ما رأي الإمام الطبري في تفسير قوله تعالى"وجاهدوا في الله حق جهاده"

ماهر غزالي

New member
إنضم
19/09/2016
المشاركات
19
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
ماليزيا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعد الله أوقاتكم أيها الإخوة الفضلاء
ذكر الإمام الطبري رحمه الله في تفسير قوله تعالى:
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ}
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ) فقال بعضهم:
معناه. وجاهدوا المشركين في سبيل الله حق جهاده.

* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني سليمان بن بلال, عن ثور بن زيد,
عن عبد الله بن عباس, في قوله
( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ) كما جاهدتم أوّل مرّة،
فقال عمر من أمر بالجهاد، قال: قبيلتان من قريش مخزوم وعبد شمس، فقال عمر، صدقت.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تخافوا في الله لومة لائم، قالوا: وذلك هو حقّ الجهاد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عباس, في قوله
( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ) لا تخافوا في الله لومة لائم.
وقال آخرون: معنى ذلك: اعملوا بالحقّ، حقّ عمله، وهذا قول ذكره عن الضحاك بعض من في روايته نظر.
والصواب من القول في ذلك، قول من قال: عُني به الجهاد في سبيل الله، لأن المعروف من الجهاد ذلك, وهو
الأغلب على قول القائل: جاهدت في الله،
وحقّ الجهاد: هو استفراغ الطاقة فيه. قوله (هُوَ اجْتَباكُمْ) يقول:
هو اختاركم لدينه, واصطفاكم لحرب أعدائه والجهاد في سبيله.

ما الذي يعنيه الإمام رحمه الله هنا؟ هل هو يميل إلى الذين قالوا أن الجهاد هنا هو مقاتلة المشركين أم ماذا؟

رحم الله من مر وقرأ ولم يرد مرات
ورحم الله من مر وقرأ ورد علي مرات ومرات ومرات
والجميع على الخيار
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

نعم أخي ما ذكرته هو المراد من كلام إمام المفسرين أبي جعفر الطبري رحمه الله تعالى، فقد حمل الجهاد في الآية على مجاهدة الكفار.

ولعل ما يدل على هذا الاختيار وأنه هو مقصود كلامه رحمه الله تعالى أمورا ثلاثا:

1- أنه جعل تفسير الجهاد في الآية بجهاد الكفار في مقدمة الأقوال التي نقلها عن السلف.

2- أنه صرح بذلك بل اعتبره هو المعهود من كلام العرب الذين نزل القرآن الكريم بلغتهم.

3- تفسيره لقوله تعالى:"هو اجتباكم" بما يؤيد القول الذي اختاره.

مع أنه لا مانع من حمل الجهاد على كل تلك الأقوال إذ لا تعارض بينها، ومعلوم أن من قواعد التفسير:حمل الآية على أكثر من معنى إذا لم يكن بين المعاني أي تعارض أو تضاد، لأن في هذا تكثير للمعاني وإثراءها.

والله أعلم وأحكم.
 
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في فتاويه (ينظر في كل آية وحديث بخصوصه وسياقه، وما يبين معناه من القرائن والدلالات، فهذا أصل عظيم مهم نافع، في باب فهم الكتاب والسنة، والاستدلال بهما مطلقاً، ونافع في معرفة الاستدلال والاعتراض والجواب، وطرد الدليل ونقضه.. وفي سائر أدلة الخلق).
و قال مسلم بن يسار (إذا حدّثت عن الله حديثاً فقف! حتى تنظر ما قبله وما بعده) ، ويقول ابن عبدالسلام في بيان أدلة الأحكام (السياق مرشد إلى تبيين المجملات، وترجيح المحتملات، وتقرير الواضحات، وكل ذلك بعرف الاستعمال، فكل صفة وقعت في سياق المدح كانت مدحاً، وكل صفة وقعت في سياق الذم كانت ذماً).

فلو نظرنا في هذه الآية في سياقها لربما كانت نتيجة نظرنا مختلفة عما رجحه الطبري رحمه الله وقد نكون على خطأ ولكن للنظر في السياق هل يسوقنا لفهم الجهاد بأنه القتال ؟؟ أو جهاد الكفار ؟؟ أم يقودنا لفهمه على أساس السياق بأنه جهاد النفس لإتيان الطاعات والعبادات وترك المنهيات ؟؟
ألا يمكن أن يكون الوجه الأقرب للجهاد - في هذا الموضع فحسب- يشير إلى ما أشار إليه السياق ؟؟ ، فلنستعرض السياق :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) الحج​
فعلى الأقل هناك وجه بيّن نستدل منه على أن المراد بالجهاد هنا هو إفراغ الجهد في نهي النفس عن الركون للراحة استثقالا للطاعة ، وإتيان المعصية انجذاباً للشهوة ، فلزم المؤمن أن يجهد في نهي نفسه وحثها على فعل الخير والعمل الصالح.
والقتال هو بلا شك من الجهاد ولكنه ليس من الأعمال اليومية كالعبادات التي يتوقف عليها إسلام المرء واحتسابه في المسلمين والتي يجد فيها الشيطان محلاً للغواية والوسوسة مما يؤدي بالعبد الضعيف أمام شهوته أن يترك العبادة ويجترح المعصية.
فالآية 77 تشتمل على الأمر بالصلاة ( ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) وفعل الخيرات مظنة الفلاح (وَافْعَلُوا الْخَيْر) ثم يبين تعالى في الآية التالية بأن تلك الأفعال تستلزم مجاهدة النفس لإتيانها والحرص على متابعة العمل بها وأن يستحضر المؤمن بأن الله اختاره ضمن من اجتباهم لحمل هذا الدين وفعل أوامره (هُوَ اجْتَبَاكُمْ) وانه تعالى لم يضيق عليكم تلك العبادات ويجعلها عبئا ثقيلا محرجاً للمؤمنين تشعرهم بالحسرة والثقل (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) فقامت العبادات على التيسير وقام حق الله على المسامحة فجهاد النفس في هذا الموضع غير مكلف لها بما يفوق طاقتها ، ولذلك وتعقيباً بالفاء (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّه).
ومن ذلك كله نستنتج تعريفا للجهاد بأنواعه المختلفة فنقول أن الجهاد هو : اقتحام موانع طاعة الله ومقاومة الدوافع لمعصية الله ومخالفة أمره

والله تعالى أعلم وصل اللهم على محمد
 
عودة
أعلى