فهد الناصر
New member
- إنضم
- 07/02/2004
- المشاركات
- 166
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
منذ مدة اطلعت على هذا المقال في جريدة الوطن السعودية بعنوان (العجزة) - ج عاجز - للدكتور حمزة بن قبلان المزيني حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية . وفي ذهني منذ قرأته أن أسأل المتخصصين الفضلاء في هذا الملتقى العلمي الرائع عن ما اشتمل عليه هذا المقال من رأي قد يوافق الكاتب عليه وقد يختلف معه ، لكن المقصود في النهاية هو الفائدة العلمية المرجوة من ذلك. وأرجو أن أقرأ رأي الدكتور مساعد الطيار والدكتور عبدالرحمن الشهري وفقهما الله في هذا المقال إن اتسع وقتهما لذلك. ودونكم المقال مع مصدره .
[align=center]العَجَزَة[/align]
الكاتب : أ.د.حمزة بن قبلان المزيني
من الظواهر البارزة التي صاحبت ما يسمى بـ"الصحوة" في الثلاثين سنة الماضية ظاهرة الاهتمام بما يسمى بـ"الإعجاز العلمي في القرآن"، و"الإعجاز العلمي في السنة النبوية"، بعد ذلك. وهي التي يزعم المهتمون بها أن القرآن الكريم يتضمن هو والسنة النبوية المطهرة إشارات واضحة إلى الاكتشافات العلمية التي أنجزت في إطار الجهود العلمية المعاصرة.
ولا أريد هنا تكرار ما سبقني إليه كثيرون من الإشارة إلى خطر القول بالتوافق بين بعض الإِشارات في القرآن الكريم والسنة النبوية للظواهر الكونية وبين النظريات العلمية المعاصرة. ذلك أن العلم بطبيعته متغير دائما وهو ما يمكن أن يجعل النصين الكريمين عرضة للتلعب بسبب هذا التغير الحتمي.
أما ما أريد الإشارة إليه فهو أن المهتمين بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لا يَذكرون لقرائهم وسامعيهم أن لزعم التوافق بين الاكتشافات والنظريات العلمية المعاصرة والقرآن الكريم والسنة النبوية ما يماثله في الديانات الأخرى.
وربما كان الجهل بهذه الحقيقة هو السبب الذي يجعل هؤلاء يُغفلون الإشارة إليها، وهذا احتمال بعيد؛ ذلك أن كثيرا من هؤلاء يقرأون باللغة الإنجليزية، في الأقل، وهي التي كُتب بها كثير من الكتب والمقالات عن هذه الظاهرة في مختلف الأديان. أما السبب الأكثر احتمالا فهو شعورهم بأن هذه الإشارة تضعف، بل تقضي، على هذا الزعم. ذلك أن ما كُتب عن هذه الظاهرة في الأديان الأخرى يبيِّن أنها زعم باطل.
وأود هنا أن أورد بعض ما كُتب عن هذه الظاهرة في الأديان الأخرى لكي نتبين أن هذا الزعم لا يعدو أن يكون نتيجة للتنافس العظيم بين هذه الأديان في العصر الحاضر على المكانة وعلى استقطاب المؤمنين بها حتى لا يخرجوا عنها. وربما يكون كذلك نتيجة لتهديد العلم المعاصر لبعض التفسيرات التقليدية القديمة لبعض الظواهر الكونية التي لُبِّست لبوسا دينيا. لهذا يأتي هذا الزعم بقصد الحفاظ على النظرة القديمة التي تقول بأنه يمكن تفسير هذه الظواهر من خلال النصوص الدينية.
وليس هذا الزعم مقصورا على الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام؛ فهو موجود في الديانات غير السماوية كذلك، ومنها، مثلا، البوذية التي ذكر أحد علماء الفيزياء المشهورين، في مقال نشره في سنة 1989 أن هناك أكثر من ستين كتابا تزعم كلها أنها اكتشفت توافقا واضحا بين النصوص البوذية المقدسة والاكتشافات والنظريات العلمية المعاصرة.
أما في المسيحية فيكفي أن تبحث في شبكة المعلومات لتجد مئات المواقع التي تهتم بتأكيد الزعم بالتوافق بين الكتاب المقدس والاكتشافات والنظريات العلمية المعاصرة. ومن أوضح الأمثلة على هذا المنحى تلك الجهود التي يقوم بها بعض الناشطين المسيحيين لتفسير نشأة الكون وأصل الإنسان وتطورهما انطلاقا من نصوص الكتاب المقدس في مقابل النظريات الفيزيائية والأحيائية التي تقول بنشأتهما وتطورهما بكيفيات لا تنطلق من المعتقدات الدينية في الكتاب المقدس. ويكفي أن تبحث عن "نظرية الخلق العلمية"Scientific Creationism و"التصميم الذكي"Intelligent design لكي تتبين مدى التلعب بالنظريات العلمية وتشويهها بحثا عن هذا التوافق.
وكذلك الأمر في اليهودية؛ فهناك عدد كبير من الناشطين الذين يزعمون أن التوراة تتضمن إشارات واضحة إلى المنجزات العلمية المعاصرة، وهو ما يعني سبقها لها.
ومن تلك الأمثلة كتاب "علم الله: التوافق بين الحكمة العلمية وحكمة الكتاب المقدس"The Science of God: The Convergence of Scientific and Biblical Wisdom, Free Press, 1997
من تأليف عالم الدين اليهودي جيرالد شرويدر. وقد كتب البروفيسور إيليا ليبوفيتش، رئيس قسم علوم فيزياء الفضاء في كلية الفيزياء وعلوم الفلك في جامعة تل أبيب، عرضا ضافيا لهذا الكتاب نشرته جريدة هاآرتس الإسرائيلية في 21 مايو، 2002 بعنوان: "الديناصورات في جنة عدن" Dinosaurs in the Garden of Eden.
ويقول ليبوفيتش إنه يبدو أن شرويدر "مصمم على أن يكتشف، لنفسه في الأقل، أن بعض الإِشارات الغامضة في الكتاب المقدس تشهد بأن كثيرا من النظريات الأساسية وكثيرا من التخصصات العلمية التي تتصل بهذا العالَم، لا العالم الآخر، مثل: علوم الفضاء وعلم الإحاثة وعلم طبقات الأرض وعلوم الكون وعلوم التطور الأحيائي، موجودة في ذلك الكتاب".
ويشير إلى أن شرويدر يرى أن "ما تَعرفه أو تظن أنك تعرفه، في العلم المعاصر الذي يتصف بأنه ثمرة للجهد البشري، ليس كافيا. بل لابد، كما يرى، أن تجد له إشارة في التوراة أو الأقسام الأخرى من الكتاب المقدس".
ويرى ليبوفيتش أنه يمكن تصنيف هذا الكتاب في عداد "الكتب الاعتذارية"، وهي كتب "براجماتية" يقصد بها الدفاع ضد أنواع الهجوم على الأدب اليهودي والفلسفة اليهودية والشريعة اليهودية، التي يوجِّهها غير اليهود. وكثيرا ما يؤدي مثل هذا النهج الاعتذاري إلى أن يقدِّم المؤلفُ الحقائقَ العلمية والتاريخية بأشكال غير دقيقة أو متحيِّزة. وهو موجَّه لليهود في الأساس، خاصة أولئك المشتغلين بالعلوم الطبيعية الذين يغلب عليهم أن يكونوا علمانيين.
ومن الطرائف التي يذكرها ليبوفيتش عن هذا الكتاب زعم المؤلف بصورة جادة أن أحد المقاطع في التوراة يشير إلى ما تقول به بعض النظريات العلمية، مثل نظرية الأوتارstring theory الفيزيائية، من وجود ستة وعشرين بُعْدا في الكون ـ أربعة منها معروفة، وهي الطول والعرض والارتفاع بالإضافة إلى الزمن، أما الاثنان والعشرون بعدا الباقية فَخفيَّة. ويأتي دليل المؤلف على هذا الزعم من أن عدد أسماء الله في هذا المقطع ستة وعشرون. وبما أن الكلمة التي تعني "خفيّ" في العبرية هيalum فهي التي أخذت منها الكلمة التي تعني "العالَم" olam وهي كلمة تؤول دلاليا على أن لها صلة بـalum (وكنت كتبتُ مقالا، في مثل هذا السياق، عن هذا الاحتجاج الاشتقاقي الزائف بعنوان "الزيف الاشتقاقي").
ويشير ليبوفيتش إلى المشكل الذي يواجه المؤلف وهو أن بعض علماء الفيزياء اقترح مؤخرا أشكالا لنظرية الأوتار لا تحوي أكثر من عشرة أوتار أو أحد عشر وترا، فهل يريد المؤلف أن يجعل من دليله اللغوي مرجِّحا لبعض النظريات الفيزيائية على بعض؟
ومن الطرائف الأخرى التي يذكرها ليبوفيتش زعم المؤلف بأنه يجب أن نبحث في التوراة عن إشارات واضحة لوجود الديناصورات التي انقرضت قبل ستين مليون سنة.
ويختم ليبوفيتش عرضه بالقول إن "من الواضح أن العلم نتاج للروح البشرية، وهي التي ظلت تطوِّره بصورة مثابِرة واستطاعت أن تُحقق، بجهود عالية، قدرا عاليا من الإنجازات الناجحة، بالرغم مما تعرضت له، في مسار ما أنجزتْه، من مرات الفشل وخيبة الأمل. وقد حدثت هذه الإنجازات خلال عشرات الآلاف من السنين من حياة الإنسان على وجه الأرض".
والشبه واضح جدا بين عمل شرويدر وكثير من الكتب والمقالات والبرامج المتلفزة التي تزعم أنها تكتشف أن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يتضمنان كثيرا من الإشارات الصريحة والضمنية لما اكتشفه رواد العلوم الطبيعية المعاصرة. ويرى أولئك أن هذه الإشارات تمثل نوعا من "الإعجاز" الذي يدعو إلى تعزيز إيمان المسلم بأن هذا القرآن الكريم وحي من الله تعالى.
وقد جاء هذا النوع من الاهتمام بالإعجاز العلمي بديلا للاهتمام القديم بالبحث عن أوجه الإعجاز اللغوي وغيره مما كان يراه الأقدمون أدلة على إعجاز القرآن الكريم للبشر.
ومن أوجه الشبه الأخرى بين كتاب شرويدر وما يراه المهتمون المسلمون بهذا النوع من البحث أن هؤلاء كثيرا ما يأتون بآراء علمية غير صحيحة. ومنها ما زَعمه أحدُهم من أن مكة المكرمة تمثل مركز الكون وأن تركيبها الجيولوجي يحميها من الزلازل، وأن حرة المدينة المنورة تحوي آلاف البراكين التي ستثور يوما ما محققة بعض النبوءات التي وردت في بعض الأحاديث. وقد رد بعض الجيولوجيين المسلمين، سعوديين وغير سعوديين، هذه الادعاءات التي نبعت من تهويمات الاهتمام الزائد بالإعجاز العلمي.
أما تسميتي لهؤلاء بالعَجَزَة فسببها أن هؤلاء في الواقع لا ينتجون علما ينفع المسلمين في حياتهم. إذ شغلتهم هذه المباحث غير المجدية التي تقوم على تقدير إنجازات "الكفار"، في الأساس.
ومن عجز هؤلاء أنهم لم يسألوا أنفسهم عن السبب الذي جعل المسلمين يغفلون عن هذه الإشارات في القرآن الكريم الذي ظلوا يقرأونه صباح مساء طوال ألف وأربعمئة سنة أو تزيد ـ إن كانت موجودة؟ ولماذا استطاع "الكفار"، وحدهم تقريبا، الوصول إلى هذه الاكتشافات في حين ظل المسلمون إلى الآن عاجزين ، في الغالب، حتى عن الاستفادة منها والإسهام في تطويرها واستنباتها في البيئة الإسلامية؟
إن الاشتغال بالبحث عن أوجه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بهذه الطريقة دليل على ما وصلت إليه "الصحوة" من قدرة عجيبة على تغييب الحس النقدي وتعطيل إعمال الفكر عما يمكن أن يطور المعرفة البشرية. كما يدل على غلبة الخطاب الوعظي على الخطاب العلمي؛ وهو خطاب لا يتورع عن استخدام مختلف الطرق لتغييب الوعي وتعطيل العقل.
لذلك فنصيب هذه الجهود من الصحة لا يتجاوز نصيب ما يمثلها في الديانات الأخرى، وهو ما يؤكد عقمها وإضاعة الوقت في الانشغال بها.
المصدر - جريدة الوطن السعودية
الخميس 8 جمادى الآخرة 1426هـ الموافق 14 يوليو 2005م العدد (1749) السنة الخامسة
[align=center]العَجَزَة[/align]
الكاتب : أ.د.حمزة بن قبلان المزيني
من الظواهر البارزة التي صاحبت ما يسمى بـ"الصحوة" في الثلاثين سنة الماضية ظاهرة الاهتمام بما يسمى بـ"الإعجاز العلمي في القرآن"، و"الإعجاز العلمي في السنة النبوية"، بعد ذلك. وهي التي يزعم المهتمون بها أن القرآن الكريم يتضمن هو والسنة النبوية المطهرة إشارات واضحة إلى الاكتشافات العلمية التي أنجزت في إطار الجهود العلمية المعاصرة.
ولا أريد هنا تكرار ما سبقني إليه كثيرون من الإشارة إلى خطر القول بالتوافق بين بعض الإِشارات في القرآن الكريم والسنة النبوية للظواهر الكونية وبين النظريات العلمية المعاصرة. ذلك أن العلم بطبيعته متغير دائما وهو ما يمكن أن يجعل النصين الكريمين عرضة للتلعب بسبب هذا التغير الحتمي.
أما ما أريد الإشارة إليه فهو أن المهتمين بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لا يَذكرون لقرائهم وسامعيهم أن لزعم التوافق بين الاكتشافات والنظريات العلمية المعاصرة والقرآن الكريم والسنة النبوية ما يماثله في الديانات الأخرى.
وربما كان الجهل بهذه الحقيقة هو السبب الذي يجعل هؤلاء يُغفلون الإشارة إليها، وهذا احتمال بعيد؛ ذلك أن كثيرا من هؤلاء يقرأون باللغة الإنجليزية، في الأقل، وهي التي كُتب بها كثير من الكتب والمقالات عن هذه الظاهرة في مختلف الأديان. أما السبب الأكثر احتمالا فهو شعورهم بأن هذه الإشارة تضعف، بل تقضي، على هذا الزعم. ذلك أن ما كُتب عن هذه الظاهرة في الأديان الأخرى يبيِّن أنها زعم باطل.
وأود هنا أن أورد بعض ما كُتب عن هذه الظاهرة في الأديان الأخرى لكي نتبين أن هذا الزعم لا يعدو أن يكون نتيجة للتنافس العظيم بين هذه الأديان في العصر الحاضر على المكانة وعلى استقطاب المؤمنين بها حتى لا يخرجوا عنها. وربما يكون كذلك نتيجة لتهديد العلم المعاصر لبعض التفسيرات التقليدية القديمة لبعض الظواهر الكونية التي لُبِّست لبوسا دينيا. لهذا يأتي هذا الزعم بقصد الحفاظ على النظرة القديمة التي تقول بأنه يمكن تفسير هذه الظواهر من خلال النصوص الدينية.
وليس هذا الزعم مقصورا على الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام؛ فهو موجود في الديانات غير السماوية كذلك، ومنها، مثلا، البوذية التي ذكر أحد علماء الفيزياء المشهورين، في مقال نشره في سنة 1989 أن هناك أكثر من ستين كتابا تزعم كلها أنها اكتشفت توافقا واضحا بين النصوص البوذية المقدسة والاكتشافات والنظريات العلمية المعاصرة.
أما في المسيحية فيكفي أن تبحث في شبكة المعلومات لتجد مئات المواقع التي تهتم بتأكيد الزعم بالتوافق بين الكتاب المقدس والاكتشافات والنظريات العلمية المعاصرة. ومن أوضح الأمثلة على هذا المنحى تلك الجهود التي يقوم بها بعض الناشطين المسيحيين لتفسير نشأة الكون وأصل الإنسان وتطورهما انطلاقا من نصوص الكتاب المقدس في مقابل النظريات الفيزيائية والأحيائية التي تقول بنشأتهما وتطورهما بكيفيات لا تنطلق من المعتقدات الدينية في الكتاب المقدس. ويكفي أن تبحث عن "نظرية الخلق العلمية"Scientific Creationism و"التصميم الذكي"Intelligent design لكي تتبين مدى التلعب بالنظريات العلمية وتشويهها بحثا عن هذا التوافق.
وكذلك الأمر في اليهودية؛ فهناك عدد كبير من الناشطين الذين يزعمون أن التوراة تتضمن إشارات واضحة إلى المنجزات العلمية المعاصرة، وهو ما يعني سبقها لها.
ومن تلك الأمثلة كتاب "علم الله: التوافق بين الحكمة العلمية وحكمة الكتاب المقدس"The Science of God: The Convergence of Scientific and Biblical Wisdom, Free Press, 1997
من تأليف عالم الدين اليهودي جيرالد شرويدر. وقد كتب البروفيسور إيليا ليبوفيتش، رئيس قسم علوم فيزياء الفضاء في كلية الفيزياء وعلوم الفلك في جامعة تل أبيب، عرضا ضافيا لهذا الكتاب نشرته جريدة هاآرتس الإسرائيلية في 21 مايو، 2002 بعنوان: "الديناصورات في جنة عدن" Dinosaurs in the Garden of Eden.
ويقول ليبوفيتش إنه يبدو أن شرويدر "مصمم على أن يكتشف، لنفسه في الأقل، أن بعض الإِشارات الغامضة في الكتاب المقدس تشهد بأن كثيرا من النظريات الأساسية وكثيرا من التخصصات العلمية التي تتصل بهذا العالَم، لا العالم الآخر، مثل: علوم الفضاء وعلم الإحاثة وعلم طبقات الأرض وعلوم الكون وعلوم التطور الأحيائي، موجودة في ذلك الكتاب".
ويشير إلى أن شرويدر يرى أن "ما تَعرفه أو تظن أنك تعرفه، في العلم المعاصر الذي يتصف بأنه ثمرة للجهد البشري، ليس كافيا. بل لابد، كما يرى، أن تجد له إشارة في التوراة أو الأقسام الأخرى من الكتاب المقدس".
ويرى ليبوفيتش أنه يمكن تصنيف هذا الكتاب في عداد "الكتب الاعتذارية"، وهي كتب "براجماتية" يقصد بها الدفاع ضد أنواع الهجوم على الأدب اليهودي والفلسفة اليهودية والشريعة اليهودية، التي يوجِّهها غير اليهود. وكثيرا ما يؤدي مثل هذا النهج الاعتذاري إلى أن يقدِّم المؤلفُ الحقائقَ العلمية والتاريخية بأشكال غير دقيقة أو متحيِّزة. وهو موجَّه لليهود في الأساس، خاصة أولئك المشتغلين بالعلوم الطبيعية الذين يغلب عليهم أن يكونوا علمانيين.
ومن الطرائف التي يذكرها ليبوفيتش عن هذا الكتاب زعم المؤلف بصورة جادة أن أحد المقاطع في التوراة يشير إلى ما تقول به بعض النظريات العلمية، مثل نظرية الأوتارstring theory الفيزيائية، من وجود ستة وعشرين بُعْدا في الكون ـ أربعة منها معروفة، وهي الطول والعرض والارتفاع بالإضافة إلى الزمن، أما الاثنان والعشرون بعدا الباقية فَخفيَّة. ويأتي دليل المؤلف على هذا الزعم من أن عدد أسماء الله في هذا المقطع ستة وعشرون. وبما أن الكلمة التي تعني "خفيّ" في العبرية هيalum فهي التي أخذت منها الكلمة التي تعني "العالَم" olam وهي كلمة تؤول دلاليا على أن لها صلة بـalum (وكنت كتبتُ مقالا، في مثل هذا السياق، عن هذا الاحتجاج الاشتقاقي الزائف بعنوان "الزيف الاشتقاقي").
ويشير ليبوفيتش إلى المشكل الذي يواجه المؤلف وهو أن بعض علماء الفيزياء اقترح مؤخرا أشكالا لنظرية الأوتار لا تحوي أكثر من عشرة أوتار أو أحد عشر وترا، فهل يريد المؤلف أن يجعل من دليله اللغوي مرجِّحا لبعض النظريات الفيزيائية على بعض؟
ومن الطرائف الأخرى التي يذكرها ليبوفيتش زعم المؤلف بأنه يجب أن نبحث في التوراة عن إشارات واضحة لوجود الديناصورات التي انقرضت قبل ستين مليون سنة.
ويختم ليبوفيتش عرضه بالقول إن "من الواضح أن العلم نتاج للروح البشرية، وهي التي ظلت تطوِّره بصورة مثابِرة واستطاعت أن تُحقق، بجهود عالية، قدرا عاليا من الإنجازات الناجحة، بالرغم مما تعرضت له، في مسار ما أنجزتْه، من مرات الفشل وخيبة الأمل. وقد حدثت هذه الإنجازات خلال عشرات الآلاف من السنين من حياة الإنسان على وجه الأرض".
والشبه واضح جدا بين عمل شرويدر وكثير من الكتب والمقالات والبرامج المتلفزة التي تزعم أنها تكتشف أن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يتضمنان كثيرا من الإشارات الصريحة والضمنية لما اكتشفه رواد العلوم الطبيعية المعاصرة. ويرى أولئك أن هذه الإشارات تمثل نوعا من "الإعجاز" الذي يدعو إلى تعزيز إيمان المسلم بأن هذا القرآن الكريم وحي من الله تعالى.
وقد جاء هذا النوع من الاهتمام بالإعجاز العلمي بديلا للاهتمام القديم بالبحث عن أوجه الإعجاز اللغوي وغيره مما كان يراه الأقدمون أدلة على إعجاز القرآن الكريم للبشر.
ومن أوجه الشبه الأخرى بين كتاب شرويدر وما يراه المهتمون المسلمون بهذا النوع من البحث أن هؤلاء كثيرا ما يأتون بآراء علمية غير صحيحة. ومنها ما زَعمه أحدُهم من أن مكة المكرمة تمثل مركز الكون وأن تركيبها الجيولوجي يحميها من الزلازل، وأن حرة المدينة المنورة تحوي آلاف البراكين التي ستثور يوما ما محققة بعض النبوءات التي وردت في بعض الأحاديث. وقد رد بعض الجيولوجيين المسلمين، سعوديين وغير سعوديين، هذه الادعاءات التي نبعت من تهويمات الاهتمام الزائد بالإعجاز العلمي.
أما تسميتي لهؤلاء بالعَجَزَة فسببها أن هؤلاء في الواقع لا ينتجون علما ينفع المسلمين في حياتهم. إذ شغلتهم هذه المباحث غير المجدية التي تقوم على تقدير إنجازات "الكفار"، في الأساس.
ومن عجز هؤلاء أنهم لم يسألوا أنفسهم عن السبب الذي جعل المسلمين يغفلون عن هذه الإشارات في القرآن الكريم الذي ظلوا يقرأونه صباح مساء طوال ألف وأربعمئة سنة أو تزيد ـ إن كانت موجودة؟ ولماذا استطاع "الكفار"، وحدهم تقريبا، الوصول إلى هذه الاكتشافات في حين ظل المسلمون إلى الآن عاجزين ، في الغالب، حتى عن الاستفادة منها والإسهام في تطويرها واستنباتها في البيئة الإسلامية؟
إن الاشتغال بالبحث عن أوجه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بهذه الطريقة دليل على ما وصلت إليه "الصحوة" من قدرة عجيبة على تغييب الحس النقدي وتعطيل إعمال الفكر عما يمكن أن يطور المعرفة البشرية. كما يدل على غلبة الخطاب الوعظي على الخطاب العلمي؛ وهو خطاب لا يتورع عن استخدام مختلف الطرق لتغييب الوعي وتعطيل العقل.
لذلك فنصيب هذه الجهود من الصحة لا يتجاوز نصيب ما يمثلها في الديانات الأخرى، وهو ما يؤكد عقمها وإضاعة الوقت في الانشغال بها.
المصدر - جريدة الوطن السعودية
الخميس 8 جمادى الآخرة 1426هـ الموافق 14 يوليو 2005م العدد (1749) السنة الخامسة