[FONT="]إضافة لما تفضل به اخينا الكريم شايب اقول وبالله التوفيق[/FONT]
[FONT="]يقول تعالى [/FONT]
[FONT="] ( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب )[/FONT]
[FONT="]فثبت في أذهانهم تعدّد الآلهة وشذَّ القول بالتوحيد فعبّروا عن ذلك (بالجعل) أي أنّها عندهم في الأصل آلهة متعددة وأتى محمد فجعلها إلهاً واحداً فهم بداية لم يؤمنوا بأن[/FONT][FONT="] ذلك وحي وأمر إلهي بل هم مؤمنين بأن محمد صلى الله عليه وسلم أتى بما قال من بنات أفكاره فنسبوا له القول بالتوحيد ([/FONT][FONT="]أجعل الآلهة إلها واحدا[/FONT][FONT="]) استفهام استنكاري ، ولكن ما مصدر التعجب في التوحيد عندهم ؟ [/FONT]
[FONT="]لما كانوا يرون من اتساع الكون وعِظَمِهِ وأحوال حاجات البشر من الرزق والنصر والخلق والمطر والنبات وكل تلك التصاريف العظيمة والحاجات للخلق ظنوا أنه لن يستطيع إله واحد أن يقوم بكل ذلك ويحيط به وحده فاستقر في أذهانهم وأذهان آبائهم قبلهم أن الكون لا يسير إلا بعدد من ذوي القدرة والفوقية والشدة والعلم وكل صفات الألوهية متفرقة في آلهة عدة كل منها له وظيفة ومجال قدرة فهذا للخصب والمطر وذاك للرزق والإطعام والآخر للنصر والحرب فكان مصدر تعجبهم أنهم لا يرون أن إلها واحداً يستطيع أن يقوم بكل تلك الحاجات للعباد كلهم في وقت واحد فاستكبروا بما جحدوا من قدرة الله وبما قصرت عقولهم عن استيعابه باديء الأمر ثم حين أتاهم بالبيانات والآيات وآمن منهم من وفقه الله لذلك بقي من كفر منهم غير مؤمنين بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ليس جهلاً وتكذيباً كما كان في أول الأمر بل جحوداً وكبراً وخشية من فوات الرياسة وذهاب الشرف منهم إلى سواهم برغم علمهم بصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم[/FONT]
[FONT="]فكان عجبهم يتمثل في إنكارهم لقدرة الواحد الأحد على فعل ما يظنون أنه فعل آلهة عديدة[/FONT]
[FONT="]والله أعلى وأعلم وصلى الله على محمد وآله[/FONT]
تعجب المشركين من هذا الأمر
يأتي من تفكيرهم البشري الضيق فبنظرتهم الى البشر يرون ألا أحد من البشر يقدر على إنجاز كل الأعمال بمفرده فلابد للبشر من التكامل لإنجاز مهامهم.
وبناء على هذه القاعدة التي توارثتها عقولهم كمنطق لديهم يؤمنون به، وكذلك لتوارثهم تعدد الالهة عن آباءهم حتى صارت هي الأصل عندهم فقد كانوا يعتبرون في مخيلتهم ان لكل امر في الكون اله خاص به فللخير اله وللشر اله وللمطر اله وووووووالخ، فبناء على العقيدة المنطقية والموروث الذي اعتبروه ، اضافة الى عنصر المفاجأة في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم والتي جاءت بنسف هذا الموروث والمعتقد وجاءت مخالفة للمنطق الذي يعتقدونه تولد التعجب عندهم ومنشؤه : كيف لاله واحد القدرة على تسيير كل الأعمال وإدارة كل هذا الكون، ونسوا ان الاله لايشبه البشر ولا أي من المخلوقاتف( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
والله اعلم
ولا ينطبق هذا على كل مشركي العرب كما أظن لأن فرقة منهم كانت تؤمن بتوحيد الربوبية أي أن الله هو الفاعل الوحيد. وهذا إن إفترضنا صحة تقسيم التوحيد إلى قسمين أو أكثر على مقتضى التفسير العقدي لبعض من آي القرآن، طبعاً. ولا ينطبق على الفرقة الدّهريّة التي لا تؤمن بفاعل ولا معبود إلا الحياة الدنيا التي تحيى والدهر الذي يميت.
نعم بعض طوائفهم كانت تؤمن بالإله الواحد " وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ "
وفي الشعر المنسوب إلى الجاهليين
قال عمرو بن شأس:
وَلَولا اِتقاءُ اللَهِ وَالعَهدُ قَد رَأى ... مَنِيَّتَهُ مِنّي أَبوكِ اللَيالِيا
وقال الأعشى:
رَبّي كَريمٌ لا يُكَدِّرُ نِعمَةً ... وَإِذا يُناشَدُ بِالمَهارِقِ أَنشَدا
وقال عبيد بن الأبرص:
من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب
بالله يدرك كل خير ... والقول في بعضه تلغيب
والله ليس له شريك ... علام ما أخفت القلوب
لكن بعض طوائف العرب كانت تسجد للشمس والقمر، انظر تفسير ابن كثير لقوله تعالى: " وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ".
وبعضهم كالدهريين ينسب الإماتة إلى عوامل الطبيعة = الدهر، وهذا قريب من الإلحاد
انظر تفسير الطبري لقوله تعالى: " وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ "
وفي المسألة تفصيل
كانت العرب تَدين بدين سيدنا إبراهيم «الحنيفية» التى تقوم على التوحيد. كان من بينهم «عمرو بن لحى» وهو من سادات قريش، عندما زار الشام وجدها تمتلئ بالأصنام، طلب تفسيرا، فقالوا له هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا، طلب منهم واحدا فأعطوه «هُبَل»، وضعه فى صدر الكعبة وأمر الناس بعبادته لعظيم فائدته، ثم تبع عرب الجزيرة كلهم أهل مكة، كونهم ولاة بيت الله الحرام.
بعد فترة أسرّ له أحدهم أن أصنام قوم نوح «وَدًّا وسُواعا ويغوث ويعوق ونسرا» مدفونة بجدة، فاستخرجها وجاء بها مكة، فلما جاء الحج دفعها إلى القبائل، فعادت بها إلى أوطانها.. فانتشرت الأصنام بعدها انتشارا كبيرا.
بعد ظهور الإسلام بسنوات قال رسول الله، إنه رأى عمرو بن لحى يسير فى النار، وهو يجر أمعاءه خلفه.
فهذا تفصيل لما ذكرنا من أن عباد الاصنام كانوا يعتقدون باختصاص الاصنام بقدرة دون قدرة ولما اتى النبي صلى الله عليه وسلم لينسب هذه الأفعال لإله واحد فقد كان ذلك مثار تعجب لانهم ما قدروا الله حق قدره وذلك لا يتعارض مع الاعتقاد بوجود الله ولكن بوجود شركاء معه في القدرة تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً وما تقريبهم لعبادهم من الله زلفى الا احدى الاسس الفكرية لعبادة الاصنام وليست كلها والله اعلى واعلم
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
مشاركة مني في هذا النقاش أود أن أعقب على جواب الأخوين الفاضلين عدنان الغامدي و محمد راجح حسين الذين قالا ما خلاصته:" أن سبب تعجب مشركي قريش من دعوة النبي صلى الله عليه و سلم إلى التوحيد هو اعتقادهم أن أمور الكون لا بد أن يقوم بها آلهة و ليس إلاه واحد".
و هذا الجواب لا يسلم به، فليس هذا هو سر تعجبهم من دعوتهم إلى عبادة إله واحد، لأنهم لم يعتقدوا أصلا هذا الاعتقاد الذي ذكره الأخوان الكريمان، بل على العكس، فكلهم كانوا مقرين بربوبية الله تعالى، و الآيات الدالة على ذلك كثيرة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قول البارئ سبحانه:" قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)-يونس-، و قال تعالى:"قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) -المؤمنون-
إذن فهم كلهم كانوا مقرين بربوبية الله تعالى، و معلوم أن توحيد الربوبية يشمل إفراد الله تعالى في الملك و الخلق و التدبير، و كل الأمور المتعلقة بأفعال الله تعالى إلينا من إحياء و إماتة و إنزال المطر و توسيع في الرزق أو تضييقه...كل ذلك داخل في معاني الربوبية التي كان يقر بها مشركوا مكة، فهم إذن كانوا يعتقدون اعتقادا جازما أن الله تعالى هو الخالق و هو المالك و هو الرازق و هو المحي و المميت و الذي بيده ملكوت كل شيء و المتصرف في كونه بما شاء و كيف شاء..
يقول شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه القيم كشف الشبهات:" وإلا فهؤلاء المشركون مقرون ويشهدون أن الله هو الخالق الرازق وحده لا شريك له، وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يحيي إلا هو، ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السماوات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن كلهم عبيده، وتحت تصرفه وقهره"اهـ.
لكن هذا الإقرار المتعلق بتوحيد الربوبية لم يصاحبه عندهم إقرار بتوحيد الألوهية، فأمنوا بالله تعالى ربا لكنهم أشركوا به إلاها، كما قال جل و علا:" و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون"-يوسف-، يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى:" فهم وإن أقروا بربوبية الله تعالى، وأنه الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور، فإنهم يشركون في ألوهية الله وتوحيده"اهـ.
و حتى بالنسبة لتوحيد الألوهية، فإنهم في قرارة أنفسهم يعلمون أن الله تعالى هو الإله الصمد الذي لا يستحق العبادة إلا هو، و لكنهم استكبروا ، كما قال تعالى:" و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلما و علوا"-النمل-
و مما يؤكد هذا الاعتراف الكامن في أنفسهم أنهم يصرحون به وقت الشدة،كما قال تعالى:" وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)"، يقول السعدي رحمه الله تعالى:" ومن رحمته الدالة على أنه وحده المعبود دون ما سواه أنهم إذا مسهم الضر في البحر فخافوا من الهلاك لتراكم الأمواج ضل عنهم ما كانوا يدعون من دون الله في حال الرخاء من الأحياء والأموات، فكأنهم لم يكونوا يدعونهم في وقت من الأوقات لعلمهم أنهم ضعفاء عاجزون عن كشف الضر وصرخوا بدعوة فاطر الأرض والسماوات الذي تستغيث به في شدائدها جميع المخلوقات وأخلصوا له الدعاء والتضرع في هذه الحال..."اهـ
و هذا من الأدلة النفسية أو الداخلية الدالة على توحيد الله جل في علاه. خلاصة القول أن مشركي مكة كانوا مقرين بربوبية الله تعالى و أنه هو المتصرف و المدبر للكون بكل أنواع التدبير،- و هذا أمر اشتركت فيه جميع الأمم، فلم يشذ عن توحيد الربوبية إلا فرعون استكبارا و المانوية من المجوس الذين قالوا بالنور خالق الخير و الظلام خالق الشر-
و أما سبب تعجبهم من الدعوة إلى توحيد الله تعالى فهو مجرد أمر أظهروه يخالف ما يقرون به في أنفسهم، لأنهم قد علموا حقيقة كلمة الإخلاص:" لا إله إلا الله"، أبو جهل و أبو لهب و أمية بن خلف و عقبة بن معيط و غيرهم من صناديد الكفر علموا حقيقة هذه الكلمة، و لكن منعهم الكبر من قولها كما قال تعالى:" إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون" و أيقنوا أنهم إذا قالوها و عملوا بمقتضاها فهذا يعني مساوتهم بضعفاء المسلمين كابن مسعود و بلال و صهيب و غيرهم رضي الله عنهم، كذلك علموا أن سيادتهم و سلطانهم سيزول إذا هم حققوا هذه الكلمة.
إضافة إلى كونهم قد أشربوا عبادة الأوثان و ورثوا ذلك عن أجدادهم حتى صار عنهم من الموروث الذي يستحيل الميل عنه، كما قال أبو طالب معترفا:
ولقد علمت بأنَّ دين محمد ... من خير أديان البرية ديناً
لولا الملامةُ أو حِذارُ مَسَبَّةٍ ... لرأيتني سمحاً بذاك مبيناً
و الله أعلم و أحكم.
أما هذه فلا. بارك الله فيك.
أنا الذي أعتقده وأتعبّد الله به هو أن القرآن المجيد ردّ ويردّ وسيردّ على كل الملل والنّحل.
وقولي أعلاه في المشاركة الأخيرة "هذا لا ينطبق على الكل" تنقضه أنت بتمامه وكماله في تعميمك هذا.
فهل تلك الأدلة التي ذكرتها تنفي وجود مشركين يؤمنون بأن الآلهة لا تفعل (ينفون إتصاف الآلهة ببعض صفات الربوبيّة)؟
بالتأكيد لا.
الناس في إعتقادهم بالرب بين مذهبين متناقضين تناقضا تامّا كاملا: التوحيد والإلحاد.
والإلحاد درجات ومستويات أبعده عن التوحيد هو الإلحاد الذي ينفي كل صفات الله بما في ذلك صفة "الثبوت البائن" أو إن شئت قل "الوجود المستقل"، وفي نظري تعدّ الدّهريّة الطّبعانيّة ممثّلة هذا المذهب، لكنها أيضا درجات ومستويات أبعدها عن التوحيد هي الدهرية التي تنفي كل الصفات وتثبتها، أو تثبت بعضها، للطبع والدّهر كالقدم والقيّوميّة.
إذا ردّ القرآن على هذين المذهبين فقد ردّ بالضرورة على كل المذاهب لأن ما بين المذهبين خلط وتخبط.
يقول تعالى في سورة ص : [وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ{4} أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ{5} وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ{6} مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ{7} أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ{8}] فالسياق خاص بكفار قريش لا غيرهم . فحين عرض عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم الرسالة الإسلامية التي تتمثل في التوحيد الخالص ، رفضوا الدخول في الإسلام ، لأن في نظرهم ، لا يعقل أن يكون الإله واحدا بعدما اعتقدوه متعددا . يقول الراغب الأصفهاني (ت:502ه) في المفردات : " العَجَبُ والتَّعَجُّبُ : حالةٌ تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء ، ولهذا قال بعض الحكماء : العَجَبُ ما لا يُعرف سببه" ويقول ابن جزي الغرناطي (ت:741ه) في تفسيره : " { وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ } الضمير لقريش، والمنذر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أي استبعدوا أن يبعث الله رسولاً منهم، ويحتمل أن يريد من قبيلتهم، أو يريد من البشر مثلهم { وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ } كان الأصل وقالوا؛ ولكن وضع الظاهر موضع المضمر قصداً لوصفهم بالكفر { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } هذا إنكار منهم للتوحيد، وسبب نزول هذه الآيات " أن قريشاً اجتمعوا وقالوا لأبي طالب: كُفَّ ابن أخيك عنا، فإنه يعيب ديننا ويذم آلهتنا ويسفه أحلامنا. فكلمه أبو طالب في ذلك، فقال: صلى الله عليه وسلم: إنما أريد منهم كلمة واحدة يملكون بها العجم، وتدين لهم بها العرب، فقالوا: نعم وعشر كلمات معها. فقال: قولوا لا إلٰه إلا الله، فقاموا وأنكروا ذلك وقالوا: { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } ".
يقول الراغب الأصفهاني (ت:502ه) في المفردات : " العَجَبُ والتَّعَجُّبُ : حالةٌ تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء ، ولهذا قال بعض الحكماء : العَجَبُ ما لا يُعرف سببه"
حالة نفسيّة كما يظهر، لكن أوردت "لا يعقل" و "الجهل".
الله حكم عليهم بالكفر فكيف يستقيم القول بأن المخَاطبين جهّال؟
إستغربوا الدعوة وازداد الاستغراب، بالغوا في هذا، بسبب حالة نفسيّة وعادة ذهنيّة نشأت على فكر مليء بالأغاليط وعندما يصل الإنسان إلى هذا الحد يكون متعصّبا متنطّعا يتجاهل [الفرق بين يتجاهل ويجهل] وينكر كل ما هو "جديد" لأنه ينافي بنية العقل التي تشكّلت عبر مراحل من الزمن جد عن جد، وقد أصاب المرحوم محمدعابد الجابري عندما أطلق لفظ "اللامعقول العقلي" على هذه العقليّة. مثلما حدث مع الكنيسة الأوروبية التي إستغربت نظرية لامركزيّة الأرض، إذ كيف "يعقل" أن يتنأنّس (يتجسد) الإله على الأرض ويُصلب الإله على الأرض ثم لا تكون الأرض بعد ذلك بهذه القيمة؟ طبعا مرّ تاريخ طويل الأمد على ربط التصور الفلسفي القديم للأرض بالتأويل الكنسي لهذا التصور. هل كانوا يجهلون أن هذا التصور غير "كتابي" المصدر؟ هل كان كفّار قريش فعلا يجهلون تاريخ التوحيد بل وواقعيّته بين العرب (أهل الكتاب والحنيفية والمحافظين الإبراهيميين)؟
أظن: لا. لذلك نجد الخطاب القرآني في كثير من الأحيان "يذكّر" و لا "يعلّل" أو قل يعقّل أو يستدل لأن المتنطّع إذا تخلى عن الغشاوة أدرك الحقيقة مباشرة. قل له (النعجة لا تطير) ولا تحاول تستدل على العكس.
فرق كبير بين {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} و { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} لأن الناس معادن نجد أساليب القرآن أيضا معادن. هذا ينفع معه التذكير والآخر ينفع معه "خلخلة بنيته العقليّة".
يقول تعالى : " {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }[البقرة:171] يقول طنطاوي (ت:1431ه) : " وقوله : { فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } وارد مورد النتيجة بعد البرهان ، بجانب كونه توبيخاً لهم ، لأنهم بفقدهم أهم طرق الإِدراك وهما السمع والبصر ، وأهم وسيلة للثقافة وهي استطلاع الحقائق من طريق المحاورة والتكلم ، صاروا بعد كل ذلك بمنزلة من فقد علقه الاكتسابي ، فأصبح لا يفقه شيئاً ؛ لأن العقل الذي يكتسب به الإِنسان المعارف والحقائق يستعين استعانة كبرى بهذه الحواس الثلاث ." ويقول تعالى : {مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }[المائدة:103] فسلوك الكافرين نابع من الجهل ، فهم يتصرفون بدون أي تفكير أو تدبر . لذلك فكفار قريش "استغربوا الدعوة وازداد الاستغراب، بالغوا في هذا، بسبب حالة نفسيّة وعادة ذهنيّة نشأت عن فكر مليء بالمغالطات . وعندما يصل الإنسان إلى هذا الحد يكون متعصّبا متنطّعا يتجاهل [الفرق بين يتجاهل ويجهل] وينكر كل ما هو "جديد" لأنه ينافي بنية العقل التي تشكّلت عبر مراحل من الزمن جد عن جد " لذلك فجهلهم النابع من عدم استخدام عقولهم وانصياعهم للتقليد الأعمى لضلال الآباء نتج عنه تجاهلهم لدعوة الحق ، واستغرابهم لما تضمنته من توحيد ، وتصرفهم غير اللائق مع صاحب الدعوة محمد صلى الله عليه وسلم .