سورة آل عمران)
وقال الشوكاني:
وفي ذلك دليل على جواز الموالاة لهم مع الخوف منهم ، ولكنها تكون ظاهراً لا باطناً . وخالف في ذلك قوم من السلف ، فقالوا : لا تقية بعد أن أعز الله الإسلام .(فتح القدير-سورة آل عمران)
فمن علماء التأويل من أباح التقية، وأباح موالاة الكافرين، إذا كانت الظروف تقتضي ذلك، ومنهم من منعها وأنكرها بعد أن أعزّ الله الإسلام وأهل الإسلام، والأغلبية لمن أباحها.

تأويل لايخلو من إشكالات:
ولعل الذين أباحوا التقيّة، وأباحوا موالاة الكفار في وقت الضرورة ماأصابوا كبد الحقيقة، حيث لم يمعنوا النظرفي نظائر تلك الآية وأشباهها،ولم ينعمواالنظر في جو الآية وسياقها، ولم يدققوا النظر في أسلوبها وصياغتها.
فنأتي أولا إلى نظائر تلك الآية، قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (سورةالنساء:145)
فالذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين يخرجون من ذمةالله، ويعرّضون أنفسهم لسخط الله، ويدخلون في أشدّ حالات النفاق، الذي يقذف الإنسان في الدرك الأسفل من النار !
وقال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (سورةالمائدة:52)
فالذي يتخذ اليهود والنصارى أولياء،يُحسب منهم، ويُحشر معهم!
وهذا حكم عامّ يعمّ جميع من يتخذهم أولياء، من غير استثناء.
والذين كانوايوالون هؤلاء الكفار لو يكونوا يوالونهم إلا بدليل خشية الدائرة، حيث كانوا يقولون (نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) فما ذنبهم إذاكانت الموالاة مباحة في حالة الخوف؟ ولماذا صُبّ عليهم هذا اللوم والتقريع؟
وأما جوّ الآية وسياقها، فهو يأبى هذا التأويل، التأويل الذي يبيح موالاة الكفار في حالة الخوف، فقد سبقها قوله تعالى:
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(سورةآل عمران:27)
فإذا كان الله مالك الملك، وهو الذي يؤتي الملك وينزع الملك،وهو الذي يذل من يشاء ويعزّ من يشاء،وهوالذي يحكم هذا الكون، ويحكم الليل والنهار،وهو الذي يملك الموت والحياة، وهو الذي يملك مقاليد الخير ومفاتيح الرزق، فماذا في يد الأعداء حتى يخاف منهم المسلم،ويتخذهم أولياء ؟وحتى يلجأ إلى ما يسمّونه (التقيّة) !
فإباحة موالاة الأعداء بحجة خوف الضرر منهم لايوجدلها دليل في القرآن، والقرآن، في كثير من آياته، ينقض هذا المفهوم نقضا، ويحذّر عواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة.

تأويل الآية في ضوء سياقها وأسلوبها:
وهنا يأتي سؤال: فما تأويل الآية إذاً ؟
إذا تدبرنا الآية في ضوء أسلوبها وسياقها، فهي تفيد أنه لايجوز للمؤمنين بحال من الأحوال أن يوالوا الكفار من دون المؤمنين، ومن يوال الكفار من دون المؤمنين فلامكان له عند الله.
وقيل: (من دون المؤمنين) لأنه لا يمكن اجتماع موالاة المؤمنين مع موالاة أعداء الله،أعداء المؤمنين. فالمؤمن إما أن يكون مواليا للمؤمنين،أو يكون مواليا للكافرين، فإن كان مواليا للكافرين فلا يمكن أن يكون مواليا للمؤمنين، ومن كان مواليا للكافرين من دون المؤمنين، فليس من الله في شئ.
وقوله تعالى:( إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) ليس إذناً في موالاة الكفار،وإنماهوتأكيد لما سبقه من النهي،والاستثناء لايكون دائما بقصد الاستثناء،بل كثيرا مايأتي ليفيد معنى التأكيد،ويأتي لتعزيزالمعنى السابق،مثاله قوله تعالى:
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. (سورةالكهف)
فقوله تعالى:( إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) ماجاءإلاتأكيدا للنهي السابق،ويكون تقديرالكلام هكذا:
(لاتقولنّ لشيئ إني فاعل ذلك غدا،إنك لست فاعلاشيئا إلاأن يشاءالله)
ومثله قوله تعالى:
سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى. إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ.(سورةالأعلى)
فقوله تعالى: (إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ.) ماجاء بمعنى الاستثناء،وماجاءلإثبات النسيان،وإنما جاء لتعزيز المعنى السابق،وجاء لنفي احتمال النسيان، ويكون تقدير الكلام هكذا:
(سنقرؤك فلاتنسى، لا تنسى إلاما شاء الله،ولن يشاء الله أن تنسى ما أقرأك من القرآن، فالإقراء يكون للحفظ لا للنسيان)
فهو تطمين لرسول الله بنفي احتمال النسيان لما أنزل إليه من القرآن،وليس إثباتا لظاهرة النسيان.
ومنه قوله تعالى:
لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (سورةالنبأ:25)
فقوله تعالى:( إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) ماجاء إلالتأكيد الجملة السابقة،ويكون تقدير الكلام كما يلي:
لايذوقون فيها بردا ولا شرابا،لايذوقون فيها إلا حميما وغساقا.
وهكذا الأمر في الآية التي نتحدث عنها، ويكون تقدير الكلام نحوا مما يلي:
(لايتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين،ليس لكم إلا أن تتقوا منهم تقاة)
هذا على تقدير أن قوله تعالى(وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) جاء اعتراضا.
وإن قلنا إنه من صلب الكلام، وليس اعتراضا،كان تقدير الكلام هكذا:
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) ليس لكم سبيل إلى الله إلا أن تتقوا منهم تقاة.
معنى الاتقاء من الشئ:
ولايعزبنّ عن بالنا أن هناك فرقا بين (اتقاء الشيء) وبين (الاتقاء من الشيء) فلفظ الاتقاء إذا تعدى إلى مفعول،يفيد معنى الخوف منه،وإذا تعدى بصلة (من) فإنه يفيد مع معنى الخوف،معنى الابتعاد منه.
ومنه قول فاطمة بنت الأحجم الخزاعية، وهي ترثي ابنها قيس بن زياد، وهو من تلك الأبيات التي كانت تتمثل بها أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- بعد وفاة النبي عليه الصلاةوالسلام :
قد كنت ذات حميةً ما عشت لي ... أمشي البراز وكنت أنت جناحي
فاليـــــــــــــــــــــــوم أخضع للذليل وأتقى ... منه وأدفع ظـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالمي بالراح
أي: فاليوم أخضع للذليل، وأبتعد منه مخافةشره، وإن ظلمني ظالم، أدفعه بالراح، لا بالسلاح.
ومن الناس من وهم أن إباحة التقية، وإباحة موالاة الكفار في حالة الخوف يؤيدها قوله تعالى:
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( سورةالنحل:106)
والواقع على العكس، فحالة الخوف غيرحالة الإكراه، ولايصحّ أبدا أن نحمل الآيتين محملا واحدا.ففي حالة الإكراه لايقول المؤمن كلمة الكفر إلاكرها وعلى مضض، ولايقولها إلاوقلبه مطمئن بالإيمان.
وأما موالاة الكفار، فهي لاتكون إلا نتيجة النفاق وضعف الإيمان، ولاتكون إلاببذل الحب والنصح والمودة لهم من غير كره.
والموالاة غير المجاملة، وغير المداراة، وغير الإدهان، فلندرك الفرق بين تلك الكلمات، ولانخلط بعضها ببعض !
 
أخي الدكتور محيي الدين ، لقد حجرت الأمر تحجيرا ، ماتركت فيه منفسا لمبتلى ، نسأل الله لنا ولكم السلامة ، وأذكر لشيخ الإسلام ابن تيمية كلاما حول هذه الآية فيه توسيع لما حجرته ، ولعل الله ييسر لي العثور عليه وعرضه أمام أنظاركم .
 
أما بدء اليهود والنصارى بالسلام فلا يجوز أن يفتى بظاهر الحديث حتى يعلم سياقه وقرينته، فهو ينافي حسن خلق الإسلام من جهة ومن جهة فقه الدعوة إلى الله ثانيا، ولما كانت الرواية قاصرة عن بيان قصد النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث فقد انتقلت من كونها نصا إلى كونها مجملا، ومعلوم أن المجمل لا حكم له بل واجب الفقيه التحري عن القرينة التي تنقل المجمل إلى الظاهر الراجح أو المحتمل المرجوح. فالفتوى مردودة.
وأما تَقيّة وتقاة فهي حكم شرعي ينبغي تفصيل القول فيه واستعراض أقوال الفقهاء بعد أن أوردت أقوال المفسرين والله أعلم.

يا دكتور عبد الرحمن حفظك الله
ترى يمكن أن نرد الدين كله بمثل هذه الحجة التي أوردتها !!!
وأنت أمام خيارات:
إما تأتينا بسياق الحديث وقرينته
وإما تطعن في عدالة نقلة هذا الحديث وتحكم ببطلانه
وإما تتهم فهمك.

روى مسلم رحمه الله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ".
وأنت عندما تلقى شخصا إما أن تبدأه بالسلام أو هو يبدأ ، فإن كان مسلما فأولكما إلقاء للسلام أسرعكما قياما بالواجب وأداء للحق ، وقد بينا لنا صلى الله عليه وسلم أدب البدأة بالسلام: الصغير على الكبير ، والماشي على القاعد ، والراكب على الماشي.
أما الكافر فليس له حق في السلام لأنه يرفض السلام بتمرده على الله السلام ، ومع هذا جعل الله له حقوقا نلتزم بها ، أما مالم يلزمنا به الشرع فلا ضير علينا إن لم نقم به.
والشارع نهانا أن نبدأ اليهودي والنصراني بالسلام وأيضا علمنا كيف نرد إذا سلم هو علينا:
روى مالك والبخاري ومسلم عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ.

وهذا كلام بن حجر في الخلاف في هذه المسألة من فتح الباري:
"وَهُوَ مُفَرَّع عَلَى مَنْعِ اِبْتِدَاء الْكَافِر بِالسَّلَامِ ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْي عَنْهُ صَرِيحًا فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " مِنْ طَرِيق سَهْل بْن أَبِي صَالِح عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ " لَا تَبْدَءُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ ، وَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَق الطَّرِيق " وَلِلْبُخَارِيِّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيث أَبِي بَصْرَة - وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَسُكُون الْمُهْمَلَة - الْغِفَارِيِّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنِّي رَاكِب غَدًا إِلَى الْيَهُود ، فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ " . وَقَالَتْ طَائِفَة يَجُوز اِبْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ ، فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق اِبْن عُيَيْنَةَ قَالَ : يَجُوز اِبْتِدَاء الْكَافِر بِالسَّلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين ) وَقَوْل إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ ( سَلَام عَلَيْك ) .
وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيق عَوْن اِبْن عَبْد اللَّه عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب أَنَّهُ سَأَلَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ اِبْتِدَاء أَهْل الذِّمَّة بِالسَّلَامِ فَقَالَ : نَرُدّ عَلَيْهِمْ وَلَا نَبْدَؤُهُمْ . قَالَ عَوْن فَقُلْت لَهُ : فَكَيْف تَقُول أَنْتَ ؟ قَالَ : مَا أَرَى بَأْسًا أَنْ نَبْدَأهُمْ . قُلْت لِمَ ؟ قَالَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَام ).
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْد أَنْ سَاقَ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ إنَّهُ كَانَ يُسَلِّم عَلَى كُلّ مَنْ لَقِيَهُ ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّ اللَّه جَعَلَ السَّلَام تَحِيَّة لِأُمَّتِنَا وَأَمَانًا لِأَهْلِ ذِمَّتنَا . هَذَا رَأْي أَبِي أُمَامَةَ ، وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي النَّهْي عَنْ اِبْتِدَائِهِمْ أَوْلَى . وَأَجَابَ عِيَاض عَنْ الْآيَة وَكَذَا عَنْ قَوْل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لِأَبِيهِ بِأَنَّ الْقَصْد بِذَلِكَ الْمُتَارَكَة وَالْمُبَاعَدَة وَلَيْسَ الْقَصْد فِيهِمَا التَّحِيَّة . وَقَدْ صَرَّحَ بَعْض السَّلَف بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ( وَقُلْ سَلَام فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) نُسِخَتْ بِآيَةِ الْقِتَال .
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ : لَا مُخَالَفَة بَيْن حَدِيث أُسَامَة فِي سَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفَّار حَيْثُ كَانُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْن حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي النَّهْي عَنْ السَّلَام عَلَى الْكُفَّار ؛ لِأَنَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَامّ وَحَدِيث أُسَامَة خَاصّ ، فَيَخْتَصّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مَا إِذَا كَانَ الِابْتِدَاء لِغَيْرِ سَبَب وَلَا حَاجَة مِنْ حَقّ صُحْبَة أَوْ مُجَاوَرَة أَوْ مُكَافَأَة أَوْ نَحْو ذَلِكَ ، وَالْمُرَاد مَنْع اِبْتِدَائِهِمْ بِالسَّلَامِ الْمَشْرُوع ، فَأَمَّا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي خُرُوجهمْ عَنْهُ كَأَنْ يَقُول : السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ فَهُوَ جَائِز كَمَا كَتَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْل وَغَيْره " سَلَام عَلَى مَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى " .
وَأَخْرَجَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة قَالَ " السَّلَام عَلَى أَهْل الْكِتَاب إِذَا دَخَلْت عَلَيْهِمْ بُيُوتهمْ السَّلَام عَلَى مَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى " وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ مِثْله . وَمِنْ طَرِيق أَبِي مَالِك : إِذَا سَلَّمْت عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقُلْ " السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ فَيَحْسِبُونَ أَنَّك سَلَّمْت عَلَيْهِمْ وَقَدْ صَرَفْت السَّلَام عَنْهُمْ " قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي قَوْله " وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيق فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقه " مَعْنَاهُ لَا تَتَنَحَّوْا لَهُمْ عَنْ الطَّرِيق الضَّيِّق إِكْرَامًا لَهُمْ وَاحْتِرَامًا ، وَعَلَى هَذَا فَتَكُون هَذِهِ الْجُمْلَة مُنَاسِبَة لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى فِي الْمَعْنَى ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيق وَاسِع فَأَلْجِئُوهُمْ إِلَى حَرْفه حَتَّى يَضِيق عَلَيْهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ أَذًى لَهُمْ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ أَذَاهُمْ بِغَيْرِ سَبَب ."

وهذا كلام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم:

اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى الرَّدّ عَلَى أَهْل الْكِتَاب إِذَا سَلَّمُوا ، لَكِنْ لَا يُقَال لَهُمْ : وَعَلَيْكُمْ السَّلَام ، بَلْ يُقَال : عَلَيْكُمْ فَقَطْ ، أَوْ وَعَلَيْكُمْ . وَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرهَا ( مُسْلِم ) ( عَلَيْكُمْ ) ( وَعَلَيْكُمْ ) بِإِثْبَاتِ الْوَاو وَحَذْفهَا ، وَأَكْثَر الرِّوَايَات بِإِثْبَاتِهَا ، وَعَلَى هَذَا فِي مَعْنَاهُ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِره ، فَقَالُوا : عَلَيْكُمْ الْمَوْت ، فَقَالَ : وَعَلَيْكُمْ أَيْضًا أَيْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاء ، وَكُلّنَا نَمُوت . وَالثَّانِي أَنَّ الْوَاو هُنَا لِلِاسْتِئْنَافِ لَا لِلْعَطْفِ وَالتَّشْرِيك ، وَتَقْدِيره : وَعَلَيْكُمْ مَا تَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ الذَّمّ . وَأَمَّا حَذْف الْوَاو فَتَقْدِيره بَلْ عَلَيْكُمْ السَّام . قَالَ الْقَاضِي : اِخْتَارَ بَعْض الْعُلَمَاء مِنْهُمْ اِبْن حَبِيب الْمَالِكِيّ حَذْف الْوَاو لِئَلَّا يَقْتَضِي التَّشْرِيك ، وَقَالَ غَيْره : بِإِثْبَاتِهَا كَمَا هُوَ فِي أَكْثَر الرِّوَايَات . قَالَ : وَقَالَ بَعْضهمْ : يَقُول : عَلَيْكُمْ السِّلَام بِكَسْرِ السِّين أَيْ الْحِجَارَة ، وَهَذَا ضَعِيف . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : عَامَّة الْمُحَدِّثِينَ يَرْوُونَ هَذَا الْحَرْف ( وَعَلَيْكُمْ ) بِالْوَاوِ ، وَكَانَ اِبْن عُيَيْنَةَ يَرْوِيه بِغَيْرِ وَاو . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب ، لِأَنَّهُ إِذَا حُذِفَ ( الْوَاو ) صَارَ كَلَامهمْ بِعَيْنِهِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ خَاصَّة ، وَإِذَا ثَبَتَ ( الْوَاو ) اِقْتَضَى الْمُشَارَكَة مَعَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ . هَذَا كَلَام الْخَطَّابِيِّ . وَالصَّوَاب أَنَّ إِثْبَات الْوَاو وَحَذْفهَا جَائِزَانِ كَمَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَات ، وَأَنَّ الْوَاو أَجْوَد كَمَا هُوَ فِي أَكْثَر الرِّوَايَات ، وَلَا مَفْسَدَة فِيهِ ، لِأَنَّ السَّام الْمَوْت ، وَهُوَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ ، وَلَا ضَرَر فِي قَوْله بِالْوَاوِ .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي رَدّ السَّلَام عَلَى الْكُفَّار وَابْتِدَائِهِمْ بِهِ ، فَمَذْهَبنَا تَحْرِيم اِبْتِدَائِهِمْ بِهِ ، وَوُجُوب رَدّه عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَقُول : وَعَلَيْكُمْ ، أَوْ عَلَيْكُمْ فَقَطْ ، وَدَلِيلنَا فِي الِابْتِدَاء قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا تَبْدَءُوا الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ ) وَفِي الرَّدّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَقُولُوا : وَعَلَيْكُمْ ) وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مَذْهَبنَا قَالَ أَكْثَر الْعُلَمَاء وَعَامَّة السَّلَف ، وَذَهَبَتْ طَائِفَة إِلَى جَوَاز اِبْتِدَائِنَا لَهُمْ بِالسَّلَامِ ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي أُمَامَةَ وَابْن أَبِي مُحَيْرِيز ، وَهُوَ وَجْه لِبَعْضِ أَصْحَابنَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ ، لَكِنَّهُ قَالَ : يَقُول : السَّلَام عَلَيْك ، وَلَا يَقُول : عَلَيْكُمْ بِالْجَمْعِ . وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِعُمُومِ الْأَحَادِيث ، وَبِإِفْشَاءِ السَّلَام ، وَهِيَ حُجَّة بَاطِلَة لِأَنَّهُ عَامّ مَخْصُوص بِحَدِيثِ ( لَا تَبْدَءُوا الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ ) وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : يُكْرَه اِبْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ ، وَلَا يَحْرُم ، وَهَذَا ضَعِيف أَيْضًا ، لِأَنَّ النَّهْي . لِلتَّحْرِيمِ . فَالصَّوَاب تَحْرِيم اِبْتِدَائِهِمْ . وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ جَمَاعَة أَنَّهُ يَجُوز اِبْتِدَاؤُهُمْ بِهِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَة أَوْ سَبَب ، وَهُوَ قَوْل عَلْقَمَة وَالنَّخَعِيِّ . وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : إِنْ سَلَّمْت فَقَدْ سَلَّمَ الصَّالِحُونَ ، وَإِنْ تَرَكْت فَقَدْ تَرَكَ الصَّالِحُونَ . وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء : لَا يُرَدّ عَلَيْهِمْ السَّلَام ، وَرَوَاهُ اِبْن وَهْب وَأَشْهَب عَنْ مَالِك ، وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : يَجُوز أَنْ يَقُول فِي الرَّدّ عَلَيْهِمْ : وَعَلَيْكُمْ السَّلَام ، وَلَكِنْ لَا يَقُول : وَرَحْمَة اللَّه . حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ ، وَهُوَ ضَعِيف مُخَالِف لِلْأَحَادِيثِ وَاللَّه أَعْلَم .
وَيَجُوز الِابْتِدَاء بِالسَّلَامِ عَلَى جَمْع فِيهِمْ مُسْلِمُونَ وَكُفَّار ، أَوْ مُسْلِم وَكُفَّار ، وَيَقْصِد الْمُسْلِمِينَ لِلْحَدِيثِ السَّابِق أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ عَلَى مَجْلِس فِيهِ أَخْلَاط مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ .

 
أشكر الأخ أبا سعد الغامدي على إيلائه الموضوع عنايته وتفكيره ومناقشته الجدية له، كما أشكره على موضوعيته وإيراده الأقوال من فتح الباري التي تتضمن آراء علماء تدعم ما ذهبت إليه وتفتي بضدّ الظاهر من لفظ الحديث، لأنهم يعلمون أن هذا الحديث مشمول ككثير من السنن بقول ابن شهاب الزهري رحمه الله "أعيا فقهاء الإسلام معرفة ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه" ومن جهل الناسخ من المنسوخ فلبرما أفتى بالمنسوخ والمنسوخ ليس من الدين بعد اكتماله كما هو معلوم بل كان من الدين ذات يوم فنسخه الله تعالى بكتابه أو بسنة رسوله.
فلا يجوز انتهاك أخلاق الإسلام بناء على حديث ورد دون سياق ويُجهل زمنه وقصد النبي صلى الله عليه وسلم منه. وهبك زرت كتابيا في بيته لحاجة ما أفتقول له "السلام على من اتبع الهدى" أم " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" أم ماذا؟ فإن سلمت عليه بالسلام المعهود فقد خالفت ظاهر هذا الحديث، فهل أثمتَ ولم تتبع السنة أم ماذا؟ وإن سلمت عليه فعلى أي نص اعتمدت؟

والحديث "لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام" حديث ورد بدون سياق فهو "معلق في الهواء" لأنه مجمل لا قرينة تجعله ظاهرا راجحا أو محتملا مرجوحاً، فلم يبق إلا العودة إلى الفقه المعتمد على عموميات مقاصد الشريعة وعمل أهل المدينة. ولو حققت لوجدت هذا الحديث يصطدم مع سنة النبي الفعلية والقولية، ويضاد مقاصد الشريعة وأخلاق المسلم والدعوة إلى الله تعالى لأن أن لا تسلم على أحد حين تكون في حالة تستدعي السلام معناه أنك تعاديه أو تستفزه أو لا تحترمه ، وإذا أجزنا للمسلم السلام حين تكون له حاجة فقط عند كتابي فقد علمناه النفاق والتزلف والتقية وبالجملة فهي ليست من أخلاق الإسلام الحنيف.
وقد قال أبو سعد : "وأنت أمام خيارات:
إما تأتينا بسياق الحديث وقرينته
وإما تطعن في عدالة نقلة هذا الحديث وتحكم ببطلانه
وإما تتهم فهمك.
"
ونسي أن يورد الخيار الرابع الذي اعتمدته وهو تعليق الحكم بالحديث الصحيح لمخالفته مقاصد الدين الثابتة ومصلحة الدعوة الإسلامية ولجهلنا بسياقه وكنت قد كتبت مقالة جمعت فيها تعليقاتي - أنا العبد لله- في النقد "العلمي" لمذهب المحدثين وأهمهم الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى ولكنه فُقد مع ما فقد قبل ايام حين توقف الموقع عن العمل، وكنت قد انتقدت مذهب المحدثين من خلال منهج الألباني أيضا في مناسبة أخرى ولما حاولت ضمه إلى المقال لم أجده في قاعدة بيانات الملتقى!!

وكان أبو سعد قد قال في مقدمة كلامه "ترى يمكن أن نرد الدين كله بمثل هذه الحجة التي أوردتها!!!"
وهو بهذه الجملة على الخصوص أبدى انقيادا لوهم شائع بين أتباع أهل الحديث والسلفيين حيث يمزجون بين الدين وبين طريقتهم في فهمه فهم ما يزالون خلف الشافعي منذ نهاية المئة الثانية إلى اليوم يوجبون العمل بالحديث إذا صح سنده، وهو مذهب سوف تثبت الأيام خطأه القاتل لأن صحة الحديث بنفسها ليست حجة ما لم يكن داخلا في أحد إطاري مذهبي أهل السنة من فقهاء المئة الثانية وهذان الإطاران هما إطار العمل عند أهل المدينة وإطار مقاصد الشريعة المستنبطة من كليات الدين في القرآن ومتواتر السنة عند أبي حنيفة وأصحابه في المئة الثانية.
وهذا موضوع كبير ويحتاج أن تسلط عليه الأضواء ويتفكر فيه دارسو العلم الشرعي في مراكز العلم لأننا في عصر أتيحت فيه لألي العلم ما لم يتح لهم في عصر مضى.

والله من وراء القصد​


يا دكتور عبد الرحمن حفظك الله
ترى يمكن أن نرد الدين كله بمثل هذه الحجة التي أوردتها !!!
وأنت أمام خيارات:
إما تأتينا بسياق الحديث وقرينته
وإما تطعن في عدالة نقلة هذا الحديث وتحكم ببطلانه
وإما تتهم فهمك.

روى مسلم رحمه الله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ".
وأنت عندما تلقى شخصا إما أن تبدأه بالسلام أو هو يبدأ ، فإن كان مسلما فأولكما إلقاء للسلام أسرعكما قياما بالواجب وأداء للحق ، وقد بينا لنا صلى الله عليه وسلم أدب البدأة بالسلام: الصغير على الكبير ، والماشي على القاعد ، والراكب على الماشي.
أما الكافر فليس له حق في السلام لأنه يرفض السلام بتمرده على الله السلام ، ومع هذا جعل الله له حقوقا نلتزم بها ، أما مالم يلزمنا به الشرع فلا ضير علينا إن لم نقم به.
والشارع نهانا أن نبدأ اليهودي والنصراني بالسلام وأيضا علمنا كيف نرد إذا سلم هو علينا:
روى مالك والبخاري ومسلم عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ.

وهذا كلام بن حجر في الخلاف في هذه المسألة من فتح الباري:
"وَهُوَ مُفَرَّع عَلَى مَنْعِ اِبْتِدَاء الْكَافِر بِالسَّلَامِ ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْي عَنْهُ صَرِيحًا فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " مِنْ طَرِيق سَهْل بْن أَبِي صَالِح عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ " لَا تَبْدَءُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ ، وَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَق الطَّرِيق " وَلِلْبُخَارِيِّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيث أَبِي بَصْرَة - وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَسُكُون الْمُهْمَلَة - الْغِفَارِيِّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنِّي رَاكِب غَدًا إِلَى الْيَهُود ، فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ " . وَقَالَتْ طَائِفَة يَجُوز اِبْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ ، فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق اِبْن عُيَيْنَةَ قَالَ : يَجُوز اِبْتِدَاء الْكَافِر بِالسَّلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين ) وَقَوْل إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ ( سَلَام عَلَيْك ) .
وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيق عَوْن اِبْن عَبْد اللَّه عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب أَنَّهُ سَأَلَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ اِبْتِدَاء أَهْل الذِّمَّة بِالسَّلَامِ فَقَالَ : نَرُدّ عَلَيْهِمْ وَلَا نَبْدَؤُهُمْ . قَالَ عَوْن فَقُلْت لَهُ : فَكَيْف تَقُول أَنْتَ ؟ قَالَ : مَا أَرَى بَأْسًا أَنْ نَبْدَأهُمْ . قُلْت لِمَ ؟ قَالَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَام ).
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْد أَنْ سَاقَ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ إنَّهُ كَانَ يُسَلِّم عَلَى كُلّ مَنْ لَقِيَهُ ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّ اللَّه جَعَلَ السَّلَام تَحِيَّة لِأُمَّتِنَا وَأَمَانًا لِأَهْلِ ذِمَّتنَا . هَذَا رَأْي أَبِي أُمَامَةَ ، وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي النَّهْي عَنْ اِبْتِدَائِهِمْ أَوْلَى . وَأَجَابَ عِيَاض عَنْ الْآيَة وَكَذَا عَنْ قَوْل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لِأَبِيهِ بِأَنَّ الْقَصْد بِذَلِكَ الْمُتَارَكَة وَالْمُبَاعَدَة وَلَيْسَ الْقَصْد فِيهِمَا التَّحِيَّة . وَقَدْ صَرَّحَ بَعْض السَّلَف بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ( وَقُلْ سَلَام فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) نُسِخَتْ بِآيَةِ الْقِتَال .
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ : لَا مُخَالَفَة بَيْن حَدِيث أُسَامَة فِي سَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفَّار حَيْثُ كَانُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْن حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي النَّهْي عَنْ السَّلَام عَلَى الْكُفَّار ؛ لِأَنَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَامّ وَحَدِيث أُسَامَة خَاصّ ، فَيَخْتَصّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مَا إِذَا كَانَ الِابْتِدَاء لِغَيْرِ سَبَب وَلَا حَاجَة مِنْ حَقّ صُحْبَة أَوْ مُجَاوَرَة أَوْ مُكَافَأَة أَوْ نَحْو ذَلِكَ ، وَالْمُرَاد مَنْع اِبْتِدَائِهِمْ بِالسَّلَامِ الْمَشْرُوع ، فَأَمَّا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي خُرُوجهمْ عَنْهُ كَأَنْ يَقُول : السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ فَهُوَ جَائِز كَمَا كَتَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْل وَغَيْره " سَلَام عَلَى مَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى " .
وَأَخْرَجَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة قَالَ " السَّلَام عَلَى أَهْل الْكِتَاب إِذَا دَخَلْت عَلَيْهِمْ بُيُوتهمْ السَّلَام عَلَى مَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى " وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ مِثْله . وَمِنْ طَرِيق أَبِي مَالِك : إِذَا سَلَّمْت عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقُلْ " السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ فَيَحْسِبُونَ أَنَّك سَلَّمْت عَلَيْهِمْ وَقَدْ صَرَفْت السَّلَام عَنْهُمْ " قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي قَوْله " وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيق فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقه " مَعْنَاهُ لَا تَتَنَحَّوْا لَهُمْ عَنْ الطَّرِيق الضَّيِّق إِكْرَامًا لَهُمْ وَاحْتِرَامًا ، وَعَلَى هَذَا فَتَكُون هَذِهِ الْجُمْلَة مُنَاسِبَة لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى فِي الْمَعْنَى ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيق وَاسِع فَأَلْجِئُوهُمْ إِلَى حَرْفه حَتَّى يَضِيق عَلَيْهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ أَذًى لَهُمْ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ أَذَاهُمْ بِغَيْرِ سَبَب ."

وهذا كلام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم:

اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى الرَّدّ عَلَى أَهْل الْكِتَاب إِذَا سَلَّمُوا ، لَكِنْ لَا يُقَال لَهُمْ : وَعَلَيْكُمْ السَّلَام ، بَلْ يُقَال : عَلَيْكُمْ فَقَطْ ، أَوْ وَعَلَيْكُمْ . وَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرهَا ( مُسْلِم ) ( عَلَيْكُمْ ) ( وَعَلَيْكُمْ ) بِإِثْبَاتِ الْوَاو وَحَذْفهَا ، وَأَكْثَر الرِّوَايَات بِإِثْبَاتِهَا ، وَعَلَى هَذَا فِي مَعْنَاهُ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِره ، فَقَالُوا : عَلَيْكُمْ الْمَوْت ، فَقَالَ : وَعَلَيْكُمْ أَيْضًا أَيْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاء ، وَكُلّنَا نَمُوت . وَالثَّانِي أَنَّ الْوَاو هُنَا لِلِاسْتِئْنَافِ لَا لِلْعَطْفِ وَالتَّشْرِيك ، وَتَقْدِيره : وَعَلَيْكُمْ مَا تَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ الذَّمّ . وَأَمَّا حَذْف الْوَاو فَتَقْدِيره بَلْ عَلَيْكُمْ السَّام . قَالَ الْقَاضِي : اِخْتَارَ بَعْض الْعُلَمَاء مِنْهُمْ اِبْن حَبِيب الْمَالِكِيّ حَذْف الْوَاو لِئَلَّا يَقْتَضِي التَّشْرِيك ، وَقَالَ غَيْره : بِإِثْبَاتِهَا كَمَا هُوَ فِي أَكْثَر الرِّوَايَات . قَالَ : وَقَالَ بَعْضهمْ : يَقُول : عَلَيْكُمْ السِّلَام بِكَسْرِ السِّين أَيْ الْحِجَارَة ، وَهَذَا ضَعِيف . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : عَامَّة الْمُحَدِّثِينَ يَرْوُونَ هَذَا الْحَرْف ( وَعَلَيْكُمْ ) بِالْوَاوِ ، وَكَانَ اِبْن عُيَيْنَةَ يَرْوِيه بِغَيْرِ وَاو . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب ، لِأَنَّهُ إِذَا حُذِفَ ( الْوَاو ) صَارَ كَلَامهمْ بِعَيْنِهِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ خَاصَّة ، وَإِذَا ثَبَتَ ( الْوَاو ) اِقْتَضَى الْمُشَارَكَة مَعَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ . هَذَا كَلَام الْخَطَّابِيِّ . وَالصَّوَاب أَنَّ إِثْبَات الْوَاو وَحَذْفهَا جَائِزَانِ كَمَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَات ، وَأَنَّ الْوَاو أَجْوَد كَمَا هُوَ فِي أَكْثَر الرِّوَايَات ، وَلَا مَفْسَدَة فِيهِ ، لِأَنَّ السَّام الْمَوْت ، وَهُوَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ ، وَلَا ضَرَر فِي قَوْله بِالْوَاوِ .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي رَدّ السَّلَام عَلَى الْكُفَّار وَابْتِدَائِهِمْ بِهِ ، فَمَذْهَبنَا تَحْرِيم اِبْتِدَائِهِمْ بِهِ ، وَوُجُوب رَدّه عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَقُول : وَعَلَيْكُمْ ، أَوْ عَلَيْكُمْ فَقَطْ ، وَدَلِيلنَا فِي الِابْتِدَاء قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا تَبْدَءُوا الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ ) وَفِي الرَّدّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَقُولُوا : وَعَلَيْكُمْ ) وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مَذْهَبنَا قَالَ أَكْثَر الْعُلَمَاء وَعَامَّة السَّلَف ، وَذَهَبَتْ طَائِفَة إِلَى جَوَاز اِبْتِدَائِنَا لَهُمْ بِالسَّلَامِ ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي أُمَامَةَ وَابْن أَبِي مُحَيْرِيز ، وَهُوَ وَجْه لِبَعْضِ أَصْحَابنَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ ، لَكِنَّهُ قَالَ : يَقُول : السَّلَام عَلَيْك ، وَلَا يَقُول : عَلَيْكُمْ بِالْجَمْعِ . وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِعُمُومِ الْأَحَادِيث ، وَبِإِفْشَاءِ السَّلَام ، وَهِيَ حُجَّة بَاطِلَة لِأَنَّهُ عَامّ مَخْصُوص بِحَدِيثِ ( لَا تَبْدَءُوا الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ ) وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : يُكْرَه اِبْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ ، وَلَا يَحْرُم ، وَهَذَا ضَعِيف أَيْضًا ، لِأَنَّ النَّهْي . لِلتَّحْرِيمِ . فَالصَّوَاب تَحْرِيم اِبْتِدَائِهِمْ . وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ جَمَاعَة أَنَّهُ يَجُوز اِبْتِدَاؤُهُمْ بِهِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَة أَوْ سَبَب ، وَهُوَ قَوْل عَلْقَمَة وَالنَّخَعِيِّ . وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : إِنْ سَلَّمْت فَقَدْ سَلَّمَ الصَّالِحُونَ ، وَإِنْ تَرَكْت فَقَدْ تَرَكَ الصَّالِحُونَ . وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء : لَا يُرَدّ عَلَيْهِمْ السَّلَام ، وَرَوَاهُ اِبْن وَهْب وَأَشْهَب عَنْ مَالِك ، وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : يَجُوز أَنْ يَقُول فِي الرَّدّ عَلَيْهِمْ : وَعَلَيْكُمْ السَّلَام ، وَلَكِنْ لَا يَقُول : وَرَحْمَة اللَّه . حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ ، وَهُوَ ضَعِيف مُخَالِف لِلْأَحَادِيثِ وَاللَّه أَعْلَم .
وَيَجُوز الِابْتِدَاء بِالسَّلَامِ عَلَى جَمْع فِيهِمْ مُسْلِمُونَ وَكُفَّار ، أَوْ مُسْلِم وَكُفَّار ، وَيَقْصِد الْمُسْلِمِينَ لِلْحَدِيثِ السَّابِق أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ عَلَى مَجْلِس فِيهِ أَخْلَاط مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ .

 
أيها الفاضل الدكتور عبد الرحمن
لا أوافقك على أن عدم بداءة الكافر بالسلام انتهاك لأخلاق الإسلام.
وإذا زرت الكتابي فحيه بغير السلام.
لأن السلام له معنى هو الدعاء للمسلم عليه بالسلامة والرحمة والبركة، وهذه أمور لا يستحقها الكافر وهو مقيم على كفره بالله تعالى.
ولهذا لما كان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم فيرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله يهديكم الله ، كما هو في الحديث:
"أن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله فكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم " رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه ، وصححه الألباني من حديث أبي موسى.

أما قولك إن حديث :"لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام" حديث ورد بدون سياق فهو "معلق في الهواء" لأنه مجمل لا قرينة تجعله ظاهرا راجحا أو محتملا مرجوحاً."
فلا أدرى ما الذي جعله عندك مجملا ، والأسباب التي تجعل من اللفظ أو النص مجملا معروفة ، ولا أرى في الحديث أي منها حتى نعده من باب المجمل الذي لا يفهم المراد منه إلا بقرينة؟
وأما قولك إن الحديث يصطدم مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية والقولية فهذا ما لم أقف عليه ، ولو كان لبينه الجهابذة من نقلة الحديث وشراحه.
وأما قولك إنه يضاد مقاصد الشريعة فكذلك لا أوفقك عليه ، بل هو يتماشى معها تماما ، ولا يلزم من عدم إلقاء السلام المشروع استفزاز الكافر ، فيمكن أن تحيه بأي كلام آخر غير السلام.
وإما إلقاء السلام على الكافر في وقت الحاجة فقط فهو قول مردود وغير مقبول.

وأما قولك إن أهل الحديث والسلفيين يمزجون بين الدين وبين طريقتهم في فهمه
فأقول إن أهل الحديث السلفيين أولى الناس بالفهم الصحيح للدين وهو فهم مبني على أصول منضبطة ومطردة وقل ما يتطرق إليها الخطأ، بخلاف غيرهم الذين وقعوا في ورطات يصعب الخروج منها أحيانا.
بوركت وبورك قلمك وجهدك.
 
الإخوة الأفاضل المشايخ والدكاترة ، لماذا التحول عن موضوع الآية الرئيس - وهو النصرة والعون -إلى مسائل فرعية شواهدها صريحة في آيات أخرى أكثر من هذه الآية !
وكما لا يخفى على واسع علمكم فإن النبي صلى الله عليه وسلم حالف خزاعة وهم على شركهم !
يقول المراغي :إن ترك موالاة المؤمنين للكافرين حتم لازم في كل حال إلا في حال الخوف من شيء تتقونه منهم ، فلكم حينئذ أن تتقوهم بقدر ما يتقى ذلك الشيء ، إذ القاعدة الشرعية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وإذا جازت موالاتهم لاتقاء الضرر ، فأولى أن تجوز لمنفعة المسلمين ، وإذا فلا مانع من أن تحالف دولة إسلامية دولة غير مسلمة لفائدة تعود على الأولى ، إما بدفع خطر ، أو جلب منفعة !
وجاء في الفتوحات الإلهية للعجيلي قوله :
قوله تعالي : ( إلا أن تتقوا ) تقدم أن مثل هذا التركيب على حذف الجار وهو في ، وعلى حذف المضاف وأن مصدرية والتقدير إلا في حال اتقائكم منهم .
وجاء في الدر المصون للسمين الحلبي
قوله: { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ } هذا استثناءٌ مفرغٌ من المفعول [من أجله، والعامل فيه: لا يَتَّخِذُ أي]: لا يَتَّخِذُ المؤمنُ الكافر وليّاً لشيءٍ من الأشياء إلا للتَقِيَّة ظاهراً، أي يكونُ مُواليَه في الظاهر ومعادِيَه في الباطن، وعلى هذا فقولُه: { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } وجوابُهُ معترضٌ بين العلة ومعلولِها.
وفي قوله: { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ } التفاتٌ من غيبة إلى خطاب، ولو جرى على سَنَنِ الكلام الأولِ لجاء بالكلامِ غيبة، وأَبْدَوا للالتفاتِ هنا معنًى حسناً: وذلك أن موالاة الكفار لَمَّا كانت مستقبحةً لم يواجِه اللهُ عبادَه بخطابِ النهي، بل جاء به في كلام أُسْنِدَ الفعل المنهيُّ عنه لغيب، ولَمَّا كانَتِ المجامَلَةُ في الظاهر والمحاسنةُ جائزةً لعذرٍ وهو اتِّقاءُ شرِّهم حَسُنَ الإِقبالُ إليهم وخطابُهم بِرَفْع الحرج عنهم في ذلك ، انتهى كلام السمين .
قوله: { تُقَاةً } في نصبِها ثلاثة أوجه وذلك مبنيٌّ على تفسير " تقاة " ما هي؟ أحدها: أنها منصوبةٌ على المصدر والتقدير: تَتَّقوا منهم اتقاء، فتقاة واقعة موقع الاتقاء، والعرب تأتي بالمصادر نائبة عن بعضها، والأصل: أن تتقوا اتقاءً، نحو: تقتدروا اقتداراً، ولكنهم أَتَوْا بالمصدر على حذف الزوائد .....
وقال الثعلبي :
وأما معنى الآية فقال المفسرون: نهى اللَّه عزَّ وجلَّ المؤمنين عن ملاطفة الكافرين وموالاتهم ومداهنتهم ومبايعتهم إلاَّ أنْ يكون الكفَّار ظاهرين غالبين، أو يكون المؤمن في قوم كفَّار ليس فيهم غيره، ويخافهم ويداريهم باللسان وقلبه مطمئنُ بالإيمان دفعاً عن نفسه من غير أنْ يسفك دماً حراماً، أو مالاً حراماً، أو يُظهر الكافرين على عورة المؤمنين، فالمتَّقي لا يكون إلاَّ مع خوف القتل وسلامة النية كفعل عمار بن ياسر.
وعن ابن المسيب، قال: ورد رجلٌ على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال: ما أراني إلاَّ قد هلكت، قال: مالك؟ قال: قد عذّبني قريش. فقلت: ما قالوا؟ قال: كيف كان قلبك؟ قال: مطمئن، قال: فإنْ عادوا لك فعد لهم مثل ذلك، قالها ثلاث مرات.
 
أيها الفاضل الدكتور عبد الرحمن
لا أوافقك على أن عدم بداءة الكافر بالسلام انتهاك لأخلاق الإسلام.
وإذا زرت الكتابي فحيه بغير السلام.
لأن السلام له معنى هو الدعاء للمسلم عليه بالسلامة والرحمة والبركة، وهذه أمور لا يستحقها الكافر وهو مقيم على كفره بالله تعالى.


ولهذا لما كان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم فيرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله يهديكم الله ، كما هو في الحديث:
"أن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله فكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم " رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه ، وصححه الألباني من حديث أبي موسى.

أما قولك إن حديث :"لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام" حديث ورد بدون سياق فهو "معلق في الهواء" لأنه مجمل لا قرينة تجعله ظاهرا راجحا أو محتملا مرجوحاً."
فلا أدرى ما الذي جعله عندك مجملا ، والأسباب التي تجعل من اللفظ أو النص مجملا معروفة ، ولا أرى في الحديث أي منها حتى نعده من باب المجمل الذي لا يفهم المراد منه إلا بقرينة؟
وأما قولك إن الحديث يصطدم مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية والقولية فهذا ما لم أقف عليه ، ولو كان لبينه الجهابذة من نقلة الحديث وشراحه.
وأما قولك إنه يضاد مقاصد الشريعة فكذلك لا أوفقك عليه ، بل هو يتماشى معها تماما ، ولا يلزم من عدم إلقاء السلام المشروع استفزاز الكافر ، فيمكن أن تحيه بأي كلام آخر غير السلام.
وإما إلقاء السلام على الكافر في وقت الحاجة فقط فهو قول مردود وغير مقبول.

وأما قولك إن أهل الحديث والسلفيين يمزجون بين الدين وبين طريقتهم في فهمه
فأقول إن أهل الحديث السلفيين أولى الناس بالفهم الصحيح للدين وهو فهم مبني على أصول منضبطة ومطردة وقل ما يتطرق إليها الخطأ، بخلاف غيرهم الذين وقعوا في ورطات يصعب الخروج منها أحيانا.
بوركت وبورك قلمك وجهدك.


ما هكذا تورَدُ يا أبا سعد الإبل

وليس بهذا التعصب لمن هو "أولى" بفهم الدين من سواه فليس كل طريقة فهم بأكثر من طريقة فهم

وليس مسلم بأولى بفهم الإسلام من سواه إذ على كلٍّ بذلُ وسعه واستفراغ جهده في فهم مراد الشارع منه

ليعمل وفقا لما يريده الله عز وجل منه

إلاّ إن كنتم تعنون أن من قال "إن الإيمان قول وعمل" أحقّ بأن يكون أقرب إلى فهم الدين من سواه، وهذا ما لا نشك فيه ، ونحسب أن جميع فقهاء المئة الثانية كانوا على هذا المذهب باستثناء ما نسب إلى أبي حنيفة وهو ليس موضوعنا ههنا.وأما أن يكون أهل الحديث أولى بفهم الدين لغير هذا السبب أعني الاعتقاد بأن "الإيمان قول وعمل" كمثل مبدئهم الذي سننتقده علميا فيما بعد وهو أن الحديث إذا صح فقد وجب العمل به وإن خالف الركنين الركينين لفهم الدلالة وأحسب أن هذا ما تقصدونه من تعصبكم البادي لهم فليس بذاك.

ولكن نزولا عند رغبة أخي آل الأشرف المشروعة المحقة سأؤجل ردي عليك إلى حين يأتي سياقها

وهو نقد طريقة أهل الحديث هذه التي تدافع عنها والانتصار لطريقة الفقهاء في المئة الثانية علماً لا ادعاءً لأنها أقرب إلى السنة من المحدِّثين ، لأن السنة هي العمل بمقصد الشارع ومرادِه ومرادُ الشارع ومقصدُه يحتاج أكثر بكثير من مجرد الرواية التي يصح سندها، ولا سيما أن أكثر الروايات التي صح سندها لا يُعلم زمانها وسياقها ومراد الشارع منها وحسبك بابن شهاب على جلالة قدره يقول "أعيا فقهاء الإسلام معرفة ناسخ حديث رسول الله من منسوخه" أفترى ما أعياهم في عصر ابن شهاب لم يعيَ عنه محدثو المئة الثالثة ومن اقتنع بما قرره الشافعي؟ ومن يجرؤ على قول ذلك؟

ومثل هذا الموضوع يحتاج منا تفكرا معمقا ونقدا علميا لطريقة الفريقين في التفكير. وليس سواه العلم.

وسوف نتناقش فيه بحسب الطاقة إن نسأ الله تعالى في الأجل

ودمتم بودّ
 
الإخوة الأفاضل المشايخ والدكاترة ، لماذا التحول عن موضوع الآية الرئيس - وهو النصرة والعون -إلى مسائل فرعية شواهدها صريحة في آيات أخرى أكثر من هذه الآية !
وكما لا يخفى على واسع علمكم فإن النبي صلى الله عليه وسلم حالف خزاعة وهم على شركهم !
.
هذه العبارة ليست دقيقة وهي موهمة
فخزاعة دخلت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية بناء على بنود الصلح ، وكان كثير منهم قد دخل في الإسلام قبل ذلك ، ثم بعد الصلح دخلت كلها في الإسلام ، كما هو مثبت في كتب السيرة وغيرها.
قال بن كثير رحمه الله:
"وكان سبب الفتح بعد هدنة الحديبية ما ذكره محمد بن إسحاق: حدثنى الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، أنهما حدثاه جميعا قالا: كان في صلح الحديبية أنه من شاء أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل .
فتواثبت خزاعة وقالوا: نحن ندخل في عقد محمد وعهده وتواثبت بنو بكر وقالوا: نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم.
فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهرا، ثم إن بنى بكر وثبوا على خزاعة ليلا بماء يقال له الوتير، وهو قريب من مكة، وقالت قريش: ما يعلم بنا محمد وهذا الليل وما يرانا من أحد.
فأعانوهم عليهم بالكراع والسلاح وقاتلوهم معهم للضغن على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن عمرو بن سالم ركب عندما كان من أمر خزاعة وبنى بكر بالوتير حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر الخبر وقد قال أبيات شعر، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدها إياه: يا رب إنى ناشد محمدا * حلف أبيه وأبينا الا تلدا
قد كنتم ولدا وكنا والدا * ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر رسول الله نصرا أبدا * وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا *** إن سيم خسفا وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجرى مزبدا *** إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا *** وجعلوا لى في كداء رصدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا ** * فهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا *** وقتلونا ركعا وسجدا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نصرت يا عمرو بن سالم " فما برح حتى مرت بنا عنانة في السماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن هذه السحابة لتستهل بنصر بنى كعب ".
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز وكتمهم مخرجه، وسأل الله أن يعمى على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم."
 
أخي الدكتور محيي الدين ، لقد حجرت الأمر تحجيرا ، ماتركت فيه منفسا لمبتلى ، نسأل الله لنا ولكم السلامة ، وأذكر لشيخ الإسلام ابن تيمية كلاما حول هذه الآية فيه توسيع لما حجرته ، ولعل الله ييسر لي العثور عليه وعرضه أمام أنظاركم .
أخي آل الأشرف، إن ما ذهب إليه صاحب المقال من تفسير الآية لا يضيق على المبتلى، وليس فيه تحجير، فإنه يؤكد فقط على أمر واحد وهو أن الآية لا يجوز الاستدلال بها في جواز موالاة الكفار في حالة الخوف منهم، أو إظهار الموالاة لهم مع إخفاء العداوة لهم، أو إباحة التقية، أو غير ذلك مما يستدل بهذه الآية، حيث إن "إلا" في الآية لتأكيد ما سبق من النهي عن موالاة الكفار.
وأما حالة الخوف وحالة الإكراه وحالة غلبة الكفار، وما يجب على المسلمين فعله في تلك الظروف، فإن الحكم الشرعي في ذلك يستنبط من أدلة أخرى غير هذه الآية.

وهناك أمر آخر، وهو أن الآية تتحدث عن الموالاة وليس عن إظهار الموالاة، وشتان ما بين الموالاة وبين إظهار الموالاة مع إخفاء غيرها، فإن كان هناك استثناء، كان من النهي عن الموالاة وليس من النهي عن إظهار الموالاة، وهذا لا يقول به أحد. وأما أن نقول إن المستثنى هو جواز إظهار الموالاة مع أن المستثنى منه هو تحريم الموالاة نفسها وليس إظهار الموالاة، فلا أدري هل تجيز ذلك قواعد اللغة؟
 
أخي الدكتور محيي الدين رعاه الله
لا يدعونا احتجاج الرافضة بهذه الآية للتدليل على فاسد ممارستهم وانحراف اعتقادهم في التقية ( بتشديد الياء ) إلى اقصائنا كلام المفسرين بأن الآية فيها استثناء لمن اتقى الكافرين بالقول باللسان والقلب مطمئن بالإيمان !
فعلماء منهج النبوة الصادق منهج أهل السنة والجماعة ذكروا في هذا المعنى أمورا منها :
- أن الاتقاء يكون من المسلم للكافر ، بينما الروافض يمارسون التقية مع المسلمين !
- أن الاتقاء المستثنى ، هو الذي يدفع عن المؤمن ضررا فيه مظنة الهلاك ، وليس في كل عارض ضرر لا يؤدي إلى هلاك ، أما الروافض فيمارسون التقية بإظهار مالا يبطنون وذلك للإضرار بالمسلمين وإن كانوا يأمنونهم على أنفسهم وأهليهم وأموالهم !
- أن لا يلحق الاتقاء أذى بمؤمن ، أما الروافض فإنهم يمارسونها للإضرار بالمسلمين إمعانا وإصرارا !
هذا والله أعلم وأحكم
 
أشكر الإخوة الكرام على مباحثاتهم النافعة ..

والاستثناء في الآية منقطع ؛ فاتقاء شر الكفار المتسلطين ليس من موالاتهم.

وقوله تعالى : {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} فيه قولان مأثوران عن السلف رحمهم الله:
فالقول الأول: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية وتضمروا لهم العداوة ولا تشايعوهم على دينهم ولا تعينوهم على مسلم بشيء.
وهذا القول مروي عن جماعة من المفسرين منهم ابن عباس وأبو العالية الرياحي وجابر بن زيد ، وقال به ابن جرير الطبري.
القول الثاني: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} أي إلا أن يكون بينكم وبين بعض الكفار رحم فتتقون قطيعتها فتصلونها من غير أن تتولوهم في دينهم. وهذا قول قتادة والحسن البصري.
وابن جرير – رحمه الله - صحح هذا القول من جهة المعنى في نفسه لكنه بين أن لفظ الآية لا يدل عليه.
وهذا المعنى الذي ذكره قتادة والحسن يدل عليه نص قول الله تعالى في الأبوين الكافرين: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا}. وقوله : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}
وسبب نزولها في قصة أم أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.

وهنا مزيد تفصيل لهذه المسألة.
 
أخي الدكتور محيي الدين رعاه الله
لا يدعونا احتجاج الرافضة بهذه الآية للتدليل على فاسد ممارستهم وانحراف اعتقادهم في التقية ( بتشديد الياء ) إلى اقصائنا كلام المفسرين بأن الآية فيها استثناء لمن اتقى الكافرين بالقول باللسان والقلب مطمئن بالإيمان !
فعلماء منهج النبوة الصادق منهج أهل السنة والجماعة ذكروا في هذا المعنى أمورا منها :
- أن الاتقاء يكون من المسلم للكافر ، بينما الروافض يمارسون التقية مع المسلمين !
- أن الاتقاء المستثنى ، هو الذي يدفع عن المؤمن ضررا فيه مظنة الهلاك ، وليس في كل عارض ضرر لا يؤدي إلى هلاك ، أما الروافض فيمارسون التقية بإظهار مالا يبطنون وذلك للإضرار بالمسلمين وإن كانوا يأمنونهم على أنفسهم وأهليهم وأموالهم !
- أن لا يلحق الاتقاء أذى بمؤمن ، أما الروافض فإنهم يمارسونها للإضرار بالمسلمين إمعانا وإصرارا !
هذا والله أعلم وأحكم

أخي الكريم
نحن لم نذهب إلى ما ذهبنا إليه من تأويل الآية بسبب احتجاج الرافضة بالآية لما يسمونه التقية، وإنما الباعث لذلك هو ما ظهر لنا من الأدلة المتمثلة في لفظ الآية وسياقها، والتوجيه القرآني العام بهذا الخصوص.
ومما لاحظت في المناقشات العلمية كثيرا، أنها تبعد عن الموضوع بسبب بعض الافتراضات.

ثم هناك سؤال إلى أخينا الفاضل مادام قد وجه الحوار إلى تقية الرافضة
هل يجوز لأهل السنة أن يلجأوا إلى التقية، أي إظهار المودة وإخفاء الكراهية، إذا وقعوا بين الرافضة ولم يأمنوا الشر منهم؟ وقد ذكرتم أن "الاتقاء يكون من المسلم للكافر ، بينما الروافض يمارسون التقية مع المسلمين".
 
أخي الكريم
نحن لم نذهب إلى ما ذهبنا إليه من تأويل الآية بسبب احتجاج الرافضة بالآية لما يسمونه التقية، وإنما الباعث لذلك هو ما ظهر لنا من الأدلة المتمثلة في لفظ الآية وسياقها، والتوجيه القرآني العام بهذا الخصوص.
ومما لاحظت في المناقشات العلمية كثيرا، أنها تبعد عن الموضوع بسبب بعض الافتراضات.

ثم هناك سؤال إلى أخينا الفاضل مادام قد وجه الحوار إلى تقية الرافضة
هل يجوز لأهل السنة أن يلجأوا إلى التقية، أي إظهار المودة وإخفاء الكراهية، إذا وقعوا بين الرافضة ولم يأمنوا الشر منهم؟ وقد ذكرتم أن "الاتقاء يكون من المسلم للكافر ، بينما الروافض يمارسون التقية مع المسلمين".

لست في موضع الإجابة بالنيابة عن الأخ المسؤول ولكن الملتقى مفتوح وحقوق الرد مكفولة، ،

من استحل دم المسلم فليس بمسلم لأن التأكيد على حرمة دمه من آكد ما جاء عن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، والتقيّةُ جائزة مع كلّ من استحل دمك مهما كانت تسميته أو نعتُه. ومن استحل دماء المسلمين فقد وجب التبري منه أيضاً ولكن تجوز التقية لكل مسلم خشي على نفسه أو ماله بنيّة السلامة إن وجد نفسه بين هذا الصنف من الناس. هذا هو أصل فقه المسألة والله أعلم
 
عندما ذكرت التقية عند الشيعة ، كان ذلك مناسبا للآية وفي صلب الموضوع !
ماذكرته في هذا الخصوص هو بيان لوجه الخلاف بين أهل السنة والشيعة في الاستشهاد بالآية !
سؤال أخي الحبيب الدكتور محيي الدين لا موجب لطرحه ، ولست مضطرا للإجابة عليه ، والأصل وجوب المحبة بين المسلمين ، وقد تجد ما يوجب كراهتك وحذرك من مسلم وإن كان سنيا ، وبياني لتلك الفروق في الفهم والتطبيق مناسب ومتعلق بالبحث ، فلماذا توجيه النقاش إلى غير ذلك !
الآية وردت في الكفار فلا وجه لعسف المعنى كي يؤدي إلى غيرهم !
مكانك منآهل العلم ولك النظر في الدليل ، ولكني أرى أن نظرك أدى بك إلى تحجير للمعنى وتضييق على من ابتلي من المسلمين !
أما ماذكرته عن كلام لابن تيمية في توسيع ما ذهبت إليه من تحجير للمعنى ، فلازلت أبحث عنه ، وقد أكون واهما !
وأشكر لأخي الدكتور عبدالرحمن مداخلته .
 
قال ابن تيمية رحمه الله في كتابه ( اقتضاء الصراط المستقيم ) ص 176 وذلك في معرض بيانه للجمع بين ما جاء في أول الأمر من موافقة اليهود في بعض شعائر الهدي الظاهر ، وبين ما استقر عليه الأمر وانعقد عليه الإجماع بعدذلك من وجوب مخالفتهم في ذلك :
( وسبب ذلك أن المخالفة لهم لا تكون إلا عند ظهور الدين وعلوه ، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم يشرع المخالفة لهم ، فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع ذلك .
ومثل ذلك اليوم ، لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب ، لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر ، لما عليه في ذلك من ضرر ، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية ، من دعوتهم إلى الدين ، أو دفع ضررهم عن المسلمين ، ونحو ذلك من المقاصد الصالحة ) .
 
السلام عليكم :
المشايخ الأفاضل وإن كان الموضوع قد طال عليه الزمن
ولكني جديد ولم أكن معكم يوم نقاشكم
مر معي قول
د. محي الدين غازي بن محمد عناية الله سبحاني وفقه الله وهو{وهناك أمر آخر، وهو أن الآية تتحدث عن الموالاة وليس عن إظهار الموالاة، وشتان ما بين الموالاة وبين إظهار الموالاة مع إخفاء غيرها، فإن كان هناك استثناء، كان من النهي عن الموالاة وليس من النهي عن إظهار الموالاة، وهذا لا يقول به أحد. وأما أن نقول إن المستثنى هو جواز إظهار الموالاة مع أن المستثنى منه هو تحريم الموالاة نفسها وليس إظهار الموالاة، فلا أدري هل تجيز ذلك قواعد اللغة؟}فهل يفهم من هذا أن الموالاة في القلب ؟أرجو توضيح هذا الكلام للدكتور؟؟؟ولكم جزيل الشكر..
 
عودة
أعلى