د محمد الجبالي
Well-known member
ما توجيه تَعَدِّي الفعل [جاهداك] باللام في العنكبوت، وتَعَدِّيه ب(على) في لقمان في قول الله تعالى:
التوجيه الأول: وافق فيه العلامة أحمد الغرناطي[1] أستاذه الخطيب الإسكافي[2]، واللفظ هنا للغرناطي: "في سورة العنكبوت: (لِتُشركَ بِي) بتعدية الفعل باللام وتعديته في آية لقمان ب(على) فإنما ذلك لفرق ما بين الآيتين في السورتين، من حيث بناء آية العنكبوت على الإيجاز فناسب ذلك الاكتفاء باللام، وبناء آية لقمان على الإطالة فناسب ذلك لتعدية ب(على).
والثاني: وافق فيه الشيخ الأنصاري[3] العلامَة الكرماني[4]، فقال واللفظ هنا للأنصاري: "قوله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي..) قال ذلك هنا، وقال في لقمان "عَلَى أَنْ تُشْرِك" موافقةً هنا لفظاً، للفظِ اللام في قوله "ومنْ جاهَدَ فإِنَّما يُجَاهِدُ لنفسِهِ" وحملَاَ للمعنى بطريق التضمين في لقمان، إذِ التقديرُ: وإِن حملاك على أن تشرك بي".
وللباحث رأي آخر:
لكي نقف على عِلَّةِ اختيار النظم القرآني للتعدي باللام في آية العنكبوت، والتعدي ب(على) في لقمان يجب أن علينا أن ننظر في أمرين:
هاهما الآيتان، قال الله تعالى:
ومما سبق يمكننا أن نَسْتَنْبِط أن مجاهدة الأبوين الْمُشْرِكَيْن في دَفْعِ ابنهما إلى الشرك بالله في آية لقمان قوية، والإلحاح منهما عليه شديد، دَلَّ على ذلك التعَدِّي بحرف الجر (على) الذي أفاد التعليل والاستعلاء معا، فالاستعلاء هنا يعني اشتداد الأبوي على ابنهما ليشرك بالله، وجاء التفصيل في الآيتين كأنهما يذكرانه بفضلهما عليه، وما لهما عليه من حق، فيشتدان عليه، فهما يرهبانه ويرغبانه، ويلحان عليه إلحاحا، ويُصِرَّان إِصْرَاراً.
وفي السيرة النبوية وقصص وآثار ثابتة، منها قصة أم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه التي أَضْرَبَت عن الطعام والشراب أياما، فلم تأكل ولم تشرب تضغط على ابنها سعد حتى يترك الإسلام ويعود إلى الشرك، حلفت ألا تأكل ولا تشرب حتى كادت تهلك، ، فجاءها سعد وهي على ضعف شديد، فقال لها: اعلمي لو أن لك سبعين نفسا فخرجت نفسا نفسا ما تركت هذا الأمر، فلما رأت منه ذلك أكلت وشربت، ومن ذلك قصة عياش بن ربيعة المخزومي حيث أخذته أمه وأوثقته وقالت له: لَا تَزَالُ بِعَذَابٍ حَتَّى تَرْجِعَ عَنْ دِينِ مُحَمَّد، والقصتان ثابتان في كتب السنة وكتب السيرة.
والخلاصة: أن التعدي ب(على) في آية لقمان: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي} أفاد معنى لم تكشف عنه آية العنكبوت، ألا وهو اشتداد الأبوين على الابن وقسوتهما عليه، وإلحاحهما وإصرارهما، فكان الأمر من الله للمسلمين إن هما فعلا ذلك: {فَلَا تُطِعْهُمَا}.
والله أعلم
د. محمد الجبالي
[1] الغرناطي، أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي، ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل، تحقيق: عبد الغني محمد علي الفاسي، دار الكتب العلمية، بيروت، ج2، ص388.
[2] الإسكافي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأصبهاني المعروف بالخطيب الإسكافي، درة التنزيل وغرة التأويل، تحقيق: محمد مصطفى آيدين، ط1، 1422هـ - 2001م، الناشر: جامعة أم القرى، وزارة التعليم العالي سلسلة الرسائل العلمية الموصى بها (30) معهد البحوث العلمية، مكة المكرمة،
[3] الأنصاري، زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن، تحقيق: محمد علي الصابوني، ط1، 1403هـ - 1983م، دار القرآن الكريم، بيروت، ص435.
[4] الكرماني، محمود بن حمزة بن نصر، أبو القاسم برهان الدين الكرماني، أسرار التكرار في القرآن المسمى البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان ، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا ، دار الفضيلة، ص198.
- {(وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي)} (العنكبوت8)
- {(وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي)} (لقمان15)
التوجيه الأول: وافق فيه العلامة أحمد الغرناطي[1] أستاذه الخطيب الإسكافي[2]، واللفظ هنا للغرناطي: "في سورة العنكبوت: (لِتُشركَ بِي) بتعدية الفعل باللام وتعديته في آية لقمان ب(على) فإنما ذلك لفرق ما بين الآيتين في السورتين، من حيث بناء آية العنكبوت على الإيجاز فناسب ذلك الاكتفاء باللام، وبناء آية لقمان على الإطالة فناسب ذلك لتعدية ب(على).
والثاني: وافق فيه الشيخ الأنصاري[3] العلامَة الكرماني[4]، فقال واللفظ هنا للأنصاري: "قوله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي..) قال ذلك هنا، وقال في لقمان "عَلَى أَنْ تُشْرِك" موافقةً هنا لفظاً، للفظِ اللام في قوله "ومنْ جاهَدَ فإِنَّما يُجَاهِدُ لنفسِهِ" وحملَاَ للمعنى بطريق التضمين في لقمان، إذِ التقديرُ: وإِن حملاك على أن تشرك بي".
وللباحث رأي آخر:
لكي نقف على عِلَّةِ اختيار النظم القرآني للتعدي باللام في آية العنكبوت، والتعدي ب(على) في لقمان يجب أن علينا أن ننظر في أمرين:
- الفرق بين الحرفين [اللام، على] في المعنى والأثر.
- السياق الذي نزل في اللفظ في كل آية.
- أما حرف اللام: فإن من أغراضه التعليل، أي علة الفعل، ويأتي بمعنى (لأجل) التي بمعنى القصد أو الباعث.
- وأما حرف (على): فإن أصل معانيه الاستعلاء، ومن معانيه التعليل، كما في قول الله تعالى: { لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}(الحج37).
هاهما الآيتان، قال الله تعالى:
- {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8]
- {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 14، 15]
ومما سبق يمكننا أن نَسْتَنْبِط أن مجاهدة الأبوين الْمُشْرِكَيْن في دَفْعِ ابنهما إلى الشرك بالله في آية لقمان قوية، والإلحاح منهما عليه شديد، دَلَّ على ذلك التعَدِّي بحرف الجر (على) الذي أفاد التعليل والاستعلاء معا، فالاستعلاء هنا يعني اشتداد الأبوي على ابنهما ليشرك بالله، وجاء التفصيل في الآيتين كأنهما يذكرانه بفضلهما عليه، وما لهما عليه من حق، فيشتدان عليه، فهما يرهبانه ويرغبانه، ويلحان عليه إلحاحا، ويُصِرَّان إِصْرَاراً.
وفي السيرة النبوية وقصص وآثار ثابتة، منها قصة أم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه التي أَضْرَبَت عن الطعام والشراب أياما، فلم تأكل ولم تشرب تضغط على ابنها سعد حتى يترك الإسلام ويعود إلى الشرك، حلفت ألا تأكل ولا تشرب حتى كادت تهلك، ، فجاءها سعد وهي على ضعف شديد، فقال لها: اعلمي لو أن لك سبعين نفسا فخرجت نفسا نفسا ما تركت هذا الأمر، فلما رأت منه ذلك أكلت وشربت، ومن ذلك قصة عياش بن ربيعة المخزومي حيث أخذته أمه وأوثقته وقالت له: لَا تَزَالُ بِعَذَابٍ حَتَّى تَرْجِعَ عَنْ دِينِ مُحَمَّد، والقصتان ثابتان في كتب السنة وكتب السيرة.
والخلاصة: أن التعدي ب(على) في آية لقمان: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي} أفاد معنى لم تكشف عنه آية العنكبوت، ألا وهو اشتداد الأبوين على الابن وقسوتهما عليه، وإلحاحهما وإصرارهما، فكان الأمر من الله للمسلمين إن هما فعلا ذلك: {فَلَا تُطِعْهُمَا}.
والله أعلم
د. محمد الجبالي
[1] الغرناطي، أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي، ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل، تحقيق: عبد الغني محمد علي الفاسي، دار الكتب العلمية، بيروت، ج2، ص388.
[2] الإسكافي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأصبهاني المعروف بالخطيب الإسكافي، درة التنزيل وغرة التأويل، تحقيق: محمد مصطفى آيدين، ط1، 1422هـ - 2001م، الناشر: جامعة أم القرى، وزارة التعليم العالي سلسلة الرسائل العلمية الموصى بها (30) معهد البحوث العلمية، مكة المكرمة،
[3] الأنصاري، زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن، تحقيق: محمد علي الصابوني، ط1، 1403هـ - 1983م، دار القرآن الكريم، بيروت، ص435.
[4] الكرماني، محمود بن حمزة بن نصر، أبو القاسم برهان الدين الكرماني، أسرار التكرار في القرآن المسمى البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان ، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا ، دار الفضيلة، ص198.